10‏/08‏/2019

محمد أبو زيد: «عنكبوت فى القلب» تكملة لمشروعى الشعرى


 حاورته: هانم الشربينى
بالرغم من أنه محسوب على جيل الشباب، فإن كتاباته تؤهله لأن يقف فى مصاف الكتاب الكبار ، عرفه القراء كشاعر، لكنه مؤخرا أصدر روايته الثانية «عنكبوت فى القلب» التى يعتبرها استكمالا لمشروعه الشعرى، واستئنافا للبحث وراء شخصيات دواوينه.. إنه الشاعر محمد أبو زيد، صاحب التجربة الشعرية الباذخة، والدواوين شديدة الخصوصية، يؤكد حضوره الروائى الروائى جنبا إلى جنب حضوره الشعري، عن روايته الجديدة وعلاقتها بمشروعه الشعرى وأشياء أخرى كان الحوار:

لماذا لجأت إلى ذكر أسماء حقيقية مثل الكاتب هانى عبد المريد، وقهوة عم صالح وممدوح عامل المقهى؟

تقوم الرواية على لعبة بسيطة. وهى مزج الواقعى بالفانتازي. فمعظم أحداث الرواية تدور تقريباً فى منطقة وسط البلد، فى شوارع معروفة لنا جميعاً: شامبليون، طلعت حرب، مصدق، باب اللوق. ومقاهٍ ومطاعم حقيقية. وهذا يعطى انطباعاً أولياً بأن الرواية مبنية على أحداث حقيقية. لكن عندما يقابل بطل الرواية، علاء الدين أو سنووايت، سيكتشف القارئ أنها ليست حقيقية. وهكذا تظل الرواية تراوح بين العالمين، فى محاولة لمزجهما والخروج بنص يجمع بينهما. وربما هذا مناسبة للقول أن الفصل الثالث من الرواية يكشف تفاصيل عملية الكتابة من وجهة نظري، ورغم إنه مكتوب على لسانى كمؤلف، فإنه أيضاً تنطبق عليه شروط اللعبة السابقة وهى المزج بين الواقعى والفانتازي. ووضع شخصية المؤلف فى الإطار الفانتازي. وأعتقد أننى فى الفصل أشرت إلى هذه النقطة، عندما عقدت مقارنة بين أيهما الأكثر إثارة الواقع أم الخيال، رداً على أولئك الذين يقولون إن الواقع أكثر غرابة من الخيال. والإجابة على هذه الإشكالية هى الفن، تلك اللمسة السحرية التى تحول الجماد إلى فن.

 روايتك تبدو مختلفة من حيث التقنية، فهى تتكلم عن عدة شخصيات معروفة مثل تأبط شراً، عبد الحليم حافظ، كيت وينسلت، ميرفت عبد العزيز، وخلافه، وتجمعهم جميعاً حياة شبه عبثية تغلفها روح السخرية، لماذا هذا التكنيك المغاير تحديداً؟

بالنسبة للسخرية،  فأنا لم أقصد أن أقدم نصاً ساخراً، لكن ربما هى المفارقة، التى تبدو أحياناً مضحكة، رغم أنها أحياناً تبدو كوميديا سوداء. وفى رأيى أن "النكتة" واحدة من أذكى وأبسط الفنون التى اخترعها الإنسان وأصعبها، لأنها تعتمد على نفس آليات العمل الفنى فى الغالب، لو أخذنا الأمر بشكل مبسط. فنحن أمامنا حكاية عادية، تنتهى بالتواءة أو مفاجأة أو نقطة إضاءة تدفعك للضحك. هى تسعى لإدهاشك فى النهاية. والدهشة نصف الفن. الكاتب يكتب لأن فكرة ما أدهشته، والقارئ يكمل ما يقرأه لأن شيئاً ما أدهشه. ولا فن دون إدهاش. والإدهاش هنا لا يعنى أن ترفع حاجيك متعجباً فقط، لكن جزء منه إعجابك بما يقول الكاتب سواء اتفقت معه أم اختلفت. واستدعاء شخصيات فى الرواية بعضها أسطورى مثل "علاء الدين" و"سنووايت"، وبعضها حقيقى مثل "كيت وينسلت" و"أودرى تاتو"،  وتغيير حيواتها بما يتوافق مع الخطوط السردية للرواية يمكن إدراجه هنا تحت هذا المعنى. ما أردته أن أكتب رواية عن امتزج الفن بالحياة، ولا أعرف إذا كنت قد وفقت أم لا.

