محمد فرج
على الرغم من كونها روايته الأولى بعد أربعة دواوين شعرية وديوان للأطفال ، وعلى الرغم من كونه من مواليد عام 1980 ، إلا أن محمد أبو زيد في روايته أثر النبي الصادرة حديثا عن دار شرقيات يبدو وكأنه يحمل نفس الهموم التي حملها أبناء جيلي الستينيات والسبعينيات وعبروا عنها من خلال إنتاجهم الكتابي ، مع اختلاف التفاصيل التاريخية والتي يبدو مع أثر أبو زيد وكأنها امتداد لما كان .
فعلى خلاف كتابة أبناء ما بعد الألفية والتي تميل أكثر إلى التجريب والفانتازيا وإعادة تخليق واقع مختلف بحس ساخر ، والبعد عما هو عام أو أيديولوجي بشكل عام ، يصنع أبو زيد نصا مختلفا عن هذه التجربة ويميل إلى رواية " نكسة " ذلك الجيل الذي ولد أواخر السبعينيات وأوائل الثمانينات والتي يؤرخ لها في " أثر النبي " بغزو العراق للكويت ، وتنتهي بالاحتلال الأمريكي للعراق الذي يصفه أحد شخصيات الرواية بـ " نهاية العالم العربي" .
أثر النبي هي خطاب طويل موجه إلى شخصية لم تظهر خلال الرواية إلا في لمحات بسيطة ولكن خطاب الراوي موجه كله إليها ، بداية من مفتتح يبرر فيه لجوئه للكتابة حيث يكتب لينسى ، لأن التذكر بالنسبة له " عذاب " ، ويحسد زينب على " النسيان " ، تلك العلة للجوء للكتابة تختفي تقريبا من الكتابة الجديدة وتبقى واضحة في كتابات الستينيات والسبعينيات ، تبدأ الرواية وتنتهي عند نفس المشهد عندما يتسلل الراوي إلى مسكنه الذي يقطنه مع مجموعة من الطلبة ويكتشف موت زميله بالسل فيجد جثة ملقاة وسط بحيرة من الدم والقيء ، ليبدأ الراوي من هذا المشهد عبر فصول صغيرة يحمل كل منها عنوانا منفصلا ، ويتخللها مقاطع من قصائد وأغاني صوفية لا تخدم النص في كثير من الأحيان ، معاناة الراوي تبدأ منذ طفولته ، حيث تموت والدته فجأة في حادث أمام عينه ، ويتبع ذلك زواج الأب من امرأة أخرى لم يشعر تجاهها الطفل بأية عاطفة لينغلق على نفسه ويحسب الأب ذلك مسا من الجن فيدور به على المشايخ الذين يطردون العفاريت ، فيزداد انغلاق الطفل ثم الفتى على نفسه ، ويبدأ في حمل غربته التي تدفعه إلى الحلم الدائم بالسفر ، وعلى الرغم من أن ساحة أحداث الراوي الآتية التي يتحرك منها إلى ذكرياته القديمة هي شقق الطلبة ، المكتظة ، سيئة الترتيب ، الموضوعة دائما تحت المراقبة من قبل ملاكها أو جيرانها ، الممتلئة بأحلام الطلاب المراهقين النازحين إلى القاهرة والحالمين بإنهاء دراستهم والسفر إلى الخارج والمحاصرين برغباتهم المكبوتة التي يتلصصون لأجلها على شبابيك أصحاب الزيجات الجديدة ، تلك الشقق التي يرصد أبوزيد الكثير من تفاصيلها و التي تصلح لبناء عالم روائي متكامل ولا زال بكرا لم يمس كتابيا من أبناء ما بعد الألفية إلا أن أبو زيد فضل أن يتخذها فقط مسرحا لحركة الراوي وزملائه .
رواية أثر النبي تحكي عن مأساة جيل جديد بنفس لسان الأجيال التي سبقته ، ربما لأن الأزمة تبدو له واحدة وممتدة ويتجلى هذا الامتداد في المشهد الأخير في الرواية حيث يخرج الراوي إلى الشوارع بعد أن ترك جثة صديقه ملقاة على الأرض خائفا أن يتهم بقتله ، ويترامى إلى مسامعه المشاهد الأخيرة من فيلم العصفور ليوسف شاهين عندما تسمع بطلة الفيلم الفنانة محسنة توفيق ـ التي يشعر الراوي أنها تشبه أمه ـ خطاب تنحي عبد الناصر وتخرج إلى الشارع مع جموع ؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* نشرت في جريدة الأخبار
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق