28‏/07‏/2006

شيلوا الميتين اللي هنا


كنت قد انتهيت من مناقشة مضنية مع أحد الأصدقاء حول ضرورة وحدة الصف العربي ، والتوقف عن جلد حزب الله ، ومساندته إن لم يكن عسكريا ، فسياسيا على الأقل ، في طريق عودتي إلى البيت ، كان صوت نشرة أخبار منتصف الليل يحمل لي من البقالة التي على يميني صوت المذيع وهو يتحدث عن لوم مصر والسعودية لحزب الله ، عن اتفاق وزراء الخارجية العرب في اجتماعهم على ألا يتفقوا ، عن الفشل في عقد قمة عربية ، عن الموقف المخزي للحكام العرب ، اعتصرت المرارة حلقي فأدرت وجهي إلى الناحية الأخرى لأجدلافتة معلقة على احد المساجد " تبرعوا لشراء عربة دفن الموتى " .

20‏/07‏/2006

تقويم لأسنان سارة


(1)

لماذا ذهب وحده ،
الغريب
ليلة الكريسماس
ليشترى من بائع الأرواح
ثلاث وردات وتقويم
وحين سألته عربات الأطفال المارة
لمن هذا يا عم ؟
قال : هذا تقويم لأسنان سارة

(2)

اطرقى الباب برفق
وادخلى
أنا فى الداخل أفكر وأدخن
وأتحول إلى ميدوسا

(3)

وكان يقول :
الشاى هذا ، من روحى
ولما رأوه يعبر
لم يكن أطول من الترام
ولا أحزن من مصاب بالجدرى
ولا أفقر من ساكنى فنادق باب الحديد
ورغم ذلك
قالوا له :
إلى أين يا عم ؟
وقال :
إلى سارة .

(4)
لا يتوقف عن لوم النافذة
ولا الطريق
ولا الولد الذى دهن له الشقة
ببياض كفيه
واختفى داخل قصر
يشبه سماء ثرثارة
فلم يحس بالمطر الذى كحت جلده
حتى لما صرخ فيه الرعد :
ألن ترتجف يا عم ؟
يقولون أنه
لم يبتل

(5)
كقصيدة
يمكنك أن تستريحى قليلا على الكنبة
فيما أسخن الشاى
نحن الذين لا نحب الخمر
ولا الكوليرا
ولا المكرونة المحروقة
ولا علامات المنازل التى تضيع
لما تأتينا ضيفة
- أبدا –
لا نقدم لها الشاى باردا.

(6)
لم تقبله حتى بين عينيه
وخرجت كأى طائر ساذج
من الشباك
ناسية – فقط – ظلها على الحائط
يثرثر مع الملائكة
والناموس
وألبوم الصور
حتى باغتته الشمس
فذاب صارخا
يقولون أنهم سألوه :
ومن هم يا عم
يقولون أنه قال :
كنت أسميها " المائية " وكانت تضحك .


(7)

لغريب يا سارة يتسكع الأن فى الشوارع
كحافلة
يجر خلفه قططا ضالة
ويجرى فوقه سحابا
يزرع الأرحام بأطفال ملونين
فى يده تقويم فضى
لماذا – إذن – يسأله الناس
- إلى أين يا عم -
وهم يعلمون
أن القصيدة أنتهت

نشرت هذه القصيدة في جريدة القدس العربي اللندنية

اللوحة المصاحبة للفنان سلفادور دالي

14‏/07‏/2006

محمد منير .. ليه ؟


في منتصف التسعينيات كنت في بورسعيد في زيارة لأحد أقربائي ، ابنته التي كانت تفضل سماع الأغاني الحديثة والسريعة ، والتي كانت تدرك جيدا أنني غريب الأطوار أحب أشياء غريبة ، أشاهد أفلاما لا تفهم منها شيئا ، وأنغمس طوال النهار في قراءة كتب لا تفهم أسماءها ، قررت أن تنتقم مني بأن تهديني شريطا اشترته عن طريق الخطأ اسمه " من أول لمسة " لمطرب مجهول بالنسبة لها اسمه محمد منير .
هل أستطيع أن أقول أنه منذ ذلك الوقت بدأت علاقتي بمنير ، أم أنها كانت قبل ذلك عن طريق أغان متفرقة تذاع متفرقة في إذاعة شمال الصعيد أو في القناة الثامنة ، وإن كانت أغان محددة ، فور سماعي الشريط الذي تخلصت منه " ابنة قريبي " ، وجدت نفسي أسقط في هوى هذا الصوت ،ووجدتني في المقابل أبحث عن بقية أعمال منير ، أو الكنج كما يسميه محبوه ، في شريطه من أول لمسة اكتشفت صوته ، وحزنه ، و اغترابه ، كل هذه الأشياء التي تشبهني ، والتي تشبه جيلي بأكمله ، " لا الناس ولا امبارح ، ولا الزمان جارح ، فين قلبك الشاطر ، يزرع غنا وشموع ، انسى اللي فات وامشي ، امشي على كفي ، لو ضحكة من قلبنا ، حتفيض وحتكفي " و " أنا عمر عيني ما دمعت إلا على كل شيء غالي " و " مش كل شيء بيفوت في عمرنا بيجرح ،قلب الحياة مليان حاجات وبتفرح " بعد هذا جاءت الاكتشافات المذهلة مع بقية الألبومات " علموني عنيكي ، بنتولد ، الطول واللون والحرية ، شبابيك ،اتكلمي ، وسط الدايرة ، شيكولاته ، الملك هو الملك ، يا اسكندرية ، بريء ، افتح قلبك ، ممكن، المصير ، في عشق البنات الفرحة ، مدد ،أحمر شفايف ، أنا قلبي مساكن شعبية ، امبارح كان عمرى عشرين ، لأكتشف أنه يغني للحياة ، حياتي ، وحياتكم


محمد منير ليه ؟
اسمعوه وستعرفون لماذا

محمد منير .. ليه ؟
لأن أحد أصدقائي سألني هذا السؤال وأنا في الصف الثالث الثانوي ، فأرسلت له خطابا طويلا في عشر صفحات ، آثرت ألا أتكلم معه ، كتبت له أغنيات منير ، وشرحت له لماذا كمن يبشر بأمر جلل .

محمد منير .. ليه ؟
لأنه هو الذي يجعلني أبكي عندما أسمع " ساح يا بداح يا سؤال جراح ، ما الذي كان وما عادشي وراح ، إيه اللي اتكسر ، فص اللولي ولا المرمر " لأنه هو الذي غنى لي خصيصا ذات يوم حين كنت أقاوم رغبات الانتحار " فينك أنا من غيرك أنا مش عاقل ولا مجنون، أنا مطحووووووووووون، والدنيا دي رحاية " ،لأنه غنى لاسكندرية " يا اسكندرية فيكي الغلابة ع الرزق يسعوا ولا يناموش ، نزل شبكهم في بحر طامي ، طلع شبكهم على فاشوش " ، لأنه غنى للبحر " أمانة يا بحر ، تسقيني بالأمانة ، أحبابنا يا بحر ، في عيونك أمانة " .

محمد منير .. ليه ؟
لأنني حين ثُقِب قلبي كنت أغني معه " لما النسيم بيعدي بين شعرك حبيبتي باسمعه بيقول أهات " لأنه غنى للوطن " قلب الوطن مجروح ، لا يحتمل أكتر ، نهرب وفين هنروح لما الهموم تكتر " لأنني حين قررت أن أعمل " إيميلا " لأول مرة في حياتي أسميته " برج حمام " لأني كنت أحب صوته وهو يغني " أنا قلبي برج حمام ، هج الحمام منه ، يا اللي عنيكي كلام ، ليه الضلوع أنوا " لأنه يشعرني بأني مختلف حين أغني " ساعات بحب حاجات ، ما يحبهاش غيري ، في الرايحة و الجايات، أغني مع طيري " لأنه ليس عمرو دياب ، ولا محمد فؤاد ولا كاظم الساهر ، نجوم تلك المرحلة التي عرفته فيها ، ولأنه يغني " علي صوتك بالغنا ، لسه الأغاني ممكنة " ،ولأنه من أغني له في المظاهرات " طفي النور يابهية ، كل العسكر حرامية " ، ولأني كنت أسهر في الثانوية العامة وصوته يغني معي " باسهر الأوتار يطلع علينا نهار، واحنا مع المشوار عدينا بحور وجبال ، يا ليل يابوالمجاريح ،ماشي في حضن الريح ، أزرع أنا التفاريح "، ولأني حين أتذكر أمي أغني " دوامة الدنيا خدتني ، ورجعت أقول يا اماي" ولأني حين كنت أقدم على الخروج من الحياة مرارا كنت أتذكر " يا عذاب النفس ، يا عذاب نفسي ، واخدني لفين ، يا عذاب نفسي " ،لأني حين يقتلني الحنين أغني " يا ليلة عودي تاني ،يا ليلة كوني تاني " .

محمد منير .. ليه ؟
لأنه هو من استقبلني حين انتقلت من الصعيد للقاهرة بأغنيته " إيه يا بلاد يا غريبة ، عدوة ولا حبيبة " وعندما صدمتنا الحياة عرفنا أغنيته "لفوا بينا ، قالوا لينا ، قالوا بينا ع المدينة ، لما جينا ، التقينا ، كل شيء فيها ناسينا " ، ولأني كنت أفرح وهو يغني لاسم بلدتي في الجنوب في أغنيته " تعالى نلضم أسامينا ، الفلة جنب الياسمينة " لأنه غنى لسناء محيدلي " أتحدى لياليك يا غروب ، و اتوضى بشهدك يا جنوب ، وأصلي الفرض الحطيني ، واكتبلك عمري المكتوب " ولأنه غنى لفلسطين دون أي ضجيج " جينا نصبحكم بالخير يالعمارة العمارة ، واحنا نغني بكل مكان أغني الشعب وثواره " لأنه غنى لاغترابي الدائم في المكان والزمان " قول للغريب حضنك هنا ، دربك قريب من دربنا ، بيتك هنا ، أهلك هنا ، حزن البشر ده حزننا " لأنه غنى للحزن " سؤال بسألك إيه آخرة الأحزان ، وسهر الليالي وكل ليلة ف حال " ، لأنه غنى للصيادين " شبك شبك حبيبي ، شابك في جلابيبي ، وشبك ونا ونصيبي ، وهيلا ..هيلا هيلا هيلا "، لأنه غنى لأختي وهي ذاهبة إلى المدرسة " يا بنت يا ام المريلة كحلي يا شمس هالة وطالة م الكولة ، لو قلت عنك في الغزل قولة ، ممنوع علي ولا مسموح لي " ،لأنه غنى أجمل أغنية للبلد " يا عروسة النيل يا حتة من السما ، ياللي صوتك جوه قلبي ملحمة " ، لأنه يغني كلمات شعراء أحبهم : فؤاد حداد ، وصلاح جاهين، وعبد الرحيم منصور وعبد الرحمن الأبنودي وجمال بخيت ، ولأنه يغني لأحمد منيب و هاني شنودة وحميد الشاعري ، لأنه يعبر عني ، ولأن صوته حزين مثلي ، ولأني أشعر أن ملامحه من تراب هذا الوطن، لا يريد أن يغيرها بنيولوك مختلف ، أقول لكم : لأن صوته يشبه حزني

محمد منير .. ليه ؟
لا أعرف ، حقا لا أعرف

هناك براءة تنام خلف هذه الحيطان مرعوبة من وحدتها يا ناس


الكلام الذى يتجمد أمام فمه
كلما قال
- أنا غريب
فى رفق يخلخله من الهواء
ويعود به – فى جيبه
أخر الليل
ليضعه فى ركن الغرفة

بعد عدد من السنوات
كانت الغرفة قد امتلآت
يفتح الباب ويقول :
- انا غريب
فتنطلق الجملة من تلقاء نفسها
لتقعد
جوار إخوتها
على الأرض

آخر مرة
لما لم يجد لها مكانا
لفها فى ورقة جورنال جيدا
ووضعها فى الشارع البردان
أسفل عامود مظلم


فى الصباح
لما مرت
عربة دفن الموتى
وجدت جملة تنام
مقرفصة
أمام سور الجامع المقابل

04‏/07‏/2006

إضاءة خافتة بعض الشيء





ماتت جدتي
قبل انهيار الاتحاد السوفيتي
بثلاث سنوات
كانت في أيامها الأخيرة
كثيرا ما تبتسم وتقول
أنها ستسلم الأمانة
كنت طفلا
أفرح بعلب دوائها الفارغة
ألعب بها كبجعة
فتبتسم بحزن كمحارب قديم
بلا أسلحة
فأبكي

ماتت جدتي
بعد يسوع بأقل من ألفي عام
وكانت تقول
إن صالة المغادرة تتأهب
لتوديع أناس جدد
فأصرخ:جبار أنت أيها الموت
أريد أن أهزك
وأخنقك من ربطة عنقك الأنيقة..
كمشنقة

ماتت جدتي
بعد انتفاضة 77بعشر سنوات
كانت ترفض أن تصورها
حتى لا نضع صورتها في المندرة
نمصمص شفاهنا في البداية باكين
ثم نتعود على الجدران الصامتة فيما بعد
فننسى موعد البكاء اليومي
فلا تلفت الصورة انتباهنا
إلا في الأعياد
حين ننفض من عليها النسيان والأتربة
ونعدل وضع الشريط الأسود
وقد ننظر للحظة
وقد ندمع

ماتت جدتي
بعد عبد الناصر بسبعة عشر عاما
فتوقفت بموتها
عن أن تصنع لي حصانا من القش
وملائكة من البهجة
وضحكات صافية
وألبستني قميصا من الصلب
أمزقه كل يوم لأتذكرها

ماتت جدتي
ولم تنس بعد هذه الأعوام
أن تبتسم لي
وتمنحني قصيدة

من ديواني "ثقب في الهواء بطول قامتي " الاول