20‏/04‏/2019

ثلاثية إم نايت شياملان.. تفكيك أسطورة الابطال الخارقين


في الوقت الذي تجتاح فيه أفلام الأبطال الخارقين دور العرض السينمائي، وتتصدر الإيرادات، بل وتنافس على الأوسكار كما حدث مع فيلم "بلاك بانثر"، يأتي فيلم "جلاس" الجزء المتمم لثلاثية المخرج إم نايت شياملان، ليفكك ما يمكن تسميته عالم الأبطال الخارقين والقصص المصورة.
عندما قدم شياملان فيلمه الأول في هذه الثلاثية "غير قابل للكسر Unbreakable " قبل تسعة عشر عاماً، لم يكن لأحد أن يتوقع أن يصبح له جزء ثان أو ثالث، لكن شياملان، صاحب الالتواءات الأخاذة في نهايات أفلامه، كنهاية "الحاسة السادسة" فاجأ مشاهديه في مشهد نهاية فيلمه الثاني "انقسام split" بظهور سريع لبروس ويليس بطل الجزء الأول، ليربط الجمهور على الفور بين الفيلمين، قبل أن يعلن رسمياً عن فيلم ثالث متمم للفيلمين.
لم يقدم شياملان في فيلمه الأول ما يوحي بأننا أمام فيلم يتكلم عن الأبطال الخارقين، بل قدم فيلماً عادياً قام فيه بروس ويليس بدور عامل الأمن البسيط الذي ينجو من حادث قطار مات كل من فيه ولا يصدق أنه يمتلك قدرات غير عادية، وصمويل جاكسون بدور رسام وعاشق القصص المصورة المهووس بالأبطال الخارقين ويعاني من سهولة تكسر عظامه ويحاول إقناع الأول بأنه نقيضه وأن عظامه لا تتكسر، لم نر مطاردات أو أكشن أو غزاة من كوكب آخر أو أشرار اعتياديين، رأينا يشبهوننا ولديهم مشاكل حياتية تشبهنا، حتى وإن اختلفت طبيعتها.
في فيلمه الثاني split الذي قام ببطولته جيمس مكافوي، لسنا أيضاً أمام بطل خارق، بل أمام شخص مصاب بانفصام الشخصية، يختطف الفتيات، وهو ما نتابعه طوال الفيلم مع أداء رائع مع مكافوي الذي يقدم 23 شخصية مختلفة في الوقت ذاته، حتى المشاهد الأخيرة التي يظهر فيها "الوحش"، وهو إحدى الشخصيات التي يتحول إليها، والتي يمكن القول إنها ترتد بالإنسان لأصله الأول العنيف الذي يتحرك مثل القرود ويقفز فوق الحوائط.
في الفيلم الأخير Glass، يقترب شياملان من عالم القصص المصورة أكثر، فالعقل المفكر إليجا أو مستر جلاس (صمويل جاكسون) يسعى لعقد معركة يشاهدها العالم، بين "الوحش/ مكافوي"، و"المراقب/ ويليس"، ورغم الالتواءات المتعددة في نهاية الفيلم، فإننا أيضاً نظل أمام فيلم لا يصل لإبهار أفلام الأبطال الخارقين، أو ما تسعى لتقديمه على الأقل، وإنما أمام فيلم يحاول أن يقنعنا أن الإنسان يمكن أن يصبح بطلاً خارقاً، لو أعطيناه الفرصة، لو فتشنا داخله، وأخرجنا طاقاته الكامنة، سواء تلك التي نتجت عن طفرات مرضية أو ترتد به إلى بدائيته، لكنه رغم ذلك يعود إلى الميثولوجيا الإغريقية عندما يقدم ديفيد الذي يفقد قوته عندما يصطدم بالمياه، بما يذكر بأسطورة كعب أخيل أو حتى شمشون.
القوى الخارقة التي يقدمها شياملان في أفلامه الثلاثة، هي قوى خارقة طبيعية، فلا أحد في أبطال الفيلم الثلاثة، يحمل مطرقة مثل ثور، أو يلدغه عنكبوت مثل سبايدر مان، أو يخضع لعملية جراحية مثل كابتن أمريكا، أو يملك قدرات مالية وتكنولوجية ضخمة تساعده مثل باتمان، ليس من كوكب آخر مثل سوبر مان، وليس من أعماق البحار مثل أكوا مان. ببساطة نحن أمام شخصيات بشرية عادية، مرت بحوادث بسيطة في حياتها غيرت مسارها، وجعلتها تكتشف قدراتها، والقدرات التي يقدمها يمكن أن نرى الكثير منها من رجال عاديين على يوتيوب، بعناوين مثيرة مثل الرجل الذي يشد سيارة بأسنانه، أو الرجل الذي يأكل الزجاج، أو الرجل الذي يرفع ألف رطل، لكن ما يطرحه بالإضافة لذلك هو كيف يتم ترويض هذه القدرات واستخدامها بشكل صحيح، سواء كان مع الخير أو الشر.
تبدو شخصيات الثلاثية، أقرب إلى "المتحولين"، وربما يتماس هذا مع المشاهد الأخيرة في الفيلم حينما يوجه (إليجا) صمويل جاكسون رسالته إلى العالم ويبث مقاطع الفيديو الخاصة ببطليه، فتبدو أشبه برسالة شاهدناها من قبل في أحد أفلام إكس للمتحولين الخائفين بالخروج، لكنها هنا، رسالة أكثر واقعية، وكثيراً ما فكرنا في القدرات التي يملكها الإنسان ونحن نشاهد السيرك على سبيل المثال، وكيف يمكن للإنسان أن يسير فوق الحبل، أو يقفز من ارتفاع شاهق، وهي نفس الفكرة التي آمن بها إليجا أو مستر جلاس وحاول الترويج لها في الجزء الأول والثالث، وهي أن الأبطال الخارقين الذين نقرأ عنهم في القصص المصورة ربما كانوا يعيشون بيننا، لكنهم يظهرون في الكومكيس بقوات مبالغ فيها ليس أكثر.
أكثر ما يبدو غريباً في الفيلم، هي فكرة "المنظمة السرية" التي تحارب ظهور الأبطال الخارقين، لأن كل ما في الفيلم يمكن تصديقه بسهولة، ويمكن منطقته، إلا هذه الفكرة التي تبدو فعلا قادمة من قصص الكوميكس. بل إن الفصل الثالث من الفيلم عموما، يأخذه بعيده عن فكرته الأصلية، وهي الإنسان السوبرمان، وقدراته، وما يمكن أن يقدمه.

16‏/04‏/2019

"عنكبوت في القلب".. كيف نختار سجوننا داخل الأوطان؟

حسين عبد الرحيم 
أصدرت الهيئة المصرية العامة للكتاب، عن سلسلة «إبداعات قصصية»، مؤخرًا، رواية «عنكبوت في القلب»، للكاتب والشاعر محمد أبو زيد.
ترصد الرواية مدى تأثير الخوف على البشر، وقدرته على النفاذ لتفاصيل حميمية بين أعضاء الجسد الواحد، وتقدم العلاقة بين الراوي والأنثى، والكثير من البؤساء والمنسحقين، والمعدومين، فمنهم من على الهامش ومنهم الحاد والجاد والعصابي والممسوس وكذلك الذي اختار الجنون، أو اختار أن يسير في طريق أو مسار واحد بعيدا عن أذى البشر في شوارع خالية، أو تذوب في العزلة، أو الفوضى والجنون والعلاقات المبتورة.
ينطلق الراوي في «عنكبوت في القلب» من الذاتي والوجودي متماسا في مناطق عدة غائرة وشيقة وفاتنة بل ومثيرة وموجعة تنهل من أدق التفاصيل الجوانية لعوالم الكاتب، محمد أبو زيد، وهو الشاعر في المهد واللحد طارح قصائد نثرية تتفرد بحمل نفس إيقاعه في روايته هذه والتي تلمح بحرفية السرد في الرواية التي تدور في عوالم مابين الرمادي والأسود والشبحي، بسخرية القابض على جوهر الفرد المتوحد والمنسجم مع ذاته بعيدا عن الجنون الفعلي خارج عالمه الحقيقي، ومساره الحاد والجاد الصامت في المشي والترجل، وحتى الكاره لسماع الإكليشيهات التي صارت لازمات مؤبدة تلوكها الأفواه في كل أو غالبية الشرائح الاجتماعية والطبقية.
لم يعرف "بيبو" -بطل الرواية- الحب في صباه ولا مراهقته، حتى حب البحر الذي يولد بالسليقة مع أطفال قريته، لم يعرفه أيضًا، سأم المدينة الشبحية بقاذوراتها وذبابها وبلاهة ناسها رغم ثقل مآسيهم وتأثيراتها المباشرة في الحالة العامة أو الكون المرئي في تفاصيل الشارع والحوانيت ومطاعم الوجبات السريعة، اختار الوحدة بإرادته كحماية لنفسه من هذا العالم المتغول على كافة المستويات في العيش والطعام والتحصيل العلمي والمعرفي وحتى في أدق تفاصيل العلاقة مع أعظم المشاعر الإنسانية وهو الحب والذي دفنه السارد في أول عام له بالجامعة لأنه ليس من أبناء الماء، والبحر يأكل من لا يبادله الحب..فأبوه أدرك هذا مبكرا فالولد الخائب.." ؟!! كما كان يسميه الأب مدرك بحالته من قبل ابيه بأنه لن يعود إليه إذا القاه في البحر.
تبث رواية «عنكبوت في القلب» للشاعر والكاتب المبدع محمد أبو زيد، رسائل للوجود ولاستنطاق العدم وقهر الغشم ومساءلة الخواء والتلذذ بالوحدة المنتجة لصفاء وترتييب وتريث فكري وحدوي وذاتي جدير بالاشتباك في أدق تفاصيل سروده الشفيفة التي تبطن وتخفي أكثر مما يحمل ركامها الشفيف من أنين وجوى وفقدان للتواصل مع البشر، حتى في علاقة حب وحيدة ضمها دور عرض سينمائي بضاحية المنيل فكان الميلاد والبدء والمنتهى لصيرورة ما رآه الراوي في نفسه بعدما شفّت وراقت حواسه فصار يجتر في بعض الأحيان سيرة من التقى والتي سنعرف فيما بعد بأنها كانت تقرأ الفنجان لرواد مقهى أو كافيه في مدينة نصر.
محمد أبو زيد، يُعبّر بجسارةٍ عن عوالم محظورة تُهشّم الفواصل الحادة مابين الرواية والشّعر والنثر، في متون فلسفية تصطبغ بها روايته التي تترك القارئ في مقعده بلا ثمة ردود فعل إلا التلذذ بحتمية الاشتباك مع هذه العوالم والرؤى السردية، وكأننا نختارُ بأنفسنا سجونًا نُحشر فيها بعيدا عن السجن الكبير المسمى."وطن".
.............
*نشر في "الدستور"