حوار - نهي محمود
محمد أبو زيد أحد الأصوات الشعرية المميزة جدا في الجيل الحالي . صنع لنفسه مكانا بارزا وسط شعراء قصيدة النثر بأربعة دواوين هي ثقب في الهواء بطول قامتي و مديح الغابة و قوم جلوس حولهم ماء وطاعون يضع ساقا فوق ساق وينظر للسماء ، أبو زيد الشاعر ورئيس تحرير موقع الكتابة الجديدة أول موقع الكتروني مصري ثقافي يحتفي فيه بالكتابة الجديدة في مصر والعالم العربي ، محمد صاحب الإيمان بأن الكتابة هي الحلم والحياة . تأخذنا كتابته لحالة حزن وشجن عامة يقول عنها هي حالة هذا الوطن وهذا الجيل . صدر للشاعر محمد ابو زيد رواية اولي هي اثر النبي عن دار شرقيات وكان لنا معه هذا الحوار .
ـ تقول إنك انجزت روايتك بين عام 2003 حتي 2010 سبع سنوات لإنجاز رواية أولي فيم احتجت كل هذا الوقت ؟
ـ بدأت في كتابة الرواية عقب احتلال العراق عام 2003. وكنت تقريبا قد انتهيت منها . وتقدمت بها لمسابقة يحيي حقي بالمجلس الأعلي للثقافة . وفازت بها . بعد ذلك صدر ديواني الأول وانشغلت ببناء تجربتي الشعرية . لكن ظل طوال الوقت لدي هاجس الرواية . فقررت إعادة العمل عليها عام 2008 . أضفت شخصيات وحذفت أخري أضفت فصولا . تضاعف تقريبا حجم الرواية . لكن حرصت في ظل هذا أن تحتفظ بروح كتابتها الأولي.
ـ ما الذي عجزت عن قوله بالشعر . واحتجت للرواية لتبوح به ؟
ـ قد أكون قلت في دواوين سابقة بعض ما في هذه الرواية . وهذا يفسر سؤال البعض عن وجود شخصيات موجودة في الرواية وموجودة في دواوين سابقة . فهناك شخصية عائشة وهي موجودة في ديواني الأول ثقب في الهواء بطول قامتي وفي ديواني القادم أيضا . وكذلك شخصية الشيخ أحمد عبد التواب و ميرفت عبد العزيز فالفكرة هنا أنني لم أعجز عن كتابة شيء بالشعر فكتبته بالرواية . لكنني كتبت الرواية بمنطق أنني مبدع . وأنني شاعر.
ـ ولاؤك الآن لقصيدة النثر أم للرواية ؟
ـ ولائي للكتابة الجميلة . والفيصل هنا هل هذه الرواية جيدة أم لا . لكنني كما قلت لك أنا شاعر كتب رواية . قد أكرر التجربة أو لا أكررها . والكتابة في ظني بشكل عام أشبه بلعب الكرة في حقل ألغام .في أي سطر من الممكن أن تفجري كل ما فعلتيه . وربما أيضا تقدمين شيئا جديدا لم يفعله أحد من قبلك . الكتابة لعبة . وأنا مستمتع بها أيا كان شكل هذه اللعبة.
ـ الشجن واللغة الشاعرية عامل مشترك بين دواوينك وروايتك . فهل تكرس عالمك الإبداعي للحزن وعنه؟
ـ أهتم جدا باللغة في بناء النص لدي . حتي إذا أدخلت لغة عامية أو مفردات أجنبية فأنا أختارها بعناية بحيث لا تجرح البناء اللغوي للنص . لا أكرس عالمي الإبداعي للكتابة عن الحزن . لكن الحزن هو حالة وطن . حالة جيل . حالة كتابة بالنسبة لي . الكتابة أحيانا تكون مبررا للوجود . أحيانا تكون مخرجا من هذا الحزن أوالاكتئاب . ثم أن لكل نص حالته . بطل الرواية كان يغني عندما يكون خائفا حتي يطرد العفاريت . والكتابة غنائي حتي أطرد الحزن.
ـ بطل روايتك يخاطب حبيبة خرافية ويتحدث عن إحباطاته . تيمة البطل المهزوم ما هي الرؤية الجديدة التي قدمتها فيها في أثر النبي؟
ـ أنا في الرواية أتحدث عن هزيمة جيل بكامله . دائما ما يتحدث جيل الستينيات والسبعينيات عن أن نكسة 1967 هي التي كسرت الجيل بأكمله . وأن الأجيال القادمة لم تمر بمثل هذه التجربة . مع أن ما حدث في احتلال العراق للكويت عام 1990 . ثم احتلال أمريكا للعراق علي مرأي ومسمع من الجميع . شاهدنا كل هذا ونحن نشرب النعناع والينسون علي المقاهي دون أن نتحرك . شاهدنا الحرب علي الهواء مباشرة وأستأنفنا حيواتنا كأن شيئا لم يحدث . كان هذا الاحتلال هو النكسة الحقيقية للعرب . ونهاية حلم الوحدة العربية كما جاء علي لسان أحد أبطال الرواية . هي هزيمة بطل الرواية الذي انكفأ علي هزائمه الشخصية . أبطال الرواية مهزومون . لأن هزائمنا الصغيرة هي التي تكون هزيمتنا الكبري . أعرف أن هذا قد يكون خطابا أيديولوجيا . وأعترف أنني مؤدلج . لأنه يجب أن يكون لدي الكاتب قضيته الخاصة وأيديولوجيته . لا أقصد بالأدلجة هنا الانتماء لحزب فلا توجد أحزاب في الشارع السياسي . لكن أقصد أن يكون لديه همه الخاص . لأن هذا الهم هو الذي يحركنا للكتابة . وحياة بلا قضية تشبه حياة السوائم .
