خمسة وتسعون بالمائة عادة من الأعمال التي تثار حولها ضجة ، أكتشف في النهاية أنها لا تستحق هذه الضجة ، وأن هناك أعمالا أهم بكثير تمر مرور الكرام ، دون أن تلتفت إليها عين القارئ المنبهر ببريق الدعاية ، وفي ظني فالضجة تثار حول أعمال بعينها ( نسبة الخمسة وتسعين بالمائة ) لسببين إما لأن المؤلف يجيد العلاقات العامة ، ويرتبط بعلاقات جيدة مع الصحفيين في الصفحات الثقافية في المجلات والجرائد ، وبالنقاد ، وبمعدي البرامج الفضائية ، أو لغباء في أجهزة الضبطية القضائية والتي تقوم بمصادرة كتب لن يتوقف أمامها الكثيرون لو لم تتم مصادرتها ، فروايات مثل شفرة دافنشي ، أو بنات الرياض ، لا أعتقد أنها عالية القيمة الفنية ، ولولا الضجة المثارة بسبب دعاوى المصادرة لما لفتت الانتباه كثيرا و لو نظرنا أيضا إلى شيكاغو علاء الأسواني ، فلولا الضجة الإعلامية لمر العمل عاديا ، لكن تحويل علاء الأسواني إلى أيقونة ثقافية وأنه رمز للرواية المصرية ، ربما كان سببا في هذا ، وحتى الآن لا أفهم لماذا طبعت راوية مثل " ربع جرام " تسع طبعات ، ولا أفهم لماذا يضع صاحبها على الغلاف أنه رواية واقعية ، ويصرح بأنه يكتب روايته للموعظة ، وهل يكتب الأدب للموعظة " يا راجل يا طيب ؟ " ، ويمكن تفسير أن هناك طبقة جديدة من القراء في مصر كانت قد توقفت قراءتها وذائقتها الأدبية عند كتابات إحسان عبد القدوس ويوسف السباعي ومحمد عبد الحليم عبد الله ، ولم ينتبهوا إلى أن هناك أربعة أجيال على الأقل جاءت بعد هؤلاء الكتاب ، هذه الشريحة ، التي تقرأ في المصايف والنوادي ، هي التي تشتري الآن تسع طبعات من " ربع جرام " وعشرة من " تاكسي " ومثلهم من " شيكاغو " ، سأضرب لك مثالا أنه في فترة كانت هذه الطبقة تبحث بجدية عن " كتاب الفليت " الذي يقال أنه صودر ، وكتاب الفليت هذا يقصدون به مجموعة "نيران صديقة " لعلاء الأسواني والتي كان مرسوما على غلافها " علبة فليت " ، وكانوا يبحثون عنها لأن هناك إشاعة لا تعرف من أطلقها تقول أنها صودرت ، ربما يبدو الخطير في هذا الأمر أن تقود هذه النوعية من القراء ، من الذائقة الأدبية سوق القراءة في مصر ، أن تنتصر لنوعية من الكتابة تعتمد على الإثارة أكثر من اعتمادها على الفن ، الأخطر أن توجه الكتابة ذاتها في الاتجاه الذي تريده .عموما فأرقام التوزيع ليست هي الفيصل فدائما كان خليل حنا تادرس يوزع من أعماله آلاف النسخ في السنة في حين لا يتجاوز نجيب محفوظ خط الثلاثة آلاف نسخة .
نسبة الخمسة بالمائة الباقية هي أعمال حقيقية أجبرت النقد والقراء أن يلتفتوا إليها لأنها تستحق ذلك ، أستطيع أن أدلل لك بالروايات الأخيرة : فانيليا لطاهر شرقاوي وسرير الرجل الإيطالي لمحمد صلاح العزب وهدوء القتلة لطارق إمام و كيرياليسون لهاني عبد المريد وفاصل للدهشة لمحمد الفخراني وشغل كايرو لمحمود عزت ، وكلها أعمال حقيقية وجيدة ، وعلى سبيل المثال أنا أعرف أن الطاهر شرقاوي مثلا لا يسعى للإعلام ، ولا يدفع النقاد ليكتبوا عنه ، لكن كم المقالات النقدية التي كتبت عنه ، والحوارات التي أجريت حول الرواية تكشف أن العمل الجيد يفرض نفسه في النهاية مهما فعل الذين يشتهرون بالعلاقات العامة ، أوبالدعوة للمصادرة .
عادة لا أقبل كثيرا على قراءة الأعمال التي تثير ضجة ، في معظمها ، مفتعلة ليقين لدي أن هذه الضجة ليست لجودة في العمل ، وحين أقرؤها بعد ذلك بدافع الفضول ليس أكثر أدرك أنني على حق .