14‏/04‏/2007

مديح الغابة

ديوان
مديح الغابة
لـ
محمد أبو زيد
الآن
بجميع مكتبات الهيئة العامة للكتاب
ومكتبات وسط البلد

10‏/04‏/2007

من أخبر هذا المقهى أني صعلوك


(1)
يبدو لي
أن الحارة نفس الحارة
أن المنزل نفس المنزل
أن الغيمة نفس البنت
فلماذا
حين تمر السيارات كصيادٍ
أتلكأ في خطوي
وأمد الكف إلى رُخٍ
كي أمنع موتاً يتأرجح فوق شواربه
أحياناً
يتركنا الوقت ويرحل
فنظل بلا أصحاب
إلى أن يرجع
يحمل تحت الإبط غيوماً
ويدس نهاراً في جيبه
أحياناً
تصبح نفس البنت القديسة
قهراً يمنعني من أن
أرتق ثوبي
أو أصلح حيطاناً نزّت ماءً
أحياناًً يبدو لي
أن المنزل نفس المنزل
أن الحارة نفس الحارة
أني لست أنا

(2)
صوت التلفاز
المندلق كنهدِ عجوزٍ
لن يقفز من هذي الشرفة منتحراً
قد يتسلل من أسفل عُقب الباب
قد يهجو سكين المطبخ
كي أصبح ظلاً . .
أتمطّى في الكون المتثائب فمّاً
وأدندن بالصمت
عن البنت المجنونة
ــ بنت المجنونة ــ
اختارت مقهى من غير مقاعد
كي تلقى تنيناً من غير
أظافر
أو ربطة عنق خضراء .
البنت :
السارقة البهجة من عينيّ بترمومتر أصابعها
ستحط البسمة في شفتيها
وتلوك للحظٍ ثم تغني
تخطو فوق العشب
لكي يخضر الكتفين
يرفرف عصفور في الجلباب
ويورق ورد في جسد الموتى .
حين خروجي من ثوبي
سوف أراعي
أني ودعت الغابة من غير أسود
أني صافحت اللبلاب بلا سلم
أني خضت البحر بلا . .
محبوبة

(3)
ماذا قالت ؟
في العادة تركع كل متون النص لقدميها
كي تطلي أظفاري من أزرق عينيها
تُنبت أولاداً في كفيها
ليُقبّلها باب مكسوٌ بالبلّور
تشد حبال الساعة
فيقهقه نادل مقهى لم يفهم أني
لا أبغي شاياً باللبن
أريد فقط بعض النعناع
لكي أتذكر
أني من أسبوع تقريباً
لم أرتق نعلي
لم أركب مكوك فضاء
لم أعرف ماذا قالت .

في العادة
أدرك بعد ثلاثة أيام
أني مجنون ببقايا علب التبغ الفارغة
فأثقب ليلي بالموسي
لكي يسقط بعض الطمي على وجهي
أتحمم من ذنبي
وأعيق البحر عن الهذيان
أرش مقاعد مقهاي من الصنبور
القاعد مثل بقايا بوذا
ثم أقول :
ماذا قالت ؟

(4)
الشارع ليس فماً
والمنزل ليس كتاباً
وأنا ما زلت أنا
حين يمر الغيم بلا كفين
ولا يسرق بلحات النخل
سأنصب خيماتي جلباباً للصحراء
أصب عيوناً للبحر
وأشري عرياً لسريري
وأناجي الله
فقد أصبح ملكاً
النيل تمطى حتى كسرت ترقوته
الليل : بلاد الغرباء الفقراء
حين يمر الصبح الحافي كل مساء
قد يلقانا في نفس القعدة
لا نفعل شيئاً
غير غناء البردة
وهجاء الناموس
ننتصب مسامير موات في وجه الباب
من سيدق الباب ؟
من يدخل ؟
من يوقظنا
والشارع ليس إلهاً كي نعبده
ليس فتاةً نتجول في عينيها
الشارع طول الوقت
يعد الأشجار المارة غصناً غصناً
يُلبس أقدام الناس ثياباً كاروهات
المقهى يرتاد الناس
ويشرب أعمار الحمقى
ويصول / يجول
فمن يوقفه
من يخبره
أن الوقت كتاب الموتى
أن الحارة نفس الحارة
أن الغيمة نفس البنت
أني لست أنا

