حوار : نائل الطوخي
الشاعر محمد أبو زيد أصدر رواية بعنوان "أثر النبي". ولكن علي عكس جميع الشعراء الذين كتبوا الرواية بعد تمرّسهم في الشعر، فالصيغة الأولي من روايته كانت قد اكتملت قبل نشره أي ديوان. كتب الرواية عام 2003، وكان ديوانه الأول "ثقب في الهواء بطول قامتي" لا يزال ينتظر دوره للنشر في الهيئة العامة لقصور الثقافة. يقول: "كنت أجرب. كتبت القصة والشعر ولكنني كنت واعياً وقتها أن الشعر مشروعي. الكتابة في النهاية لعبة، قد تبدو علي هيئة رواية أو شعر أو مسرحية أو حتي نص عائم، المهم هو فكرة الكتابة ذاتها، بالإضافة إلي أنني كتبت روايتي هذه بنَفَس شعري. لم ألتزم بقواعد الرواية المتعارف عليها. الحدث كان يتعطل كثيرا لصالح الكثير من فقرات مناغاة الراوي وغيره."
العام 2003 له دلالة أخري، عام الاحتلال الأمريكي للعراق: "كان احتلال العراق نكسة حقيقية للجيل كله. نكسة جيل الستينيات والسبعينيات تمحورت حول سقوط الزعيم الروحي لهم، عبد الناصر، الذي لم يعد هو الزعيم القائد، ولكن الأمة العربية كانت لا تزال موحدة. بعد الاحتلال العراقي للكويت عام 90، ثم الاحتلال الأمريكي للعراق عام 2003 أصبح موضوع الوحدة العربية مزحة ثقيلة. الآن السودان والعراق ينقسمان، وفلسطين تتحول إلي غزة والضفة الغربية منفصلين عن بعضهما البعض، ولبنان ينقصها القليل لتنفجر. في عام 2003 كنت مهزوما وأريد التنفيس عن هزيمتي."
العام 2003 هو العام الذي تدور فيه أحداث الرواية، خلفيتها الأخبار المذاعة عن سقوط العراق بيد الجيش الأمريكي، والبطلان الرئيسيان لها هما شخصية عادل هياكل، الذي يسكن مع زملائه في بيت الطلبة ولا يتوقف عن المزاح، يعيش قصة حب في الجامعة، ويخرج في المظاهرات وفوق هذا هو مريض بالسل ويموت في نهاية الرواية، هو المعبر عن الجيل في الرواية، كما يشرح أبو زيد، بالإضافة إلي بطلة أخري: الفنانة محسنة توفيق. تنتهي الرواية بخبرعن ضربها علي يد قوات الأمن التي تقوم بتفريق المظاهرات، مع مشاهد من نهاية فيلم "العصفور"، بعد إعلان تنحي عبد الناصر وهي تنزل الشارع وتهتف "هنحارب".
أسأله إن لم يكن الربط بين احتلال العراق ونكسة 67 بهذه الطريقة مباشراً قليلاً؟ فيقول إنه حاول الابتعاد عن المباشرة قدر الإمكان. علي العموم.. فكرة المباشرة تبدو بالنسبة له محيرة قليلا، يتوقف أمامها ليطرح تساؤلاته:
"ظهور عبد الناصر في الرواية كان محايداً. قد يفهم منه القارئ أنني أدينه وقد يفهم أنني أسترجعه بنوع من الحنين. لم أحب أن توضع الرواية في إطار سياسي. ولكن في نفس الوقت، هل المطلوب من الكاتب أن يتخلي تماماً عن قضيته؟ نيرودا يتساءل إذا ما فتحت النافذة صباحاً ورأيت قتيلاً ورأيت وردة، فهل أكتب عن الوردة؟! أنا هنا ضد الجيل الحالي الذي يريد الانغلاق علي ذاته ويكتب شعرا عن تفاصيل صغيرة. الكاتب بلا قضية ليس كاتباً. لا أطلب من الكاتب الدفاع عن فلسطين ولكن علي الأقل أن يكون لديه هم. عندما نتوقف عن التعب بحثاً عن لقمة العيش، ونتوقف عن الموت من البطالة، سيكون متاحاً لنا أن نكتب عن قضايا ذاتية تماماً."
كتب أبو زيد روايته هذه أربع مرات، وفي كل مرة كان يعاود عملية التنقيح ويحذف الأجزاء الأكثر مباشرة (هو _ مع رأيه هذا - يرفض المباشرة الزاعقة، يري أبياتا مثل "دع سمائي فسمائي محرقة" تصلح أكثر للأغاني، بينما النص الأدبي خُلق ليبقي)، كما أضاف شخصيات وحذف أخري وأضاف تفاصيل علي مدار عملية تنقيح الرواية لتضيف بعض المصداقية للعمل، مثل كلمات الأغاني والإعلانات المنتشرة عام 2003. وفي أثناء عملية التنقيح المتواصلة هذه، قدم الرواية لمسابقة يحيي حقي بالمجلس الأعلي للثقافة وفازت فيها. يواصل حديثه عن المباشرة:
"نحن كأدباء شباب تحولنا إلي أصنام، ثرنا علي الأصنام القديمة لأنهم كانوا يقومون بنفينا، وقلنا إنهم كانوا مباشرين، وثرنا علي الشعر التفعيلي والعمودي، ثم تحولنا نحن أنفسنا إلي أصنام، صرنا نقدس الرواية القصيرة والنص المشفر والذاتي تماماً. أنا ضد فكرة نفي الآخر."
