في الوقت الذي
تجتاح فيه أفلام الأبطال الخارقين دور العرض السينمائي، وتتصدر الإيرادات، بل
وتنافس على الأوسكار كما حدث مع فيلم "بلاك بانثر"، يأتي فيلم
"جلاس" الجزء المتمم لثلاثية المخرج إم نايت شياملان، ليفكك ما يمكن
تسميته عالم الأبطال الخارقين والقصص المصورة.
عندما قدم شياملان
فيلمه الأول في هذه الثلاثية "غير قابل للكسر Unbreakable " قبل
تسعة عشر عاماً، لم يكن لأحد أن يتوقع أن يصبح له جزء ثان أو ثالث، لكن شياملان،
صاحب الالتواءات الأخاذة في نهايات أفلامه، كنهاية "الحاسة السادسة" فاجأ
مشاهديه في مشهد نهاية فيلمه الثاني "انقسام split" بظهور
سريع لبروس ويليس بطل الجزء الأول، ليربط الجمهور على الفور بين الفيلمين، قبل أن
يعلن رسمياً عن فيلم ثالث متمم للفيلمين.
لم يقدم شياملان
في فيلمه الأول ما يوحي بأننا أمام فيلم يتكلم عن الأبطال الخارقين، بل قدم فيلماً
عادياً قام فيه بروس ويليس بدور عامل الأمن البسيط الذي ينجو من حادث قطار مات كل
من فيه ولا يصدق أنه يمتلك قدرات غير عادية، وصمويل جاكسون بدور رسام وعاشق القصص
المصورة المهووس بالأبطال الخارقين ويعاني من سهولة تكسر عظامه ويحاول إقناع الأول
بأنه نقيضه وأن عظامه لا تتكسر، لم نر مطاردات أو أكشن أو غزاة من كوكب آخر أو
أشرار اعتياديين، رأينا يشبهوننا ولديهم مشاكل حياتية تشبهنا، حتى وإن اختلفت
طبيعتها.
في فيلمه الثاني split الذي قام
ببطولته جيمس مكافوي، لسنا أيضاً أمام بطل خارق، بل أمام شخص مصاب بانفصام
الشخصية، يختطف الفتيات، وهو ما نتابعه طوال الفيلم مع أداء رائع مع مكافوي الذي يقدم 23 شخصية مختلفة في الوقت ذاته، حتى المشاهد الأخيرة التي يظهر فيها
"الوحش"، وهو إحدى الشخصيات التي يتحول إليها، والتي يمكن القول إنها
ترتد بالإنسان لأصله الأول العنيف الذي يتحرك مثل القرود ويقفز فوق الحوائط.
في الفيلم الأخير Glass، يقترب
شياملان من عالم القصص المصورة أكثر، فالعقل المفكر إليجا أو مستر جلاس (صمويل
جاكسون) يسعى لعقد معركة يشاهدها العالم، بين "الوحش/ مكافوي"، و"المراقب/
ويليس"، ورغم الالتواءات المتعددة في نهاية الفيلم، فإننا أيضاً نظل أمام
فيلم لا يصل لإبهار أفلام الأبطال الخارقين، أو ما تسعى لتقديمه على الأقل، وإنما
أمام فيلم يحاول أن يقنعنا أن الإنسان يمكن أن يصبح بطلاً خارقاً، لو أعطيناه
الفرصة، لو فتشنا داخله، وأخرجنا طاقاته الكامنة، سواء تلك التي نتجت عن طفرات
مرضية أو ترتد به إلى بدائيته، لكنه رغم ذلك يعود إلى الميثولوجيا الإغريقية عندما
يقدم ديفيد الذي يفقد قوته عندما يصطدم بالمياه، بما يذكر بأسطورة كعب أخيل أو حتى
شمشون.
القوى الخارقة
التي يقدمها شياملان في أفلامه الثلاثة، هي قوى خارقة طبيعية، فلا أحد في أبطال
الفيلم الثلاثة، يحمل مطرقة مثل ثور، أو يلدغه عنكبوت مثل سبايدر مان، أو يخضع
لعملية جراحية مثل كابتن أمريكا، أو يملك قدرات مالية وتكنولوجية ضخمة تساعده مثل
باتمان، ليس من كوكب آخر مثل سوبر مان، وليس من أعماق البحار مثل أكوا مان. ببساطة
نحن أمام شخصيات بشرية عادية، مرت بحوادث بسيطة في حياتها غيرت مسارها، وجعلتها
تكتشف قدراتها، والقدرات التي يقدمها يمكن أن نرى الكثير منها من رجال عاديين على
يوتيوب، بعناوين مثيرة مثل الرجل الذي يشد سيارة بأسنانه، أو الرجل الذي يأكل الزجاج،
أو الرجل الذي يرفع ألف رطل، لكن ما يطرحه بالإضافة لذلك هو كيف يتم ترويض هذه
القدرات واستخدامها بشكل صحيح، سواء كان مع الخير أو الشر.
تبدو شخصيات الثلاثية،
أقرب إلى "المتحولين"، وربما يتماس هذا مع المشاهد الأخيرة في الفيلم
حينما يوجه (إليجا) صمويل جاكسون رسالته إلى العالم ويبث مقاطع الفيديو الخاصة
ببطليه، فتبدو أشبه برسالة شاهدناها من قبل في أحد أفلام إكس للمتحولين الخائفين
بالخروج، لكنها هنا، رسالة أكثر واقعية، وكثيراً ما فكرنا في القدرات التي يملكها
الإنسان ونحن نشاهد السيرك على سبيل المثال، وكيف يمكن للإنسان أن يسير فوق الحبل،
أو يقفز من ارتفاع شاهق، وهي نفس الفكرة التي آمن بها إليجا أو مستر جلاس وحاول
الترويج لها في الجزء الأول والثالث، وهي أن الأبطال الخارقين الذين نقرأ عنهم في
القصص المصورة ربما كانوا يعيشون بيننا، لكنهم يظهرون في الكومكيس بقوات مبالغ
فيها ليس أكثر.
أكثر ما يبدو
غريباً في الفيلم، هي فكرة "المنظمة السرية" التي تحارب ظهور الأبطال
الخارقين، لأن كل ما في الفيلم يمكن تصديقه بسهولة، ويمكن منطقته، إلا هذه الفكرة
التي تبدو فعلا قادمة من قصص الكوميكس. بل إن الفصل الثالث من الفيلم عموما، يأخذه
بعيده عن فكرته الأصلية، وهي الإنسان السوبرمان، وقدراته، وما يمكن أن يقدمه.