09‏/04‏/2007

نعناعة لمريم من محمد أبو زيد

نعناعة لمريم من محمد أبو زيد
بهاء الدين رمضان

نشرت في مجلة الثقافة الجديدة


"نعناعة مريم " قصائد جميلة لأطفال أجمل ، أطفال المستقبل ، هكذا تخيلت الأطفال الذين سيقرؤون هذا الديوان للشاعر " محمد أبو زيد " بداءة استطاع الرسام الجميل الفنان " محمود الهندي" أن يبدع مجموعة من الرسوم التي تشد الكبار والصغار معا بدءا من الغلاف ومرورا بصفحات الديوان .
لم يضع الشاعر إهداء كعادة أغلب الشعراء والكتاب ؛ وإنما وضع ما يمكن أن يسمى استهلالا رائعاً أو كما يقال "حسن الاستهلال " فقد بدء الديوان بقصيدة قصيرة جدا هي فاتحة قبل كل شيء :
قبل ما
تدخل
خبط
........
........
.......
كدهه
كدهه
من الملاحظ أن هذه الأبيات القصيرة جدا والتي افتتح الشاعر بها ديوانه تقدم قيمة عظيمة للأطفال وهي الاستئذان ، بل من الواضح أن الشاعر يركز في البداية على الموروث الديني من ضرورة الاستئذان ثلاث ويفهم من قوله :
قبل ما / تدخل / خبط /
ثم يضع ثلاثة أسطر من النقاط وكأنه يرسم لنا عملياً عملية الاستئذان .
وفي القصيدة الأولى " مريم " يوضح لنا الشاعر من هي مريم التي يقدم لها هذه النعناعة الجميلة الرقيقة ، فهي بنت جميلة تغني للورد وللقناديل وتحب مستقبلها ووطنها الجميل بكل ما فيه ، لذا تسبق أحلامها الخيول ، ثم يوجه الشاعر الكاميرا لوجه مريم ليأخذ لها صورة متكاملة مؤكدا بعض القيم التي يحاول الشاعر أن يبثها من خلال الديوان وذلك في إطار فني جميل وربط بين قصائد الديوان فكل قصيدة مرتبطة بالأخرى وكأن الديوان قصيدة واحدة متنوعة .
المفردات :
استطاع الشاعر أن يقدم مفرداته بصورة جميلة تتناسب والمرحلة العمرية التي يقدم لها هذا الديوان بل إنه وضع مفردات من أجل إثراء الحصيلة اللغوية للطفل ، منها :
( المريخ ، التاريخ ، القناديل ، سابقة ، الخيل ، اضبط ، بشاير ، شعر ، محامي ، دكتورة ، طيار ، كاميرا ، الحلم، إنسان خيوط ، مركب ، قلم ، كمان ، السحاب ، الصحاب ، الحنين ، الكتكوت ، شاي ، قهوة ، فنجان ، جبال ، وديان ) .
وقد حاولت أن أحصي هذه الألفاظ التي هي في صورة اللفظ الفصيح والتي تنتشر داخل قصائد الديوان ، وبذلك استطاع الشاعر أن يعمق قصائده بهذه الألفاظ ، بالإضافة لما تحدثنا عنه من قبل من إثراء للحصيلة اللغوية وتقديم مفردات جديدة للطفل في إطار المفردات العامية التي يسمعها من حوله وعلى الرغم من أني صارحت الشاعر للوهلة الأولى حين أمسكت بالديوان وقبل قراءته أني أفضل القصائد الفصحى على العامية في خطاب الطفل الصغير ، غير أني وجدت أن هذا الحكم بالنسبة للديوان الذي بين يدي كان متسرعا ، فقد حاول الشاعر من خلال هذه اللغة العامية وتطعيمها بالألفاظ الفصحى أن يكون أقرب للطفل ؛ ليرقى به بعد ذلك للمستوى الفصيح ، وأظن أن حكمي السابق هذا لم يكن إلا لسبب واحد معروف جداً وهو أن كتاب الشعر العامي الذين يكتبون للطفل قليل منهم جدا من يستطيع أن يرقى بألفاظ الأطفال بهذه الطريقة .
القيم المعرفية :
أقصد بالقيم المعرفية هي تلك المعلومات المعرفية والحداثية التي تخص العصر تقدم للطفل في صورة تجعله مرتبطا بها وتثير داخله تشوقا للسؤال والمعرفة ، ونرى أن الديوان مفعماً بهذه القيم :
طيخ طوخ طاخ طيخ طيخ
بتسافر دغري للمريخ
لا زعيق ولا زحمة ولا صريخ
عالم عايش في تاريخ
الدنيا الجاي معانا
فألفاظ مريخ وعالم وتاريخ من المفترض أنها تثير داخل الطفل قيما معرفية من خلال السؤال عن هذه الأشياء ؛ والتي يكملها بعد ذلك من خلال "المزيكا " العامية في الأنهار والأرض التي تزغزغ في الأشجار ويوضح بعد ذلك في نهاية القصيدة هذه القيمة المعرفية بطريقة مباشرة ، ولا أعد المباشرة هنا عيبا ، فيقول :
اضبط على طول المواعيد
والعلم ياخدني من إيدي
لبشاير أحلام في سمانا
في القصيدة التالية " أحلام مريم " تتجلى هذه القيم المعرفية بشكل أوسع وأرحب حين يجعل من مريم طبيبة أو محامية أو طيار حقيقي ، وكل هذا في إطار غير مباشر هذه المرة ليثير تساؤلات معرفية عن هذه المهن :
مريم عايزة تكتب شعر
تداويني وكأني عييت
..........
مريم عاوزة تبقى محامي
أو دكتورة ... أو طيار
......
شايله الكاميرا وعاملة حوار
وفي قصيدة " حلم ولا علم " تتأكد هذه الفكرة من خلال النجوم البعيدة وأمنيات مريم أن تصبح نجمة لكنه يعيدها للمعرفة الأكثر واقعية وهي حب العلم ، وتتعدد الألوان المعرفية في الديوان من خلال تقديم قصائد كاملة عن الرسم " زيتية مريم " ، وعن النعناع " نعناعة مريم " ، و عن القطار " قطر مريم " .
وحقيقة فإن تقديم المعرفة للأطفال هي أكثر القيم التي استطاع الشاعر أن يؤكد عليها في هذا الديوان .


القيم الأخلاقية :
وقد تحدثت في البداية عن الاستهلال الذي بدء به الشاعر الديوان والذي قدم من خلاله قيمة أخلاقية جميلة وهي الاستئذان وفي الديوان يؤكد الشاعر هذه القيم أيضا بشكل لا بأس به :
بنسافر دغري للمريخ
لا زعيق ولا زحمة ولا صريخ
فيؤكد قيمة الهدوء والأدب بالنسبة للأطفال ، وكذلك فيه الالتزام بالمواعيد :
" واضبط على طول مواعيدي " .
ثم يؤكد على قيمة أخلاقية أخرى وهي في غاية الأهمية ، وهي حب الصحاب والإخوة والوالدين : " لكن انا حابب علمي واصحابي واخواتي وامي "
ثم يؤكد على أخلاقيات الكرم والتسامح حين يطلب الطفل الصغير من القطار أن يشرب شايا " يا وابور عطشان اتفضل شاي " ، أما قصيدة " صباح الخير يا مريم " فهي تؤكد على قيمة من أهم القيم الأخلاقية وهي قيمة التحية ، فالطفل يلقي تحية الصباح على كل شيء من حوله ملموس بالنسبة له سواء أصحابه أو أهله أو كتابه .
وفي نهاية الديوان أيضا يؤكد على القيمة التي بدء بها الديوان بقوله :
ما تنساش لما تخرج تستأذن
....
كدهه
كدهه
أخيرا
استطاع الشاعر الجميل محمد أبو زيد أن يقدم للأطفال ديوانا شعريا في ظل ندرة كتاب أدب الأطفال ، وخاصة الكتاب الجادين منهم والذين يمتازون بالوعي الكبير لعملية الكتابة بالنسبة للأطفال ، هذه الكتابة الشاقة والشائقة ، التي لا يسهل لأي مبدع أن ينبري لها مهما أوتي من مقدرة على الكتابة ما لم يتوفر لديه خبرة ووعي كاملين بالطفل وعالمه وما يمكن أن يقدم له .

ـ نعناعة مريم صدر عن كتاب قطر الندى للأطفال ـ الهيئة العامة لقصور الثقافة 2005م