 الروتين والملل وعدم امتلاك حياة حقيقية هو ما يجمع الشخصيات فى الحكى ما تعليقك؟

أعتقد أن سؤالك هو جوهر حياة ميرفت عبد العزيز. فهى شخصية شديدة العادية، لكنها تسعى لتغيير حياتها بفعل أشياء شديدة الغرابة، فى حين أن الشخصية الأخرى "بيبو" حياته شديدة الغرائبية ويحاول كسر ذلك بفعل أشياء روتينية. وأظن أن هذا جوهر حياتنا جميعاً، فأياً كان العمل الذى نعمل فيه، سيتحول بعد فترة إلى عمل روتين. وأياً كانت الحياة التى نعيشها، ستتحول مع الوقت إلى أيام متشابهة. ولا يمكن الانتصار على هذا إلا بالفن. لذا يمكنك القول أن الرواية تسعى للانتصار على الروتين اليومى بالفن.

 اسمك ارتبط بكونك شاعر.. ما سبب تحولك أو فلنقل التفاتتك لكتابة الرواية؟

لم أكتب هذه الرواية لأننى أسعى لأن أكون روائياً، وهذا ليس تقليلاً من الروائيين، فأى فن هو صعب البناء. ولكنى كتبت الرواية لأنى رأيت أنها ستكون مكملة لمشروعى الشعري. فشخصية ميرفت عبد العزيز ـ الشخصية الأساسية فى الرواية ـ قادمة من دواوينى بالأساس، وإذا راجعت دواوينى السابقة ستجدين فى كل منها قصيدة باسم "ميرفت عبد العزيز"، كذلك ستجدين مقاطع من هذه الدواوين فى الرواية، وستجدين أننى كتبت فى المراجع فى نهاية الكتابة قائمة بجميع أعمالى السابقة. بل أشرت أن بطل الرواية "بيبو" يُغير على بطل روايتى الأولى "أثر النبي"، ويسرق بعض خصائصها. وأقصد بهذا أن الفن مكمل لبعضه البعض. بالنسبة لى أكتب بهذه الطريقة. لا أقصد أننى عندما كتبت ديوانى الأول كنت أفكر فى هذه الرواية، ولكن أقصد أن هناك مشروعاً كاملاً يكتمل من نص إلى آخر، وبأى نوع من الفن يمكن أن يكمل هذا المشروع. ولو نظرنا إلى تراثنا العربى القديم ستجدين الكتاب العرب قدموا كل أنواع الفنون. العقاد كتب الرواية والشعر والنقد، والمازنى كذلك وعبد الرحمن الشرقاوي. وهناك أسماء كثيرة تندرج هنا. أنا ضد حبس الكاتب فى بوتقة ومحاكمته إذا جرب نوعاً آخر من الفنون، لأن هذا ضد طبيعة الفن بالأساس.

 ثقافة الراوى السينمائية تم استخدامها لخدمة بطل الحكاية.. لماذا ذلك؟

كما أشرت فى إجابة السؤال السابق، فالفنون كلها يمكن أن تصب فى مكان واحد لتخدم العمل الفني. وفى ظنى أن السينما من أهم الفنون الموجودة حاليا، وهى تستفيد من الأدب والشعر والموسيقى، فلماذا لا تفعل الرواية ذلك، لماذا لا تستفيد من أصناف الفن الأخرى. فى "عنكبوت فى القلب" يمكن أن تقولى أن البطل عالق فى عالم سينمائى متخيل بالكامل، بل إنه فى نهاية الرواية يرى نفسه بطلاً لأحد فيلمين،  الفيلمان يقومان على فكرة التخيل والأحلام، وفى هذا إجابة على لغز الرواية، إذا كانت لغزاً. لذا يمكننى القول إن الأفلام التى أشرت إليها فى الرواية هى أحد مداخل فهم الرواية.

  كيف بدأت تجربتك فى السرد وهل تكتب عبر روح الشاعر ومن بوابة الشعر؟

لم أقصد أن أصبح روائياً. وحتى الآن أستغرب عندما يصفنى أحد بصفة "الروائي"، وبعد صدور روايتى الأولى "أثر النبي" قررت ألا أكتب الرواية مرة أخرى، لأننى لم أكتبها لأكون روائياً، لكن لأنها كانت تجربة ضاغطة بالنسبة لي، ولم أجد طريقة للتخلص منها إلا بالكتابة. ورغم أننى جربت طويلاً فى البدايات كتابة القصة القصيرة، وهناك نصوص كثيرة منشورة لى فى دوريات أدبية وصحف، إلا أننى عندما قررت أن أنشر اخترت الشعر، لأنه رفيقى منذ البداية، ولأننى أجد نفسى أقرب إليه. وعندما جاءت هذه الرواية، أو عندما فاجأتنى لو وددت الدقة، لم أرد أن أكتبها كرواية تقليدية ـ لكن وددت أن أغلق فيها خطوطاً مفتوحة فى دواوينى السابقة. وأن أكتبها انطلاقاً من كونى شاعراً، وهذا ما كتبته فى فصل "مؤلف" فى الرواية، إننى أكتب كشاعر وليس كروائي، وفى ظنى أن أكثر من سيفهم الرواية هو من قرأ دواوينى السابقة، لأن طوال الوقت هناك إشارات يمكن فهمها من خلال الرواية، ولا يعنى هذا أن الرواية لا يمكن فهمها منفصلة، ولا يعنى أيضاً أننى أطالب القارئ بقراءة أعمالى السابقة قبل قراءة الرواية.

 البطل يحمل فلسفة خاصة تجاه الحرية والوحدة والحياة والموت والنهايات فى الافلام والروايات.. هل أى عمل روائى لابد أن يلتصق بأسئلة الحياة الوجودية؟

أعتقد أن العمل الأدبى أياً كان هو محاولة للإجابة عن أسئلة الكاتب الوجودية والفلسفية. بل إن هذه المحاولة هى الإجابة الأولى على سؤال: لماذا نكتب؟ نحن لا نكتب للشهرة ولا للمجد ولا للمال. لأن هذا غير موجود فى عالمنا العربي، لكننا نكتب للإجابة عن هذه الأسئلة التى تعذبنا. نحن لا نصل إلى إجابة فى النهاية. وهذا جيد، لأن الوصول إلى إجابة يعنى أننا سنتوقف عن الكتابة. لكن الكتابة بالنسبة لى محاولة للفهم، محاولة للإجابة عن أسئلة عالقة، وأعرف أنها ستظل عالقة، لكننى لن أكف عن المحاولة.  

 ما أهم المدراس الأدبية التى أثرت فيك؟

أحب الفن بمجمله. ولا أهتم كثيراً بالمدارس الفنية. فكما أحب قصيدة النثر وأكتبها، أحب الجيد فى قصيدة التفعيلة والجيد فى القصيدة العمودية. فى كل شيء يمكن أن تجدى فناً، حتى فى معمار بناية قديمة فى وسط البلد، فى مقعد خشبى مشغول بالأرابيسك، فى لوحة قد لا تفهمينها لكنك تحبينها، حتى فى طبق طعام مطهو بشكل جيد، الفن موجود فى كل شيء، المهم أن نجده، وبعدها سنفهمه بطريقتنا.

 يقولون إن الزمن الحالى زمن الرواية.. فما رأيك؟

أعتقد أن الشعراء لم يتوقفوا عن كتابة الشعر بعد.. أليس كذلك؟ ليس زمناً للرواية، ولكن هناك عوامل مشجعة أكثر على كتابة الرواية، هناك جوائز عربية كبرى، فى حين لا توجد جوائز للشعر، هناك دور نشر تفضل نشر الرواية لكنها لا تنشر الشعر، هناك مؤتمرات دولية ومنتديات للرواية ولا يوجد مثلها للشعر، هناك قوائم "بيست سيللر" للرواية ولكن لا يوجد مثلها للشعر، هناك نقاد "يستسهلون" الكتابة عن الرواية و"يستصعبون" الكتابة عن الشعر، هذه كلها عوامل قد تساعد على انتشار الرواية، والترويج لها. لكنها لا تقتل الشعر ولا تنهى زمنه، بل إن ما أراه أن هناك "هبّة" شعرية، واتجاه كبير لكتابة الشعر، هناك عشرات الأسماء الجديدة التى نطالعها دائماً. وهذا يعنى أن الشعر لا يموت بالرغم من كل محاولات خنقه. لأن فى الشعر روح الإنسان.

 كيف ترى تعاطى النقد مع دواوينك؟

لنكن صرحاء. لا يوجد نقد للشعر من الأساس. معظم الدراسات النقدية المكتوبة عن دواوين شعرية ـ ولا أتحدث هنا عن نفسى بل عن الجميع ـ مكتوبة بالأساس من شعراء أو روائيين، وهى انطباعات محبين للشعر، أو قراءات ليست أكاديمية. أين المشكلة إذن؟ المشكلة فى أن النقاد لا يفضلون الكتابة عن الشعر، ولكل أسبابه. والعيب فى هذا لا يعود للنقاد فقط، بل يعود للمنظومة الثقافية والتعليمية بالكامل، والتى تبدأ من المدرسة التى تسفه وتسطح من الشعر، وتوقفت عند القصيدة العمودية، وتمتد إلى الجامعة والتى لا يقبل بعضها رسائل ماجستير ودكتوراه عن قصيدة النثر، مروراً بالجو العام فى الصحافة والإعلام التى تروج وترحب بالرواية والكتابة فقط عنها.

 أنشأت تجربة صحفية ثقافية هامة هى "موقع الكتابة" كيف جاءت فكرته وما الهدف منه؟

موقع الكتابة بدأ قبل 12 عاماً، وهو أقدم موقع ثقافى مصري. أطلقته فى الوقت الذى لم تكن هناك طرق للنشر فى مصر إلا عن طريق الصفحات الأدبية فى الصحف والمجلات، وهى محدودة بطبيعة الحال وبعضها تسيطر عليه الشللية. وكان الكتاب يلجأون للنشر فى بعض المواقع الثقافية العربية المعروفة وقتها هربا من الحصار. وكان هذا هو الهدف من إطلاق الموقع وهو فتح نافذة جديدة للنشر، لا شلة لها، وتنحاز فقط للكتابة الجيدة، وللجمال فى الكتابة، كما قلت فى بيان تأسيس وإطلاق الموقع. وعلى مدار 12 عاماً قدم الموقع ملفات ثقافية عن عدد من رموز الكتابة الجديدة فى مصر، يمكن فى ظنى اعتبار الموقع ـ بملفاته ـ وبمقالاته ونصوصه أرشيفاً للكتابة فى مصر خلال هذه السنوات.
.....................
*نشر في مجلة الإذاعة والتلفزيون، تاريخ النشر ٢٢:١٧:٣٩ – ٢٠١٩/٠٥/٢٤


x

هناك تعليقان (2):

nada.mixseogy يقول...

شركة رش مبيدات ابوظبي
نحن شركة رش مبيدات ابوظبي تستخدم افضل السموم الحشرية والمبيدات القوية التى تعطى نتائج سريعة وفعالة لذلك عليك الاتصال بنا اذا كنت تعانى من تواجد الحشرات في منزلك و معنا تحصل على مكافحة الحشرات بأقل الاسعار المناسبة للجميع
مكافحة الحشرات
https://www.smartcareae.com/arabic/pest-control-abu-dhabi/

mos854 يقول...

شركة مكافحة النمل الابيض بمكة
ان كنت تريد ان تتواصل مع شركة مكافحة النمل الابيض بمكة التى تساعدك على ان تتخلص من النمل الابيض بصورة نهائية عليك الاتصال بنا نحن افضل من يقدم مكافحة النمل الابيض بمكة كما اننا شركة مكافحة العته بمكة التى تستخدم افضل السموم والمبيدات الحشرية الامنة التى تساعدك على التخلص من حشرة العته نهائيا
شركة مكافحة العته بمكة
http://www.elbshayr.com/3/Pest-control