27‏/01‏/2009

الغابة الخضراء الواسعة


أريد أن أعود طفلا مرة أخرى
أحب
ويتحطم قلبي الغض
أحلم بالكتابة والثورة
أعرف الفارق بين الأبيض والأسود
بين الخير والشر
أتخلى عن حكمة الشيوخ
وأعود حيوانا بريا
يجري سعيدا في الغابة
لو كان الأمر بيدي
لفعلت هذا الآن
لأسرعت إلى دراجتي الصغيرة
لأطلقت سراحكم جميعا
في الحقول الخضراء
التي تستلقي أمامي بلا نهاية


23‏/01‏/2009

19‏/01‏/2009

لا عزاء للسيدات


في متابعتي للعدوان الإسرائيلي الغاشم على غزة ، عبر مواقع الانترنت كنت أحرص على قراءة التعليقات التي يتركها القراء على الأحداث ، والتي كانت تكشف أن الانقسام في العالم العربي ليس على مستوى المؤسسات والدول والحكام فقط ، بل على مستوى المحكومين والشعوب أيضا ، سواء كانت شعبا واحدا ، أو أكثر من شعب عربي ، يمكنك التأكد من هذا بالرجوع إلى أي خبر يتحدث عن أي قمة من القمم الأربع التي عقدت لتتأكد بنفسك من الانقسام الشعبي العربي من التعليقات فحسب ، اقرأ أي خبر عن حماس أو حزب الله أو سوريا أو معبر رفح لتتأكد اكثر واكثر .
غير أن التعليق الأكثر لفتا للانتباه ، هو الذي صادفته في موقع " العربية نت " ، وكان تعليقا على خبر عن العدوان الإسرائيلي على غزة ، وسمى كاتبه نفسه " إسرائيلي وأفتخر " ، وهو ما تجدون صورته بالأعلى ، رغم غضبي من التعليق ، ومما جاء فيه ، إلا أنه عند القراءة الثانية له ، لم أجد في حلقي إلا المرارة ، فإسرائيل هي التي ربحت الحرب ، والعالم العربي هو الذي خسر كل شي، كيف ؟ أقول لك .
الآن بعد أن كادت الحرب أن تضع أوزارها ، بعد أن ظهر الرابح والخاسر في لعبة الحرب بنوعيها : السياسية والعسكرية ، ظهر من الخاسر ومن الرابح ، خسر الجميع ، جميع الاطراف العربية والدولية ، ولم تربح إلا إسرائيل ـ للأسف ـ لأنها كانت هي التي تحرك الحرب ، بدأتها ، ووضعت نهايتها ، فيما كنا نحن نتصارع أينا يشتم الآخر أكثر .
خسرت الدول العربية جميعا ، فانقسمت أكثر مما كانت منقسمة قبلا ، انصرف الجيمع عن الحديث عن العدوان على غزة ، عن جثث الأطفال والنساء والشيوخ ، للحديث عن دور كل دولة ، و تأثيرها ، و بدءوا حربا جديدة اسمها " حرب القمم " ، من يسبق الآخر ويصنع قمة يربح شيكل ، وعقدت القمم وانتهت ، ولم يربح أحد شيئا .
خسرت مصر ، مع هذا الجدل حول دورها القومي الذي تراجع ، عن قوتها الناعمة في المنطقة التي تراخت ، فلأول مرة يتم حرق علمها أمام سفاراتها في دول عربية شقيقية ، وتنظم مظاهرات ضدها ، ويتم التشكيك في الدور الذي تلعبه ، ويتخبط وزير خارجيتها في الدفاع عنها ، مع الانقسام حول دورها ، والانقسام بالتوازي في العالم العربي ، كل دولة تريد أن تلعب دورا تريد أن تسحب البساط من تحت قدميها .
خسر حزب الله والسيد حسن نصرالله ، فالرجل الفاضل الذي نعزه ونقدره جميعا ، عندما هاجم مصر ، هوجم بشدة ، وشتم في الصحف القومية ، وفقد تعاطف الكثير الذين كانوا يحبونه منذ حرب لبنان 2006 ، ولم يخرج ما فعله أيضا عن الحرب الكلامية ، فلم يطلق صاروخا على إسرائيل
خسرت حماس التي وعدت برد مزلزل فلم تفعل شيئا ، وكان الجميع يعتقد أنها ستخرج بنصر سياسي وكيان يقبله ويتعامل معه المجتمع الدولي بعد الحرب مثلما فعل حزب الله حرب لبنان 2006 ، إلا أنها لم تفعل شيئا ففي حين أعلنت عن انتصارها نجد أن الأرقام على أرض الواقع تقول شيئا آخر، فقد استشهد اكثر من 1200 فلسطيني ، من بينهم 410 طفلا، واصابة نحو 5300 بجراح، وذلك حسبما اعلنت مصادر طبية فلسطينية في غزة ، فضلا عن تدمير البنية التحتية ، وزيادة وطأة الحصار ، وفي المقابل اعلنت اسرائيل ان العمليات في غزة اسفرت عن مقتل عشرة جنود وثلاثة مدنيين ، وأنا هنا لا أتحدث فقط عن مفهوم استراتيجية المنتصر والهزوم وإنما عن أن حماس لم تفز حتى بالتعاطف الشعبي ، لأنها مسئولة في النهاية عن أرواح الناس في غزة على اعتبار أنها الحكومة الموجودة هناك سواء كانت مقالة أو غير مقالة .
