اشتعلت وسائل
التواصل الاجتماعي خلال الأسبوع الماضي بمعركة لفظية، بين إعلاميين شهيرين، على مدار ثلاثة أيام، استخدم كل طرف فيها كل ما
يملك من قوة وضغط وأتباع للوصول إلى هدفه، كانت البذاءة هي عنوانها الرئيس،
واستخدمت الشتائم فيها كسلاح اغتيال معنوي، حتى وصلت إلى الترند العالمي على
تويتر.
وبعيداً عن
المعركة وشخوصها، كان السؤال الأبرز بالنسبة لي: كيف أصبح استخدام الشتائم
"البذيئة"، ممن يفترض فيهم أنهم قادة رأي، وصناع رأي عام، وقدوة لكثير
من الشباب والأطفال، سهلاً وبسيطاً، لدرجة إعلان مسابقة ـ بين هؤلاء الشباب ـ على
اختيار "الشتيمة" الأكثر إيلاماً واغتيالاً وتأثيراً.
صعود هذه
"البذاءة اللفظية" في المجتمع المصري، ليس حديث العهد، بل ارتبط بما جرى
في المجتمع خلال الخمس سنوات ماضية من تغيرات، وصعود نجوم مجتمع، سواء في الفن أو
السياسة أو الرياضة أو الإعلام أو الصحافة أو الدعوة، لا يتورعون عن استخدام هذه الألفاظ،
بل ويتسارعون لاختيار الأنسب والأكثر تأثيراً منها لمزيد من "الترافيك"
و"الشهرة"، ويمكن بعملية بحث سريعة على يوتيوب، أن تدرك كم الشتائم
المباشرة التي قيلت عبر الفضائيات خلال الفترة الماضية.
لكن الحالة
الأبرز التي ترصد التغير الذي حدث، هي حالة "أحمد التباع" الذي تحول إلى
نجم مرحلة دون أي سبب دال، سوى أنه دليل على مدى التحول القيمي في المتجمع. وأحمد
التباع لمن لا يعرفه هو سائق إحدى عربات النقل الثقيل، تسربت مكالمة هاتفية جنسية
له على يوتيوب يخاطب فيها فتاة اسمها "هبة"، وانتشرت بشدة خلال
العام 2011، لكن بدلاً من أن يهرب أو ينزوي
هذا الشخص خجلاً، تحول إلى نجم على مواقع التواصل الاجتماعي، وتحولت كلماته في
المكالمة إلى "إفيهات" يتناقلها الشباب فيما بينهم، وتحول وجه التباع
إلى علامة مميزة في كثير من الكوميكس على فيس بوك وتويتر. لكن الأمر لم يقف عند
هذا الحد، بل وصل إلى أبعد مما كان يمكن تخيله، عندما تحول إلى نجم تلفزيوني، فظهر
في قناة "القاهرة والناس" مع طوني خليفة، والغريب أن أحد ضيوف البرنامج
كان يدافع عنه خلال الحلقة، ثم ظهر في إحدى حلقات برنامج "رامز واكل
الجو" مع رامز جلال على شاشة إم بي سي، كما كان بطلاً لفيلم أنتجه أحد
المواقع الإلكترونية حمل اسم "الأسطورة"، ثم تحول إلى بطل حملة إعلانية
لإحدى شركات البطاطس الشهيرة، وهكذا أصبحت صورته في الشوارع والميادين والفضائيات.
في الأحوال
العادية، كان تسريب مكالمة بهذا الشكل، لشخص أياً كان ـ مشهوراً أم مغموراً ـ
كفيلاً بأن يتحول الأمر إلى فضيحة، وربما يصل إلى القضاء، لكن ما حدث مع التباع
أنه تحول إلى نجم، من الإنتنت إلى الصحافة إلى التلفزيون إلى الإعلانات، وربما
قريباً في السينما، وعندما يسألك طفلك: "من هذا؟"، ما الذي فعله كي يصبح
نجماً تلفزيونيا، فعليك أن تبحث عن كذبة مناسبة.
ما الذي يربط
بين حكاية الإعلاميين الشهيرين وأحمد التباع؟ الرابط هو المساهمة في صناعة "البذاءة"،
والترويج لها، وجعلها نجمة المرحلة، حتى أصبح الاستماع إلى "الشتائم"،
سواء في الشارع أوالفضائيات أو السينما والدراما أمراً عادياً وغير مستهجن. فكم
شخصاً شارك في صناعة "الهاشتاج العالمي"، والذين بالضرورة استخدموا
"الشتائم" للوصول إلى هذا الغرض؟ وهل هكذا يتم استخدام الجماهير؟ لست
معنياً بالدفاع عن أحد ولا بمهاجمة أحد، لكني معني بالمجتمع الذي تتغير قيمه وأسسه
وأخلاقياته، بسبب البحث عن الترافيك والترند والمعجبين والإثارة والانتشار والشهرة
والانتقام.
لست قيّماً
على الأخلاق، ولست رقيباً على أحد، لكن ما أعتقده أن حالة الانهيار الأخلاقي التي
نعاني منها، والتي يشكو الجميع منها، لن تتوقف إلا إذا توقف صناع الرأي والإعلاميون
وضيوف البرامج عن المساهمة في ذلك أولاً، وقبل ذلك لا تتوقف في الشارع لتتساءل عن
سبب هذا الكم من الشتائم في التعاملات العادية للناس.
...................
*نشر في "المصري اليوم"
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق