25‏/12‏/2008

ملف حوارات نون النسوة

حوارات نون النسوة
لماذا هذا الملف ؟

تغير المشهد الثقافي النسوي خلال الثلاثة أعوام الماضية ، أكاد أجزم بهذا ، ربما ما يدفعني لذلك هو ظهور مجموعة من الكاتبات ربما تصدرن مشهد الكتابة النسوية ، ساعد في هذا عوامل مختلفة ، مثل ظهورالمدونات ، واتجاه المدونات إلى النشر الورقي ، بالأضافة إلى ظهور عدد كبير من دور النشر التي ساهمت في ظهور جيل جديد من الكاتبات ، فضلا عن حالة الحراك الثقافي ، يمكننا أن نسميها هكذا ، خلال الأعوام الثلاثة المنصرمة .
ظهر جيل جديد من الكاتبات ، مختلف ، وله نكهة خاصة ، وهموم مختلفة في الكتابة ، يمكنني أن أذكر بعض أسماء هذا الجيل ، مثل الروائية نهى محمود ، سهى زكي ، شيماء زاهر ، سلمى صلاح ، سمر نور ، رضوى أسامة ، هويدا صالح ، منال السيد ، والأخيرتان كانتا موجودتان قبلا ، لكن بتواجد أقل ، وأسماء أخرى كثيرة .
ساعدني في الـتأكد من حالة الاختلاف أنني عدت بالصدفة إلى مجموعة من الحوارات التي كنت أجريتها خلال العامين 2004 -2005 ونشرت وقتها في جريدة الشرق الأوسط مع عدد من الكاتبات اللائي كن يتسيدن المشهد ، معظم هذه الحوارات أعتز بها ، خاصة حوار الروائية الكبيرة والعظيمة رضوى عاشور والتي أكن لها كل التقدير ، وبخلاف حوار رضوى عاشور وفريدة النقاش فمعظم الحوارات كانت مع كاتبات جيل التسعينيات اللائي أحدثن انقلابا في مفهوم السرد ، وظهرت معهن مصطلحات جديدة مثل الكتابة النسائية ، و أدب الجسد ، والاتكاء على التاريخ وغيرها .
معظم الكاتبات اللائي أجريت معهن هذه الحوارات لم يصدرن أعمالا جديدة ، ربما بخلاف دكتورة رضوى عاشور التي أصدرت مؤخرا روايتها البديعة " فرج " وبالتالي فالحوارات لا زالت صالحة للنشر من جهة ، ومن جهة أخرى ضرورية كحوارات مجمعة في فترة زمنية محددة ترصد جيلا كاملا من الكاتبات .
هذا الملف ، وهذه الحوارات شبه الكاملة أعتبرها شهادة على نهاية حقبة أدبية وبداية أخرى، كما أعتبرها مجمعة شهادة على زمن من الكتابة ، النسوية ، وزمن من المصطلحات المرتبطة بهذا الجيل ، و زمن من الكتابة الجميلة والمختلفة
د.رضوى عاشور
فريدة النقاش
شيرين أبو النجا

مي التلمساني
ميسون صقر

سحر الموجي
ميرال الطحاوي
سمية رمضان
عفاف عبد المعطي
هالة البدري

بهيجة حسين

رضوى عاشور والكتابة التاريخية


رضوى عاشور: لم أقصد التأريخ لليهود في مصر في روايتي «قطعة من أوروبا» لكنهم كانوا جزءا من وسط القاهرة
أمين معلوف يكتب تجربة المهاجر.. أما أنا فابنة المكان أكتب تجربته بحيوية مختلفة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تهتم رضوى عاشور في ابداعها الروائي بالتاريخ على نحو خاص وعلاقته بالمكان، ووضعية المرأة، والقضايا السياسية والاجتماعية عبر لغة تستشف المستقبل من نوافذ الماضي والحاضر. كما يبدو اهتمامها الأكبر بالتجريب الابداعي على أكثر من نسق في اللغة، وفي البنية النصية، وفي الصياغة، وفي تناول الافكار أيضا المطروحة والمتداولة، ومن أعمالها اللافتة في هذا السياق «ثلاثية غرناطة» «أطياف» «تقاليد السيدة راء» «سراج» «خديجة وسوسن» «رأيت النخيل» و«قطعة من أوروبا» وغيرها.
وهذا حوار معها حول تجربتها الروائية وقضايا أدبية أخرى.

* هل حكمك قانون التداعي في كتابتك لروايتك التي صدرت حديثا «قطعة من أوروبا» وهل للتداعي منطق فني؟
ـ نعم حكمني قانون التداعي الى حد كبير في كتابة «قطعة من أوروبا»، ولكن في اطار وعي الشخصية بمعنى انه لم يكن تداعي افكاري أنا، ولكن حاولت تتبع تداعي أفكار شخصية الناظر، والنص قائم الى حد ما على (الباستيش) وهو نوع من القص واللصق كان يسمح لي بأن اضمن بعض الوثائق أو المعلومات التاريخية في إطار هذا التداعي، وفي اطار محاولة الناظر وهو الراوي المركزي في الرواية في محاولة كتابة حكايته في النصف القرن الأخير.

* ألاحظ في الرواية وجود العديد من تقنيات الكتابة الفنية، هل تعمدت ان يكون هنا تفاعل للأنواع الادبية خلال النص؟
ـ لا أتعمد شيئا وأنا أكتب، حتى ما قلته لك الآن هو معرفة تالية على كتابة النص، بمعنى ان هذا هو ما أراه الآن، وأنا أقرأ النص بموقع القارىء لكن في أثناء الكتابة يحكمني قانون التجربة التي أسعى للاحاطة بها. أحيانا أتوقف طبعا، وأتأمل اذا كان هذا المسار قابلا للاستمرار وأعتقد ان الكتابة بمعنى من المعاني هي الاصطدام بما يجري وإيجاد حلول له، أقصد بالمشاكل على مستوى الشكل وبنية النص والصياغة، ليس بالمعنى اللغوي ولكن بالمعنى الفني، والحلول لا تأتي دائما بشكل واع ولا بشكل قرار ولكن جزءا كبيرا منها يكون تفاعلا داخليا.

* المقارنة بين شخصية الناظر في قطعة من أوروبا الذي نشأ في منطقة وسط القاهرة وأرخ لها، وشخصية د. رضوى عاشور التي نشأت في المنيل القريبة من وسط القاهرة، تجعلني أتساءل ما هي مساحة التخييل الموجودة بين ذاكرة د. رضوى عاشور وذاكرة الناظر؟
ـ تساءلت في لحظة ما وكنت قد قطعت شوطا لا بأس به في الرواية إن كانت هذه رواية أم لا، الآن من موقفي كقارئة للنص أعرف أنها رواية لسبب بسيط، أن الناظر شخصية متخيلة تماما، وبالتالي فهو الذي يحمل الرواية، واشترك معه في أشياء، ولا أشترك في أخرى، أولا هناك فارق سبع سنوات في العمر بيننا، وقد أتاح لي ذلك ان اجعله مشاركا ومشاهدا لاحداث كنت أصغر من ابنته لها، هذه واحدة، الأمر الآخر ان الناظر انسان وحيد تماما متفرغ لألمه وهو شخص متقاعد مقعد يعيد النظر فيما مر به، لأكثر من نصف قرن، وقد مكنني انتقالي للسكن في منطقة وسط البلد منذ ست سنوات من معاينة المكان مما ساعدني على الوصف والانتباه، وحرك في ـ ربما ـ هذه الرغبة للتأريخ لهذه المنطقة. لذلك تخيلته هو ابن المكان يعيد النظر فيه، وابن لمشروع لم يكتب له النجاح ويعيد النظر فيه، وأحيانا الآن أمشي في الشوارع أو أصل الى ميدان التحرير وأجد نفسي أقول الناظر كان سيرى هذا الشيء بهذا الشكل، أو لماذا لم اضمن هذا المشهد في الرواية، المؤكد انني أحس أني أعرف الناظر وأنه شخص آخر له حضوره، قد أكون وفقت في هذا، أو لم أوفق لكن شخصية الناظر داخلي حاضرة وحية، هو ليس رضوى عاشور ولكن قد نشترك في أشياء كثيرة.

* هل سعيت من خلال روايتك في بعض مناطقها للتأريخ لتاريخ اليهود في مصر؟
ـ لا، لم أسع للتأريخ لتاريخ اليهود في مصر أو اليهود المصريين والوافدين من اليهود الاجانب، لكن اكتشفت وأنا اكتب عن وسط البلد ومشروع «قطعة من اوروبا» ان اليهود لعبوا دورا في هذا المشروع واستخدمت القوة الاستعمارية اليهود المصريين في هذا المشروع وبالتالي بدا لي ان قصة اليهود في مصر في النصف الثاني من القرن التاسع عشر الى بداية النصف الثاني من القرن العشرين كانت جزءا من الحكاية.

* يبدو المكان حاضرا وبقوة في مشروعك الابداعي بشكل عام، وتجلى هذا في رواية «قطعة من أوروبا» هل قصدت فيها الكتابة عن وسط البلد كمكان؟
ـ ربما لم يكن هذا منطلقا مقصودا أو واعيا، أو ربما لم أكن أعي هذا تحديدا، لكني ألاحظ انني منذ روايتي الأولى «حجر دافئ» منشغلة بتفاصيل المكان، وهذا هاجس ملح علي ولا أرى المكان إلا في سياق تاريخ بعينه، في «حجر دافئ» المكان يحتل حيزا واضحا، وفي «غرناطة» وأيضا في «قطعة من أوروبا»، لأن المكان هو جزء من التاريخ المجسد لأنه أيضا ليس طبيعة أبدية، بل تاريخ، عمران، بنيان، المكان حكاية بشر في لحظة بعينها من التاريخ.

* في روايتك «سراج» لماذا لجأت الى ان تدور الأحداث في جزيرة متخيلة مع ان هناك أماكن حقيقية أخرى، وأحداثا تاريخية معروفة؟
ـ الرواية تقوم على لعبة، حيث أنني أصور مكانا متخيلا، وفي خلفية المكان المتخيل ارى تاريخا فعليا، وأخلق علاقة بين المكانين، في المتخيل جزيرة أتصورها في مكان ما بين شاطئ زنجبار واليمن، والزمان في الثلث الأخير من القرن الـ19، وفي جزء من الرواية احداث قصف الاسكندرية وهو حقيقي، اردت من خلال المكانين المتخيل والتاريخي كتابة (حكاية) لاتزال نعيش بعض تنويعاتها حتى الآن، وضع الاهالي المحاصرين بين مطرقة الغزاة وسندان الحكام الطغاة، هي محاولة للاقتراب من الحكاية القديمة والتحرر بشكل أو بآخر من شكل الرواية.

* عن تجربتك في الكتابة كتبت تقولين ان تراثك هو تراث الموءودة هل تبدو هذه الفكرة جوهرية بالنسبة لك عند الكتابة؟
ـ تراثي هو تراث الموءودة بالمعنى المجازي، والضغوط التي تتعرض لها المرأة ضغوط كبيرة، وفي طفولتي وشبابي المبكر لم يكن مقررا تماما أنني سأتمكن من اكمال تعليمي، ولكن كان واردا جدا ان تتزوج الفتاة وهي في سن 16 عاما، وهذا جانب، الجانب الآخر ان الوأد تجربة نعرفها جيدا نحن أبناء المستعمرات الحالية والسابقة، نعرف الوأد في تجربة محمد علي، ونعرف الوأد في تجربة عبد الناصر، وفي وضعنا كشعوب عربية تريد الحرية والتقدم وتواجه دائما بالكثير من العقبات والقيود، فأنا أتحدث عن الوأد من منطلق المرأة، ومنطلق كوننا ننتمي الى العالم الثالث.

* اذن لم يكن هذا إحدى صيغ الخطاب النسوي السائد؟
ـ هناك أشكال متعددة من الخطاب النسوي، وهناك تبسيط مخل أحيانا ووعي سياسي في أماكن أخرى، هناك خطاب نسوي قائم على التركيز على جسد المرأة، وهناك خطاب نسوي آخر يضع في الاعتبار الواقع السياسي والاقتصادي والثقافي...إلخ، وأنا لا أنظر الى نفسي بصفتي نسوية بالمعنى الدارج لكن المؤكد أيضا انني شديدة الوعي بوضعية المرأة وبحقها في تغيير هذه الوضعية، وأخشى من أن بعض الاتجاهات في الخطاب النسوي تسعى للتعمية على قضايا أخرى في المجتمع، وبالمناسبة هذا ما حدث مثلا في الولايات المتحدة في وقت من الأوقات حيث كان الحديث عن الخطاب النسوي أداة لسحب البساط من تحت أقدام الخطاب التحرري للأفارقة الاميركيين، لكن آمل ألا يفهم من كلامي انه من غير المفيد ان تظل هناك أصوات تدافع عن حقوق المرأة، وتحمي امكانيات نموها وتقدمها وانجازها.

* لماذا اعتبرت كتابك «الرحلة ـ أيام طالبة مصرية في اميركا» ورشة لكتابة الرواية؟
ـ اعتبرته ورشة لانه كان محاولة أولى لي للكتابة، قلت أتعلم كيف أكتب، وكانت المهمة أكثر يسرا لانني كنت اسجل تجربتي كطالبة في الولايات المتحدة الاميركية، وهناك جانب آخر أفضي لك به الآن وهو أنني كنت خائفة من الكتابة، خائفة من طرح نفسي كروائية، وخائفة من قدرتي على عمل نص جيد، قلت أحاول في هذا الكتاب كتابة سيرة حدودها معلومة، ومشاكلها أقل، وحدودها واضحة، فتعلمت منها ان أكتب عملا ممتدا، وكان نوعا من التدريب على الكتابة ذات النفس الطويل وتعلمت كيف أجسد مشهدا، وكيف أتعامل مع الزمن، وكيف أطيل، وأنا أكتب مشهدا لم يستغرق سوى دقائق قليلة، وكيف اختزل وأنا أتعامل مع شهور أو أسابيع، وعندما انتهيت منه اكتسبت ثقتي في نفسي.

* في رأيك فيم تختلف روايتك «ثلاثية غرناطة» عن «ليون الافريقي» لأمين معلوف، وفي «ظلال الرمان» لطارق علي، خاصة انهما كان يشتغلان على الحدث نفسه؟
ـ للنقاد أن يقرروا مساحات الاختلاف على مستوى الشكل أو مستوى القيمة، لكن أنا أختلف عند جانب واحد، أمين معلوف ابن المهاجر ويكتب تجربة المهاجر، وأنا ابنة المكان أكتب تجربة مختلفة، وهذا فارق أساسي جدا، طارق علي أيضا هو ابن المهاجر فهو باكستاني يعيش منذ شبابه في انجلترا، ويكتب بالانجليزية، بينما يكتب أمين معلوف بالفرنسية ويتوجه كلاهما لقارئ أجنبي في المقام الأول، ونعرف ان اللغة ليست مجرد أداة للتوصيل ولكن هي أيضا العنصر الأبرز لهذه الثقافة التي نراها تقمع وتضرب بعنف في تجربة الرواية، للأسف لم يتوقف النقاد أمام هذا المعنى لاستخدام اللغة في الرواية وقد كتب الكثيرون عنها، وبدا لي ان اللغة العربية بمختلف مستوياتها من تراث العرب، وبعض الاقتباسات من الآيات القرآنية الى الحكايات الشعبية، وما بينهما من المستويات هذه اللغة بثرائها وتنوع مستوياتها ونفيها بتحريمها هي موضوع الرواية.

* بالنسبة للغة، ألاحظ أحيانا في الثلاثية التي تدور أحداثها في الاندلس استخدامك أمثالا شعبية مصرية متداولة، هل قصدت هذا؟
ـ كنت في محاولتي لتمثيل حياة العاديين من البشر أحاول أحيانا أن أدرج أمثالا شعبية وتعبيرات دارجة وكنت أحيانا أستمد هذه التعبيرات من التراث الشعبي للعديد من الدول مثل مصر، وبلاد الشام، وفلسطين، والمغرب، وكنت بهذا النسيج أحاول التعبير عن حياة هؤلاء الشعبيين.

* يبدو موقف موت «مريمة» في ثلاثية غرناطة اسطوريا، ومؤثرا في النفس، هل سعيت الى «أسطرة» هذه الشخصية؟
ـ لا أدري ولكن هكذا رأيت المشهد، حين ماتت «مريمة» في الجزء الثاني من الرواية كنت قد عايشتها وارتبطت بها الى حد أن موتها جاء هكذا مؤثرا وقويا، ويبدو أن حضورها كان قويا لدرجة ان موتها لم يذهب بها، فوجدت ان الرواية تعود لها مرة ومرة وحتى السطر الأخير من الرواية «لا وحشة في قبر مريمة».

* كنت أريد أن أسألك عن تفتيت الشخصيات في «ثلاثية غرناطة» حيث نجد في الجزء الأول شخصيات كثيرة، قلت في الجزء الثاني، ولم يبق منها سوى شخصية واحدة في الجزء الثالث لماذا؟
ـ هذه رواية تتعامل مع نفي وقمع شعب، وتتحدث عن التضييق على عرب الاندلس وتحويلهم من شعب حاضر وله سلطته وكيانه الى مجتمعات هامشية عليها أحد خيارين، إما الهجرة أو الاختفاء في الزوايا، وفي الثقافة السائدة. وبالتالي كان من الطبيعي أن نرى في الجزء الأول وبعد صدور قرار تسليم غرناطة مباشرة الأسرة ممتدة وكبيرة، وان تختزل هذه الأسرة، وهي تمثل الجماعة في تلك الحقبة لعدد أقل حتى نصل الى الجزء الأخير فلا نرى إلا شخصا مفردا، وهذا أيضا ينعكس على حجم أجزاء الرواية، حيث الأكبر الأول، ثم الثاني، ثم الثالث، وبهجة الجموع تحت وطأة النفي والاخفاء تظل تتناقص، و«علي» في نهاية الرواية يبدو على وشك الرحيل، ثم في السطور الأخيرة يعطي ظهره للبحر ويمشي مبتعدا، انه يبتعد الى داخل بلاده، بل يذوب فيها، وهذا لا يقال في الرواية، لكنه يفهم، سيذوب في هذه البلاد، وسيظل كوجود عربي له ثقافته المرئية، شرط وجود «علي» بعد الترحيل النهائي كما ان شرط وجود العربي هو وجود خفي كحضور السكون، فالعربي في الثقافة الاسبانية المعاصرة موجود وهو طبقة من الطبقات الجيولوجية.