هناك مقطع كامل من الرواية يرويه "عادل هياكل" معلقا _ بشكل ساخر _ علي مباراة كرة يتخيلها بين زملائه في السكن. المقطع مكتوب بعامية بسيطة ويبدو فيه أبو زيد _بإضفائه عنصر السخرية - متمردا علي اللغة المعتمدة للروايات وعلي لغة الحوار بشكل خاص.
أسأله ألم يرغب في اختراقات لغوية أكثر تدخل نصه الروائي؟
فيجيب بأن شخصية عم رجب حارس المسجد هي شخصية كارتونية أيضاً، وهناك شخصية حجازي الذي يكتب خطابات تحوي أحداثا مختلقة لأهله ليثبت لهم أنه أصبح ممثلا كبيرا، الخطابات تحوي "شعرية الركاكة" كما يسميها. بالإضافة إلي اختراقات من نوع مختلف: "هناك مقاطع حاولت فيها تكثيف اللغة الصوفية، والنص الذي أقدم فيه وثيقة إقرار الطلبة علي السكن في البيت كانت لغته مختلفة، الموضوع أنني في مواضع كثيرة كنت أكتب بلغة شعرية، اللغة لم تكن تعمل إذن في إطار ذروة وحبكة وشخصية ونقطة تنوير تحل في النهاية."
طرح الكاتب في روايته مفهوما مختلفا للتدين، مفهوما محايداً، لم يعد المتدينون هم الظلاميون الإرهابيون الأفاقون كما هو الحال في روايات سابقة: "الدين بالفعل منذ عام 1995 وحتي 2003 كان هو المحرك الرئيسي للمجتمع. هناك في الرواية من انضم للجماعات الصوفية لأنه ببساطة أراد إطاراً ينتشله من الوحدة. النظام السياسي لا يحل المشاكل ولذلك يلجأ الناس للدين، هذا موضوع بسيط ومفهوم تماماً. قصدت أن أجعل أحد الشخصيات اسمه "سيد قطب" وأن أمرر هذا ببساطة، بدون أن يعني أنه من الإخوان مثلاً."
مصادر أبو زيد في الكتابة متنوعة جدا. يحكي أنه في ديوانه السابق "كطاعون يضع ساقاً فوق الأخري وينظر للسماء"، وضع ثبتاً بمراجع الديوان، وكان منها القرآن الكريم والأعمال الكاملة لعمر خيرت ولمارسيل خليفة، ونظرية النسبية ونظرية الثورة لعبد الناصر، وتقرير حركة كفاية حول الفساد في مصر: "لم تكن الفكرة أنني أخذت مقاطع من هذه الأعمال ووضعتها في قصائدي، وإنما هذه المصادر هي التي كوّنت ثقافتي وكتابتي ببساطة."
بجانب إبداعه، يرأس أبو زيد تحرير موقع بعنوان "الكتابة" يتم فيه الاحتفاء بالكتابة المصرية الشابة. يقول إن موقع الكتابة بدأ كحلم منذ أكثر من سبع سنوات، كمحاولة للتغلب علي مشاكل النشر الحكومي، والانتظار سنوات تتجاوز الخمس من أجل نشر كتاب، أو البحث عن مجلة أو صفحة ثقافية لنشر قصيدة. المجلات الثقافية لا يتجاوز عددها الاثنتين، ومن يفلت من كل هذا يسقط في فخ ذوق معين سائد في الكتابة. ومع ظهور جيل جديد يكتب وينشر علي الإنترنت، كانت الهجرة للنشر الجماعي في مواقع ثقافية عربية "مثل كيكا، وجهة الشعر، وأوكسجين وغيرها"، في الوقت الذي لا يوجد موقع ثقافي مصري واحد. من هنا بدأ حلمه. يقول: "حين قررت إطلاق الموقع كان الهدف هو الانتصار لجيلي بأكمله، الانتصار للكتابة الجميلة هكذا كتبت في بيان التدشين. أطلقت موقعا تجريبياً في عام 2007، لكن لأنه كان مجانيا فقد كان ضعيف الإمكانيات، حتي تمكنت في إبريل 2009 من إطلاق موقع احترافي ينشر النصوص بشكل يومي، من كل أنحاء العالم العربي، ينشر نقداً وقصة وشعراً وترجمات ومقالات في السينما، كما استحدثت فيه بابا عن التدوين علي اعتبار أن التدوين صار فناً كتابياً خاصاً." قدم الموقع خلال عام ونصف مضت ملفات عن أهم كتاب ورموز الكتابة الشابة و الجادة ذات المشاريع الحقيقية: "لا أبغي من وراء الموقع أي شيء سوي استمتاعي الشخصي بالنصوص التي أقرأها، وبأنك تملك نافذة يدخل منها الهواء النقي إلي رئات تستحق ذلك". يضيف أنه مع الاحتفال ببداية العام الثالث للموقع سيتم إطلاق مسابقة ثقافية خاصة بالموقع، كما أن هناك تفكيراً طويل المدي بأن يتحول الموقع إلي دار نشر أيضاً: "هناك حلم كبير اسمه "مؤسسة الكتابة " تشمل الموقع والمسابقة والإذاعة ودار النشر، بأن تكون لدينا أول مؤسسة ثقافية مصرية خاصة، لكن الأمر يحتاج إلي صبر وجهد".
