قصة سرقة بنك
عادية، قدمتها السينما في عشرات الأفلام، بعضها لا يمكن محوه من الذاكرة، مثل فيلمي
آل باتشينو dog day afternoon وHeat أو فيلم وودي
آلن Small Time Crooks، أو فيلم بن
أفليك The Town، أو Italian Job بنسختيه، لكن
ما يميز المسلسل الإسباني la casa de
papel، أو
"بيت من ورق" أو "البروفيسور" كما يسميه البعض، هو أنه قدّم
لصوصه باعتبارهم مناضلين، وليس مجرد لصوص ومحتجزي رهائن عاديين.
تدور أحداث
المسلسل حول "جريمة كاملة"، بطلها شخص مثقف يدعى
"البروفيسور"، لم يرتكب أي جرائم من قبل، يقرر تكوين فريق من اللصوص لسرقة
دار سك العملة الإسبانية واحتجاز رهائن وذلك عبر خطة محكمة، وضعت في اعتبارها جميع
ردود الأفعال المتوقعة من الشرطة والرهائن واللصوص أنفسهم. إلى هنا وتبدو الأمور
عادية غير أن الجديد في المسلسل هو أن اللصوص قرروا طباعة الأموال بأنفسهم بدلاً
من سرقتها (ملياران و400 مليون يورو)، وذلك على خلفية حوارات تتحدث عن الظلم
الاجتماعي، فضلاً عن أن الأغنية المفضلة للصوص والتي تصاحبهم نغماتها في سرقاتهم
هي bella ciaw، وهي أشهر
أغنيات المناضلين الإيطاليين ضد موسوليني والحركة الفاشية.
بدت السرقة في
المسلسل وكأنها حالة ثورة على النظام الاقتصادي الإسباني ونضال ضد استغلال أنظمة
العمل الاستعبادية في العالم الجديد، وبدا اللصوص مثل الثائرين وهم يضعون أقنعة
سلفادور دالي على وجوههم أو وجه لوحة الصرخة لإدفارد مونك، ويحملون البنادق ويرتدون
زياً أحمر يذكر بالشيوعية، بل إن البروفيسور يصف عملية السرقة بأنها "فعل
مقاوم"، فلا يعتبر نفسه لصاً لأنه لن يسرق مال أحد، بل سيطبع ماله الخاص، لأن
"طباعة الأوراق المالية خارج الميزانية الخاصة للدولة، تتم طوال الوقت لصالح بعض
رجال الأعمال ومقابل بعض المصالح والرشاوى، فما الفرق بين فريقه ورجال الأعمال".
يسعى البروفيسور
في خطته إلى أن يكسب تعاطف الشعب الإسباني الذي يعاني من الرأسمالية، فيطالب فريقه
بعدم إطلاق الرصاص على الرهائن، ولا يتورع عن تسريب مكالمة تكشف بعض مساوئ جهاز
الشرطة، ويسمح بدخول كاميرا تلفزيونية داخل دار سك العملة ـ مقابل إطلاق رهائن ـ
لكي يكشف أن الشرطة ساهمت في تشويه سمعة فريقه، ولكي يكسب مزيداً من التعاطف الشعبي،
وتأتي النهاية يأن ينجح اللصوص بالفعل في السرقة والفرار، بعد أن كسبوا تعاطف المشاهدين
معهم ـ وليس الإسبان فقط ـ على نغمات الأغنية النضالية.
ومثل أي ثورة لا
بد من ضحايا وانشقاقات وصراع بين القيادات على السيطرة، ولا بد من أب روحي ملهم
لهم خارج البلاد/ مكان السرقة (البروفيسور)، ولا بد من مؤمنين بالفكرة ومتمردين
عليها، لا بد من صراع مع الشرطة ومحاولة إخضاعهم، لا بد من محاولة شيطنة كل طرف
للآخر، فالصراع هنا ليس على المال فحسب بل على كسب تعاطف الجماهير، ولا بد من
أغنية نضالية (bella ciaw )، ولا بد
من مصابين بمتلازمة استكهولم (تعاطف الرهينة مع الخاطف)، وهو ذات المصطلح الذي
عرفناه في مصر بعد ثورة يناير وأطلق على المتعاطفين مع نظام مبارك، ولا بد أيضاً
من انشقاقات في الجبهة الأخرى وانضمام أحدها لجبهة البروفيسور(نموذج المحققة).
حمل اللصوص/
الثوار أسماء مدن في المسلسل (طوكيو، برلين، دنفر، نيروبي، هلسنكي)، كأنها محاولة
لإخفاء وجودهم الحقيقي لصالح الفكرة الأساسية (الثورة/ النضال)، ومن المناسب هنا
الإشارة إلى أن الاسم الأول للمسلسل كان Los Desahuciados، أي "المطرودون"، بما يشير إليه من أنهم شخصيات مطرودة
من المجتمع وخارجة وثائرة عليه، ولهذا قدم المسلسل تشريحاً داخليا لشخصيات اللصوص
الثمانية وأحزانهم الإنسانية، لنكتشف في النهاية أنهم ليسوا مجرد لصوص عاديين، فكل
واحد منهم يحمل في داخله جرحاً كبيراً دفعه لهذا الطريق، مثل نيروبي التي تريد أن
تحصل على نصيبها من السرقة لتعيد ابنها الذي اضطرت للتخلي عنه، أو البروفيسور الذي
خطط للسرقة لكي ينتقم لوالده، الذي كان يسرق البنوك كي يدفع ثمن علاجه، أو حتى
برلين المصاب بمرض انتكاسي ويعرف أنه سيموت بعد 6 أشهر.
ولكن على الرغم من
أن اللصوص المناضلين وعدوا الرهائن أن يرسلوا لهم مبالغ مادية إن ساعدوهم، ففي
النهاية فهم ليسوا روبن هود كي يسرقوا من الأغنياء لكي يعطوا الفقراء، بل حصلوا على الأموال لأنفسهم وليس للشعب المتعاطف معهم ضد النظام
الاقتصادي، وهو ما يعني إما أنهم سيصيرون بديلاً النظام الجديد اللص بانضمامهم إلى
الرأسماليين، أو أنهم ليسوا أكثر من مجرد لصوص استغلوا كل هذه الشعارات، والثورة
ونقمة الشعب على نظامه، للوصول إلى غايتهم.
على الرغم من أن
المسلسل المعروف أيضاً باسمMoney Heist وعرض محلياً لأول مرة في 2
مايو 2017 على قناة أنتينا 3 الإسبانية، وانتهى فى 23 نوفمبر 2017، ثم حصلت شبكة نتفليكس
الأمريكية على حقوق بثه وقامت بعرضه عالمياً فى 20 ديسمبر 2017، على الرغم من أنه
حصل على تقييم 8.8 على موقع IMDB، ما يجعله واحداً من أنجح وأشهر المسلسلات العالمية، إلا أنه لا
يمكن إغفال أنه عانى في المقابل من العديد من المشكلات أبرزها المط والتطويل
الزائد، خاصة في الموسم الثاني، فضلاً عن المبالغات الدرامية والمصادفات التي تبدو
أحياناً غير قابلة للتصديق بل وتذكر بالدراما الهندية، فلو سلمنا بأن البروفيسور
وضع فعلاً خطة محكمة تتضمن كل السيناريوهات الممكنة، فلا يمكن التسليم بكم المصادفات
التي تقوده للإفلات من كل الفخاخ في طريقه والتي كانت يمكن أن تكشف أمره في كثير
من الأوقات.
على الرغم من ذلك
يبقى المسلسل مثيراً للاهتمام بأفكاره، وممتعاً مع أداء جيد من فريق التمثيل خاصة
من ألفارو مورتي(البروفيسور) وأورسولا كوربيرو
(طوكيو)، وألبا فلوريس (نيروبي) وبيدرو ألونسو (برلين)، والتنقل ببراعة بين
لقطات الفلاش باك مع بنائه الزمني الخاص، والحبكة القوية التي حافظت
معظم الوقت على على عامل الإثارة والتشويق، كما أنه ـ وهذا هو الأهم ـ ما يطرحه من
أسئلة مهمة حول الفرق بين اللص والثائر، وحول الأوطان واللصوص والأنظمة الحاكمة،
ومن الذي علينا حقاً أن نصدقه.