* في استهلال الرواية، هل قصدت التوازي بين المرأة العارية والتي لم تظهر الا في مشهد واحد عابر وبين سقوط غرناطة؟
ـ للعري في الثقافة ايحاءاته السلبية، وحدث ان بدأت في هذه الرواية بعد قصف بغداد سنة 1991، كنت اجلس هنا في القاهرة أمام التلفزيون أشاهد القصف، ورأيت امرأة عارية، وقد تستغرب ان هذا المشهد أتاني ولم أكن أفكر في غرناطة، لكن الخوف مما هو مقبل في ذلك الزمان دفعني للكتابة، الخوف من الاندثار، من الانقراض هو الذي دفعني للبحث عن المراحل التاريخية المشابهة، كان هذا الخوف مقبلا فبدأت أقرأ عن سقوط غرناطة، ولم أكن اقرأ بهدف الكتابة، وانما لأعرف ما الذي يحدث، قرأت كل ما أمكنني الحصول عليه، أقرأ لأنني قلقة وخائفة، وأريد أن أعرف، وبعد أكثر من سبعة أشهر فوجئت أن داخلي كتابة، وأنني على وشك كتابة رواية، وعندما جلست للكتابة وجدتني أرسم المشهد الذي رأيته بعيني في ذلك اليوم من أيام أواخر يناير سنة 1991، وأنا جالسة أمام التلفزيون أشاهد قصف بغداد، وكأنها صورة تطير، أو كأن المرأة العارية تشي بهول مقبل.

* ربط العديد من النقاد بين دلالات سقوط غرناطة التي رسمتها في الرواية، وبين ما يحدث الآن في فلسطين، مارأيك؟
ـ لا على مستوى الوعي لم أكن أفكر في فلسطين على الاطلاق، وسئلت عن هذا من قبل أكثر من مرة وكنت أنفي بشدة، لكن الآن، وبعد مرور ما يقرب من عشر سنوات من نشر الجزء الأول من الثلاثية أعرف أن فلسطين كانت حاضرة في الوعي العميق، وأنني في نهاية الأمر، وأنا أتعامل مع تاريخ قديم، كنت أتعامل معه من موقفي أنا، كامرأة عاشت مجريات النصف الثاني من القرن العشرين، وفي مركزها الأمر الفلسطيني، وكانت الرواية هي نتاج لاحداث مرت منذ 500 عام، وبعين تشكلت في الحاضر.

* على أي أساس يتم اختيارك للمنطقة التاريخية التي تكتبين فيها؟
ـ قد تتعجب أنني لا أختار، فقد أجد نفسي مهتمة بفترة ما، وقد تأتي فيها كتابة وقد لا تأتي، وأنا الآن أقرأ في مرحلة معينة، ولكني لا أعرف ان كانت ستأتي بكتابة أم لا، فإن لم تأت أكتفي بمتعة المعرفة.

* أقصد، هل تتهيئين للكتابة، بالقراءة؟
ـ أتهيأ للكتابة بالقراءة عموما حتى وأنا أكتب رواية سيرة. في «أطياف» كنت أقرأ كثيرا عن تاريخ مصر الحديث، وليس بالضروري ان أستخدم ما أقرأه، ولكن توسيع المعارف مهم، وكل الروائيين الجادين يوظفون قدرا من البحث في كتابتهم الروائية.

* حسنا، هل كل ما في التاريخ صالح للكتابة؟
ـ لا أدري، المؤكد ان المرء يستطيع أن يتناول أي مرحلة متصلة بحدث ما، على أن تكون الصلة ذات دلالة، وان تكون الصلة أصيلة، وألا يكون اختيارا ذهنيا بالمعنى السلبي.

* ألاحظ ان الكتابة عندك تخفي دائما هما سياسيا هل تلجئين الى الكتابة عن التاريخ كقناع ايديولوجي؟
ـ اذا كانت الكتابة مجرد قناع ايديولوجي فلا بد أنها رديئة جدا، وبالمناسبة ففي كل كتابة قدر من الايديولوجيا، لكن اختزال الكتابة الى مجرد ايديولوجيا يعني قتلها وتحويلها الى أفكار غير أدبية. النص الأدبي عندي ـ فيما أعتقد ـ نص متعدد المراكز ومتعدد الأصوات ويحتمل التناقض والتشطي ويحتمل أشياء كثيرة، فالقول بأنه ايديولوجيا مقنعة يعني افقاده ثراء الفن والعديد من العناصر المشكلة لهذا الثراء، أما القول بأني مهمومة سياسيا فهذا حقيقي، وهو بالمناسبة قاسم مشترك بين كتاب عديدين في الداخل وفي الخارج.

* يرى البعض ان مجموعتك «تقارير السيدة راء» تقلد وتشتبك في بعض تجلياتها مع الأفكار التجريبية لميلان كونديرا، ما رأيك؟
ـ لم أقصد أن أكتب تقليدا لأحد، لكن بالمناسبة اختيار العنوان بأنه مجموعة قصصية ليس لي بل للناشر، فلو أسميتها رواية فهذا غير دقيق، وكذلك لو قلت انها قصص فلن أكون دقيقة أيضا، ففكرت في استخدام التقارير بشكل فني، ربما انطلاقا من الاحساس بأن جزءا من مهمتنا تقديم شهادة على ما عشناه، وتستغرب ان «راء» لم ينته كلامها بانتهاء التقارير بمعنى انه في مرات كثيرة تراودني راء ويبدو أنني قد أعود إليها لاستمع منها الى تقرير مطول عن شيء ما. وبالتالي فلو تلاحظ هي شخصية لها نفس الوجدان والنظرة وان تعددت أوضاعها في التقارير المختلفة، ففي لحظة راء أكاديمية، وفي لحظة أخرى راء انسانة بسيطة، وفي لحطة أخرى راء لها عشرة أطفال. فهي إذن قد تأتي لنا من مواقع مختلفة لها نفس الوجدان والنظرة.

* هل هناك تماس بين شخصيتي رضوى عاشور، والسيدة راء، بمعنى هل يمكن اعتبار بعض التقارير سيرة ذاتية لك؟
ـ لا، بعض التقارير فيها عناصر سيرة ذاتية، وفي التقرير الأخير عندما أشرت الى اسم ابني تحديدا أردت أن أربط نفسي براء، بمعنى أن أقول انني أيضا مثل راء، بما ان راء متعددة وواحدة في نفس الوقت، فأنا قد أكون راء أيضا في لحظة من اللحظات، وقد تكون رضوى هي راء في تقرير ما، ولكنها في تقرير آخر شخص آخر تماما، الاثنتان تشتركان مع «الناظر» في الارتباك العظيم تجاه الواقع المربك تماما.

* أريد أن أعرف مفهوم التجريب لديك في الكتابة خاصة أنك في تقارير السيدة راء تطرحين العديد من الافكار مثل فكرة أن تكون هناك أكثر من فكرة للنص، أو التمرد على فعل الكتابة، أو السريالية؟
ـ أنا لا أتوخى التجريب كنقطة بداية، وأبدأ عندما أريد الكتابة عن شيء ما، تجربة ما، فأجد نفسي اتجه الى شكل ثم أشعر بخوف مباغت، وقد يكون متفقا عليه كشكل للكتابة، أفزع لبعض الوقت وأتوقف، ثم حين أواصل اكتشف انني في حاجة لهذا الشكل الجديد وساعتها أشعر باطمئنان نسبي لأنني أنتبه الى أن ما بداخلي يحتاج هذا الشكل للتعبير عنه، وأذكر أنني وأنا اكتب «أطياف» بدأت أكتب عن شخصية اسمها «شجر» ثم وجدت نفسي أكتب عن نفسي ثم أعود لشجر فارتبكت وتحدثت بعد ذلك مع ابني، قلت له أنا لا أدري ما هذا الأمر هل أنا أكتب رواية عن امرأة اسمها شجر أم أكتب سيرة ذاتية فقال لي: ربما تكتبين عن الاثنتين معا ما الضير أليس هذا ما وجدت نفسك تكتبينه، لذلك أدين لابني بتشجيعي على التجرؤ على هذه المغامرة، وفعلا كتبت نص سيرة قائم على امرأتين، واحدة هي رضوى اؤرخ لحياتها والثانية هي امرأة متخيلة اسمها شجر، ومزجت بين الاثنتين، وكان النص فكرة ابني التي جاءت بشكل تلقائي وشجعتني ولست نادمة على تلك التجربة.

* مع انك ناقدة، وأكاديمية، إلا انك تسخرين في «تقارير السيدة راء» من حالة الكتابة، والنقد، والرطن بالمصطلحات؟
ـ وما الضير من السخرية من نفسي حتى، هذه السخرية تعبر عن انزعاج حقيقي من المساطر النقدية الغبية بمعنى انه في موضوع النقد لا أتدخل من موقع غير العارف، بمعنى أني أدرس مادة النظرية النقدية لسنوات طويلة، وبالتالي حين أرفض المساطر العمياء ليس من موقع عدم المعرفة، انما من معرفة ورفض للقيود، ورفض لنقل النقد الاجنبي بغباء لأن هذا يؤدي الى كارثة، والركض وراء الموضة مزعج.

* بالمناسبة، لماذا تقارير؟
ـ تصورت انه يمكن توظيف شكل التقرير في كتابة فنية، ولذلك كما أسلفت وصفها بأنها مجموعة قصصية وصف خاطىء، هي تقارير، وكأن راء في كل تقرير من هذه التقارير تقدم شهادة عن واقعها، ولم يخطر ببالي لحظة الكتابة ما سأقوله الآن ولكنه خطر فجأة، ولا وجه للمقارنة على الاطلاق، إن أعظم تقرير كان السيرة الذاتية لكازانتزاكس وفي عنوانها لفظة التقرير.

* في كتابك النقدي «الطريق الى الخيمة الأخرى»، هل كتبت عن غسان كنفاني منطلقة انه مناضل سياسي أم مبدع؟
ـ اعتقد أنني وضعت في الاعتبار دوره السياسي وموقعه في المقدمة ثم تناولت أعماله الإبداعية تحليلا، وارتباطا بالسياق، وهذا عمل مبكر لي.

* دكتورة رضوى.. شكرا لك على هذا الحوار المشوق.

فريدة النقاش وأيديولوجيا الأدب


فريدة النقاش : لا يوجد أدب بلا آيديولوجيا
على المثقفين أن يحتفظوا باستقلاليتهم حتى في تعاملهم مع السلطة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قالت الناقدة فريدة النقاش رئيسة تحرير مجلة «أدب ونقد» المصرية انه لا يوجد أدب بدون آيديولوجيا واعتبرت اختفاء وتهميش القضايا الكبيرة في الإبداعات الجديدة نوعا من الآيديولوجيا في ظل حالة اللامعنى والفساد التي أصبحت السمة الغالبة لمعظم معطيات الواقع. وتطرقت النقاش في حوارها مع «الشرق الأوسط» إلى هموم الكتاب لديها، ومدى تأثر ذلك بموقفها السياسي والحزبي ووعيها الذي تفتح وتبلور وسط أسرة يشتغل معظمها بالأدب. وهنا نص الحوار:
* إلى أي مدى اثر مجمل المناخ الثقافي في الستينيات في توجهك نحو الاشتراكية؟
ـ بداية توجهي الحقيقي للاشتراكية جاءت من الادب، فقرأت مبكرا جدا رواية «الام» لمكسيم جوركي فكانت هي مدخلي للفكر الاشتراكي، أي انني لم ادخل عن طريق الفكر النظري. وقرأت بعد ذلك جون شتاينبك، والكتاب الواقعيين العرب ونجيب محفوظ، وخاصة النموذج الاشتراكي في الثلاثية رغم انه كان معزولا الى حد ما، لكن نظرته الإنسانية بها نوع من التكامل، أيضا أثرت السينما الواقعية في إيطاليا، حين كانت في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي نوادي السينما منتشرة في أماكن كثيرة، فكانت هناك فرص لان نرى السينما الجديدة، ولم تكن السينما الأميركية هي الطاغية مثل الآن، فمجمل المناخ الثقافي هو الذي فتح لي أبواب الاشتراكية.
* وهل توجهت نحو الاشتراكية لأنه لم يكن هناك في الدولة في ذلك الوقت سوى هذا التوجه الذي تبنته السلطة ذاتها؟
ـ لا، لان توجهي بعد ذلك لم يكن مع الدولة، أولا في تربيتي في الفترة الأولى في القرية كانت لدي أسئلة ملحة جدا حول بؤس الفلاحين، حيث كنت انتمي إلى أسرة من طبقة البرجوازية الصغيرة المستورة، لكن كانت هناك فئات من الفلاحين جيراننا، حالتهم الاجتماعية بالغة السوء والقسوة والتهميش. لم يكن أولادهم يذهبون إلى المدرسة، كانت الأشغال قليلة، ورغم انها كانت قرية صغيرة، الا أنه كان بها تناقض طبقي صارخ بين ملاك الأرض الكبار والفلاحين الذين يعملون لديهم في الأرض ووضعهم البائس جدا، وكان هذا هو السؤال الفلسفي الاول في حياتي، ما سر ذلك التناقض الطبقي الفظيع، لماذا لا تستطيع الأرض ان تغذينا جميعا بشكل كامل، ثم دخلت بعد ذلك على الأدب، فقرأت جوركي، وشتاينيك، وغيرهما وبعد ان انتقلنا إلى القاهرة قبل ثورة يوليو بشهور قليلة، لكي يدخل أخي رجاء الجامعة تعرفت على الفكر من باب أوسع.
* معظم المثقفين ان لم يكن كلهم في الستينيات كانوا ناصريين أو اشتراكيين هل كان عبد الناصر يستخدمهم لصالحه؟
ـ عبد الناصر كان لاعبا ماهرا جدا، وكان يريد أن يوفر كل أشكال النفوذ لمصلحة مشروعة، لذلك اصطدم بالشيوعيين، رغم انهم حلفاء طبيعيون له. وعلى الذين يتهمون الشيوعيين المصريين بأنهم أصحاب ديكتاتورية البروليتاريا وانهم ضد الديمقراطية أن يتذكروا ان سبب خلافهم مع عبد الناصر أنهم رفضوا فكرة حل الأحزاب وان تقوم الوحدة بين مصر وسورية فوقيا، وطالبوا بأن يشارك الناس فيها، وأن تبقى الأحزاب قائمة، وان نتفق على صيغة للعمل المشترك. ومع ذلك كانت هناك محاولة لتجنيد المثقفين لكي يدافعوا عن النظام دون شروط، ودون رأي مستقل، ففكرة ان تكون مستقلا، ولو كفرد، كانت مرفوضة، اما معنا أو في السجن. ومن اجل هذا خرجت أشكال الاحتجاج في أدب إبراهيم اصلان ومحمد البساطي وقصائد امل دنقل واحمد عبد المعطي حجازي وغيرهم وغضبهم مما اسميه بعقلية البرجوازية الصغيرة الثأرية، وعبد الناصر كان يعتبر أي مختلفين معه أعداء له. وعندما حاول أن ينظم الناس حوله، وجد ان الطبقة الجديدة كما اسماها مهيمنة على الاتحاد الاشتراكي، ووجد ان عبد الحكيم عامر جعل الجيش خرابا، ولم يستطع ان يصمد امام إسرائيل في 67، وكان هذا حصاد تغييب الديمقراطية والحريات العامة رغم الإنجازات الرائعة التي حققتها الثورة، وادب تلك الفترة أدب حزين جدا، رغم انها فترة تألق وطني، لدرجة ان عددا من المثقفين ذهبوا بعد النكسة لعمل جاليري 68 حتى يبتعدوا تماما عن المؤسسة.
* لكن لا يتناقض هذا في اعتقادك مع كل هذا النمو والزخم الثقافي الذي كان موجودا في تلك الفترة، وكانت المؤسسة الثقافية طرفا فاعلا فيه؟
ـ انا أفسر ذلك الزخم الذي كان موجودا في الخمسينيات والستينيات بأنه الحصاد الطبيعي لازدهار الأربعينيات.
* هل يعني هذا انه ليس له علاقة بثورة يوليو؟