خسرت فتح بالطبع ، فأبو مازن الذي تحول إلى رئيس زائر ، حسب تعبير الكاتب الساخر جلال عامر ، لم يعرف مع من يقف ، ولا رئيس أي شعب هو ، وهل هو رئيس رام الله فقط ، وغزة في كوكب آخر أم لا ، ولم يستغل الاعتداء الإسرائيلي ويوحد شعبه ويقف مع حماس في خندق واحد ضد عدو واحد ، بل استمرت حروب التخوين الكلامية بين الطرفين كأفضل ما تكون الحروب .
خسرت سوريا ، وخسرت إيران ، فتهييج المشاعر و الخطب الرنانة ليست مقياسا ، ولا تكفي للتعاطف .
خسرت قطر ، مع إصرارها على عقد قمة معظم من حضروها ليس لهم علاقة بالموضوع " جزر القمر ، وجيبوتي ، والصومال " ، خسرت والجميع يعرف أن أكبر قاعدة أمريكية في الشرق الأوسط تقع في أرض ، خسرت وهي تعمل على شق الصف العربي ، خسرت بالقمة التي انتهت مثلما بدأت ، خسرت وهي تحاول أن تلعب دورا ليس دورها .
خسرت القنوات الفضائية الإخبارية ، فعرف الجميع أن الجزيرة هي لسان حال قطر ، وأن قناة العربية هي لسان حال السعودية ، تبين هذا في الحرب الباردة التي أعلنتها القناتان يوم الجمعة الماضي إبان انعقاد المؤتمرين الموازيين ، ولا وجود للحديث عن المعايير المهنية ، بالنسبة لي كنت أتنقل بين القناتين ثم تستقر يدي عند قناة البي بي سي ، التي كانت تقدم تغطية متوازنة .
خسرت الصحف القومية المصرية مع كم الشتائم الذي كانت تطلقه بلا حساب على من يتحدث ولو كان ناصحا معاتبا ، مع أنك تستطيع أن تفحم شاتمك بدون شتائم .
خسر الذين راهنوا على أوباما ، كما خسر أوباما تعاطف الشارع العربي معه ، فلم يقم بأي رد فعل إيجابي تجاه القضية الفلسطينية ، بل فعل املتوقع بالضبط ، وقف في صف إسرائيل ، ليقول المحللون أنها استراتيجية دولة ، وليست استراتيجية شخص
خسر كل هؤلاء وكسبت إسرائيل ، كسبت إسرائيل منذ البداية حين قررت إعلان الحرب في الوقت الذي يناسبها هي ، قبل انتخاباتها حتى تستغل جثث أطفال غزة كورقة انتخابية ، وقبل شهر من انتهاء ولاية الإدارة الأمريكية الراحلة ،كسبت باتفاقية المعابر التي وقعتها تسيبي ليفني مع نظيرتها وزيرة الخارجية الأمريكية كوندليزا رايس ، قبل تولي الإدارة الأمريكية الجديدة والتي ستكون ملزمة لها ، كسبت حين روج إعلامها الخارجي لها أنها تدافع عن نفسها ضد صواريخ حماس ، وهو ما لم نستطع فعله نحن مع كم القنوات التي نملكها ، لا بارك الله فيها ولا زادها ، على كل الأقمار العربي والأجنبي منها ، واستغللناها فقط في تقطيع ملابس بعضنا ، وكشف سوءاتنا على الهواء ، كسبت حين نجحت في شق الصف العربي ، أكثر مما كان مشقوقا ، وبدلا من الهجوم عليها أصبحنا نهاجم أنفسنا ، كسبت حين ضحكت من القمم التي عقدت والمبادرات التي أطلقت وقرارات الأمم المتحدة الفارغة ، وقررت في النهاية وقف إطلاق النار من جانب واحد ، فهي التي وضعت قرار بدء الحرب ، وهي التي تنهيه ، ربما يكون هذا صادما ، وقاسيا ، لكن علاج الجرح أفضل من تركه ينزف حتى النهاية .
خسر العرب جميعا ، وكسبت إسرائيل ، أما الأطفال والنساء والشيوخ الذين استشهدوا ، فدمهم معلق في رقبة الجميع ، حكاما ومحكومين ، ولا عزاء للسيدات .