ـ أول أعمالك صدرت عن سلاسل حكومية ثم تخليت تماما عن هذا الجانب ولجأت لدور النشر الخاصة لماذا؟
ـ أول دواويني ثقب في الهواء بطول قامتي صدر بعد أربع سنوات من تقديمه. عن الهيئة العامة لقصور الثقافة . ثاني دواويني مديح الغابة صدر بعد خمس سنوات من تقديمه للهيئة العامة للكتاب . صدر خلالها ديواني الثالث قوم جلوس حولهم ماء عن دار شرقيات الخاصة . وبهذا الشكل يمكنني أن أقدم أعمالي للسلاسل الحكومية . وأفعل ما تفعله سمكة الحنكليس . وهو الانتظار والتأمل في مياه المحيط حتي يصيبني الدور . فضلا عن أن الكتابة تشبه البناء التراكمي . فليس معقولا أن تقرأ الديوان الثالث أو الرابع قبل الثاني بسبب مشاكل النشر . وربما بسبب مشاكل النشر هذه فكرت في إطلاق موقع الكتابة حتي يحل قليلا من أزمة الكتاب الشباب في النشر بعد أن عانيت وعاني منها جيلي وأجيال سابقة الأمرين.
ـ أنت شاعر ومثقف مصري تؤمن بالكتابة الجديدة حدثني عن حلم موقع الكتابة الجديدة الذي تحول لواقع؟
ـ موقع الكتابة بدأ كحلم أن يكون هناك موقع ثقافي مصري . عندما بدأنا ننشر علي الانترنت كانت كل المواقع الثقافية الموجودة هي مواقع ثقافية عربية . مثل جهة الشعر . وكيكا . وأفق . وأوكسجين . ولم يكن هناك موقع ثقافي مصري . مع أن الثقافة هي بمثابة القوة الناعمة لمصر طوال المائة عام الماضية . ومصر كانت دائما ملجأ الكتاب والمبدعين . حتي مواقع الهيئات الثقافية غير محدثة وغير مهتمة بالإبداع . فبدأت الفكرة من هنا أن يكون هناك أول موقع ثقافي مصري . ويساعد في حل أزمة النشر . فلا توجد مجلات ثقافية في مصر سوي الثقافة الجديدة والمحيط الثقافي. وبعض رؤساء تحرير الصحف يعتقدون أن صفحة إعلان أو صفحة فن أفضل من صفحة ثقافة . ودائما صفحة الثقافة هي كبش الفداء الأول. فمن هنا جاء الموقع ليقف بجوار الكتابة ضد مأساة النشر . وليكون أول موقع ثقافي مصري . ولينحاز للكتابة الجميلة كما قلت في بيان إطلاقه.
ـ كيف قابلت تعرض موقع الكتابة للاعتداء؟
ـ قابلته بأن أعدت بناءه مرة أخري . وأطلقته مرة أخري . لم أتوقف عن نشر النصوص الجميلة الجادة . لم أقف . ولم أتراجع عن انحيازات الموقع الواضحة للكتابة الجميلة.
ـ ما هو مشروعك القادم ؟
ـ فضلا عن تطوير موقع الكتابة . أعمل الآن علي الانتهاء من ديوان مدهامتان . وسأقدم فيه نصوصا صوفية . ستكون هناك قصائد عمودية . وقصائد تفعيلة . وقصائد نثر . لأن أكثر ما يضايقني هي فكرة نفي الآخر في الثقافة المصرية . فشاعر القصيدة العمودية لا يري أحدا بعده . وشاعر قصيدة التفعيلة لا يري أحدا بعده ولا قبله . وشاعر قصيدة النثر لا يري أحدا قبله . وأصبحت الكتابة تشبه ما يحدث في أفغانستان والعراق . لذا ستجدين في الديوان ثلاثة أنواع من الكتابة . لأن الشعر هو الذي حين تقرأه تعرفين أنك تقرأين شعرا . بغض النظر عن الطريقة التي كتبت به .
ـ ما الذي تصدق أن الكتابة ستحققه لك بمعني آخر ما هي أحلامك التي تخص كتاباتك؟
ـ الكتابة بالنسبة لي علة وجود . هي سبب استمراري في الحياة . ولدي مشروع كتابة يكتمل بعمل بعد الآخر . وعندما أنتهي من آخر سطر منه . سأضع قلمي جانبا وأنتظر الموت . الكتابة هي الحلم . الكتابة هي الحياة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نشر في جريدة الجمهورية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق