في مشهد دراماتيكي يجلس الأمير أبو عبد الله، أو محفوظ زلطة، أو الفنان محمود عبد العزيز، العائد من أفغانستان، مع اثنين من أعضاء الجماعات الإسلامية في مصر، لمحاولة إقناعهما بسماحة الإسلام، ونبذ العنف والتطرف والإرهاب، والمفارقة هنا أن محفوظ زلطة الذي قضى 20 عاما من عمره بين المجاهدين الأفغان، حتى لو حرص المسلسل على عدم تسميتهم، تنقل فيها ما بين الحرب ضد الاتحاد السوفيتي إلى الحرب ضد أمريكا، هو الذي يقنع الجماعات المصرية بنبذ الجهاد.
غير أن هذه ليست هي المفارقة الوحيدة في المسلسل، الذي يقدم الشخصيات الجهادية، في أفغانستان بشكل كارتوني، يذكرنا بالأفلام الدينية القادمة، والتي يبدو فيها الكافر كافرا من زيه وماكياجه، حيث يبدو أعضاء تنظيم القاعدة، الذين لم يسمهم أيضا، متجهمين طوال الوقت، يتحدثون العربية الفصحى كأنهم خارجين من فيلم فجر الإسلام والشيماء، دون أية أنسنة أو اقتراب من البناء النفسي للشخصيات، بل تبدو إحدى الشخصيات المحورية، وهي "أبو خليفة"، أقرب إلى البلطجي منها إلى الجهادي الذي يملك مبررات ويرددها كالببغاء، يؤمن بها، تبرر ما يقوم به.
ومن المفارقات المهمة أيضا، الشخصيات التي تدير العملية الأمنية في مصر، والتي لم يذكرها المسلسل صراحة في البداية، فتظن أنها إما المخابرات العامة أو الأمن القومي، ثم يذكر المسلسل بعد عدد من الحلقات أنها جهاز أمن الدولة "المنحل"، والذي يقدمه بصورة أقرب إلى الملائكية للصورة التي نعرفها عنه، والتي تذكرها أدبيات الجماعة الإسلامية في شهادات أعضائها عن التعذيب الذي لاقوه في المعتقلات، وعلى أيدي ضباط هذا الجهاز. أما الشخصيات العاملة في هذا الجهاز فيبدو رئيس الجهاز الأمني (الفنان أحمد فؤاد سليم) أقرب إلى البلاهة، ويبدو الضباط الذي يتعامل ( الفنان أحمد فلوكس) متعاطفا إلى حد كبير مع الأمير أبو عبد الله، كما أن طريقة تعامل الضباط مع الموقوفين أو المعتقلين تقوم بغسيل سمعة للجهاز، الذي تم حله شعبيا، بسبب المعاملة القاسية التي لاقاها منه كل النشطاء السياسيين فضلا عن المعتقلين من الجماعات الإسلامية والذين فقد الكثير منهم حياتهم داخل الزنازين جراء التعذيب.
من المفارقات المهمة أيضا أن المسلسل لا يميز بين الجماعات الإسلامية الراديكالية في مصر، على اختلاف توجهاتها، وهذه آفة يقع فيها معظم صناع الدراما، فهم يتعاملون مع أي ملتح باعتباره جهاديا، وبهذا فهم يضعون الإخوان المسلمين والعائدين من ألبانيا وأفغانستان والجماعة الإسلامية وتنظيم الجهاد وجماعات التكفير والهجرة والسلفيين في سلة واحدة، وهذا مناف للحقيقة، بل إن هذه الجماعات المختلفة تنظر للموضوع الواحد من زوايا مختلفة ويكفر بعضها الآخر، وإذا كان هذا ليس وقت المقارنة الفكرية بين أفكار هذه الجماعات إلا أنه من المهم الإشارة إلى تغير موقف بعض الجماعات من الجهاد، فالجماعة الإسلامية التي اشتركت مع تنظيم الجهاد في اغتيال السادات، وقاد قادتها التاريخيين أحداث أسيوط 1981، والتي هدفت إلى انقلاب على الحكم والسيطرة على مديرية الأمن هناك، تغير موقفها بالكلية، بعد مراجعاتها الفكرية، بداية من مبادرة وقف العنف التي أعلنتها عام 1997، وقبل أشهر قليلة من مذبحة الأقصر، والتي تبرأت الجماعة منها، (يشير المسلسل إلى أن أبو خليفة شارك في هذه العملية)، بل قام القادة التاريخيون للجماعة بعد ندوات في السجون لإقناع معتقلي الجماعة بالتحول الفكري ونبذ العنف، فضلا عن إصدارهم عددا من الكتب الفقهية تضمنت مراجعاتهم الفكرية مدللا عليها من الكتاب والسنة. ليس هذا فقط، بل قام أمير جماعة الجهاد السابق، والمعتقل حاليا في سجن العقرب شديد الحراسة، الدكتور فضل (يحمل اسمين آخرين في أدبيات القاعدة هما السيد إمام الشريف، والشيخ عبد القادر عبد العزيز) قام بإصدار مراجعات فكرية، قبل خمسة أعوام، تراجع فيها عن فتاواه السابقة بخصوص الجهاد،(وثيقة ترشيد الجهاد في مصر والعالم، وهي مراجعات كتبها عام 2007، التعرية لكتاب التبرئة، وهو كتاب رد فيه على الظواهري في رده على وثيقة ترشيد الجهاد) ومن المهم الإشارة هنا إلى أن أدبيات جماعة الجهاد تكشف أنه كان على خلاف بينه وبين الدكتور أيمن الظواهري على الإمارة.
هذا الخلفية التاريخية البسيطة تبدو مهمة لفهم بعض التفاصيل التي يقدمها المسلسل، خاصة أن إحدى الشخصيات التي يقدمها، وهي أمير الجماعة المسجون (قام بدوره الفنان سناء شافع)، والتي تبدو متماسة مع شخصية الدكتور فضل في بعض الأحيان، حيث تصدر التعليمات للقابعين هناك في جبال تورا بورا، أو مع إحدى الشخصيات العام كما تبين التواصل السريع بين تنظيم القاعدة، والمعتقلين في مصر، وهو ما يكشف بدوره عن عجز الأجهزة الأمنية؟
قسم زعيم القاعدة الراحل الشيخ أسامة بن لادن، عقب أحداث سبتمبر 2011، العالم إلى فسطاطين، فسطاط الإيمان وفسطاط الكفر، على حد تعبيره، ويبدو هي الطريقة التي اتبعها مسلسل باب الخلق، حيث جاءت معظم الشخصيات حادة الانحياز، ما عدا شخصية الأمير أبو عبد الله، التي استطاع الفنان محمود عبد العزيز رسم ملامحها ببراعة، والتي تقدم عددا من التناقضات ما بين تحوله من جهادي سابق إلى نجم فضائيات، ومطارد من تنظيم القاعدة، أيضا شخصية محامي الجماعات الإسلامية (الفنان عزت أبو عوف)، الذي يلعب على كل الأحبال، وهو نموذج معروف لعدد من المحامين الذين أداروا هذه الملفات في مصر السنوات الماضية، ومن المهم هنا الإشارة إلى الجهد الذي بذله المخرج عادل أديب لتقديم صورة مختلفة للدراما المصرية، واستخدام تقنيات جديدة في المونتاج وفصل الألوان وتحريك الكاميرات، فضلا عن اللمسة الكوميدية التي تغلف بوليسية الأحداث.
وعلى الرغم من حالة التقليدية التي قدمها المسلسل في بناء بعض الشخصيات، إلا أنه من الواجب الإشارة إلى أنها المرة الأولى التي يقدم فيها رصد لما تقوم به بعض الجماعات الجهادية داخل الحدود المصرية، حتى لو شاب تقديمها بعض الأخطاء، كما أنه قدم أيضا تداخل عوالم المال والسياسة والإعلام والحزب الحاكم واستخدام الجماعات الجهادية في تنفيذ المصالح السياسية.
ــــــــــــــــــــــــــ
*نشر في أخبار الأدب
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق