تؤمن الشاعرة
المصرية عبير عبد العزيز، بقدرة الشِّعر على الشفاء، سواء للبشر أو للوطن ككل، لذا
قررت أن تجعل العام الجديد 2017، عاماً للشعر، عبر مبادرة أطلقتها عبر وسائل
التواصل الاجتماعي، حملت اسم "#ادعم_شعر"، قررت خلالها أن تنشر الشعر عبر
وسائط مختلفة في كل مكان.
ربما يرى البعض أن
الحديث الآن عن الشعر رفاهية، في ظل ظروف اجتماعية وسياسية واقتصادية طاحنة، فضلاً
عن تفشي الأمية، لكن ما تعتقده عبير عبد العزيز، أن الشعر بإمكانه إصلاح ما أفسده
الزمن والجهل والفقر، وما أفسده الشعراء أيضاً بجعل نتاجهم الأدبي مقصوراً عليهم،
أو على نسبة ضئيلة للغاية من القراء.
فكرة عبير أن تصل
بالشعر إلى كل الفئات المجتمعية، أن تنزله من برجه العاجي الذي لا يراه أحد،
وتعيده كائناً حياً يتنفس ويمشي في الأسواق، ويتواجد في كل مكان، وهي هنا لا
تستهدف فئة المثقفين، بل تود الوصول إلى طلاب المدارس، لذا قررت أن تذهب وتقدم
مبادراتها للطلبة، أن تصل للعمال في المصانع، والباعة في الشوارع وركاب المترو
والأتوبيسات ومرتادي المقاهي والأمهات في المنازل، أن يصبح الشعر لسان حال البقال
والجزار والسباك، وهي فكرة طموحة، تحتاج إلى جهد مؤسسات كاملة، لكن عبير قررت أن
تقوم بها وحدها.
ليست هذه هي
المحاولة الأولى لعبير لإيصال الشعر عبر وسائط مختلفة إلى القراء، فقبل ثلاثة
أعوام ـ حسبما أذكر ـ أطلقت حملة أخرى طموحة للشعر حملة اسم "ذات
للشاعرات"، ضمت من خلالها عدداً كبيراً من الشاعرات المتميزات، واستطاعت أن
تجول في عدد من المراكز الثقافية والمحافظات وأن تصل إلى مئات القراء والمستعمين،
ولم تكتف فيها بتقديم الشعر، بل أدخلت فنوناً أخرى مع الإلقاء، مثل العرائس
والموسيقى، والفن التشكيلي، والكاتريكاتير والوسائط التكنولوجية، كما قدمت قبل
حوالي العام، تجربة أخرى مميزة، وهي المزج بين الشعر والأبراج في كروت بوستال.
بدأت عبير الحملة الجديدة
بفكرة مبتكرة قبل بداية العام بيومين، حيث حوّلت "شجرة الميلاد"
التقليدية، إلى شجرة من الشعر، علّقت عليها "طوابع شعرية" تضم مقاطع
شعرية ولوحات تشكيلية، واستطاعت الشجرة بشكلها المختلف أن تجذب "القارئ
العادي" الذي تسعى عبير للوصول إليه.
ولا تنحاز عبير في
اختياراتها الشعرية إلى ذوق شعري معين، فهي تقدم نصوصاً من العامية والفصحى،
لشعراء مصريين وعرب وأجانب، وقصائد عمودية وتفعيلة ونثر، وقصائد من التراث العربي
وأخرى حديثة، وتختار نصوصاً لكبار الكتاب وشبابهم، وهكذا قدمت، في فترة وجيزة، حوالي
160 شاعراً دون انحياز لأحد، سوى للشعر وحده، بالإضافة إلى نفس العدد تقريباً من
الفنانين التشكيليين، حيث تصاحب كل نص لوحة مناسبة له في الطابع.
استطاعت حملة
#ادعم_شعر خلال أسبوعين أن تخلق حالة مختلفة عبر فيس بوك، وأن
تحقق جزءاً من طموحها بأن تصل إلى آلاف القراء، من خلال عشرات الطوابع، وعبر نشاط
مكثف في المشاركة والمتابعة والرد على القراء ودعوة الشعراء للمشاركة بنصوصهم، من
خلال دور ومجهود كبير تقوم به القاصة السكندرية رانيا منسي، كما تجهز عبير عبد
العزيز إلى 11 مبادرة شعرية أخرى مختلفة، بواقع مبادرة لكل شهر من شهور السنة.
ما تفعله عبير عبد
العزيز، هو دور مؤسسي كبير، كان يجب على المؤسسات الثقافية الرسمية أن تقوم به،
لكن عبير اختارت أن تؤديه بحب ورضا وإيمان بقوة الشعر ومكانته التي يستحقها، وربما
أقل ما يمكننا فعله ككتاب وشعراء هو دعم هذا المشروع والوقوف إلى جواره، كما على
وزارة الثقافة والمؤسسات الثقافية الخاصة والمكتبات الكبرى أن تدعم هذا المشروع، إن
لم يكن مادياً، فمعنوياً من خلال الترويج لشعار الحملة (#ادعم_شعر) على الأقل،
وهناك عشرات الأفكار البراقة لدى عبير تستحق التنفيذ من خلال الحملة، لكنها فقط
تحتاج إلى دعمنا جميعاً لها.
هذا المقال هو
تحية خالصة للشاعرة عبير عبد العزيز، لإيمانها بقوة الشعر، ودورها في إيصاله لكل
الفئات، متحملة كل التكلفة والمنغصات، ودون أن تنتظر أي مقابل، سوى أن ترى العالم
أكثر جمالاً بالشعر، وأن توصل رسالتها. هذا المقال رسالة للعالم: #ادعم_شعر.
................
نشر في صحيفة "المصري اليوم"