15‏/01‏/2009

عيون غير مكتملة


كان الوقت يقترب من منتصف الليل فيما الميكروباص يشق شارع فيصل ، كنت منكفئا على كتاب في يدي يقطع ملل الطريق ، وصوت السائق يردد متصاعدا : الأستاذ أبو نضارة .
انتبهت فجأة إلى صوت السائق الذي تكرر ، تلفت ، كانت السيارة خالية إلا مني ، لم أهتم كثيرا بصوت السائق الذي تابع :
- سلامة السمع ، الآخر يا أستاذ
فقط أنتبهت إلى أنني " الأستاذ أبو نضارة " .
كان قد مر عام تقريبا منذ ارتديت نظارة طبية لأول مرة في حياتي ، لكنها كانت المرة الأولى التي يناديني فيها أحد " أبو نضارة " ، أو ألتفت إلى أن الأمر يلفت اهتمام الناس إلى هذا الحد .
ما قاله الرجل كان طبيعيا ، غير الطبيعي كان هو اهتمامي المبالغ ، لدرجة أن أعود إلى المنزل وأنظر في المرآة : هل أنا بنظارة فعلا ؟
حين ذهبت لطبيب العيون للمرة الأولى ، بعد ألم طال طويلا ، وزغللة في العينين ، قال لي : المفروض كنت لبست نضارة من زمان . لكن حينما استلمت النظارة من البائع ، وسرت بها لأول مرة في الشارع شعرت أن هناك فاصلا بيني وبين الحياة ، أن ما يجري في الحياة من خلف النظارة شيء ، وأنا شيء آخر ، وحين عبرت الشارع المزدحم ، كنت مترددا ، أو خائفا من أن أخطئ حساب المسافات من خلف النظارة فتصدمني سيارة .
أحد الأصدقاء الطيبين قال لي : ده شيء طبيعي ، لكن هتتعود بعد كده .
في مرحلة ما من العمر كانت النظارة من مكملات الشياكة ، وأذكر أنني في الصف الثالث الإعدادي اشتريت نظارة بخمسة جنيهات ، حتى أكون شبيها للكتاب الذين أقرأ لهم ، أنا الذي كنت أطمح لأن أصبح واحدا منهم فيما أقضي جل يوم في القراءة ، لكنني أدركت بعد ذلك أن الكتاب ليس شرطا أن يرتدوا نظارة حتى يصبحوا كذلك .
ما أذكره أيضا أن النظارة كانت تتحول في قريتنا أحيانا سببا للمعايرة ، بأن لابسها قد فقد بصره ، أو كاد ، أذكر أيضا أن أحد أعمامي ضعفت عيناه بسبب السن ، ونصحه الطبيب بأن يرتدي نظارة ، لكن خوفه من كلام الناس جعله يرفض ذلك ، فماذا يملك الرجل في الريف سوى صحته وعينيه ، لكن مع تراجع البصر اضطر إلى لبس نظارة ، لكنه كان يلبسها فقط حين يكون في البيت بين أبنائه ، ويخلعها إذا خرج ليجلس على المقهي .
لم أفرح بالنظارة ، ولم أعلقها في جيب القميص كما كان يفعل بعض الزملاء في المرحلة الثانوية ، أو أضعها في الجراب وأضع الجراب أمامي كما يفعل الكثيرون ، لأنني ببساطة ، أكتشف ذلك الآن ، لا أرتدي نظارة شمس ، بل إن نظرت إلى الذين يرتدونها الآن تكاد تقول : يا لكم من مرفهين .
بعد عام ونصف تقريبا ، من ارتدائي النظارة ، ذهبت لإجراء كشف صحي ، طلبوه مني في العمل ، فاكتشفت أن الدوائر غير المكتملة عند طبيب العيون عادت لتهتز مرة أخرى ، ولا تبين نهاياتها ، أحكي للأصدقاء فينصحونني بالذهاب مرة أخرى إلى الطبيب لأنه من الطبيعي أن أغير النظارة كل عام ونصف .
أبحث عن رقم الطبيب ، لا يرد ، في اليوم التالي يرد الممرض بعد ممانعة :
ـ من فضلك دي عيادة دكتور فلان ؟
ـ ......
ـ طيب أنا كنت كشفت من سنة وعاوز أعيد الكشف
ـ .......
ـ قصدي عاوز أكشف تاني عشان نظري ضعف أكتر
يقول الممرض أنه ممكن أكشف عند ابن الطبيب ، فهو متخصص في العيون أيضا ، أسأله
ـ طيب بالنسبة للدكتورفلان
يرد بحيادية : تعيش إنت .
البصر الذي يذهب رويدا ، أكتشف أهميته وأنا أحدق في شاشة الكومبيوتر و أكاد لا أرى ، أو وأن أضطر للنوم من الثامنة مساء بسبب ألم حارق في العينين ، أو حين أضطر لترك متابعة فيلم أحبه لأنني لا أميز الوجوه جيدا ، أو حين يناديني سائق ميكروباص : الأستاذ أبو نضارة .