ـ لا، له علاقة، لا أنكر ذلك، لكنه تراكم لما حدث للفترة الليبرالية الاولى في مصر التي أخرجت العقاد وطه حسين واحمد لطفي السيد وإسماعيل ادهم وسهير القلماوي ولطيفة الزيات وجيل الطليعة الوفدية وهو تراكم ليس فقط لبداية القرن العشرين، بل لنهاية القرن التاسع عشر أيضا. اذن هناك تراكم ثقافي ضخم جدا أضاف اليه فتح ثورة يوليو لمجانية التعليم، فدخل أبناء الفقراء المصريين الجامعات بالمجان، وكان هذا من الطبيعي ان ينتج حركة ثقافية كبيرة سواء في الشعر أو القصة أو الرواية والنقد والمسرح والسينما.
* في رحلتك الثقافية الممتدة اكثر من 40 عاما أرى ان هناك خطين متوازيين، هما السياسة والثقافة. أيهما قادك إلى الآخر؟
ـ الأدب هو الذي قادني إلى السياسة، لكن قد تكون هيمنت السياسة بعد ذلك لانشغالي بالعمل المباشر.
* هل يموت الأدب اذا دخلته الآيديولوجيا؟
ـ لا يوجد شيء بلا آيديولوجيا، كل توجه عام وكل إبداع إنساني به توجه آيديولوجي، إلي أي السماوات أنت تتطلع، ولا يوجد أدب بلا معنى والآيديولوجيا هي المعنى، المهم هل هذا المعنى مزيف، أم هو معني يشتمل على عنصر البناء والتقدم والتشوق العارم للحقيقة.
* حسنا، بماذا تفسرين ان الكتابة الشابة الحالية في مصر تخلو من الآيديولوجيا تماما؟
ـ هذا غير صحيح، فهذه آيديولوجيا ايضا.
* عدم وجود آيديولوجيا هو آيديولوجيا؟
ـ نعم، هي آيديولوجيا اللامعنى، الخواء، نهاية التاريخ، وهذا بدون اختزال هو جوهر الأزمة العميقة التي نعيشها والتي تنتج هذا اللامعنى. فاللا معنى هنا هو معنى الاحتجاج على الواقع القائم على الظلم على الاستبداد والتدهور الوطني على الخراب الشامل في البلاد، هي آيديولوجيا احتجاجية تحتج على واقع مرير بطريقتها، وعلى الصعيد العالمي اذا وسعنا الأفق ودخلنا الى قضية ما بعد الحداثة، سنجد من ابرز الإسهامات التي خرجت في هذا الميدان إسهامات فوكوياما الذي يبني تعبيراته على مقولة هيجل ان الرأسمالية نهاية التاريخ وسوف تتعدد خيارات الإنسانية في إطار عبادة السوق، المنفعة العالية، الربح، أي الفلسفة الأساسية للرأسمالية. لكن تبين له في كتاب أخير له انه كان مخطئا، وان واقع التحولات العالمية والحركة العالمية المناهضة للعولمة تبين ان هذا ليس صحيحا، والانتخابات في فنزويلا والبرازيل وبيرو والأرجنتين أتت بأحزاب تقدمية يسارية، أذن لم ينته التاريخ، لان الأرض لاول مرة في تاريخ البشر تستطيع ان تغذي 12 مليار إنسان، أي ضعف سكان الارض، ومع ذلك هناك 900 مليون جائع، فكيف تكون هذه هي النهاية، الا اذا كنت على طريقة المفكرين الأميركيين ترى ان هناك إنسانية مميزة، وهذا جزر الفكرة الاستعمارية والصهيونية أيضا. والمشكلة الان هي أزمة الحريات العامة، فلو ان النظام يسمح لهؤلاء بأن ينظموا أنفسهم ان يصدروا صحفهم، ان يتحركوا بحرية طبقا للمواثيق الدولية، كان سيختلف الوضع وربما توجد في الإبداع الجديد لدى هؤلاء نزعة شبه عدمية لأنها احتجاج على هذا الوضع البائس الذي وصلت إليه مصر، مصر كان من المفترض ان تكون مثل فرنسا، أو على الأقل اليونان أو إسبانيا. ولكن انظر الان أين هم وأين نحن، من ناحية الديمقراطية ومستوى المعيشة، وليس سهلا على هؤلاء الشبان ان يشاهدوا طوال النهار المذابح التي تحدث في العراق وفلسطين، هذا النوع من الأدب الذي يكتبونه هو احتجاج على هذا الوضع المهين على كل المستويات
* لكن هذا النوع من الكتابة يمتد أيضا إلى البلدان التي تحدثت عنها، فالقصيدة الفلسطينية الان مغرقة في الذاتية، وبعيدة تماما عن القضية؟
ـ هناك مراحل في الكتابة، حتى محمود درويش نفسه مرت قصائده بعدد من المراحل وهو يرفض الان ان يلقي قصيدته «سجل أنا عربي» في أمسياته لأنها مباشرة، وهذه مرحلة، نحن نستطيع ان نعبر عن الثورة وعن احتدام الانتفاضة بتفتح الوردة، وليس من الضروري ان اقدم شعارات في الأدب، وهذا عمق إنساني للأدب وليس ابتعادا عن القضية، وهناك معنى جديد للفكر الثوري وهو ان الثورة ليست مجرد شعار سياسي لكنها تفاصيل الحياة اليومية، واذا لم تتغير حياة الإنسان اليومية، وهذه فكرة أساسية عند جرامشي، فالثورة لم تنجح، ومن هذا الموقع يكتب الأدباء الفلسطينيون الآن أدبا جميلا.
* حسنا، من خلال النصوص التي تنشرينها في «أدب ونقد»، كيف تقيمين كتابة الجيل الحالي، خاصة انك من اكثر المهتمين به؟
ـ توجد ثورة إبداعية كبرى في مصر، قصة، رواية، وشعر، وإسهامات نقدية، وسينما شابة تقدم إضافات مهمة، وهناك فرق مسرحية تعمل على الهامش بالضبط كما ظهرت ظاهرة خارج برودواي، وأنا ممتنه للفورة الإبداعية التي تحدث في مصر، والمشكلة فقط في التمويل، والتنظيم، مثلا كيف تتحول هذه الروايات الهامة إلى سينما مثلا، والأديب يشعر انه بصفة دائمة معزول ومحاصر وربما يكون هذا هو سبب الصراعات التي تحدث بين الأدباء، لانهم محصورون في بقعه ضيقة ولا يستطيعون ان يصلوا للجمهور الواسع، من الممكن ان يصلوا عن طريق التلفزيون والسينما، لكن السينما منهارة إنتاجيا والتلفزيون بوق إعلامي للسياسات يخاصم الإبداع الجميل والرقابة تنهشه كل يوم.
* هل مصر حاليا تعاني من فساد ثقافي؟
ـ طبعا، الفساد في كل شيء سياسي، أخلاقي، ثقافي، ويكفي اعتبار الثقافة نوعا من «الصهلله» كما وصفها أحد المسؤولين الثقافيين الكبار. هناك إهدار غير عادي للإمكانيات الموجودة في البلاد، ولنأخذ على سبيل المثال ما كتبه العائدون من فرانكفورت عن الفوضى التي حدثت فيها، لان وزارة الثقافة لم تعتمد كل المثقفين، بل على مجموعة من الموظفين الذين ذهبوا لكي يتسوقوا أو يقيموا علاقات تجارية، لكن إمكانيات مصر اكبر من هذا بكثير، ومثقفو مصر اكبر من النظام، وباختصار شديد مصر اكبر بكثير من النظام الذي يحكمها. وهناك تعبير جميل قاله الكاتب المسرحي الراحل محمود دياب قبل رحيله «ان السادات جاء فوجد ان مصر كبيرة عليه فأخذ يقصقص فيها حتى تصبح على مقاسه». واعتقد ان من يومها كل واحد يقصقص فيها لتصبح على حجمه وللأسف مصر لم يعد لها دور على المستوى الإقليمي في السياسة، لذا فمن الطبيعي ان يكون هناك فساد ثقافي.
* هل يمكن ان نعتبر سبب وجود هذا الفساد ارتباط المثقفين الآن بالدولة؟
ـ الدولة ليست ملك الحكومة، بل هي ملك المصريين الذين يدفعون الضرائب، ويأخذون اجرا اقل، وهذه الفكرة أتمنى ان يراجعها المثقفون. ومن الممكن ان نقول ان هناك ارتباطا بالحكومة، وتحول الى ذيول للمسؤولين وهذا شكل من أشكال الفساد، والمثقفون ليسوا مضطرين لان يفعلوا هذا، لان هناك إمكانية ان يكونوا مستقلين حتى عن الأحزاب، ويلعبوا دورهم النقدي، ودور الضمير اليقظ في الحياة السياسية، والثقافية، ولكن بصفة عامة، فالمثقفون تعرضوا للمآسي منذ الأربعينيات منهم الذين اعتقلوا ومن عذبوا ومن شردوا ومن منعوا من الكتابة ومن السفر ومن دمرت عائلاتهم ومن فصلوا من أعمالهم، كفاح المثقفين المصريين لم يكتب حتى الآن، وليس كل المثقفين مثقفو سلطة، لان مثقفي السلطة مكشوفون، وضعفاء حتى معرفيا وفكريا وليس أخلاقيا فقط.
* مررت بتجربة اعتقال استمرت لمدة عام، كيف أثرت هذه التجربة عليك فكريا؟
ـ أثرت التجربة علي بمعنيين الاول أنني اكتشفت داخل السجن انه ملخص للجميع وتستطيع ان تكتشف فيه ان العلاقات الطبيعية مركزة جدا، والثاني انه متن علاقتي بأولادي لأنني كنت اكتب لهم رسائل، وكانوا يردون علي، وكانت بيننا حالة من الحميمية كنت اسميها «لغة الغياب»، لأنني لم اكن أستطيع ان أراهم خاصة انني كنت احبس انا وزوجي، ومن الناحية السياسية، كتبت في مقدمة الكتاب للشباب الذين يؤمنون بأفكار قد تقودهم الى السجن، ان هذه التجربة ـ السجن ـ لا تخيف بما فيها، حتى التعذيب، انا لم اعذب، ولكني حبست انفراديا، وكانت هذه هي الرسالة الأساسية في الكتاب.
* وفكريا؟
ـ ربما في نظرتي لنفسي.. أصبحت اكثر حساسية لآلام الناس.
* بعد فترة طويلة مع الماركسية، وبعد سقوط الاتحاد السوفياتي وبعد تحول مصر من الاشتراكية الى الرأسمالية المتوحشة، كيف ترين «أحلامك» وأفكارك التي آمنت بها طول هذا العمر؟
ـ انا لم اكن ماركسية لان الاتحاد السوفياتي كان موجودا، كان هو اختيارا لي، التجربة الاشتراكية التي سقطت بعد 70 عاما، هي اول بروفة لمجتمع يحدث قطيعة مع كل المجتمعات السابقة، بمعنى ان كل النظم السابقة للاشتراكيين كانت قائمة على استغلال طبقة لمجموعة طبقات. أو فئة لبقية فئات الشعب، سواء في العبودية، أو الإقطاع أو الرأسمالية، ولاول مرة في تاريخ البشرية يحاول البشر ان يحولوا هذا الحلم القديم جدا (اليوتوبيا) لحقيقة على الأرض، ومن الطبيعي ان تقطع معه الأنظمة السابقة لان يلغي الاستغلال تماما من العلاقات الإنسانية وهذه التجربة تستحق ان تعيش 70 عاما وتسقط لتنهض من جديد، فالحلم بالاشتراكية لم يمت ولن يموت وطالما نحن على قيد الحياة لا بد من فكرة كبيرة مهمة، وهي بالنسبة لي الاشتراكية وهناك اناس يعتبرونها الديانات والأساطير، والهزيمة كانت موجعة، وحتى الآن عندما يقول أحد أمامي «سقوط الاتحاد السوفياتي» اشعر ان قلبي سقط بين قدمي، حتى الان منذ عام 1990، لكن الأمر صيرورة إنسانية، والرأسمالية عمرها 500 عام، ومازالت تؤسس نفسها، ولكن انظر للانقسامات بين البشر والبؤس في العالم، فلماذا تستكثر على الاشتراكية ان تدخل في تجربة لمدة سبعين عاما فقط لتنهض مرة اخرى، فالرأسمالية سقطت وقامت وسقطت وقامت مرات عديدة.
* بعد 20 عاما من مجلة «أدب ونقد»، المجلة الثقافية المصرية الوحيدة في مصر التي تنتمي الى حزب معارض، كيف تقيمين الامر؟
ـ نحن مصرون على الاستمرار لكن الظروف مناوئة بشكل فظيع فالورق غال، والطباعة غالية، ولا توجد اعلانات ونحن في امس الحاجة لدعم المثقفين لنا، ودائما ما نسمع ان المجلة جميلة ومؤثرة ولها دور، ونحن نخطط لكي نعقد اجتماعا موسعا لكل المثقفين المحبين لـ«أدب ونقد» للنهوض بها، لم يعد يكفي في هذا العصر ان تعتز بهذا الدور فقط. وفي ظني ان المجلة تحتاج الى نظرة جديدة مستقبلية من القائمين عليها.

شيرين أبو النجا ومفهوم النسوية

شيرين أبو النجا: المثقف والسلطة لدينا طرفان عاطبان ومن الصعب أن تقوم علاقة سليمة بينهما
«النسوية» تسعى لتفتيت سلطة الرجل ولكنها ما تزال تعتمد عليه
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
حصلت الناقدة المصرية شيرين أبو النجا أخيراً على جائزة مؤسسة انترناشيونال بابو جرافيكال سنتر في كمبردج بانجلترا، جائزة الانجاز الدولية، التي تمنح على أساس المساهمات الفكرية والادبية لكاتب ما على المستوى الاقليمي والمحلي. ومن آخر إصدارات الناقدة كتاب «مفهوم الوطن في كتابات المرأة العربية» التي «تنحاز» فيه الى الكتابة النسوية، بالرغم من أنها لا تؤمن أن هناك مدرسة نقدية اسمها «النقد النسوي» وان النسوية لم يفرزها النص الادبي من تلقاء نفسه، وانما هي لسان حال رؤية موجودة في المجتمع.
هنا حوار معها:
* في البداية ماذا تمثل لك جائزة الانجاز للقرن الواحد والعشرين والتي حصلت عليها اخيرا؟
ـ انا سعيدة بالجائزة وقد وصلني خطاب من مؤسسة انترناشيونال بابو جرافيكال سنتر في كمبردج بانجلترا بأنني حزت جائزة الانجاز الدولية وان هذه الجائزة تمنح بناء على النظر في السير الذاتية التي أخذت في موسوعة Whois who وبناء عليه تمنح لعدة اشخاص نتيجة للمساهمات الفكرية والادبية على المستوى الاقليمي والمحلي.
* ركزت في كتابك الاول «عاطفة الاختلاف» بالنقد على نصوص روائية نسائية، هل لان الرواية هي الانجح في التعبير عن المرأة؟
ـ «عاطفة الاختلاف» كان أول كتابة لي في مجال النقد النسوي وكان بمثابة الخروج الاول وبدأت العمل فيه عام 1997، وطبع سنة 1998، وكانت فكرته قائمة على: هل هناك كتابات نسائية في مصر من عدمه. وكنت ارى ان هناك كتابات نسوية جيدة. وفي ذلك العام اتجهت مجموعة من كاتبات القصة القصيرة الى كتابة الرواية، وهذا صدفة طبعا، فأصدرت عفاف السيد روايتها الاولى «السيقان الرفيعة للكذب» وأصدرت ميرال الطحاوي روايتها «الخياء» وأصدرت مي التلمساني «دنيا زاد»، ونورا أمين «قميص وردي فارغ» وبهيجة حسين ايضا، ولمست في هذه الروايات الفكر النسوي، ثم قمت بالتسجيل معهن حول تجاربهن في الكتابة وكيف انعكست عليها تجاربهن في الحياة. وكنت قد قرأت في النظرية النسوية كثيرا، واخذت ما يلائمني وهو الذي طبقته بسهولة على النصوص.
* هل معنى هذات انك تعتمدين على النقد الغربي في كتاباتك؟
ـ نعم، وظلت هذه اشكالية بالنسبة لي وعندما تنظر الى المراجع التي استخدمتها في الكتاب ستكتشف ان المراجع اما للرجال أو للنقاد الاجانب، وقليل جدا ان تجد مرجعا نسائيا واحدا في تراثنا العربي، فالنقد النسوي في العالم العربي لم يقدم الادبيات الخاصة به التي يمكن الاستناد اليها. ويرجع هذا الى انه لم تكن في الفترات السابقة كتابة نسوية وبالتالي فلم يكن هناك نقد نسوي، ولماذا يهتم النقاد الرجال بوضع ادبيات النقد النسوي، ولهذا ظللت طوال الوقت في رحلة بحث وفي حالة دفاع.
* دفاع عن ماذا؟
ـ عن اني كتبت عن هؤلاء الروائيات لانهن صديقاتي، وهذا اتهام مضحك جدا، كما ترى، أو انه لا توجد كتابة نسوية في مصر، وكأنني مسؤولة عن الكتابة في مصر، وعن خصائص الادب النسوي، ولماذا نقول ان هناك ادبا رجاليا، وآخر نسائيا، الى آخر اسئلة الاتهامات التي ما زالت ـ للاسف ـ تطرح حتى الان في الندوات الثقافية وربما تجاوزت كل هذه الآن. لكن الشيء الوحيد الذي لم اتجاوزه هو ما كتبته في خاتمة «عاطفة الاختلاف» وهو رفضي التام لفكرة كتابة الجسد، والقول إن المرأة مقهورة.
* ولماذا انت ضد هذا؟
ـ انها عبارة عن «كليشات»، بالاضافة الى ان القول إن المرأة مقهورة يعني سلب كل ما حققته منها، وتحويلها طوال الوقت الى ضحية تحتاج الى عطف الرجل ورعايته وحمايته كما انها تسلب من المرأة كل قوتها. المرأة فاعلة، لانها تكتب وتشارك بفعل الكتابة.
* حسنا لكن ما رأيك فيما يقال عن أن العداوى النسائية هذه التي ترفضينها، تطمح الى خلق سلطة للمرأة بجوار الرجل؟
ـ نعم، هذا حقيقي، وهو سعي لتفتيت السلطة المركزية للرجل لان السلطة ليست حكرا على أحد، والمناضلون الذين يدعون الدفاع عن الديمقراطية يبدون استعدادهم للسجن من اجل تنفيذها ويأتون عند قضية المرأة ويتوقفون، وكأن سلب حقوق المرأة هو شيء من الديمقراطية.
* هل قل حماسك لكتابات المرأة مع مرور الزمان؟
ـ في بدايات تبلور فكر النقد النسوي لدي كنت ـ وهذا يحدث لاي احد يعتنق آيديولوجيا جديدة ـ متشددة للغاية، وكنت ارى ان هناك كتابات نسوية بالطبع، لكن الان حدث تطور في هذه الفكرة لدي، لانه من الطبيعي ان يراجع الناقد مساره النقدي.
* هل يتشابه النقد النسوي في مصر، والعالم العربي مع النقد النسوي في دول العالم الثالث الاخرى؟
ـ بعد ان انهيت كتابي «عاطفة الاختلاف» بدأت في البحث عن النقد في الهند وباكستان وايران وافريقيا السوداء، ووجدت ان هناك انتاجا وفيرا في النقد النسوي، وان اشكاليات النقد النسوي التي يعاني منها العالم العربي موجودة كذلك في هذه الدول لكن الفرق ان هذه الدول اوجدت ما يخصها معارضة للمناهج الغربية أو بناء عليها أو استعانة بها ولا غضاضة في هذا.
* هل باعتقادك اذن انه لا غضاضة من استخدام مناهج النقد الغربية وتطبيقها على الأدب العربي؟
ـ حاولت في كتابي الاخير «مفهوم الوطن» ان استخدم مناهج ما بعد الاستعمار والكولونيالية، والمناهج النسوية ما بعد الكولونيالية وهي الاكثر استخداما بالمناسبة لانها اكثر واقعية وطواعية واكثر ارتباطا بالمجتمع من المناهج النقدية الجامدة الى ان وصلت الى كتاب «النص والنقد» لادوارد سعيد، الذي يضم فصلا يحمل اسم «النظرية المرتحلة» يتحدث فيه عن نظرية جرامشي عن الوعي الطبقي. وفي العشرينيات وفي الستينيات استخدم جولدمان نفس النظرية بعد أن أفرغها من مضمونها الثوري واعطاها دلالات اخرى، ثم أتى ناقد انجليزي ثالث وطبقها في انجلترا وأصبحت نظرية اكاديمية بحتة. ما أريد قوله هنا ان النظريات النقدية تسافر في الزمان والمكان تحت شعار التأثير والتأثر، وقد يتغير معناها وعلى الناقد ان يكتشف بوعيه النقدي مثالب هذه النظرية، تماما كما غير ادوارد سعيد نظرية ميشيل فوكو الخاصة بالقوة والمعرفة، لانه كان يدرك ان فوكو اختزل كل نظريات المقاومة تحت اسم القوة وهو ما يرفضه سعيد. إذن لا غضاضة من تطبيق النظريات الأجنبية ولكن بوعي نقدي.
* هل يمكن اعتبار النقد الثقافي الذي كثر الحديث عنه أخيرا امتدادا لعلم اجتماع الأدب؟
ـ لا، النقد الثقافي الذي اقصده هو كيف يمكن أن تحول ظواهر المجتمع الى نص، بمعنى اني من الممكن ان احلل مباراة كرة قدم، وهو ما يسمى بعلم السيموطيقيا، أن أحلل خطابا لبوش تحليلا ثقافيا، الصور الفوتوغرافية أيضا التي كانت تلتقط للمصريين في العشرينيات عن طريق فكرة التمثيل النقدي والثقافي ومناقشة زاوية التصوير، والأشخاص الموجودين في الصورة، والخلفية، والايحاءات وهكذا.
* يلاحظ في كتاباتك النقدية سيطرة فكرة تحليل المضمون من دون العناية بتشكيل النص، ودون اصدار حكم قيمة عليه هل توافقين على هذا؟
ـ لا أوافق، لاني ضد اطلاق حكم القيمة، فهو اختزال شديد جدا للنص. وأنا عندما اختار نصا للاشتباك والتحاور معه فأنا قد اتفقت على قيمته، أي اني لا أضع نفسي في وضع الناقدة التي تقبل وترفض. لا، أنا لا اشتبك إلا مع نصوص حقيقية، والنص يوجد لنفسه قارئا، والقراءة لدي هي نوع من أنواع الاشتباك أيا كان شكله فلست مشغولة اطلاقا بما هو الجيد، وما هو السيىء لان النقد لدي ليس حرفة، بقدر ما هو سلوك حياة.
* حسنا، هل النقد لديك هو أقرب للنقد الاجتماعي منه الى النقد الفني أو الأدبي؟
ـ لا، أنا اكتب نقدا ثقافيا، واستخدم كل المناهج، ولا أترك شيئا قد يفيدني ولا استخدمه أو أدرسه على الاقل.
* هل اعتبر هذا إذن تقليلا من قيمة النقد الاجتماعي؟
ـ لا، اطلاقا، ولكني لست منوطة بالنقد الاجتماعي، ولا استخدم ادواته، فلن ادعي شيئا لا أقوم به.
* تحدثت في كتابك الأخير «مفهوم الوطن في كتابات المرأة العربية» عن المقاومة بالفن. هل تعتقدين أنه في هذا الزمان يستطيع الفن ان يشكل نوعا من أنواع المقاومة؟
ـ أعتقد ذلك، وما زلت مؤمنة بهذا، وأذكر يوم 20 مارس (آذار) 2003 في تجمع المثقفين المصريين في ميدان التحرير احتجاجا على احتلال العراق طوال اليوم، وانتهى الأمر بأن حدثت تجمعات صغيرة في نهاية اليوم للمثقفين يغنون أغاني الشيخ امام ومارسيل خليفة وفيروز بعد ان تعبوا وهذا أحد أشكال المقاومة، المسرحيات السياسية أيضا تجمع الجمهور الكبير، والافلام مثل «العاصفة» لخالد يوسف، و«ناجي العلي» لنور الشريف اثارت ضجة لانها تقاوم.
* يقودنا هذا السؤال للحديث عن علاقة المثقف بالسلطة، كيف ترين هذه العلاقة من واقع تجربتك؟
ـ اشكالية أبدية، وأنا لم أختر أن أكون معارضة، ولم أكن على وعي في البداية بذلك، ولكن يبدو ان ينأى الانسان عن موقف لا يعجبه، أو يحتج على شكل لا يوافق عليه، فهو يصنف على انه في المعارضة مباشرة، فاذا كانت هذه هي المعارضة فأنا أوافق تماما على انني معارضة مع ملاحظة ان غياب الكفاءة وغياب المواجهة الحقيقية وقلتها وغياب الفن، كل هذا يعطي الفرصة للتطاحن والصراع على اشياء تافهة أو غير ذات قيمة.
* عاد بعض المعارضين القدماء والجدد الى حضن السلطة الثقافية. هل كانت معارضة السلطة من أجل المعارضة فقط؟
ـ بعض المثقفين يقومون بهذا، ولكن أرى ان من الافضل للمثقف ان يكون على الهامش وليس في المتن، حتى تكون رؤيته أوضح، لان هذا يعطيه الفرصة للنقد الحقيقي والابتعاد عن الآيديولوجيات المفروضة، ويمكنه اعتناق نظريات ثم نبذها واعتناق غيرها. والتحدي الحقيقي الذي يواجه المثقف هو كيف يكون في الهامش ورغم ذلك يكون فاعلا في المتن، والكثيرون يهربون من هذا التحدي.
* هل يمكن باعتقادك اقامة علاقة سليمة مع السلطة؟
ـ لا أعرف كيف يتم هذا، ثم كيف اقيم علاقة سليمة مع شيء ليس سليما. هناك طرفان معطوبان، طرف السلطة معطوب وهم يعلمون انه معطوب، وألا ما قاموا باصدار مبادرات اصلاح، وطرف المثقفين معطوب أيضا، لانه طرف مهزوم وغير فاعل ولا يملك أية قدرة على فعل أي شيء. فكيف تقيم علاقة سليمة بين طرفين معطوبين، واعتقد ان كلمة «سليمة» التي ذكرتها ستضحك الكاتب المسرحي «بيكيت» جدا.
* لكن هناك تدجينا يتم للمثقف، أليس كذلك؟
ـ طبعا هناك تدجين، وكان أعلى رفض لهذا التدجين سواء اختلفنا او اتفقنا عليه موقف صنع الله ابراهيم، وهناك بعض المثقفين الذين دجنتهم السلطة الثقافية بالفعل وبسهولة وبـأشكال مختلفة.
* لماذا قبلوا؟
ـ بسبب الاحساس بالهزيمة، واذا كانت ثمة اختيارات أمام من قبلوا، فأعتقد انها كانت محدودة. السلطة تطرح على المثقف سؤالا في آخر رحلته، أما ان يكون أو لا يكون، وغالبا يختار أن يكون، لانه لا أحد يريد الغياب، مع الاحساس طوال الوقت بالظلم، وبعدم وجود من يضمد الجراح.
* لاحظت في جميع كتاباتك النقدية انك لا تكتبين إلا عن الكاتبات فقط لماذا؟
ـ لأني رأيت ان الكتاب الرجال، لديهم نقاد كثيرون، وهؤلاء النقاد عندما يكتبون عن الكتابات النسائية يكتبون كلاما لا أفهمه من غير انها كتابة رقيقة وواعدة ورومانسية وشابة وتمسك بتلابيب النفس. ثم اني أسعى الى اني أحاول ان أمهد طريقا للنقد النسوي، من خلال رؤية نسوية ابداعية، وأن أطرح الرؤية النسوية داخل هذه النصوص.
* ظهر أخيرا في الأدبيات العربية مصطلح النقد النسوي، هل توافقين عليه؟
ـ هو ليس ظاهرة ضخمة كما صورها البعض، لأنه لا توجد مدرسة نقدية اسمها النقد النسوي، ولكنه استفاد من جميع المناهج النقدية، هو ليس منهجا قائما بنفسه النقد النسوي أنواع، هناك الماركسي والبنيوي، وما بعد البنيوي، وما بعد الكولونيالي والثقافي، وهو يأتي عن طريق الاضافة بمعنى اننا نأخذ الأداة النقدية ونضيف عليها الحضور الثقافي، وهو موجود في كل مكان.
* اعتراض بعض الكاتبات مثل هدى بركات على مصطلح الأدب النسوي، إلام يعود هذا برأيك؟
ـ هي قالت هذا لانها لا تريد أن تصنف في نطاق ضيق، وخصوصا لان الأدب النسوي يفهمه البعض في العالم العربي بأنه الذي يهتم بخواطر المرأة ويتحيز للمرأة، ويتحدث عن المرأة، لا يوجد أحد يريد ان يصنف بهذا الشكل، وعموما فالأدب النسوي لا علاقة له بالتصنيف لان النسوية رؤية لا تستبعد الآخر، وانما ترفع التهميش عن الآخر الذي يضم الانثوي الغائب طوال الوقت.
* هل هناك كاتبات نسائيات لا يكتبن أدبا نسويا؟
ـ كل كاتبة تكتب لا بد ان يتسلل الى ابداعها ملمح نسوي، وعموما فالبوليفونية أو تعددية الصوت تظهر بشكل كبير في كتابات المرأة في الفترة الأخيرة، مثلا عند اهداف سويف في «عين الشمس» هناك فصول على لسان الزوج، وفي رواية بهيجة حسين «البيت» أيضا، وعموما فرضوى عاشور كتبت قطعة من اوروبا على لسان رجل، واحلام مستغانمي كتبت الجزء الاول من «ذاكرة الجسد» على لسان رجل، وهدى بركات كتبت «أهل الهوى» على لسان رجل، وفي النهاية النسوية ليست حال الرجل أو المرأة، وانما هي لسان حال رؤية موجودة في المجتمع.
* هل حديثك عن الوطن لدى المرأة لمجرد التأكيد على ان العالم لدى المرأة واسع وليس العكس؟
ـ لا، وإنما كنت أبحث عن وطني الخاص، ووجدته، كنت قد وصلت الى نقطة اني لا أعرف ماذا يقصد بالوطن، هل الوطن هو الذي يعتقلني لخروجي في مظاهرة، أم هو رجل أحبه فيهجرني، ولم أكن أعرف، وعندما بحثت في الكتابات وجدت ان الوطن هو الشيئان معا، العام والخاص.