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
*نشر في جريدة أخبار الأدب
بهاء جاهين
محمد أبو زيد شاعر شاب من مواليد1980, صدرت له خمسة دواوين, وها هو ينشر- عن دار شرقيات- رواية بعنوان أثر النبي. الرواية لاتختلف كثيرا عن معظم أعمال المبدعين الشبان, حيث العالم الضيق, والسيرة شبه الذاتية, وشوارع ومقاهي وسط البلد, حيث يجتمعون مع رفاقهم من الكتاب. , ويسكنون هذا العالم الصغير عوضا عن الريف الذي نزحوا منه .
لكن أبو زيد أضاف الي هذا العالم اتساعا وجدة, حين تحدث عن بيت للطلبة الأزهريين بالغورية, أقام فيه بقدرة قادر, ومساعدة أصدقاء, وهو الطالب بتجارة عين شمس, وشقته المظلمة الضيقة بدار السلام حيث اقام في سنته الأولي بالجامعة.
وبطل الرواية- وهو الشاعر لكن ليس بالضبط- من المشائين, الطوافين في شوارع القاهرة, حبا لها وافتقارا لقروش الميكروباص, جعلته الغربة صعلوكا, فهو بلا أسرة, واتخذ من أصدقائه بيتا وعائلة. وهم مجموعة من الفقراء اليائسين, الحالمين مع ذلك, أحلامهم ذاتها تعسة, العمل والمرمطة في الخليج وبعضهم ينتهي به المطاف الي المعتقل في هوجة الإخوان, مع أنهم أبعد ما يكونون عن السياسة.
هم كرسوا أنفسهم للضحك, رغم أن بينهم واحدا يحتضر, عادل هياكل الذي ظل يقيء دم السل وهم يهزرون حوله ليبعثوا فيه بعض الحياة.
يموت عادل هياكل في حجرة المغتربين الأزهريين وقد قاء آخر قطرة من دمه, آخر نفثة من روحه الشابة, يموت ويبقي بطل الرواية المصاب بمرض الاكتئاب النوباتي, الذي تتلوه في أحيان قليلة كما نري في الرواية فترات انبساط, يبقي تائها بين محبوبات لاينالهن, واليتم الذي نما معه منذ وفاة أمه وهو طفل.. يبقي وليس له مستقبل, أو لا يلوح أمامه طريق مضيء يسلكه. فهو تائه ضائع, فقد حجرة الرفاق الأزهريين بالغورية, التي فر منها مطاردا بخوفه من الاعتقال, وحين عاد ليأخذ أشياءه وجد عادل هياكل منطرحا جنب سريره علي بركة دم, دم غاص فيه البطل الذي لم يهتم الشاعر بذكر اسمه, لأسباب كثيرة كلها وجيهة. مات عادل هياكل ليصير في حياته وموته رمزا لهذا الجيل, الذي يموت بأشكال مختلفة, قهرا واختيارا, في البحر او في الحياة.
يهرب البطل من جثة صاحبه, مطاردا بخوفه, مبحرا في سواد بلا نهاية, كما يقول في النهاية.
إنه الجنين المتكور بحثا عن رحم الأم, الذي تنقبض روحه وتنبسط, طبقا لمصطلحات المتصوفة والأطباء النفسيين, الذي يفقد عالمه في النهاية, وينادي محبوبته الأولي, التي ظل يناديها طوال الرواية, والتي كانت أمامه في القرية ولم يستطع أن ينالها, ولم يحرص في روايته علي تقديم الأسباب, او لنقل لم يحرص في رواية شاعره.
إن زينب التي يخاطبها هذا الشاب, الذي لا اسم له, لاتحتل في الأحداث مكانا يذكر, لكنها تحتل مساحة كبري في قلب مناديها, هل لأن اسمها- وصاحبها من المتطوحين في الحضرة- يربطها في وجدانه بأم العواجز؟ هل لأنها صاحبة قنديل يضيء في قلبه؟ هل لهذا لاتوجد في أرض الحكاية إلا قليلا؟
هذه لمحة من عالم الرواية, وهذا العالم جزء في حد ذاته من فنيتها, فالمادة نفسها نوع من الصياغة, وزاوية الرؤية جزء أساسي في جماليات التصوير. أما التشكيل هنا, فهو متحرر من كلاسيكيات السرد, لأنه يمتد أفقيا من حيث التزامن او اختلاط الزمن, كما يمتد طولا من حيث اتجاه الأحداث في النهاية نحو نقطتها القصوي, نحو الذروة, او الفاجعة.
والرواية أيضا تشبه شخصية صاحبها ـ بطلها أو كاتبها ـ الذي يمحي رغم وجوده الطاغي, يجرد نفسه من الاسم والصنعة, لايذكر إلا لمحا أنه كاتب, بكلمة عابرة, وتتراوح روايته بين المقاطع شديدة القتامة وأخري شديدة المرح, وان غلبت الأولي علي الثانية.
إن حكايته شخصية وفي الوقت نفسه هي حكاية جيله, الغالبية العظمي من جيله الفاقدة القدرة البائسة الآمال, الواقعة تحت ضغط الفقر والداء والموت وهي تضحك, وهذا جمالها.
ــــــــــــــــــــــــــــــ
*نشر في جريدة الأهرام
أحمد الشهاوي
عن دار شرقيات بالقاهرة صدرت رواية ' أثر النبي للشاعر محمد أبو زيد , وهي أولي روايايه ,وتدور في أجواء صوفية متنقلة ما بين ابن الفارض وجلال الدين الرومي , وتدور حول إحباطات جيل بكامله نشأ في ظل نكسة عربية جديدة ,وتتخذ الرواية الفترة بين احتلال العراق للكويت عام 1990 وحتي الاحتلال الأمريكي للعراق عام 2003 غطاء زمنيا وسياسيا , يتتبع الروائي من خلاله رصده للتغيرات الاجتماعية والسياسية التي حدثت خلال هذه الفترة , عبر تتبعه لشخصيات تعيش علي هامش الحياة تصارع لأن تكون في متنهاالأساسي.
يوقع الكاتب روايته بأنها كتبت بين عامي (2003 وحتي 2010 أي أنها استغرقت سبع سنوات في الكتابة , غير أن الرواية نفسها تستغرق رحلة حياة شخص منذ طفولته و تنتهي مع دخول القوات الأمريكية بغداد عام 2003 .
تبدأ الرواية بخطاب موجه إلي شخصية افتراضية اسمها زينب يخاطبها الراوي المتكلم بقوله ' أكتب لأنسي , لأفرغ ذاكرتي علي الورق وأصير طليقا , لأنسي وحدتي في هذا العالم , أفكر أن أمسك يدك , أخترق بك الشوارع والمقاهي والمشربيات والبنايات العالية , أشير: هنا وقفت , هنا تكلمت , هنا تذكرتك , وهنا خنتك يا زينب , أنا الذي أعرف كل شيء , وأنت التي لا تعرفين , أتذكر فأتعذب , أكتب لأحسدك علي النسيان ' ,تبدو الكتابة هنا كذنب واجب علي الراوي أن يفعله , وتبدو الذاكرة عبئا واجب التخلص منه لذا هو يحسد زينب علي قدرتها علي النسيان , وتظل شخصية زينب شبه موجودة طوال الرواية فهي لا تظهر إلا من خلال توجه الراوي إليها بالخطاب والحديث .
تبدأ الرواية من حادثة موت , يكتشفها بطل الرواية حين عودته إلي المبني الذي يسكنه مع مجموعة من طلبة الجامعة , وما بين هاجس الفرار وهاجس الخوف , تعود الرواية إلي نقطة البدء حيث طفولة الراوي , رابطا بين موت البطل الموازي ' عادل هياكل ' عقب احتلال العراق بأحداث سابقة تجيء علي لسان أستاذ الجامعة ' قال الولد للبنت: أحبك, فابتسم عامل البوفيه وهو يناولهما الشاي, دقت ساعة الجامعة دقتين, كان الجو حارا وخانقا, وكان أستاذ الجامعة في المحاضرة يقول: ' أنتم الجيل الذي تغرب أباؤه في مدارس ومزارع ومستشفيات المغرب العربي والخليج, وعادوا ليشتروا شققا ويبنوا بيوتا في قراهم, سقطت في الزلزال أو غرقت في السيول, أو نصبت عليهم شركات التوظيف وسرقت تحويشة العمر,أنتم الجيل الذي لم يتعاطف مع تعامل الحكومة مع أهالي الجماعات الإسلامية وفضل تسلية أيامه بحكايات ليالي الحلمية والراية البيضا وأحلام الفتي الطائر , أنتم الجيل الذي شاهد في طفولته الطيور وهي تغرق في بترول الكويت المسكوب في الخليج وشاهد انتهاء حلم الوحدة العربية علي الهواء , أنتم جيل فاشل ' , ثم قاء في طرف قاعة المحاضرات دما, فتسللت أصابع الولد إلي أصابع البنت , بينما عاد الدكتور ليرسم علي السبورة سارية وعلما '
ويقول في مقطع آخر ' سيقول عنها السادات: انتفاضة الحرامية , وسيقول لطفي الخولي: انتفاضة الجوعي , ويقول أستاذ الجامعة بعد خمسة وعشرين عاما منها بينما يراهما في مظاهرة مشتعلة: ما فيش فايدة, وستقول هي: بلاش, لكنه سحبها من يدها وخرجا معا يهتفان, سقطت نظارتها من فوق أنفها, تحطمت, ناولها نظارته لكنها لم تر بها, أعيدت إلي المدرج وهي تفتش عنه , كان صوته يصلها ببحة مميزة, حين زارته في مسكن الغورية رفض عم رجب دخولها حتي بعد أن ادعت أنها أخته, وحين سار معها في شوارع الدرب الأحمر غني لها وسط دهشة المارة وباعة الخضراوات وساندوتشات المربي بالقشطة والكشري : ' علي طول الطريق نقابل ناس, ونعرف ناس , ونرتاح ويا ناس عن ناس' , أمام جامع السلطان حسن غنيا مع حارس المسجد ' عدي النهار ', في القلعة رسم في غفلة من الحارس علي السور سارية وتمثالا جديدا لنهضة مصر, ونسي أن يرسم حمامتين '
هذان المقطعان يكشفان عن همين أساسيين متوازيين تقدمهما الرواية, الأول هو الهم الديني , والثاني هو الهم السياسي , فنجده يطرح علاقة بطل الرواية بالجماعات الأصولية في مصر جماعة الإخوان المسلمين , و الجماعة الإسلامية , والجماعات الصوفية , غير أنه لا يجد الخلاص , في جماعة الإخوان المسلمين .
الهاجس الديني في الرواية يتضح حين يسأل أحد المصلين شيخ الجامع عقب الصلاة وبعد احتلال العراق ' هو ربنا مش عاوز يستجيب لنا ليه ؟ '
في اقترابه من الجماعات الصوفية يقول له شيخ الطريقة الذي أجلسه بجواره في إحدي حلقات الذكر في مسجد الحسين ' اعرف الفارق بين العلامة والأثر ' ' وفيما يتصايح الأتباع و الجلوس ب' الله عليك يا مولانا ' منتظرين الحكمة منه ضغط علي كتفي :ـ الفارق مثل ما بين الحياة والآخرة , فاتبع العلامة و اترك الأثر , لا يفهم أحد لكنهم يهمهمون بالاستحسان : كلنا نبي نفسه , فالبس رداء تقشفك , واترك الناس تتبع أثرك ,يحدق في عيني فلا أقوي علي الحركة ويقول بطيبة : العلامات حكاها السلف .. و الآثار سيحكيها الخلف '
تبدو هذه العبارات في الرواية هي الإجابة عن السؤال الملح الذي تطرحه الرواية عن الأثر , ما الأثر الذي سنتركه وكل شيء يضيع ويسرق , سواء كان هذا الشيء هو أعمارنا أو حيواتنا الخاصة أو أوطاننا , وهذا هو مدخل الهاجس السياسي في الرواية .
يختار المؤلف أن تدور روايته في أجواء حرب العراق الأخيرة ما بين تصريحات الصحاف بأن النصر قادم , وما بين المظاهرات التي تنطلق في قلب القاهرة لا تقدم ولا تؤخر .
يقدم الكاتب تصورا أنه إذا كانت الأجيال السابقة عانت من نكسة 1967 فإن الأجيال الجديدة عانت من نكسة ضياع الحلم العربي علي الهواء , احتلال دولة عربية لدولة أخري عام 1990 عندما قامت العراق باحتلال الكويت , وعام 2003 عندما احتلت الولايات المتحدة الأمريكية العراق علي مرأي ومسمع من الجميع ,
وعلي الهواء مباشرة دون أن يتحرك أحد من أمام شاشات التليفزيون .يقول أبو زيد في روايته ' الأستاذ أحمد مدير السكن جمعنا فوق السطح وقرأ لنا عمود أنيس منصور من الصفحة الأخيرة في جريدة الأهرام الذي يتحدث عن أهمية السلام, وأن الطلبة يجب أن يتفرغوا لمذاكرتهم وليس للمظاهرات أوأي كلام فارغ آخر, الأستاذ أحمد كما لم يفعل من قبل, خلع ساقه البلاستيكية أمامنا, وأخبرنا أن هذا من الحرب, الأستاذ أحمد هدد من سيعرف أن له أي نشاط سياسي بالطرد من السكن , أتركهم وأنام طوال اليوم هربا من التفكير في العجائز والشيوخ والنساء والأيتام , أجهز حقيبة سفري , أضع الكتب والصحف التي تحكي سقوط بغداد في كرتونة مستقلة استعدادا للطرد في أية لحظة '
ويقول في مقطع آخر ' اليوم التالي كان الجمعة, ميعاد مظاهرة ضخمة في ميدان التحرير, تنتهي بإحراق سيارة مطافئ , في جرائد السبت : كانت صور المظاهرة في صدر الصفحات الأولي , كانت صورتي بعروق وجهي النافرة وأنا أهتف في طرف صورة في الصفحة الأولي من جريدة الوفد , لم أفعل شيئا, فقط لساني ينطلق مع الهتافات ,
' الجهاد الجهاد .. شدي حيلك يا بغداد ' , أجري بعيدا عن هراوة عسكري , تهوي علي قدمي , ' يا للعار يا للعار ..باعوا الوطن بالدولار ' , أصرخ من الألم , ' اللي بيضرب في العراق .. بكره هيضرب في الوراق ' أجرجر ساقي ورائي ككلبة عرجاء يائسة , ' يا صحاف فينك فينك .. العلوج بينا وبينك ' , أهرول من شارع شامبليون لشارع معروف لشارع عدلي هربا من الهراوات , أهرب من لاشيء إلي لا شيء , في المساء أقابل محمد خليل علي مقهي التكعيبة , بعد انقطاع , كان يائسا :ـ تفتكر فيه فايدة كان الشاي بحليب قد برد , وكنت أرتدي قميصا خفيفا علي اللحم , تمزقت ياقته , كان منفعلا فخفت عليه , حاولت أن أغير الموضوع لكنه أصر: ـ اشهد, النهارده تمانية إبريل 2003 السقوط الأخير للعرب 'وتبدو هذه الحدة في التعامل مع الحدث السياسي تأكيدا علي أن هذا الاحتلال الأمريكي نكسة أخري لم يتم التأريخ لها بعد . تتقاطع رواية ' أثر النبي ' للشاعر محمد أبو زيد مع دواوينه الخمسة السابقة ثقب في الهواء بطول قامتي الذي صدر عام 2004عن الهيئة العامة لقصور الثقافة , وديوان (قوم جلوس حولهم ماء )الصادر عام 2005 عن دار شرقيات للنشر , و(نعناعة مريم )الذي صدر عام 2006 ديوانه الوحيد للأطفال الصادر عن كتاب قطر الندي ,وديوانه مديح الغابة الذي صدر عام 2007 عن الهيئة المصرية العامة للكتاب ,
