يحكي الكاتب اللبناني إياد أبو شقرا أن صديقاً له باكستاني الجنسية تخرج في
جامعة كمبريدج، وغدا محامياً لامعاً في لندن قال له ذات يوم خلال دردشة: "هل
تعرف يا سيدي لماذا تتمحور السياسة عندنا في باكستان حول الله عزوجل؟. فأجاب إياد
بعفوية: "طبعاً، باكستان بلد إسلامي، وعلى الله فليتوكل المؤمنون".
لكن كان رد المحامي الباكستاني هكذا: "لا.. لا.. لا تذهب بعيداً،
السبب هو أنه وحده القادر على حل مشاكلنا العويصة".
لماذا أحكي هذه الحكاية؟ لأنه يبدو أن مصر ليست أفضل حالاً من باكستان، فهي
دولة مسلمة أيضاً، بل صار الدين فيها يلعب دوراً محورياً، بل امتزج الدين والسياسة
حتى لا تكاد تعرف الفرق بينهما، وتعاني من مشاكل عويصة الله وحده القادر على حلها.
لكن المشكلة الحقيقية التي لا يدركها المصريون أن الله لم يترك متحدثاً
باسمه في أرض مصر، وعاشت مصر عقوداً طويلة تعبد الله دون أن يكون ذلك سبباً في
القتل والتدمير، ورغم ذلك فكل فصيل سياسي في مصر الآن يزعم أنه المتحدث الرسمي
باسم الله، وباسم الإسلام، وأن ما يدعو إليه هو الدين الحق، وما دونه هو الباطل
والضلال.
الحديث باسم الله هو السبب فيما يحدث الآن في مصر، هو السبب الذي يجعل
جماعة الإخوان المسلمين ترفع شعار "الإسلام هو الحل"، وهو السبب الذي
يجعل السلفيين يرفضون قرض صندوق النقد الدولي "لأنه ربا"، وليس لأنه يضر
بمستقبل البلاد، وهو السبب الذي يجعل القوى المدنية ترى الإخوان يتاجرون بالدين، وهو
السبب في أحداث الكاتدرائية والخصوص وإمبابة والعامرية وكنيسة القديسين، وهو السبب
في ظهور الجماعات الجهادية في سيناء، وهو السبب في وصول محمد مرسي إلى الحكم، لأنه
"راجل عارف ربنا"، هو السبب في العلاقات المتوترة مع إيران لأنها ستنشر
"التشيع"، هو السبب في أن تحولنا بعد 14 قرناً من دخول الإسلام مصر إلى
مسلمين وكفار، ومن معي فهو مسلم ومن ضدي فهو كافر، وهو السبب في اغتيال أنور
السادات لأن هناك من كفروه وأحلوا دمه، هو السبب في الاقتتال الداخلي في مصر طوال
عقدي الثمانينات والتسعينيات بين الحكم والجماعة الإسلامية، رغم أن الله لم يأمر
بكل هذا.
منذ قررنا أن نقسم الإسلام إلى أديان عدة بحسب توجهاتنا الأيديولوجية،
والاقتتال لم يتوقف، كل شخص يرى نفسه آخر الأنبياء، وإن لم يكن كذلك فهو يتبع آخر
الأنبياء، سواء كان هذا النبي اسمه حسن البنا أو حازم أبو إسماعيل أو محمد
البرادعي أو حمدين صباحي.
لم ينته عصر الأصنام مع فتح مكة، فالأصنام ليست مجرد تماثيل من الحجرة، بل
هي أفكار، تطورت التماثيل لتصبح أشخاصاً يعبدها من يحكمون الدين في حياتهم، فأصبح
هناك "عبد المرشد"، و"عبد البرادعي"، وتوارى الوطن بعيداً عن
هؤلاء، فلاشيء اسمه الوطن، عادينا بعضنا البعض لأن كل شخص يملك مفتاح الجنة، ويملك
صك الحقيقة، ويملك الحكم على الآخرين بالكفر.
هل عرفتم لماذا أصبحنا مثل باكستان، ولماذا أصبح الله وحده القادر على حل
مشاكلنا، رغم أن الإسلام يقول "الدين المعاملة"، والمسيحية تقول
"الله محبة".