مي التلمساني والبرجوازية

مي التلمساني: أكتب عن نساء الطبقة البرجوازية لأنني منهن
الطفولة وموت عبد الناصر والسيرة الذاتية في تجربة روائية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تولي مي التلمساني في كتابتها القصصية والروائية اهتماما خاصا بالعلائق والوحدات السردية الكامنة في ما وراء الأحداث والأشياء والعناصر، ويتشكل هذا في فضاء لغوي سلس، يعتمد على أناقة المخيلة، وتفتيت البؤر التقليدية للسرد والحدث ، أصدرتحتى الآن مجموعتين قصصيتين هما: «نحت متكرر» و«خيانات ذهنية» وروايتين هما: «دنيا زاد» و«هليوبوليس»، ولها عدد من الكتب المترجمة عن السينما العالمية، وقد ترجمت معظم اعمالها الى عدد من اللغات الأجنبية، هذا حوار معها حول عالمها وعلاقة الرواية بالسينما. وكتابات التسعينات في مصر.
* تقولين في هليوبوليس ان بدايات الحكي التقليدية لا تصلح لإثارة الدهشة والبدايات السنتمنتالية لم تعد تثير التعاطف، كيف تبدئين حكاياتها إذن؟
ـ تبدأ بجملة تظل تلح على الذهن زمنا، ويبدو كأنها بداية خيط سيؤدي في النهاية الى متاهة من الحواديت، اقصد بهذا ان الكتابة دائما تكون عبارة عن مشاهد متقاطعة، وعليَّ أن ألملم اطراف هذه المشاهد في سياق ما، فالخيط الذي أمسك به في البداية عن طريق جملة أو مشهد ما، هو الذي سيؤدي الى ربط هذه المشاهد المتفرقة في سياق روائي، وعلى هذا الاساس تبدو البدايات بأساليبها المختلفة بدايات احتمالية، فسواء كانت كلاسيكية كما حدث في هليوبوليس في الفصل الثالث مثلا، وهي تصلح أن تكون بداية رواية، ومن الممكن ان تكون بشكل مغاير، كبداية نفسية، أو بداية من مشهد عاطفي على سبيل المثال، ولأن كل البدايات ممكنة ومحتملة، يصبح على الكاتب عبء تحديد المسار الذي ستكون عليه الرواية في ما بعد، ومن هنا تأتي الصعوبة، هل ابدأ النص بشكل كلاسيكي وبالتالي يبدو هذا الاسلوب كلاسيكيا أم ستكون هناك بداية مغايرة فتوجه القارئ في اتجاه مغاير، الهدف الاساس لي ان ألعب لعبة بدايات متنوعة فتضلل القارئ حتى لا أعطي له منذ اللحظة الأولى في النص مفتاح النص بالكامل.
* هل يمكن ربط هذا باتهامك بالذهنية في بعض أعمالك، خاصة في مجموعتك «خيانات ذهنية» وروايتك «هليوبوليس»؟

ـ لا استطيع ان افصل بين العاطفة والذهن، لأن هذا الشكل بصفة عامة من الثنائيات لا يصلح لتفسير حالة الكتابة أثناء الكتابة، كما لا يصلح لتحليل النص في ما بعد، فهناك دائما خليط أو درجات متفاوتة من العاطفة الغنائية ومن الفلسفة، من المفاهيم التي قد تبدو جامعة كل ما يدخل في بوتقة الكتابة بحيث يصعب الفصل في الحالات المختلفة. لكن هناك مرحلة تالية هي مرحلة اعادة الكتابة بعد الانتهاء من النص، وابتعد عنه لفترة واعود اليه بعقلية الناقد وكأنه لا يمت بصلة، وكأني ناقدة للنص، ومن هنا تأتي فكرة اعادة بنائه وتشكيله وهنا يدخل الذهن بشكل اقوى وهو ما يحتاج لتصورات واضحة للشكل النهائي الذي سيكون عليه النص. في هليوبوليس على سبيل المثال كانت هناك فكرة ان يكون كل فصل معتمدا على ذاته، كأنه وحدة منفصلة، كما ان هناك في البناء فكرة خيط اريان، ففكرة الماريونيت وميكي هي التي تربط في النهاية بين الفصول، ومن حق القارئ عليَّ ان يبدأ القراءة منتصف الرواية، وان يعود الى بدايتها من دون ان يربك ذلك عملية التلقي.
* الى أي مدى تأثرت بمارسيل بروست في «البحث عن الزمن المفقود» في روايتك «هليوبوليس»؟
ـ أثر مارسيل بروست في تشكيلي الأدبي والفكري بصفة عامة وعلى مستويات مختلفة، على ان اسلوبه في الكتابة بعيد عن طموحي في الكتابة، ويظل كاتبا كلاسيكيا، وهو ما يسمح بوجوده بعد مائة عام، والتأثير يأتي منطقتين رئيسيتين في الكتابة، الأولى تتعلق بفكرة الذاكرة، وهي عند بروست لا ارادية تفرض نفسها عن طريق الحواس، في ما بعد قرأت للفيلسوف الفرنسي بركسون ما يتناقض مع هذه الفكرة، ووجدت نفسي بين المنطقين والمفهومين للذاكرة، وأعتقد ان لدي خليطا منهما، فالحواس تتحكم بشكل اساسي في عملية التذكر، لكن في كثير من الاحيان ترتبط هذه العملية بفعل ذهني واضح ومباشر. والمنطقة الثانية هي فكرة الوعي بقيمة الكتابة باعتبارها مسألة حياة أو موت ومرتبطة ايضا بالواقع أو بالحقيقة، فعند بروست الهدف الرئيسي من حياة الكاتب هو بلوغ الكمال في الكتابة وان الواقع الحقيقي ليس هو الواقع المحيط بنا كأجساد، وكبشر حقيقيين، لكن هو واقع الأدب نفسه، فالوطن الوحيد للكاتب هو النص، وتأثير هذين المعنيين عليَّ موجود في هليوبوليس من خلال عملية انتاج الماضي التي تقوم بها ميكي، ومن خلال وعيها ان استعادة الزمن لن تتم الا عبر فعل الكتابة، والوعيان موجودان عند البطلة. اذن تأثير بروست هو تأثير في المستوى الأعمق الفلسفي لكتابة النص، وليس تأثيرا اسلوبيا.
* ترتبط الكتابة عندك بلحظات التذكر، ما اثر طفولتك عليك في الكتابة؟
ـ الطفولة، بصفة عامة، من الممكن ان تمثل لكثير من الكتاب نبعا لا ينضب من الذكريات السعيدة، ومحاولة استعادة تلك الاحداث هي محاولة لاستعادة زمن جميل، اضف الى ذلك مساحة السخرية التي كنت اريد العمل من داخلها اثناء الكتابة، فلم يكن هدفي الرئيسي هو تزيين فترة الطفولة في شخصية ميكي بقدر ما كان هدفي هو كشف المفارقات الكثيرة بين الاحداث المشار اليها وبين وعي ميكي بهذه الاحداث، وهنا يتدخل عنصر السخرية ليقلل من غنائية قيمة الطفولة في حد ذاتها والتي هي نتيجة تحمل عادة بقيمة مثل البراءة العفوية والانطلاق، شخصية ميكي ليست بريئة، وعفويتها تحاصرها الذهنية وانطلاقها مرهون بخيوط الماريونيت، طفولة في ظاهرها سعيدة وفي باطنها محملة بالاسئلة.
* يقودني هذا الى سؤال حول مدى اعتمادك على موتيفة «الماريونيت» والاقنعة في هذه الرواية؟ ولماذا؟
ـ هناك عدة موتيفات رئيسية في الرواية منها موتيفة الاقنعة وموتيفة الماريونيت ومصدرهما المسرح بالطبع، حاولت ان اعيد النظر فيهما من انطلاق مغاير للمنطلقات المتعارف عليها والتي تحمل القناع والدمية قيما سلبية واعتقد اننا لا نحيا الا بالاقنعة ودور الدمية في حد ذاته ليس مثل دمية هنريك ابسن، لكن بوعيها الخاص بكونها دمية، تستطيع ان تتغلب على القدر المفروض عليها، فالأقنعة في هليوبوليس ضرورة للاستمرار في الحياة وكلنا يرتدي الاقنعة عشرات المرات كل يوم ولا نستطيع ان نفعل غير ذلك، فأنا عندي قناع للكتابة وآخر للناقدة وثالث للاكاديمية ورابع للزوجة وللأم وآخر للصديقة.. الخ.
* تبدو فكرة التوثيق التاريخي والزمني احدى الاشكاليات المهمة التي تطرحها الرواية، كيف تعاملت معها؟
ـ يقودني هذا الى فكرة علاقة الرواية بالتاريخ، خاصة التاريخ الرسمي، فكثير من الكتاب اليوم يحاولون نزع الاوهام عن الخطاب التاريخي الراسخ كما نراه في كتب التاريخ وفي الرواية التاريخية الموثقة وبالنسبة لهليوبوليس كان الهاجس الرئيسي لدي هو الاشارة بشكل محدود لتاريخ هليوبوليس، القديم او الحديث على ان ترتبط هذه الاشارات بتفاصيل قد تبدو غير ذات اهمية من حياة الشخصيات الرئيسية في مصر، مثل الاشارة الى تاريخ الاشياء، وهو تاريخ من شأن الرواية كعمل ادبي ان تعلي من مكانته، على الرغم من الاشارات الموثقة وهليوبوليس كمدينة تستدعي في الاذهان العصر الفرعوني بجامعتها العريقة، تستدعي ايضا صورا من الحضارة الرومانية فضلا عن كونها مشروعا اوروبيا متميزا تم في مصر في بداية القرن العشرين، هي خليط من كل هذه الوقائع المهمة التي من الممكن ان تمثل خلفية لمشهد عريض من مشاهد الحياة اليومية التي لا يؤرخ لها عادة.
* المكان أحد مقومات السرد لديك، هل هو يشكل نوعا من البحث عن روح المكان ام روح الشخوص في المكان؟
ـ روح المكان وروح الشخوص التي تمثل هذا المكان: هما في اعتقادي الاساس الذي ابني عليه نصوصي، ومن خلالهما تبدو الشخوص كظلال او كاشباح، فعنايتي الرئيسية كانت باستعادة ملامح هذا المكان وملامح الاشياء التي اندثرت، والتي كانت في ما مضى تمثل موضع اهتمام الشخصيات النسائية الاربع: الجدة، العمتان والأم، فقد منحت كل منهن قسطا كبيرا من حياتها لرعاية المكان والحفاظ على الاشياء، كما اقول في النص في الفصل الخاص بالتركة.
* هل قصدت الكتابة عن الشريحة البرجوازية من الطبقة المتوسطة في هذه الرواية وهل اردت نقدها؟
ـ القصدية هنا قصدية شبه مفروضة، لانها الطبقة التي نشأت فيها والتي اعرفها بصورة جيدة، ولا اهوى كثيرا الكتابة عن شيء لا اعرفه، لكن لم اكتب بقصد تشريح هذه الطبقة او نقدها او مقارنتها بطبقات اعلى او ادنى في السلم الاجتماعي، لكن كتبت عنها من منطلق حميم وفي اطار حياة سرية لا يكشف عنها عادة في النصوص الادبية وهي علاقات وصراعات النساء من هذه الطبقة على تباين وظائفهن في المجتمع، لكن لم يكن الهاجس الرئيسي هو تعرية الطبقة او الخروج من هذا العالم الخاص الذي كتبت عنه في هليوبوليس لتعميمه على كل الشريحة البرجوازية الموجودة واعتقد ان ثمة خصوصية لهذا العالم لارتباطه مكانيا بحي مثل حي مصر الجديدة ولارتباطه اجتماعيا بفكرة ما عن الماضي المجيد، يعني الاحساس بأن الحياة صغيرة والتعيين بعد ذلك سيكون قاصرا على اية حال.

* قلت انك كتبت عن هذه الشريحة لانك نشأت فيها، حسنا، فما هي فوارق السيرة الذاتية في هليوبوليس عن روايتك الاولى «دنيا زاد»؟
ـ دنيا زاد رواية سيرة ذاتية، لان الحدث الرئيسي فيها فقد الأم لطفلتها اثناء الولادة، هو حدث واقعي وذاتي، لذلك اعتبر ان البنية الرئيسية لهذا العمل قائمة على سيرة ذاتية، في حين ان بنية هليوبوليس تستدعي بعض عناصر السيرة الذاتية، من دون ان تكون بالكامل سيرة لمي التلمساني ككاتبة، فهناك اختلافات كثيرة بين الوقائع التي اشير اليها في النص وبين حياتي الخاصة وطفولتي، ويرتبط هذا بكون شخصية الرواية طفلة، فمهما بلغت دقة التذكر، فلا يمكن ان يكون هذا الماضي مثلا ماضيّ انا ككاتبة في حين ان دنيا زاد كتبت بعد ثلاثة ايام فقط من موت الطفلة.
* يسيطر هاجس الموت والفقد بشكل عام على كتاباتك بداية من دنيا زاد التي تدور حول هذا المفهوم، وانتهاء بهليوبوليس التي تبدأ بموت عبد الناصر، ثم السادات، وغياب رموز كثيرة ما سبب هذا الهاجس؟
ـ تأثرت ببعض الكتاب الفرنسيين من القرن السادس عشر وعلى رأسهم مونتاني الذي يقول ان الحياة والموت صنوان واننا لن نتقبل حياتنا الا اذا فكرنا وتعاملنا يوميا مع فكرة الموت والافكار المرتبطة بها كالفقد او التخلي، فاعتقد ان هاجس الموت ليس محملا عندي بالقيم السلبية التي ترتبط دائما بالحزن او بالنهايات، لكنه يرتبط بواقع ينبغي ان نتعايش معه، ويضم في داخله القطبين الموجب والسالب معا، في دنيا زاد على سبيل المثال يبدأ النص بمجموعة من احداث الفقد، لكنه ينتهي بميلاد جديد.
* يشير اسم «دنيا زاد» مباشرة الى «الف ليلة وليلة» هل كنت تريدين الربط بين العملين رغم تباين موضوعيهما؟
ـ اختيار اسم «دنيا زاد» هو اختيار ذاتي بحت، فقد كنت انوي ان اسمي طفلتي «دنيا زاد» وفي ما بعد عندما قررت نشر هذا النص الذي ظل في الادراج لمدة عامين اخترت هذا العنوان لطرافته ولان الشخصية الرئيسية فيه هي شخصية الطفلة الحاضرة الغائبة التي نراها تموت منذ اول سطرين في النص والتي تحيا رغم ذلك في ذهن الأم الراوية، وفي قلبها على مدار النص بالكامل، وهو الذي جعلني افكر في تفسير هذا الوجود باستدعاء صورة دنيا زاد في الف ليلة وليلة، التي هي اخت شهرزاد وظلت مختبئة تحت الفراش تستمع الى حكايات اختها كأنها حاضرة غائبة في نفس الوقت.
* ما هي حدود البوح لديك ككاتبة في السيرة الذاتية في الروايتين ومجموعتيك القصصيتين؟
ـ لا اعتقد بشكل مطلق ان هناك سيرة ذاتية بحتة غير منقوصة وكاملة فعنصر الخيال هو عنصر اساسي في كل ما يطلق عليه سيرة ذاتية: المذكرات، اليوميات، الكتب المكتوبة عن شخصيات، وكل النصوص التي تقدم على انها تقدم الحقيقة كاملة، لان الخيال هو الذي يصنع صورتنا عن ذواتنا، لذلك افضل تعبير رواية سيرة ذاتية وهو التعبير الذي من شأنه ان يفسر الوقائع الحقيقية في حياة الكاتب بالتركيب البنائي والاسلوبي الذي يستعين به لسردها، فمساحة الخيال مساحة اساسية تنفي عن السيرة الذاتية شبهة الحقيقة الكاملة العارية؟
* هل الرواية عندك، مجرد قصة قصيرة طالت قليلا؟
ـ نعم، هذا صحيح، فإلى الآن نشرت لي روايتان ومجموعتان قصصيتان لم استطع ان اطور قصصهما لتصبح نصوصا روائية والروايات عندي كتبت بحس القصص القصيرة أو على حد أدوار الخراط: المتتاليات القصصية، ثم تشكلت على هيئة نص روائي في ما بعد من خلال ربط الفصول والمقاطع المنفصلة بخيوط سردية تمتد عبر النص، في دنيا زاد، نجد ان شخصية دنيا زاد هي الرابط، وميكي هي الرابط ايضا في هليوبوليس.
* لكن الملحوظة الرئيسية على مجموعتيك «نحت متكرر» و«خيانات ذهنية» هما غياب الحدث في معظم النصوص، ما رأيك؟
ـ الحدث في حد ذاته فعل من أفعال التكرار، فتستطيع ان تصنف احداثا محددة وردت عبر تاريخ الرواية العالمية وقد لا يتعدى عددها الألف حدث، وبالتالي هي عناصر يمكن اعادة استخدامها وتكرارها من نص لآخر، فالحدث اذن محدد في حين ان الشاعر والمعاني المرتبطة بالحدث تعتبر اكثر ثراء وهي المنطقة التي افضل العمل من خلالها، ففي قصة «خيانات ذهنية» على سبيل المثال هناك التباس خاص بحدث الخيانة ذاته، ويظل القارئ يتساءل، هل حدث فعل الخيانة فعلا، أم لا؟ فالخيانة كحدث كغيرها في اعمال كثيرة، اما الشعور بوطأتها والتفكير فيها بشكل ذهني والشك في حدوثها اصلا هو المختلف، فهنا الحدث بسيط ومتكرر، وما كان يهمني هو وضعه في سياق اسلوبي وفني مغاير.

* اعتمدت معظم الاعمال التي قمت بترجمتها في مجال السينما على التنظير والبعد عن القارئ العادي، ما رأيك؟
ـ ممارسة النقد السينمائي بالنسبة لي محاولة للوصول لروح الفن الذي لا استطيع ممارسته، هي محاولة لفهم هذا الفن، بالاشتراك مع القارئ في عشق هذا الفن، وحجم التنظير في هذه الحالة يطغى على حجم المشاركة.
* لماذا اخترت موضوع «الحارة في السينما المصرية» موضوعا لرسالة الدكتوراه؟
ـ الحارة وثيقة الصلة في ذهني بفكرة الهوية، وعلى المستوى الشخصي، كنت اتساءل دائما عن محددات هويتي المصرية، خاصة ان السينما المصرية قصرت مفهوم الهوية على «ابن البلد» الذي نشأ وعاش في الحارة، وكنت اتساءل اين يجد ابن مصر الجديدة موقعا له في هذا الاطار، فهل انا مصرية «بنت بلد» أم أني من نسيج آخر، والسينما المصرية تبنت فكرة الهوية بشكل يدعو للنقد، وهذا ما حاولت عمله في الدكتوراه وهو دراسة هذا المفهوم وتحليله والكشف عنه بعيوبه المرتبطة أيضا بالسياسات العامة وبوضع المثقف على مدار السبعين عاما الأخيرة.
* الفرنسية هي لغتك الأولى، فالى أي مدى اثرت الثقافة الفرنسية فيك ككاتبة؟
ـ درست الادب الفرنسي في الجامعة، وقمت بعمل رسالة ماجستير عن مارسيل بروست، ودراستي في مدارس الراهبات الفرنسية أثرت في تكويني بصفة عامة، الى حد لا استطيع معه ان اقصر هويتي الثقافية على الثقافة العربية وربما اشعر بالاقتراب من موضوع الدراسة كأدب فرنسي أكثر مما أشعر بالاقتراب من بعض الآداب العربية على الرغم من اللغة المشتركة.

ميسون صقر وحالات الكتابة المتعددة

ميسون صقر: وضعي الاجتماعي جعلني اكثر تمرداً
الشاعرة والفنانة التشكيلية الاماراتية: لا استمد حضوري الفني من شخصيتي الاعتبارية
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تتعدد حالات ميسون صقر الإبداعية، فهي شاعرة، ومن باب الشعر دخلت الفن التشكيلي، ومن هذين البابين وطأت أرض العامية المصرية، لكنها في لحظة أوصدت الأبواب جميعا وقفزت إلى عالم الرواية.. أثمرت هذه الرحلة عدداً من الدواوين الشعرية والمعارض التشكيلية اللافتة، ورواية أثارت الكثير من الجدل حول همومها وطرائق تشكيلها، هنا حوار معها:
* تبدو المشهدية إحدى السمات العامة في القصيدة لديك، كيف ترين ذلك؟
ـ بالفعل، بدت المشهدية في أعمالي الأولى مثل «جريان في مادة الجسد»، و«تشكيل الأذى»، وفي «البيت»، وأيضاً في «رجل مجنون لا يحبني». وإن في هذا الديوان الأخير كانت تنحو منحى القصيدة ـ القصة، بالنظر إلى التركيب الواضح في القصيدة. أيضاً تمثل المشهدية بالنسبة لي تقارباً بين المستمع والملقي، ويرتبط بها المكان أيضاً.
* ألاحظ تكرار تيمة السفر والرحيل والاغتراب في أعمالك، إلام يعود هذا في رأيك؟
ـ ربما يعود إلى عدم الاستقرار، وعدم وجود استقرار نفسي في بيئة ما والانتقال من حالات متعددة من الامارات إلى القاهرة ثم إلى الامارات للعمل، فهناك انتقال دائم داخلي، وهناك عين ترى خارج المكان الذي استقر به. فإذا كنت في الامارات أنظر إلى القاهرة، وإذا كنت في القاهرة أنظر إلى الامارات، فدائماً هناك فكرة الرحيل. وهو رحيل أيضاً في الزمن وليس المكان فحسب، رحيل عن الأصدقاء، وهي مرتبطة في ذهني بفكرة الفقد. وربما تجد في كتابتي الكثير من الفقد، وعدم الاستقرار، وينعكس هذا على شكل القصيدة نفسه، فتجد قصائد في ديوان «البيت» مثلا، سردية بالكامل، ثم قصائد قصيرة، ثم قصيدة طويلة في الريهقان، ثم المشهد واضح تماماًَ في «رجل مجنون لا يحبني». وهناك التحولات في «تشكيل الأذى»، فالشكل أيضاً عدم استقرار، عدم ثبات بداخلي، وهذا ينعكس على مسألة الرحلة التي بدأتها منذ صغري للانتقال من مكان إلى آخر، والانتماء إلى مكانين في الوقت نفسه، والإحساس الدائم بالغربة، فأصبحت كل أمتعتي في جسدي، ولم تعد لدي أمتعة كثيرة خارج هذا.
* لو تحدثنا عن ديوان البيت تحديداً، وفكرة الكتابة عن المكان، هل قصدت الكتابة عن المكان بالذات في هذا الديوان؟
ـ أنا كتبت ديواني «جريان في مادة الجسد»، و«البيت» في وقت واحد، وكانا ديوانا واحداً، وأنا أكتب وجدتني أنحو ناحية تخليص فكرة «البيت» من داخل القصائد، وهي نفسها التي أكملت عليها في (الآخر في عتمته) ثم في ريحانه، حيث نجد فكرة البيت والحصن والغرف.
* لكن فكرة البيت بما توحي به من الغرف، والنوافذ المغلقة، والجدران تحيل دائماً إلى فكرة المرأة الشرقية التي تبحث عن الحرية، هل ينطبق هذا عليك؟
- ربما، لأن هناك قصيدة عن الشقوق في الجدار. انها هي التي تفتح الأمل للشخص المحبوس داخل المكان، وفي الكتابة ذاتها لست محبوسة فقط داخل الجدران، وإنما محبوسة داخل ذاتي، داخل نفسي، أنا أغلقت في البيت الأبواب والنوافذ ولكن فتحت للأحلام عالماً كبيراً على الجرأة.
* البعض يرى أن قيمة الحب في ديوانك «رجل مجنون لا يحبني» قيمة شكلية، فارغة من الحب نفسه، ما رأيك؟
ـ ربما، مع أني طرحت فكرة أنه ليست المرأة هي التي تتعزز والرجل هو الذي يتعذب، ولكن المسألة فيها قدر من المراوحة بين الاثنين، فجريت وراء القصيدة، أكثر من حالة الحب نفسها، بالرغم من أنها لحظات صادقة جداً. ولكن ما إن أبدأ اللعب في القصيدة حتى يتحول الحب إلى شكلي، وربما حدث هذا، لأنه كانت لدي رغبة في الابتعاد عن فكرة الرومانسية الزائدة، وربما وقعت فيها. غير إني، وأنا أكتب، كنت أريد أن أبتعد، كنت أريد أن أقدم لعبة، مسرحية شكلية في اللغة.
* حسناً، ما هي قيمة الشكل بالنسبة لك في القصيدة، وهل لهذا علاقة بممارستك الفن التشكيلي؟
ـ قبل ممارستي للفن التشكيلي كنت صارمة في بناء الشكل، ولكن بعد ذلك بدأت أشعر أنني أدخل إلى غنائية الشعر، فأردت أن أتخلص منها، خاصة أنني متمردة على كتابتي ذاتها، فوجدت أن الكتابة السردية والمفتوحة على أفق واسع أفضل لي ولتجربتي، ولكن لا تخلو كتابتي من المعمار، كيف ترتبط الأولى بالثانية، بالثالثة، الإعادة، إغلاق النص، بدايته. ودائماً حين أقرأ للآخرين أبحث عن هذا، وربما أكون قد استفدت هذا من الفن التشكيلي، وهو كيف أحول القصيدة إلى شكل لا يرتبط بالفن التشكيلي فحسب، وإنما بالشعر، ويحمل مضمونه من دون أن يكون بشكل تقليدي.
* عندما تذكر ميسون صقر يذكر ديوانا «تشكيل الأذى»، و«رجل مجنون لا يحبني» فقط، في اعتقادك لماذا لا يذكر الناس أعمالك الأولى؟
ـ يرتبط هذا بواقعي الاجتماعي، فأنا بدأت عام 1983 بديوان «هكذا أسمي الأشياء»، ووزعت منه نسخاً قليلة جداً، وكانت هناك مشكلة في بيتي بسبب جرأتي في الكتابة. ومنعني والدي من الكتابة فظللت أكتب ولا أنشر طيلة عشر سنوات، ونشرت بعد ذلك 3 دواوين كأنها منشورات أطبعها، وأوزعها بشكل شخصي، فكنت أتحكم في التوزيع حتى لا يعود الديوان إلى بيتي مرة أخرى، إلا الديوانين الأخيرين فقد كانا عن داري نشر، وأعتقد أن ديوان «البيت» لاقى نجاحاً وكذلك «السرد على هيئته» وربما لخوفي من التوزيع ظلمت نفسي في دواويني الأولى.
* هل يمكن أن نقول إن سبب شهرة ديوانيك الأخيرين عائد إلى انك استفدت فيهما من طاقة قصيدة النثر وحريتها في التعبير؟
ـ ربما، لكن الكاتب عموماً لا يثبت على حال، فإما أن يتطور وإما أن يتراجع.لا يوجد ثبات، وأعتقد أنني كنت دائماً أبحث عن الشكل، عن التغيير، وكنت أبحث تماماً، حتى بين الكتاب الشباب، عن النصوص الجديدة، فعندي رغبة دائمة في التعلم، والتطلع إلى الجديد وبرغبة في تطوير نفسي، وهذا من دون ادعاء بالتواضع، وأنا كما أنظر للخلف، أنظر أيضاً للأمام، فاستفدت كثيراًَ من تجارب علاء خالد، عماد أبو صالح، احمد يماني، محمد المزروعي، إيمان مرسال، لأني كنت أشعر بأن لديهم طرحاً جديداً مختلفاً، لابد أن أناقشه، وكنت في فترة أشعر بالولاء للسبعينيين رغم أنني لست سبعينية، بعد ذلك تحولت إلى الثمانيين، ثم بدأت أنظر للأمام، وكلما كتبت تطورت الكتابة والأدوات.
* هل يمكن اعتبار السرد في ديوانك الأخير «رجل مجنون لا يحبني» هو الذي نقلك لكتابة الرواية؟
ـ من الممكن أن يكون السرد في هذا الديوان نقلني للرواية، رغم أنني طوال عمري أقول انني لن أستطيع أن أكتب رواية، ولا قصة، ذلك لأنني لا أملك القدرة على الحكي، ودائماً كنت أرى أن الذي يكتب الشعر لا يستطيع أن يكتب الرواية لأن الشعر أكثر تكثيفاً، ويحتفل بأشياء مختلفة عن تلك الموجودة في الرواية. لكن الرواية التي كتبتها كانت بداية كتابة سيرة حياتي وكنت كلما أقرر أن أكتبها يحدث شيء يعوقني بأن يموت شخص من أبطالها، فأقرر أن أغير الشخص الذي أكتب عنه بشخص آخر، فيمرض هذا الشخص، فأغيره، فيمرض الشخص الجديد الذي قررت أن أكتب عنه، وفي النهاية قررت أن آخذ خادمة من خارج العائلة. وكنت أكتب الرواية في غرفة الإنعاش وأنا أجلس مع والدتي في أميركا لمدة ثلاثة أشهر، ولم يكن لدي أحد أحكي معه سوى القلم، فكانت رواية «ريحانةش، مع اني لم أقصد أن أكتب رواية.
* عندما يتحول الشعراء إلى كتابة الرواية، تكون أولى رواياتهم أشبه بسيرة ذاتية، بالنسبة لك كيف كان الأمر؟
ـ في الرواية بعض من سيرتي الذاتية، لكن ليس كلها، فرحلة الدخول والخروج هي رحلتي أنا، وبها أشياء عن أهلي.
* حسناً هل يمكن اعتبار الرواية سيرة ذاتية لك؟
ـ لا، لأن بها أشياء لا تخصني بالمرة.
* لكن بها أشياء تخصك، أليس كذلك؟
ـ نعم، شخصية الأم، وشخصية الجدة شخصيتان حقيقيتان، ولكني أضفت عليها أشياء من عندي، أيضاً شخصية البنت أضفت عليها أشياء من خيالي، الخادمة أيضاً بها أشياء من شخصيات أخرى.
* من التيمات الرئيسية في رواية «ريحانة» تيمة العبودية والحرية، هل قصدت مناقشة هذا الأمر؟
ـ أتصور أن الإنسان بدون حرية لا يستطيع أن يكتب أصلا، وأنا عشت عالماً به الحرية والعبودية متجاورتان، وعشت أيضاً ممنوعة من الكتابة حوالي ثماني سنوات، وهذا به أيضاً نوع من العبودية، والذي يطرح هذا يطلب منا الحرية، فوالدي شخص تقدمي، وشاعر، ووطني وناصري وعندما يمنعني من ممارسة شيء أحبه، فمن الطبيعي أن أشعر باضطهاد أكبر. أنا عشت عالم العبيد، وعرفته، ربما لم أعشه بشكل كامل، لكن سمعت حكايات كثيرة في البيت، وأغلب الحكايات في الرواية عن العبيد الذين يباعون، هذا موجود، ولم أطرح شيئاً ليس موجوداً، قد أزيد بعض الأشياء، كأن أذهب بواحد إلى أفغانستان لكن العالم موجود بالأساس، وكل ما قمت به هو أنني فتحت الباب لكي نراه.
* هل يمكن اعتبار الهم السياسي هو الذي حركك لكتابة هذه الرواية؟
ـ أيُّ هَمٍ؟
* أن تكتبي عما يدور في كواليس هذه الإمارة؟
ـ لا، أنا كتبت عن المسكوت عنه، لأن السياسة شيء آخر، وأنا كتبت عن شيء مغاير.
* يرى البعض أن استخدامك العامية في الرواية أضر بها، ما رأيك؟
ـ أنا أكتب كأني أمارس لعبة ما، واللعب هو الذي يوجهني في ممارستي للإبداع سواء كان شعراً أو رسماً أو رواية. وبالنسبة لي كنت أريد أن أشعر بأن الرواية قريبة مني ومن القارئ، وأعتقد أنني لو كتبتها بالعربية الفصحى لكانت أخذت منحى بعيداً آخر، في اللغة والحوار، لأن هناك ثلاثة عوالم في الرواية، مصر، والخليج، والعالم الذي بينهما، فكنت أتكلم في مصر بلهجتها وفي الخليج بلهجته، والوسيط بالعربية الفصحى، لذا أعتقد أنه لو كانت الحوارات كلها بالفصحى فلن يكون هناك هذا التدفق، قد يكون الأمر صعباً على القارئ، لكني سعيدة عموماً بالأمر.
* قلتِ لي قبل الحوار انك تكتبين رواية أخرى الآن، هل يمكن أن أقول انك أصبت بغواية الرواية؟
ـ الإشباع الذي يأخذه الكاتب من الرواية يختلف عن الإشباع الذي يمنحه له الشعر، وأنا أكتب الآن رواية أخرى، لأن هناك ثمة عالماً جديداً أريد أن أكتب عنه.
* هل استطعت في ديوانك «مخبية في هدومها الدلع» تقديم شيء مختلف عن ديوان العامية الأول «عامل نفسه ماشي»؟
ـ أعتقد ذلك، لأن الأول كان متأثرا قليلا بصلاح جاهين، وكانت هناك فكرة أنني أريد أن أكون مصرية، فأكتب بالمصري، أما الثاني فأعتقد أنه خلا من ذلك.
* هذا يدفعني لأن أسألك، لماذا كتبت شعراً بالعامية المصرية؟
ـ لا يوجد شيء اسمه لماذا كتبت شعراً؟ وأنا كتبت بالعامية المصرية لأنها اللهجة التي أجيد التحدث بها.
* لكنك أيضاً تجيدين التحدث باللهجة الخليجية؟
ـ أعرف كيف أتحدث بها فقط، ولا أعرف كيف أكتبها، ثم أنني عشت هنا منذ كنت صغيرة، فأعرف معاني كل الكلمات، أما اللهجة الخليجية فهي غير ممتلكة حرية كتابة قصيدة النثر بداخلها، لأن القصيدة الخليجية متزمتة جداً، بالرغم من أن هناك حرية في التعبير أكبر، كما أنني كتبت شعراً بالعامية المصرية، لأنني قرأت فيه كثيراً، وأتحدث بمفاهيمه ومعانيه، وعندما أكتبه أشعر به، أشعر بمعنى شخص يأكل الذرة فوق النيل.
* لي سؤال عند هذه النقطة، أشعر بأن تجربة الديوان مفارقة لك اجتماعياً، وكتبت عالماً ليس عالمك، ما رأيك؟
ـ من قال هذا؟ أنا عشت هذا العالم، ولم أكتب شيئاً لم أعشه، ذهبت الى أفلام الترسو، وكنت أشتري الفول بنفسي، ولم أره في السينما فقط، وعموما فليس من الضروري أن يكون كل ما يكتبه المبدع هو عالمه، وإنما يتحول إلى عالمه فور كتابته.
* ما المشترك في اعتقادك بين تجربتك الإبداعية في الشعر والرواية والتشكيل والعامية؟
ـ أنا كل هذه الحالات المتعددة، وهذا يتشكل بداخلي، والكتابة عوالم متداخلة ومتشابكة، لكنه في حاجة الى جرأة، فيرفض البعض بعد 8 دواوين مثلا كتابة رواية، فقط الأمر يحتاج الى جرأة، وعدم وجود مركزية، لأن تثبيت الوجود يضر بالمبدع، الفن أكبر من المبدع، وليس العكس وطالما بذرة الحب للإبداع موجودة، فإنها هي التي تفعل هذا، وتشكل هذه الإبداعات، لكن لابد أن تكون هناك قيم ومفاتيح الفن موجودة في هذا الإبداع.
* يرى البعض أن وضعيتك الاجتماعية تكبح جماح الإبداع لديك، هل هذا صحيح؟
ـ بالعكس، الوضع الاجتماعي جعلني أتمرد أكثر، وجعلني هذا الوضع أكثر جرأة، وأشد تمرداً، إلى أن رأيت أنه لا أهمية لذلك، وأقصد التمرد الذي ليس له عائد سوى الصوت العالي.
* لكنك اتهمت بكتاب الجسد في «تشكيل الأذى»؟
ـ هي ليست كتابة جسد، وإنما طرح النفس داخل الكتابة، وأن يكون الجسد مصدراً للكتابة عنه، وهذا ليس معناه الجنس، فاليد هي كتابة جسد، الأذن حين تستمع والقلب حين يخفق، وكتبت في هذا الديوان عن الوردة وعلاقتها باليد.
* يقول البعض أيضاً إن حضورك الفني مستمد من شخصيتك الاعتبارية؟
ـ لم أطرح أبداً حضوري الفني من خلال شخصيتي الاعتبارية، بالعكس أنا أنسى ذلك تماماً، وأنا ألغي تماماً هذه الفكرة، ولو فكرت فيها لما كتبت، وَلَمَا كتب عني أحدٌ، ولما كتب عني إلا المرتزقة، وعدم طرحي لهذه الفكرة التي لم أعشها أساساً، جعل الناس تتعامل معي ببساطة أكثر، ومع كتابتي بشكل أكثر قسوة، حتى لا تكون هناك مجاملة.
* الدواوين الشعرية
ـ «هكذا أسمي الأشياء»
ـ «الريهقان»
ـ «جريان في مادة الجسد»
ـ «البيت»
ـ «الآخر في عتمته»
- «مكان آخر»
ـ «السرد على هيئته»
ـ «تشكيل الأذى»
ـ «رجل مجنون لا يحبني»
ـ «عامل نفسه ماشي»
ـ «مخبية في هدومها الدلع»
ـ «ريحانة» (رواية)
* ومن معارضها التشكيلية:
ـ «خربشات على جدار التعاويذ» و«الذكريات لامرأة خليجية مشدوهة بالحرف واللون» (كولاج) الامارات
ـ «الوقوف على خرائب الرومانسية»
ـ «السرد على هيئته»
ـ «الآخر في عتمته»

سحر الموجي وكتابة ضد القمع

سحر الموجي: الرجل يقمع المرأة بشكل تلقائي ليشعر بوجوده المقموع
إذا لم أكتب نفسي وأعرفها سأفشل في الكتابة عن الآخرين
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تولي الكاتبة سحر الموجي اهتماما خاصا لفكرة الذات، وشطحها واشتباكها مع الآخر والعالم والأشياء، وقد تجلى هذا بمستويات متنوعة في روايتها «دارية» ومجموعتها الاولى «سيدة المنام» ومجموعتها القصصية الجديدة.
وهذا نص الحوار معها:
*هناك بعد صوفي في كتابتك ، كما يلاحظ بعض النقاد، سواء على مستوى السرد أو اللغة، أو وصف أحاسيس أبطالك، وبشكل خاص الى تراث عمر بن الفارض، لماذا؟
ـ لأنه جزء من تركيبتي، ولأنه رؤيتي للحياة، ولأن هذا البعد الصوفي موجود طوال الوقت في حياتنا سواء أحسسنا به أم لا، أدركناه أم لم ندركه. في مجموعتي الجديدة مثلا هناك طيلة الوقت الصراع مع النفس في نفس الوقت الذي تظهر فيه قاعدة الاستغناء وهي ألا تطلب، وهي قاعدة صوفية أصلا، ولها ما يوازيها في الصوفية الاسلامية وان كانت أقرب لتصوراتي عن الحياة، وعن السعادة، التي أرى أنها تكمن في ألا تتوقع ما ستأتيك به الحياة.
* لهذا تطرحين في مجموعتك القصصية الجديدة «فضيلة الاستغناء» بديلا عن الحياة نفسها؟
ـ اعتقد ان الاستغناء تصور حقيقي للسعادة في قاموسي، ان تستطيع أن تصل للحظة نشوة حقيقية صوفية، وأنت وحيد تماما لمجرد أنك تجلس وتنظر الى القمر، وتشعر بتوحد ذاتك معه، بأنكما أصبحتما شخصا واحدا، وليس اثنين، وهذا في حد ذاته بعد روحي للرحلة التي هي الحياة، لأن الحياة في تصوري ليست هي الانجاز على مستوى العمل المادي، بل هي الانجاز على مستوى الروح، أن تشعر وأنت في ذروة الألم، وفي ذروة انشطار قلبك انك ستخرج من هذا الألم، وأنك لن تفقد أبدا ايمانك في الحياة.
* تبدو شخوصك وكأنها مرآة لذات واحدة أو للحظة يتم تفتيتها وكأنك تدورين حول الذات..
ـ يجب أن أعرف نفسي قبل أن أعرف الناس، واذا لم استطع أن اتعرف على نفسي وأدرسها وأكتبها، سأفشل في الكتابة عن الآخرين، أبدا من ذات ثم انطلق الى الآخرين. في روايتي «دارية» كان للمرآة وجهان، وأعتقد أنني وصلت في «آلهة صغيرة» لهذا أيضا الى حد ما، فكتبت عن الجانب الخارجي مثل قصة «ايشارب أزرق» وعن الجزء الداخلي الذي يستكشف معاني الحزن والوجع، ولن نكبر ونفهم إلا من خلال الحزن. ثم أنني في لحظة الكتابة لا أستحضر جزءا معينا مني على حساب جزء آخر، فأنا لا أستحضر الجانب الفلسفي مثلا على حساب الجانب السردي، لكن ما أكتبه في النهاية هو أنا، وأرى ان الكتابة الحقيقية هي التي تفرض نفسها عليك بغض النظر عن تقسيماتها النقدية، بكامل حضورها، وأتفق معك في النقطة الخاصة بأنني أفتت اللحظة بالفعل، في محاولة من الوعي لتركيز هذه اللحظة، وان كان احيانا يصبح هذا التأمل رفاهية.
* ألا تخشي أن يسقطك البعد الفلسفي في الذهنية؟
ـ لا، لأني أكتب احساسي، والمحرك الأساسي لي عند الكتابة ليست الفكرة، بل الاحساس، ولذلك فإني لا أحب الشعر الجديد الذي يعتمد في كتابته على الذهنية، وما يهمني أثناء الكتابة، هو كيف أعطي لاحساسي شكلا يقرأ به، كيف التقطه، كيف ألتقط لحظة لشخص يجري، وأثبته في الهواء، وأكتب أحاسيسه، من فرح، وخوف وترقب وفزع في نفس اللحظة. الكتابة بالنسبة لي دافعها الأساسي وجداني وليس ذهنيا، الذهن يعطيها الشكل فقط، لأن الكتابة الحقيقية، لا تأتي إلا من لحظة وجع حقيقي.
*في روايتك «دارية»، تطرحين فيها اشكالية المتلقي والمبدع ورفض المتلقي اساسا للابداع، ووصف للكتاب بأنهم دراويش، هل هذا هو ما وصل اليه حال الشارع الثقافي في رأيك؟
ـ بطل الرواية ليس هو المتلقي العادي، وبالتالي فنحن لا نستطيع أن نعممه، هو فقط رجل شرقي عنده عقدة ومشاكل وعنده صراعاته مع صورة الزوجة التقليدية والتي لا يستطيع ان يتقبل أنها أكثر من زوجة ولكنه ليس هو المتلقي العادي، وبالتالي لا يمكن ان نأخذ هذا البطل كنموذج للمتلقي، بخاصة في ظل واقع ثقافي اصبحت أشعر بغربة شديدة تفصلني عنه.
*طرحت في الرواية أيضا اشكالية ان الشارع يعتبر كتابة المرأة رفاهية، في رأيك؟ لماذا هذا التصور؟
ـ المرأة كتبت في المائة سنة الأخيرة فقط من عمر الانسانية، ووعينا الجمعي ولا وعينا أيضا ليس داخلا في تركيبته اعتبار المرأة مبدعة، أو منتجة للفن، بالاضافة الى نقطة أخرى، هي ان النقاد يعتبرون كتابة المرأة، سواء صرحوا بهذا أم لم يصرحوا، كتابة متعلقة على الذات، وهي كتابة مفزعة للرجل لأنه يعتبرها كاشفة لاسراره، ولأنها ليست من تركيبته إن المرأة مبدعة، ومن ناحية أخرى، فإن الكتابة صادقة، ولذلك فإن النقاد يسعون الى تحجميها بقولهم إنها كاتبة ذات، ويعتبرونها كلاما فارغا لأنها صادمة لوعيهم الذكوري.
* في أعمالك يبدو الأبطال مثقفين، وربما يطلون من برج عاجي..أين الناس العاديون في أعمالك؟
ـ لا احد يكتب من منطلقاته الخاصة جدا، وأتكلم تحديدا عن جيلي الذي رمي وراء ظهره القضايا العامة الكبرى، ثم لو تناقشنا بهدوء، من هو الشخص العادي، أنا أيضا شخص عادي. وأرى ان سؤالك جاء منطلقا من جيل الستينيات، الذين يرون ان الكتابة هي كتابة القضية، جيل التسعينات، رمى كل هذا وراء ظهره، ولو أن هناك قضية، فإنا القضية الأولى، أن أعيش مغتربة عن ذاتي، أن أعيش مقهورة، أن أعيش منفصلة عن مجتمعي، أليست هذه قضية، تلك هي القضية الكبرى، هم كتبوا عن متطلباتهم، وليس من حقهم ان يحجروا علينا، ويحددوا لنا ماذا نكتب أو لا نكتب، الذات هي القضية الكبرى وفي هذه اللحظة تحديدا.
* لماذا تخلى اذن هذا الجيل عن القضايا الكبرى رغم أهميتها؟
ـ إن ظروفه الاجتماعية والتاريخية مختلفة عن ظروف جيل الستينات الاجتماعية والتاريخية والسياسية الذي نشأ وتشكل وعيه حول قضية الوطن والقومية العربية. أما جيلي فقد تشكل وسط عالم مختلف، في فترة السادات، في فترة الانفتاح، ومعاهدة كامب ديفيد، في تلك اللحظة التاريخية التي تدور حول الاستهلاك والصلح، فخرجنا بلا قضية بالمعنى الستيني، وهذا بالمناسبة ليس سيئا. وقديما كنت أحسد جيل الستينات على قضيتهم هذه، أما الآن فأرتد عن هذا، لكي انظر الى نفسي كإنسان، وليس سيئا ألا يكون عندي قضايا قومية كبرى، ما دمت أملك ذاتا مختلفة.
* يتهم النقاد عادة الروايات التي تتحدث عن قهر الرجل الشرقي للمرأة، بأنها روايات مكتوبة من أجل أن تترجم، بالنسبة لك كيف كان الأمر؟
ـ لا أحب ان اتكلم على لسان غيري، ولكني لو تحدثت عن نفسي، فأنا لست مهتمة بالترجمة، لان أبسط الأشياء هي انه من الممكن أن أترجم لنفسي ولكن الوقت الذي قد أعطيه لهذه الترجمة من الافضل ان أعطيه لكتابة جديدة، وقضية اتهام أي كاتب منطلق انه يكتب ليترجم قضية خطيرة، والاتهام خطير، لان هذا معناه انه لايكتب من أجل الكتابة ذاتها. هذا اتهام في مصداقية الإبداع. نجيب محفوظ كان يكتب لأنه كان مهموما بالكتابة، وليس من أجل أن يترجم، وقد ترجمت أعماله للغات عدة، أما بالنسبة للقهر، فهناك بالفعل قهر، والرجل لايقهر المرأة إلا اذا كان مقهورا، هو يقهر المرأة، لان هناك قوى سياسية واجتماعية واقتصادية أقوى منه تقهره، وفي رواية أهداف سويف ـ خريطة الحب ـ مثلا نجد البطل لايقهر المرأة لأنه حر، وليس مقهورا، يجب ان نناقش أبعاد فكرة القهر، وهل لأننا حين ندخل هذه المنطقة الخطره نتهم بهذا الاتهام السطحي بهذه البساطة، الرجل يمارس القهر بشكل تلقائي لكي يشعر بوجوده في الحياة.
* هل من الممكن أن نبرر هلامية الزمان داخل رواية «دارية» بأن قهر الرجل للمرأة ممتد على مر العصور؟
ـ هذا صحيح، بالاضافة الى ان الزمن في رواية «دارية» زمن داخلي.
*بمعنى؟
ـ بمعنى ان تبادل الأصوات داخل الرواية يؤكد على لا زمنية الحدث بالمعنى العادي، ولكن بوجود زمنين آخرين، وأزمنة غير حقيقية، بمعنى انه حدث نفسي داخلي على مستوى الأحلام، وعلى مستوى تفاعل الحلم مع الواقع، وهذا نوع من أنواع الزمن في النهاية، زمن الحلم، زمن لتفاعل الداخل مع الخارج.
*كتب احد النقاد عن الرواية يقول انه لم يكن للعام أي وجود في الرواية، بل انكفأت شخصية دارية على ذاتها من دون مراعاة القوى الاجتماعية التي حولها، ولذا لم تجد حلا لمشكلتها مارأيك؟
ـ هذا قصور في فهم الرواية، لان دارية وجدت حلا في النهاية، حتى لو كان على مستوى الحلم، بالاضافة الى ان الرواية لها مستويات من القراءة وهناك مستوى خارجي، وهو عادي جدا، وهناك المستوى الداخلي الذي قصدته في الكتابة، الخارجي الذي يوازي الواقع المعاش، والداخلي على مستوى الذات الداخلية، وكل مستوى يسير منفردا، بحيث انه من الممكن ان يتقاطع الحلم مع الواقع في لحظات، أو يتماس في لحظات أخرى، ومن الممكن ألا يحدث هذا أيضا، والذي قرأ الرواية لم يقرأها بالمعنى الداخلي، لان الأحلام نصف الرواية، وقد أنهيتها بها، وما يهمني هو الكتابة الداخلية، هو كتابة الحلم.
* لي تعليق على هذه النقطة، ألا ترين ان صوت الحلم في رواية دارية كان عاليا لدرجة أنه استغرق نصف الرواية؟
ـ أنا قصدت هذا، والحلم ليس كلاما فارغا، بل هو رسالة مقدسة، عليك أن تفك شفرتها وتفهمها وتتعامل معها، فهي توجهك وليس مهما في الرواية الحدث الخارجي، بقدر أهمية الحدث الداخلي على مستوى الروح، لأي انسان يسعى أن يكون انسانا، بغض النظر عن التصنيف الجنسي، وأرى ان المستوى الخارجي للنص رواية مستقلة بذاتها، والمستوى الداخلي ـ الأحلام ـ أيضا رواية مستقلة بذاتها، ومن الممكن ان تقرأهما منفصلتين والمستوى الداخلي هو الحقيقي العميق لمرحلة البطلة، وهي رحلة ليست نمطية، بل هي تسير دائما في اتجاه الاكتمال، أن تصبح واحدا مع آخر، بدليل أن الشخص الذي كانت تقابله دارية في الحلم، قابلته في الواقع، وهذا قد يفسر اللبس.
* لماذا لجأت الى استدعاء التراث الفرعوني في روايتك «دارية» بهذه الكثافة؟
ـ لأن له علاقة بالمستوى النفسي، ولأن هذه الشخصيات الاسطورية الفرعونة جزء من اللاوعي الجمعي للانسان، ولكن هل هذه الشخصيات الداخلية نشطة أم هي في حالة ثبات، مع انه من الممكن ان تحمل اسماء أخرى الى مطلق الحرية، فعلى الرغم من أنني اسميها نفتيس أو عشتار، لكنها في النهاية تبقى داخلي باسطورتها، والذي يتابع التاريخ الاسطوري لهذه الشخصيات يجد ان لايزيس تقاطعات مع عشتار، وأفروديت، وفي النهاية فالحضارات تعيد فرز الاساطير بأسماء مختلفة.

ميرال الطحاوي واستعارة التاريخ


ميرال الطحاوي :الكاتب العربي في حاجة إلى استعارة التاريخ ليسقط عليه واقعه
الباذنجانه الزرقاء " هي قمة يأسي من اليسار واليمين علي السواء
ـــــــــــــــــــــــــ
ميرال الطحاوي كاتبة مثيرة للجدل والدهشة ، سواء في إبداعها الروائي ، أو في مواقفها من قضايا المجتمع والتاريخ.
فقد تربت في أحضان جماعة الأخوان المسلمين، ولبست الخمار، ثم خلعته وانقلبت عليها وهي إذ تعتز بنشأتها في بيئة بدوية ، إلا إنها تتمرد في كتاباتها علي طقوس وعادات وارث هذه البيئة، بخاصة التفرقة بين عالمي الذكور والإناث وبرغم ذلك حظيت رواياتها الثلاث " الخباء" و"الباذنجانة الزرقاء" و"نقرات الظباء" باحتفاء نقدي عريض وترجمات لعدد من اللغات الأوروبية.. حول هذه القضايا وغيرها هذا حوار معها:
* المح من خلال حديثي معك انك حكاءه، فهل مدخلك إلى الكتابة هو الرغبة في الحكي فقط ،أم شئ آخر؟
-هناك كتاب كثيرون ينطبق عليهم فكرة الحكي مثل إبراهيم اصلان أو سعيد الكفراوي والذين هم من أصول ريفية أو جذور شعبية ، والذين كان رحم الكتابة لديهم قرويا ويرتبط بالحكي ، وأنا أقول دائما في اكثر من شهادة عن الكتابة أن المرأة هي رحم الحكاية وان هناك ارتباطا بين الحكي والتراث الإنساني وليس التراث الذكوري ،فالبدو والريفيون يعلمون أن من العيب علي الرجل أن يكون حكاء مهتما بالتفاصيل، وفي الجلسات الذكورية بعض التقاليد الصارمة الخاصة بالصمتو المخالف لهذه التقاليد ينسب لامه، والجدات والأمهات في هذه المجتمعات يكن غير قادرات بالفعل فيكون الرجل البديل الأكثر فعالية مطالبا بالفعل والمرأة تحتمي بحكاياتها وهناك شهوة للحي بدأت مع شهر زاد وهو ليس مرتبطا في الأساس بالكتابة.
وبالنسبة لك؟
الحي في الأساس اعتبره منحة، شكلا من أشكال القدر المساوم، والجيل الذي استطاع الخروج من الحكاية الشفوية لديه رغبة في الحكي ورغبة في التعبير عن الذات ولديه وعي اكثر لان الكتابة تتطلب وعيا اكثر من الحكاية.
*هل تسعين للهروب من اسر الحكي عن طريق "الإلغاز" الذي يهتم البعض رواياتك بأنه متواجد فيها بكثرة؟
-منذ فترة وأنا أحاول أن أجيب عن هذا التساؤل: "لماذا يلجأ الكاتب إلى تاريخ غير حقيقي ، أو لشكل من اشكال العقيدة ،الرمز الصوفي؟" أنا أيضا أرى أن النص الخاص بي لا ينطبق عليه مفهوم النص السهل في التلقي وارجع هذا مثلا لدي رجاء عالم ، وإبراهيم الكومي من، الأسطوري والاسطوري الملغز والإحالات التاريخية الملغزة إلى أن الكاتب العربي في حاجة إلى استعارة تاريخ ما ،يسقط عليه واقعه، لانه غير قادر علي مواجهة واقعه بالضرورة هذا التاريخ قد يكون بعيدا كتاريخ الطوارق أو تاريخ ميرال الشخصي لكنه يستمد حالة من حالات الإبهام لانه تاريخي، الإسقاط علي زمن لا،وكل هذه الإحالات مرتبطة بالمقدس الذي قد يكون سياسيا أو دينيا فالنص فيه قدر من الإلغاز والإعلاء الرمزي والتواري خلف الأساطير القديمة.
* وهل كنت تلجئين في رواياتك إلى الإسقاط علي تاريخك الشخصي؟
- بالنسبة لي كان الإسقاط علي تاريخي الشخصي، فأحيانا يكون هناك اختباء وراء شخصيات ادعي أنها لا تشبهني مثل فاطم في الخباء او مهرة في نقرات الظباء وأحيانا الجأ إلى إلغاء الدلالة المباشرة للزمن وهذا قد يفسح مساحة للحكي وهي لعبة استعارية ، لكن ليس الغرض منها تعقيد النص بقدر ما هي تفعيل اصالته ويصبح له اكثر من تفسير ويفهم بأشكال عديدة.
* علي ذكر فاطم ومهرة أرى أن الطفولة لديك في الخباء ونقرات الظباء هي مخزن الحكايات وهي التي تمتحين منها كتابتك هل هذه صحيح؟
- اشعر أن الطفولة هي الساحة الوحيدة التي ليس من حق أحد أن يحاسبني عليها لانها الزمن الأكثر رحابه الذي تلغي فيه كل التابوهات لان الطفل يكون غير قادر علي استيعابها وهذه المرحلة في رأيي مهمة للكاتب لأنها من الناحية الروائية مساحة فضفاضة وثرية ونحن في العالم الثالث طفولتنا غير منعمة ومليئة بأسئلة.الشقاء والاستكشاف ولا أظن أن الطفل في العوالم الأخرى قادر أن يكون مثل الطفل في الشرق الأوسط الذي اكتشف مبكرا مفاهيم الحياة ويصبح وعيه اكثر نضجا وغير مكبل، وفي رأيي أن الطفولة تظل هي المساحة الوحيدة التي من حقي أن أعود إليها.
*إلى أي مدي تتماشى طفولتك مع كتابتك؟
-الرجوع للطفولة مثل الاتكاء علي التاريخ فالتاريخ جميل لانه يعيد ويسمح بمساحة من التوهمات ،لان الماضي متوهم ، والحقيقة فيه غير موجودة بشكل كامل والطفولة مثل التاريخ أيضا وعندما اقرأ الآن اشعر أن الكتابة عن الطفولة أصبحت هي التيمة الأساسية في الكتابة الآن ربما لان هذه الفترة هي التي من الممكن أن نستردها بدون مخاوف ونكتب فيها بشكل اكثر حرية.
*تشكلين مع بعض كاتبات جيلك مثل مي التلمساني ونورا أمين وسمية رمضان الجيل الذي يشكل برجوازيه الطبقة المتوسطة والتي فقدت تاريخها "العائلي الشخصي" وهو ما دفعها للكتابة عن الزمن الماضي بحنين كبير وهجوم علي الزمن الحالي ما رأيك؟
-اعتقد أن هذا حقيقي وعندما بدأت اكتب كان جيلي يكتب عن الحياة داخل القاهرة عن علاقات الحب وهو ما يتمثل في المجموعات القصصية الأولى لسمية ومي ونورا ،عن رجل وامرأة، عن علاقة قوامها الآخر، وأنا لم اكن اعرف كيف افعل هذا ليس لانه لم يكن ضمن خبراتي ،فأنا لست بنت القاهرة لذا لا أستطيع أن افعل شيئا موازيا لذا لجأت إلى فكرة الطفولة ورأيت أن مخرجا من المخارج المتاحة أن اكتب عن عالم خاص بي وبعد هذا جاءت تجارب كثيرة تقاطعت مع تجربتي وأصبحت هناك اكثر من زاوية للرؤية.
*لكن هل كل ما تكتبينه هو من قبيل تاريخك الشخصي بالفعل أم انه هناك مرجعيات أخرى؟
-عندما كتبت "الخباء" اعتبروها سيرة شخصية وقالوا أنني كاتبة بدوية وأحيانا كانوا يسألونني "هل أنت من مصر" وعندما كتبت "الباذنجانة الزرقاء" سألوني "أيهما تاريخك الشخصي" وهذه مشكلة في التلقي العربي فهو يبدأ بالافتراض أن ما يكتب هو سيرة ذاتية والسؤال يصبح أين الكاتب من الكتابة وليس كيف كتب ما كتبه وليس حقيقيا ما يثار من أن إبراهيم الكوني استعار ما كتبه من موسوعة قديمة، ولكن أتخيل أن الكوني لديه حصيلة كبيرة من الثقافة فالمجوس تتقاطع مع قصة الخروج، وكان المصدر توراثيا أو تاريخيا أو تاريخا شخصا ليس هو المشكلة إنما كيف يصوغه وعي الكاتب ، التاريخ الشخصي هو بالنسبة لي التاريخ الحقيقي وما هو حقيقي دائما غير موجود.
*لكنك لجأت في روايتك "نقرات الظباء" إلى التسجيلية خاصة في التفاصيل المتعلقة بالجوارح وبتربية الخيول؟
-أسرتي أساسا هم تجار خيول،وبالتالي فالتعابير الخاصة بالبيع والشراء تتردد أمامي منذ طفولتي وأنا أراقب كل هذا والكاتب لانه كاتب فهو مشغول بالتفاصيل ولم اعمل بحثا بالمعني الواضح في هذه الرواية ولا اعتقد أن الكاتب بحاجة إلى المعرفية بهذه الطريقة، المشكلة أن فكرة المعرفية أصبحت مضحكة لان كل كاتب يريد أن يكتب رواية يرجع إلى مرجع ويستخدم معلومات، والكاتب الكبير ليس في حاجة إلى مصادر ولا يلجأ إلى مراجع إلا إذا أراد أن يستوثق من معلومة ليس اكثر.
*تبرز في روايتك فكرة الهجوم علي فترة ما بعد ثورة يوليو ، هل هذا مرتبط بعلاقة عبد الناصر بالبدو وتحجيمهم أم انها له سببا آخر؟
-لا يوجد لي موقف سياسي تجاه هذه الثورة لسببين :الأول أنى كنت من أسرة لا تعتبر نفسها جزءا من المجتمع المصري ، وثورة يوليو اجبرتهم علي التخلي عن عاداتهم وأدخلتهم الجيش المصري بالإضافة إلى إنها سحبت منهم كل الامتيازات التي كانوا يتمتعون بها باعتبارهم قبائل عربية فاصبحوا مواطنين مصريين عاديين لكن في تصوري الشخصي أن هذا لم يؤثر في كثيرا لاني لم اشهده والمسألة بالنسبة إلى تاريخ، أما السبب الثاني والحقيقي أن الذي يقف بيني وبين عبد لناصر هو انتمائي إلى الأخوان المسلمين وليس ماضي الأسرة وتربيتي داخل جماعة الأخوان كان مبدؤها كراهية عبد الناصر.
*إلى أي مدي أثرت الفترة التي قضيتها داخل جماعة الأخوان المسلمين علي وعيك ككاتبة؟
-أنا بدأت قراءاتي لكتب الأخوان بكتاب زينب الغزالي الذي تروي فيه مذكراتها في السجن وكتاب "البوابة السوداء" لاحمد رائف وكان أكثر هذه الكتب أن لها موقفا واضحا من عبد الناصر، وتحول الثورة من مسارها الإسلامي إلى الاشتراكي ، ولكن بعد أن تحررت من هذه الأيديولوجية والأفكار الخاصة بالإخوان أصبحت اكثر موضوعية في التعامل ولازال شخص عبد الناصر بالنسبة لي شخصا مربكا، وأحيانا أتعاطف معه من منظور البطل القوي الذي اصبح رغم كل أخطائه حلما.
*هل هذه الأيديولوجية الدينية هي السبب أيضا في هجومك علي اليسار في روايتك الثانية "الباذنجانة الزرقاء"؟
-كتبت "الباذنجانة الزرقاء" وأنا خارج الأيديولوجيا وكنت أدين فيها اليسار المصري ليس بالمعني السياسي ولكن بالمعني الخاص بالمرأة والمتعلق بالتعامل معها واستغلالها واستغلال الحرية، فاليمين كان يبالغ في إخفاء الجسد، واليسار كان يبالغ في ابتذاله ، وهو انحطاط تجاه المرأة ، الباذنجانة الزرقاء هي قمة يأس هذا الجيل من أن يأتي بطل من اليمين أو اليسار فيغير ، والإدانة في الرواية ليست لليمين أو لليسار فقط، بل للذات أيضا وللام وللأخ والإدانة ليست نهاية الطريق بل بداية الأسئلة لكن بشرط إلا يكون موقفك هو موقف الحاكم وألا تقوم بدور القاضي في القضية وانما تطرح الإدانة وتترك النص مفتوحا علي أسئلته حتى النهاية.
*يتحدث الكثيرون عن الحضور الإعلامي المكثف لك في وسائل الإعلام المختلفة ويبررون هذا بانشغالك بقضايا النسوية، والدفاع عنها ،ما رأيك؟
-أنا لست ضمن أي تنظيم نسائي لكن أنا مشغولة بالقضايا النسائية وأنا لم أشارك في أي مؤتمرات نسوية.
*لكني شاهدتك اكثر من مرة في قنوات قضائية تتحدثين عن قضايا النسوية لا قضايا الكتابة؟
-الكاتب له وجهة نظر في كل شئ، ومن الممكن أن يتحدث عن "الطبيخ" ليس بوصفه طباخا ، ولكن بوصفه لديه نفس المشاكل، والأنشطة النسوية والجمعيات ليس لها أي اثر حقيقي في تغيير وضعية المرأة ولا تقيد المرأة ، كما إنني غير قادرة علي العمل العام لا اليساري ولا النسوي لان بعض هذه الجمعيات تستخدم للمتاجرة وتقوم علي الخلط بين المناضل والكاتب، وكان هذا مطلوبا في الستينيات أن يطلب منك أن تكون مناضلا حتى تكون كاتبا ، وهذا لم يفرز كتابا، والكاتب الحقيقي يستطيع أن يحمل كتابته بموقف سياسي أو إنساني وهذا اكثر شرف وإنسانية من أن يستثمر الكتابة، لان الكتابة لا تستثمر ولا تستخدم.
*بعيدا عن الوصف المعتاد للكتابة بأنها نسوية ،المح أن الشخصيات الرئيسية في رواياتك شخصيات نسائية مقموعة في اغلبها لماذا؟
-علاقتي بالمرأة علاقة مرتبطة بتاريخي الشخصي، حيث كان عالم الذكور غير مسموح به ، وغير مسموح بالاختلاط علي الإطلاق، وعالم الرجال هو عالم الحقيقة والصمت والخارج، وعالم النساء هو الوحيد الذي أنا قريبة منه، وحتى لما كبرت ودخلت الجامعة كان اكثر تعاملي مع البنات لاسباب قبلية في البداية ثم دينية.
*بسبب انتمائك السياسي للإخوان؟
-أنا اتجهت إليهم لاني شعرت بتربيتي أنى غير قادرة علي التفاعل مع غيرهم وهم استكملوا دور المؤسسة المجتمعية في تهذيبي واصلاحي لاني كنت بطبيعتي اقرب لهذا ،ففي بيني كنت منعزلة تماما، وفي الجامعة كنت اكثر انعزالا ، والأخوان لم يكونوا يسمحون لنا بالتعامل مع زملاء من أي نوع ، فلما بدأت اكتب وجدت أن خبرتي طوال حياتي مرتبطة بعالم النساء وليست لدي القدرة علي معرفة كيف يكفر الرجل وقد كتبت هذا في الباذنجانة الزرقاء.
*لك مجموعة قصصية أولى واحدة هي مجرد تجربة يبدو انك لن تعودين إليها مرة أخرى، خاصة وان ردود الفعل عليها ليست مشجعة؟
-كتبت القصة القصيرة لأتمرن علي الكتابة لأني كنت اشعر أنى غير قادرة علي الكتابة وأنا غير قادرة علي قراءتها مرة أخرى لاني اشعر إنها مجرد محاولات وأحيانا اخجل منها وأحيانا افرح منها لأنها قدمتني وجرأتني علي الكتابة ولكن من ناحية أخرى لم أجد نفسي بها، وأنا غير سعيدة بهذه التجربة فلماذا أكررها؟
*ترجمت أعمالك رغم قلتها إلى عدة لغات أجنبية البعض يقول البعض أن السبب هو كتابتك عن الاقليات، وعن الكبت في هذا المجتمع،مار أيك؟
-كلمة الاقليات تذكر للإشارة إلى تنظيمات سياسية، ورغبات انفصالية وانا اكتب عن جزء من النسيج المصري ، وهذا النسيج يتداخل مع ما هو فرعوني وقبطي وساحلي واسلامي وكل بلد به هذا التنوع الثقافي بدرجات وأنا لا اكتب عن قضية اثنية ولا انفصالية وانما جيوب ثقافية واكتشاف هذه الجيوب يثري الثقافة،والثقافة العربية متنوعة وليست مفتنة، أما الترجمة فهي مرتبطة بعوامل خارجية كيف يقرأ الخارج النص فأنا لا اعرف حتى الآن لماذا ماركيز هو الأكثر ترجمة في العالم العربي، رغم انه ليس هو الأفضل ربما – الذائقة الشعبية المرتبطة ببلدان المشرق وجدت فيه جزء شيئا تبحث عنه والترجمة ترتبط بالنص وليس بما حول النص وهناك أسئلة في الترجمة تظل مفتوحة بدءا من مستوي الجودة ومدي الرواج داخل الثقافة العربية مع انه أحيانا يحدث رواج لروايات لا قيمة حقيقية لها، لكن هناك لحظة تاريخية يحدث فيها نوع من التلقي وهناك أسباب عدة وراء هذا.
*حزت أخيرا شهادة الدكتوراه عن بحث متعلق بالصحراء في الرواية العربية هل اخترت هذا الموضوع لتعلقه بما تكتبين وانتمائك القبلي؟
- اخترت هذا الموضوع لأنني لم اكن أريد أن أغادر هذه المساحة التي انطلقت منها وكانت لدي أسئلة شخصية أريد الإجابة عنها متعلقة بالتابو والحرية والكبت والمقدس والتاريخ والأيديولوجيا في الوجدان العربي واخترت أن يكون البحث جزءا من أسئلتي ولم اختر في بحثي أي كاتب أنا غير مقتنعة به بل فعلت ما احبه.

سمية رمضان وكتابة الطبقة الوسطى


سمية رمضان: اكتب لاتحرر من عتمة النفس وتناقضات طبقتي التي تنظر للمراة كحلية في عنق الرجل
لايوجد ابداع بلا رسالة وكل اشكال السرد لدينا موجودة في الف ليلة وليلة.
الحلم بالذاكرة ، هو نفسه الحلم بالكتابة .. فأن تكتب يعني أن تتذكر وتحلم في الوقت نفسه.هذا هو ديدن الكتابة في اعمال الروائية سمية رمضان ، والتي تعري فيها تناقضات طبقتها بقسوة، حتي ان الحب في ظل هذا المناخ يبدو مرادفا للجنون ، بل هو لحظة انغماس في تداعياتها علي شتي المستويات.. حول هذا الهم وهموم ادبية اخري هذا حوار معها.
*" اكتب رغما عن التجربة ورغما عن الواقع ولذا اخاف قول الحقيقة ولكن شيئا ما يجذبني الي القول لا اعرف له وصفا في نهايته اجلس منصاعة واكتب
هكذا تقولين علي لسان احدي بطلاتك هل الكتابة لديك هكذا ايضا؟
-انا متعاطفة مع هذه الجملة التي قالتها كيمي ، والتجربة تقول ان النساء عندما يكتبن ينظر الي كتابتهن علي اساس انها تجارب شخصية محضة وذاتية تماما. ولذلك حين يتطرن الي مواضيع هي بالفعل مطروحة بشكل عام تهم شريحة كبيرة من المجتمع الذي يكتبن له وفيه ينتهي الامر بان يتهمن بافعال واقوال ومعتقدات ورؤي ليست بالضرورة تشبههن. وفي كثير من الكتابات الجديدة تتضافر الضمائر وهذه ظاهرة واضحة وعموما فالكتاب –نساء ورجالا – يستخدمون ضمير الانا للتعبير عن اشياء اوسع واشمل وهذه هي طبيعة الابداع ، ولكن عندما تقدم امراة علي استخدام ضمير الانا في كتابتها تكون كمن يقدم راسه كبش فداء ، ولكن عليها بالرغم من هذا ان تحتمل هذه التضحية والقصد ولا اقصد هنا ولا الشكوي مما يقع علي الكتاب وبالذات البازغين منهم لكن الهدف هو تأكيد فكرة لماذا يتم ذلك ، وبالرغم من كل هذا يكتب بعض الناس ، ويستمرون في الكتابة ويدفعون الثمن.
*في آليات الكتابة في اعمالك تشتيكن في اشكاليات خارج سياق تراث السرد العربي هل هذا مقصود؟
-هو ليس خيارا بل يفرضه عليك ظرفك التاريخي والجغرافي هناك حقبة بعينها ومكان بعينه وجمهور قارئ بعينه ، ومن الطبيعي ان يلعب تراثي الشخصي دورا مهما في انتقائية شكل التعبير ، وانا تراثي ثلاثي ، ايرلندي ، وانجلو أيرلندي وعربي وهذا ادعي للاثراء وفي الواقع كلنا عندنا هذه التركيبات سواء تحدثنا لغات اخري ام لا،لاننا في عالم منفتح علي الاخر ثقافيا لكنه منفتح في دائرة معينة هي دائرة المثقفين والقراء، واللغة تلعب لعبة صغيرة في حالة ما اذا كان التراث الفردي مزدوج اللغة ، والفكر واللغة لاينفصلان وبالتالي فهذا قد ينتج عنه تشوه تام وقد ينتج عنه اكتمالية هارمونية مؤثرة في واقع اللغة التي يكتب بها الانسان فالمسالة في الاساس هي حرب ضروس ، واذا كان الانسان، تربي وفقا لمعطيات ثقافة اجنبية ، وكانت هي في الاصل استعمارية بشكل مؤثر ، فهذا عامل مؤثر . ونحن استعمرنا من قبل الانجليز واثروا فينا سلبا وايجابا ولكن تاثيرهم علي الفرد المبدع خطير ومزعج لان المبدع واختياراته صعبة ويقدم ابداعه بعيدا عن عراك البنادق، فبين هذا وذاك هو يقف في المنقطة الوسطي
واحدهما يتهمه بالجهل وعدم اتخاذ موقف ، والاخر يتهمه بالاستغراب وتبني ثقافة مغايرة هو المبدع في مازق حقيقي اذن.
*هل تعدد الثقافة لديك اذن ، كان سببا في ان طاقة السرد في اعمالك الابداعية تبدو غير مستغلة وغائبة؟
-انا بنت الف ليلة وليلة سواء ابيت ام رضيت هي كونت لي وجداني كما كونت وجداني الحكايات الشعبية المصرية وانا اتيحيت لي قراءة الاعمال الاجنبية وفي لغاتها الاصلية بدون وسائط ، لكن هذا لايمنع اطلاقا ان الف ليلة وليلة لها اثر كبير علي وعلي سائر الكتاب وعلينا ان نتذكر دائما ما قاله ماركيز عنها ، فلا يوجد احد لا يسرد من الف ليلة وليلة ، والنصوص تستثمر وتتطور، لكن اصلها الف ليلة ، حتي اعمال ديزني مثل علاء الدين ، وعودة جعفر وعلي بابا والاربعين حرامي ، والذي حدث هو ليس اني لم استغل تراثي السردي وانما تراثي هو الذي لم يستغل نفسه لاعادة انتاج نفسه لكي يتطور ذاتيا دون اللجوء الي استيراد التطور من الخارج النابع من نفس التراث، والسرد كما نفهمه حلقة داخل حلقة من خلال اطار عام يبدا بامرأة الصندوق وينتهي بشهر زاد بعد ان انجبت، وهذا كان في الأدب العربي وليس في آداب اخري.
*رغم انك تقولين ان تكوينك الثقافي ينحو الي الانجلو ايرلندية الا اني اري انك متأثرة اكثر بأدب اميركا اللاتينية ، مارأيك؟
- هذه عين الناقد ، ولكن عندما ابحث في نفسي عن أي منبع تأثرت به سيكون من توليفة مختلفة ، شكسبير والجاحظ والمتنبي والقرآن الكريم والف ليلة وليلة وحواديت فالنتينو ،وفي هذه التوليفة ايضا يدخل الادب الايرلندي وهو عامل حاسم في التكوين لان الايرلنديين يشبهوننا كثيرا فهم استعمروا من قبل الانجليز 800 عام ، وقامت لديهن ثورة سنة 1919 مثلنا تماما ، وكان علي راسها ديفاليرا صديق سعد زغلول وعندما يكون هذا هو موروثك عربي وانجليزي في تضاد ويضاف الي هذا جزء غير متضاد فهذا سيطرح سؤالا حول اللغة المستعملة في الكتاب ماذا ستكون، والايرلنديون كتبوا وجهة نظرهم بلغة ليست لغتهم وعموما فالنظرة الي العالم والرسالة الابداعية هي التي تحدد وليست لغة الكتابة وسنكون كاذبين ونستحق الحرق لو ادعينا ان الادب ليس له رسالة والكتاب الشباب ليسوا مخطئين حينما يديرون ظهورهم لفكرة المبدع الفرد الرومانسي المتميز البطل علي النهج القديم ولكنهم يخطئون تماما عندما يتخلون ضمن هذا عن رسالتهم تجاه مجتماعتهم التي يكتبون لها وادعاء انه ليست لهم رسالة غير صحيح فهم اصحاب رسالة سواء ابوا ام رضوا.
* تطرح مجموعتك القصصية " منازل القمر"اشكالية هامة حول ابداعك ، ايهما يهمك اكثر الشكل ام البناء؟
-يهمني الجوهر، جوهر الرسالة التي اريد توصيلها وهي التي تملي علي شكل الكتابة، ولذلك فنصوصي متبانية ، واستعمل فيها جميع انواع السرد لانها ليست حكاية واحدة.
*تدور اعمالك القصصية وبخاصة في " خشب ونحاس" في مجملها تدور في عوالم حلمية مفارقة للواقع ، الام يعود هذا؟
-تبدو حلمية مفارقة للواقع الذي نعيشه الان لكن تفاصيلها مستقاة من الواقع تماما، المنبع الوجداني الفلسفي الرؤيوي حلمي وقد يكون كايوسيا ، او حلم يقظة لكن المفردات مستقاة من الواقع وهو يبدو مفارقا لاننا لفترة طويلة ، همشنا ، وظلمنا في جميع وسائل الاعلام ، ثم ان الطبقة فوق المتوسطة انتمي اليها لم التي لا يخرج منها مبدعون رجال في القرن الـ18 بل كاتبات بلغات اخري كالتركية مثل عائشة التيمورية ، وقوت القلوب الدمرداشية، واعتقد ان فئة الفلاحين لم تظلم اطلاقا في الابداع لانها اخرجت اعظم الكتاب لكن هذه الطبقة البرجوازيه مظلومة في الادبيات ، لان رجالها الذين ينتمون الها قرروا ان ينبذوها فيما انشغلت نساؤها في اشياء اخري .
* تكونين مع مي التلمساني خطا اديبا يكتب عن الطبقة البرجوازية هل قصدت ان تكتبين عنها؟
-بالنسبة لي انا تعمدت ان اكتب عن الطبقة البرجوازيةالمصرية لان وجهة نظرها لم تطرح من وجهة نظر نسائها، وهن اللائي يقع عليهن الظلم، واري ان الفلاحة اكبر حرية من امراة هذه الطبقة التي تستعمل كحلية يزين بها رجل هذه الطبقة نفسه، فيعلمها حتي تبدو متعلمة وانا شخصيا عانيت ، وكنت اريد ان اعرف اكبر قدر من القراء بماذا يحدث لهذه المراة عندما تتمرد وليس من منطلق الانسان الذي تحرر ولكن من منظورها وهي لم تتحرر بعد.
*قصر روايتك " ارواق النرجس"يشي بانها قصة قصيرة لكنها طالت قليلا فأصبحت رواية؟
- لم اجلس لكي اكتب رواية ، ولم اجلس لكي اكتب نصا طويلا ، والذي حدث اني كتبت نوقيلا ( رواية قصيرة) وهذا لا ينتقص منها ، وعموما كل شئ مقصود ولايوجد شئ ليس مقصودا. في الجزء الاول من الرواية يبدو المجتمع منه متماسكا والبطلة مجنونة، وعندما تتماسك البطلة يضطرب المجتمع ويتفكك وهذه هي الاشكالية التواصل والحوار.
*لكن شخصية كيمي انتقلتا من قصة " انا وامينة" في مجموعتك " منازل القمر" لكي تصبح رواية كاملة، ماسبب ولعك بهذه الشخصية؟
-هذه الشخصية تمثل لي كل المشاكل والمتاعب والعقبات والحلول الفعالة وغير الفعالة التي اري نساء الطبقة فوق المتوسطية يسعين اليها لتاكيد وجودهن وجدواهن. وفي رايي الشخصي جدا ان الكثير من هذه المزالق والمآسي تنطبق علي المجتمع المادي ولذلك سميت البطلة (كيمي) وهي كلمة فرعونية تعني مصر.
*اعمالك في معظمها قائمة علي التذكر فالي أي مدي ترتبط الكتابة لديك بالذكري؟
- الدقيقة التي يوضع فيها القلم علي الورقة تصبح ذكري وكل من يفعل ذلك يدرك ان ذلك تحديه الاكبر، كيف نفض الذاكرة عن الكتابة والكتابة عن الذاكرة ، والجميع يحاول هذا ولم ينجح الاقليلون منهم عزت القمحاوي في روايته الاخيرة "غرفة تري النيل" ، فهناك شخص بعد ان يموت يرجع ليقول إنه مات، ومن خلال الفكر وجودي يدور حديث انساني عام شامل ومن خلال ايضا شئ مؤرق وهو فاعلية الجسد ، والفراغ الذي يحيط به.
*حسنا الي أي مدي تتماس الكتابة مع الذات عند سمية رمضان؟
-انا لااعرف الفارق بين الكتابة والذات انا اعرف فقط انني بوتقه تنصهر فيها تجارب تخصني وتخص الاخرين، تجارب حقيقية من الحياة ، وتجارب قراءية من الخيال، وتجارب سماعية وحسية وكل هذا ينتج عملا ما في النهاية.
* تبدو اشكالية العلاقة بالاخر ، احدي الاشكاليات الهامة التي تطرحها روايتك
" اوراق النرجس" واحد الهواجس الممتدة بطولها لماذا؟
-العلاقة بالاخر هاجس مهم لكل من واكب العلائق التي تربط البشر في المجتماعات التي استعمرت ، وفي مراحلها بعد الاستعمار، فان تجد صديقا لوالدك ، وهو انجليزي مع انك تعاديه، ولكنك مع ذلك تدعوه لكي يأتي الي بيتك، فهل هذا اذن انسان ام فكرة ، انسان ام ايديولوجيا، عدو ام صديق ، ام لاهو هذا ولاذاك بل انسان محايد، واعتقد اننا كلنا مررنا بهذه التجربة.
* وهل الهذا تؤكدين في الرواية علي فكرة الهوية؟
-انا طرحت فكرة الهوية في الرواية لابراز مدي التشابه الكبيريين الناس في كل مناطق العالم ، وانا لست مهمومة بفكرة الهوية، بل بتأكيد عدم وجود مأزق هوية حقيقي بالنسبة للمصريين ، واري أننا استوردنا أزمة الهوية عندما ذهبنا الي الخليج، واختلطنا بمجتمعات أخرى.
*هل الجنون في شخصية" كيمي" هو بمثابة فعل مقاومة وهل الجنون في اعتقادك من الممكن ان يكون كذلك؟
-الجنون هرب البائس وهو فعل من لايستطيع فعلا حقيقيا في الواقع لكن هو ايضا دليل علي مدي قهر الواقع ، فالذي ينتحر لانه لايجد اولاده حوله هذا فعل بائس والجنون رد فعل، وليس مقاومة.
*شخصية الام في الرواية تكاد تكون هامشية او مهمشة لوصح التعبير ، لماذا؟
- هي مهمشة لانها مستبدلة "بالدادة" التي هي الام الحقيقية التي تحكي من التراث الشعبي المصري ، التي تستخدم الامثال الشعبية التي تنقل الرؤية المصرية، التي تاتي بالريف بكل اصالته الي المدينة ، في قلب البرجوازية وهي الاقوي لانها الوحيدة التي تعرف من هي وعندها كم من المبادئ تتبعه بكل مرونه وذكاء ، ايضا هي عادلة ، وأم بحق، ورمز مثالي لذلك الامومة مسئولية احساس بالذات وثقة ، وهذا غير متوافر لنساء الطبقة فوق المتوسطية.
*لكن الا ترين ان علاقة كيمي والداده علاقة ملتبسة ؟
- سبب الالتباس ان هناك احدا يتبني أما، وهي المثال الكامل امامها فلماذا تكون أمها أمية لاتقرا، ولا تكتب ، لماذا لاتكون من طبقتها ، لماذا لاتعرف الفرنسية ، وهذه الشخصيات مرايا ، وامينة هي الوجه الاخر لمصر ، وكيمي هي التي جعلت الاثنتين شيئا واحداً.
*لماذا اخترت كتاب" غرفة تخص المرء وحده" لفرجينيا وولف لترجمينه؟
-ترجمته لاني فوجئت انه صدر عام 1927 ،وهو يعتبر الاصل والمبدا في العلوم النقدية والنظرية النسوية ومابعد الكولونيالية، وفوجئت في مؤتمر قاسم امين الذي اقامه المجلس الاعلي للثقافة في عام 1999 انه لم يترجم ضمن الكتب الكثيرة التي ترجمت عن المراة بهذه المناسبة فترجمته لاهميته الشديدة في رايي.
*توقفت عن الكتابة منذ سنوات بعد صدور روايتك اوراق النرجس ماسبب ذلك؟
-كنت اكتب رواية بعنوان طبول الحرب عندما قامت حرب العراق فتوقفت، وكنا في مظاهربة في الجامعة الاميركية عندما جاءت ممثلة من تليفزيون الـBBC وسالتني هل في اعتقادك ان مظاهرة كهذه من الممكن ان توقف الحرب فقلت لها ممكن لو ان مائة الف مليون مظاهرة كهذه حدثت في انحاء العالم ،بعدها بـ 3 ايام فتحت التليفزيون وجلست ابكي ، كان ما قلته قد حدث كانه بنوءة ، مظاهرات في جميع انحاء العالم رافضة للحرب وعندما بدا الضرب في العراق ادركت انه لابد من وقفه مع النفس حتي استعيد توازني وامنت بمقولة انه مهما سعيت في اتجاه بعينه ويكون هذا الاتجاه طيبا، ومتوائما مع كل ماهو انساني واخلاقي وروحاني ورباني فانك لن تر نتيجة عملك في هذا العالم ، وهنا توقفت عن الكتابة ربما لان الحرب اثرت في ، والانتفاضة الثانية ، فكان لابد من وقفة واعادة ترتيب افكاري ، واعادة التفكير في قدرتي علي الاسهام ، لاني كنت اري الدنيا حمراء لايوجد بها سوي دماء ، ومن اجل هذا بدات ابحث عن وسائل اخري لتوصيل هدفي.