وديوانه الأخير ( طاعون يضع ساقا فوق الأخري وينظر للسماء )الذي صدر عام 2008 عن دار شرقيات للنشر , فبالإضافة إلي اللغة الشعرية التي يلجأ إليها الكاتب في بعض فصول روايته , والمقاطع الشعرية التي استعاض بها عن أسماء الفصول فهناك أيضا بعض العوالم الشعرية الموجودة لديه في دواوين سابقة , فشخصية ' عائشة ' وهي إحدي الشخصيات المركزية في الرواية التي تظهر لتحل بعض ألغاز الرواية ,
وتقوم بدور الأم البديلة هي شخصية قدمها محمد أبو زيد من قبل في ديوانه الأول ' ثقب في الهواء بطول قامتي ' , وأيضا في ديوانه الذي سيصدر بعد شهور ' مدهامتان ' , وشخصية ' الشيخ أحمد عبد التواب' قدمها الشاعر من قبل في قصيدة بعنوان ' يقول محمد : نقية لدرجة أن اسمها مريم ' في ديوانه الرابع ' مديح الغابة ' والطريف أنه قدمها في نفس الدور الرجل الذي يدعو علي أحفاد القردة والخنازير , لكن يتوقف عن الدعاء عقب الحرب , والاحتلال الفعلي للعراق ,
يقول في روايته ' توقف الشيخ أحمد عبد التواب عن الدعاء علي ' أحفاد القردة والخنازير' عقب الصلوات , أصبح يختم صلاته في الطريق إلي المقهي الذي يعرض مشاهد السقوط , ' آمين ' التي كانت تهز المسجد بقوة وراءه خمدت بعد أن دخلت أمريكا قلب بغداد , قابلته جالسا علي باب المسجد لا يعرف كيف يجيب علي أحد المصلين اليائسين :ـ هو ربنا مش عاوزيستجيب لنا ليه ؟ ' , ويقول في قصيدته ' 8/ 4 / 2003 ـ هذه المرة لم يدع / الشيخ أحمد عبد التواب / عقب العصر / بترميل نسائهم '
يقدم الشاعر والروائي محمد أبو زيد في روايته الأولي بعيدا عن الهمين السياسي و الديني شخصيات هامشية غاية في الإنسانية .
يقدم أبو زيد في روايته الأولي عالما صامتا , هامسا , هامشيا , مكبلا بالعجز , لكنه يقدمه بلغة شعرية متدفقة , واهتمام بالتفاصيل , وبالتأريخ للعالم السري للحياة
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
*نشرت في مجلة نصف الدنيا
أجرت الحوارهبة اسماعيل.
يقدم الشاعر محمد ابو زيد في روايته الاولي أثر النبي الصادرة عن دار شرقيات تصورا جديد للنكسة التي سكنت جيلا بأكمله واصبحت نكسة شخصية لكل فرد يعيش بحلم موءود, كما تنظر في الإحباط الذي تمكن من جيل باكمله, مما جعله في حالة هروب دائمة, بعد رحلة بحث عن علامات يتبعها أو عن أثر يتركه, وكل هذا يدور في جو صوفي ما بين مديح لآل البيت أو بعض المقولات لابن الفارض وجلال الدين الرومي أبو زيد الذي يعمل في الصحافة صدر له من قبل خمسة دواوين شعرية هي ثقب في الهواء بطول قامتي2004 ـ هيئة قصور الثقافة قوم جلوس حولهم ماء2005 ـ عن دار شرقيات للنشر, نعناعة مريم2006 ديوان للأطفال عن كتاب قطر الندي, مديح الغابة2007 الهيئة المصرية للكتاب, طاعون يضع ساقا فوق الأخري وينظر للسماء2008 دار شرقيات.وفي حوارنا معه يكشف الكثير من معاناة جيله, ليس علي صعيد الكتابة ولكن علي صعيد الحياة وهذا نص الحوار.
* ماذا قصدت بفكرة الأثر القائمة في الرواية؟
** ما قصدته بفكرة الأثر, اتضح من خلال جملة لأحد شيوخ الطريقة الذي كان يذهب اليه البطل في قوله: اتبع العلامة واترك الأثر.. كلنا نبي نفسه, فاللبس رداء تقشفك, واترك الناس تتبع أثرك وهو بذلك فك شفرة الرواية, فكل منا داخله نبيه الخاص وطريقه الخاصة, وعلي خلفية احدي المقولات الصوفية إتبع قلبك, حاول ابطال الرواية ان ينفذوها بحثا عن علامات يتبعوها وعن آثار يتركونها ولكن لم يجدوا شيئا, وهذا يرجع إلي الجو السياسي العام والإحباطات العامة.
* أظهر الجيل الحالي بالرواية كما انه الإكثر احباطا؟
** الفكرة تتركز في ان جيل الستينيات دائما يقول انه جيل النكسة وجيل السبعينيات يقولون انهم من تأثروا بالنكسه في حين أنها نكسة لشخص واحد هو عبدالناصر الذي كان للعالم العربي اقرب إلي الأب منه إلي الزعيم, وبالرغم من ذلك استمر الحلم العربي باقامة وحدة عربية, لكن النكسة الحقيقية كانت لجيلنا وبدأت من غزو العراق للكويت سنة1990 وانتهت بسقوط بغداد في2003 وكلنا شهود علي هذه الاحداث, كما يقول أبطال الرواية هي نهاية الوطن العربي, وكل ما نفعله اننا نشاهد ولا نفعل شيئا آخر, والخبر الذي كان يكتب عن مقتل عدد من العراقيين في الصفحات الأولي, ربما لا يكتب الآن في الصفحات الداخلية, وكل شخص اصبح منغلقا علي ذاته فهذه هي النكسة الحقيقية وهي عقدة الرواية وليست نكسة شخص لكنها وطن بالكامل.
* لكنك عرضت النكسة علي مستويين؟
** نكسة الوطن هي نكسة كل فرد, فالوطن مجموعة أشخاص وكل واحد منهم يهزم وينقلب علي ذاته, لن يصبح هناك وطن ولا حلم له, كل شخص كان لديه حلم يوئد طوال الوقت وينتكس, فقصدت أن تكون الإنتكاسة علي مستويين وكل منهما يسلم للآخر, حتي القارئ يمكن أن يقرأها علي أنها هزيمة شخصية, ويمكن لقارئ آخر أن يقرأها علي أنها هزيمة وطن كامل.
* لماذا جعلت زمن الرواية دائري ينتهي من حيث بدأ؟
** قصدت فكرة الدائرة فهي جزء من النص, البطل يدور دائما في دائرة لاتنتهي ولايستطيع التوقف, رغم محاولاته الدائمة للفرار منها دون تحديد هدف يهرب إليه.
* ماذا قصدت عندما عرضت المشاهد بشكل عبثي؟
** البطل يروي النص وهو مهزوم لذا ما يأتي في ذهنه من حكايات يرويها بدون ترتيب, فقصدت ان أوضح انه ملعثم يحكي ويصرخ, بالإضافة إلي أن بناء الرواية ليس طوليا به مشاهد مرتبة, لكن أردت ان يكون البناء خليطا بين الطولي والعرضي حتي يصبح نصا مختلفا.
* لماذا جعلت الهروب حيلة البطل الوحيدة؟
** الاساس هو الهروب من الواقع المحيط حتي عندما فكر بطل الرواية في الطيران هذا في حد ذاته كان هروبا من الواقع, وعندما حلم بالسفر للقاهرة ليكون مجرد رقم ضمن الموجودين بالشارع فهذا ايضا هروب وبعدها يريد ان يسافر إلي الخارج فهو ايضا هروب لأنه مش لاقي نفسه طول الوقت لذا يستمر بالهروب حتي أخر مشهد بالرواية.
* ولماذا ربطت الهروب بالدين؟
** الدين في مصر حالة من حالات الهروب من الواقع, مثال التصوف هو هروب بحالة وجدانية, والشخص الذي يدخل الجماعة يهرب من فراغ سياسي لحالة دينية, كلنا نهرب للدين بشكل ما, ونري أن الناس تصلي عند الحاجة, وهذا عيب في شخصيتنا فيجب ان يكون الدين جزءا من حياتنا, وبطل الرواية دخل كل هذه التيارات هروبا, وأرد ت ان أطرح سؤال هل الهروب إلي الدين يؤتي ثمارة أم لا, حتي عندما تحقق للبطل ذلك في لحظة في حلقة ذكر إلا أنه كان حلا لحظيا.
فأنا أكتب الرواية بصفتي شاعرا ولست روائيا محترفا, فطوال الوقت أجرب وليس لدي أدوات مسبقة للكتابة الروائية, فما اكتبه يحتمل الصواب ويحتمل الخطأ, لكن الموضوع مجرد تجربة حول مباراة كرة قدم رأيت أن هذا مكانها.
* ألا تري أن كتابة الرواية في سبع سنوات مده طويلة؟
** بدأت في كتابة الرواية بعد حرب العراق, ربما بسبب الشحن العاطفي, فما كان يمكن فعله في ظل ما يحدث سوي الكتابة, كتبت الهيكل الأساسي لها في2003, واشتركت في مسابقة يحيي حقي التابعة للمجلس الأعلي للثقافة, وأنا في السنة النهائية بالجامعة, وفازت بجائزة, ثم اصدرت خمسة دواوين شعرية, لكن في السنة الأخيرة2010 بدأت العمل عليها مرة أخري, وأخرجت منها الشحنة العاطفية, وأكملت البناء الدرامي لها, وقصدت ألا أغير في الشخصيات وأحافظ علي التظاجة التي كتبت بها.
* ما دلالة ان تبدأ الرواية من فترة غزو العراق للكويت؟
** لأن هذه بداية النكسة الحقيقية, فالكاتب أحمد بهاء الدين مات بسبب هذه الحرب لأنه مثل الكثيرين الذين لم يصدقوا ما حدث لأنهم عاشوا حلم الوحدة العربية وأيام عبدالناصر, ولم يصدقوا أن دولة عربية تحتل دولة عربية أخري ويضيع الحلم العربي, لكن النكسة إكتملت بالحرب الأخيرة علي العراق.
* لماذا استدعيت بعض شخصيات الرواية من دواوينك السابقة؟
** هذا حقيقي لأن الكتابة بالنسبة لي ليست مجرد كتابة نص, أو ككاتب يفرغ همه للناس أو للنشر حتي يوجد قراء, كل هذا ليس المحرك الأساسي بالنسبة لي, الكتابة هي الوجود وسبب أن يكون الإنسان موجودا في الحياة, يمكن للبعض ألا يصدقوا ما أقول لكن هذه هي الحقيقة, وكما قال الشاعر أمل دنقل الكتابة عندي بديل للإنتحار أي هي التي تجعل الانسان يعيش, واستعنت بشخصيات من الرواية في ديواني القادم, وهناك بعض من فصول الرواية هي شرح لقصائد يمكن ان يكون البعض لم يفهمها في دواويني السابقة, لأن الكتابة بالنسبة لي مشروع واحد ونصوص أكملها في كتب ثانية, أي أن الكتاب تمثل لي حالة مكتملة وعندما انتهي من مشروعي سيعرف القارئ ما اقصده.
** كيف اخترت الفقرات التي سبقت كل فصل وماذا قصدته بها؟
* كانت هذه الفواصل بديلا لاسم الفصل وهي تدور علي فكرة الفصل ليستطيع القارئ أن يستشف مضمونه قبل قراءته وأردت في النهاية ان اضع أربع مقاطع من اصل خمس في أجواء صوفية تكون رابطة للأحداث, لأن هناك حالة صوفية من خلال اللغة ومن خلال الجو الديني, ولأن الصوفية هي هروب وأن هذه المقاطع تصلح ان تكون بوابات للخروج.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* نشر في جريدة الأهرام المسائي
محمد فرج
على الرغم من كونها روايته الأولى بعد أربعة دواوين شعرية وديوان للأطفال ، وعلى الرغم من كونه من مواليد عام 1980 ، إلا أن محمد أبو زيد في روايته أثر النبي الصادرة حديثا عن دار شرقيات يبدو وكأنه يحمل نفس الهموم التي حملها أبناء جيلي الستينيات والسبعينيات وعبروا عنها من خلال إنتاجهم الكتابي ، مع اختلاف التفاصيل التاريخية والتي يبدو مع أثر أبو زيد وكأنها امتداد لما كان .
فعلى خلاف كتابة أبناء ما بعد الألفية والتي تميل أكثر إلى التجريب والفانتازيا وإعادة تخليق واقع مختلف بحس ساخر ، والبعد عما هو عام أو أيديولوجي بشكل عام ، يصنع أبو زيد نصا مختلفا عن هذه التجربة ويميل إلى رواية " نكسة " ذلك الجيل الذي ولد أواخر السبعينيات وأوائل الثمانينات والتي يؤرخ لها في " أثر النبي " بغزو العراق للكويت ، وتنتهي بالاحتلال الأمريكي للعراق الذي يصفه أحد شخصيات الرواية بـ " نهاية العالم العربي" .
أثر النبي هي خطاب طويل موجه إلى شخصية لم تظهر خلال الرواية إلا في لمحات بسيطة ولكن خطاب الراوي موجه كله إليها ، بداية من مفتتح يبرر فيه لجوئه للكتابة حيث يكتب لينسى ، لأن التذكر بالنسبة له " عذاب " ، ويحسد زينب على " النسيان " ، تلك العلة للجوء للكتابة تختفي تقريبا من الكتابة الجديدة وتبقى واضحة في كتابات الستينيات والسبعينيات ، تبدأ الرواية وتنتهي عند نفس المشهد عندما يتسلل الراوي إلى مسكنه الذي يقطنه مع مجموعة من الطلبة ويكتشف موت زميله بالسل فيجد جثة ملقاة وسط بحيرة من الدم والقيء ، ليبدأ الراوي من هذا المشهد عبر فصول صغيرة يحمل كل منها عنوانا منفصلا ، ويتخللها مقاطع من قصائد وأغاني صوفية لا تخدم النص في كثير من الأحيان ، معاناة الراوي تبدأ منذ طفولته ، حيث تموت والدته فجأة في حادث أمام عينه ، ويتبع ذلك زواج الأب من امرأة أخرى لم يشعر تجاهها الطفل بأية عاطفة لينغلق على نفسه ويحسب الأب ذلك مسا من الجن فيدور به على المشايخ الذين يطردون العفاريت ، فيزداد انغلاق الطفل ثم الفتى على نفسه ، ويبدأ في حمل غربته التي تدفعه إلى الحلم الدائم بالسفر ، وعلى الرغم من أن ساحة أحداث الراوي الآتية التي يتحرك منها إلى ذكرياته القديمة هي شقق الطلبة ، المكتظة ، سيئة الترتيب ، الموضوعة دائما تحت المراقبة من قبل ملاكها أو جيرانها ، الممتلئة بأحلام الطلاب المراهقين النازحين إلى القاهرة والحالمين بإنهاء دراستهم والسفر إلى الخارج والمحاصرين برغباتهم المكبوتة التي يتلصصون لأجلها على شبابيك أصحاب الزيجات الجديدة ، تلك الشقق التي يرصد أبوزيد الكثير من تفاصيلها و التي تصلح لبناء عالم روائي متكامل ولا زال بكرا لم يمس كتابيا من أبناء ما بعد الألفية إلا أن أبو زيد فضل أن يتخذها فقط مسرحا لحركة الراوي وزملائه .
رواية أثر النبي تحكي عن مأساة جيل جديد بنفس لسان الأجيال التي سبقته ، ربما لأن الأزمة تبدو له واحدة وممتدة ويتجلى هذا الامتداد في المشهد الأخير في الرواية حيث يخرج الراوي إلى الشوارع بعد أن ترك جثة صديقه ملقاة على الأرض خائفا أن يتهم بقتله ، ويترامى إلى مسامعه المشاهد الأخيرة من فيلم العصفور ليوسف شاهين عندما تسمع بطلة الفيلم الفنانة محسنة توفيق ـ التي يشعر الراوي أنها تشبه أمه ـ خطاب تنحي عبد الناصر وتخرج إلى الشارع مع جموع ؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* نشرت في جريدة الأخبار