01‏/12‏/2010

الشاعر محمد أبو زيد بعد روايته الأولي‮:‬ تحوّلنا إلي أصنام

حوار‮ ‬ : نائل الطوخي
الشاعر محمد أبو زيد أصدر رواية بعنوان‮ "‬أثر النبي‮". ‬ولكن علي عكس جميع الشعراء الذين كتبوا الرواية بعد تمرّسهم في الشعر،‮ ‬فالصيغة الأولي من روايته كانت قد اكتملت قبل نشره أي ديوان‮. ‬كتب الرواية عام‮ ‬2003،‮ ‬وكان ديوانه الأول‮ "‬ثقب في الهواء بطول قامتي‮" ‬لا يزال ينتظر دوره للنشر في الهيئة العامة لقصور الثقافة‮. ‬يقول‮: "‬كنت أجرب‮. ‬كتبت القصة والشعر ولكنني كنت واعياً‮ ‬وقتها أن الشعر مشروعي‮. ‬الكتابة في النهاية لعبة،‮ ‬قد تبدو علي هيئة رواية أو شعر أو مسرحية أو حتي نص عائم،‮ ‬المهم هو فكرة الكتابة ذاتها،‮ ‬بالإضافة إلي أنني كتبت روايتي هذه بنَفَس شعري‮. ‬لم ألتزم بقواعد الرواية المتعارف عليها‮. ‬الحدث كان يتعطل كثيرا لصالح الكثير من فقرات‮ ‬مناغاة الراوي وغيره‮."‬
العام‮ ‬2003‮ ‬له دلالة أخري،‮ ‬عام الاحتلال الأمريكي للعراق‮: "‬كان احتلال العراق نكسة حقيقية للجيل كله‮. ‬نكسة جيل الستينيات والسبعينيات تمحورت حول سقوط الزعيم الروحي لهم،‮ ‬عبد الناصر،‮ ‬الذي لم يعد هو الزعيم القائد،‮ ‬ولكن الأمة العربية كانت لا تزال موحدة‮. ‬بعد الاحتلال العراقي للكويت عام‮ ‬90،‮ ‬ثم الاحتلال الأمريكي للعراق عام‮ ‬2003‮ ‬أصبح موضوع الوحدة العربية مزحة ثقيلة‮. ‬الآن السودان والعراق ينقسمان،‮ ‬وفلسطين تتحول إلي‮ ‬غزة والضفة الغربية منفصلين عن بعضهما البعض،‮ ‬ولبنان ينقصها القليل لتنفجر‮. ‬في عام‮ ‬2003‮ ‬كنت مهزوما وأريد التنفيس عن هزيمتي‮."‬
العام‮ ‬2003‮ ‬هو العام الذي تدور فيه أحداث الرواية،‮ ‬خلفيتها الأخبار المذاعة عن سقوط العراق بيد الجيش الأمريكي،‮ ‬والبطلان الرئيسيان لها هما شخصية عادل هياكل،‮ ‬الذي يسكن مع زملائه في بيت الطلبة ولا يتوقف عن المزاح،‮ ‬يعيش قصة حب في الجامعة،‮ ‬ويخرج في المظاهرات وفوق هذا هو مريض بالسل ويموت في نهاية الرواية،‮ ‬هو المعبر عن الجيل في الرواية،‮ ‬كما يشرح أبو زيد،‮ ‬بالإضافة إلي بطلة أخري‮: ‬الفنانة محسنة توفيق‮. ‬تنتهي الرواية بخبرعن ضربها علي يد قوات الأمن التي تقوم بتفريق المظاهرات،‮ ‬مع مشاهد من نهاية فيلم‮ "‬العصفور‮"‬،‮ ‬بعد إعلان تنحي عبد الناصر وهي تنزل الشارع وتهتف‮ "‬هنحارب‮".‬
أسأله إن لم يكن الربط بين احتلال العراق ونكسة‮ ‬67‮ ‬بهذه الطريقة مباشراً‮ ‬قليلاً؟‮ ‬فيقول إنه حاول الابتعاد عن المباشرة قدر الإمكان‮. ‬علي العموم‮.. ‬فكرة المباشرة تبدو بالنسبة له محيرة قليلا،‮ ‬يتوقف أمامها ليطرح تساؤلاته‮:‬
‮"‬ظهور عبد الناصر في الرواية كان محايداً‮. ‬قد يفهم منه القارئ أنني أدينه وقد يفهم أنني أسترجعه بنوع من الحنين‮. ‬لم أحب أن توضع الرواية في إطار سياسي‮. ‬ولكن في نفس الوقت،‮ ‬هل المطلوب من الكاتب أن يتخلي تماماً‮ ‬عن قضيته؟ نيرودا يتساءل إذا ما فتحت النافذة صباحاً‮ ‬ورأيت قتيلاً‮ ‬ورأيت وردة،‮ ‬فهل أكتب عن الوردة؟‮! ‬أنا هنا ضد الجيل الحالي الذي يريد الانغلاق علي ذاته ويكتب شعرا عن تفاصيل‮ ‬صغيرة‮. ‬الكاتب بلا قضية ليس كاتباً‮. ‬لا أطلب من الكاتب الدفاع عن فلسطين ولكن علي الأقل أن يكون لديه هم‮. ‬عندما نتوقف عن التعب بحثاً‮ ‬عن لقمة العيش،‮ ‬ونتوقف عن الموت من البطالة،‮ ‬سيكون متاحاً‮ ‬لنا أن نكتب عن قضايا ذاتية تماماً‮."‬
كتب أبو زيد روايته هذه أربع مرات،‮ ‬وفي كل مرة كان يعاود عملية التنقيح ويحذف الأجزاء الأكثر مباشرة‮ (‬هو‮ ‬_‮ ‬مع رأيه هذا‮ - ‬يرفض المباشرة الزاعقة،‮ ‬يري أبياتا مثل‮ "‬دع سمائي فسمائي محرقة‮" ‬تصلح أكثر للأغاني،‮ ‬بينما النص الأدبي خُلق ليبقي‮)‬،‮ ‬كما أضاف شخصيات وحذف أخري وأضاف تفاصيل‮ ‬علي مدار عملية تنقيح الرواية لتضيف بعض المصداقية للعمل،‮ ‬مثل كلمات الأغاني والإعلانات المنتشرة عام‮ ‬2003‮. ‬وفي أثناء عملية التنقيح المتواصلة هذه،‮ ‬قدم الرواية لمسابقة يحيي حقي بالمجلس الأعلي للثقافة وفازت فيها‮. ‬يواصل حديثه عن المباشرة‮: ‬
‮"‬نحن كأدباء شباب تحولنا إلي أصنام،‮ ‬ثرنا علي الأصنام القديمة لأنهم كانوا يقومون بنفينا،‮ ‬وقلنا إنهم كانوا مباشرين،‮ ‬وثرنا علي الشعر التفعيلي والعمودي،‮ ‬ثم تحولنا نحن أنفسنا إلي أصنام،‮ ‬صرنا نقدس الرواية القصيرة والنص المشفر والذاتي تماماً‮. ‬أنا ضد فكرة نفي الآخر‮."‬
هناك مقطع كامل من الرواية يرويه‮ "‬عادل هياكل‮" ‬معلقا‮ ‬_‮ ‬بشكل ساخر‮ ‬_‮ ‬علي مباراة كرة يتخيلها بين زملائه في السكن‮. ‬المقطع مكتوب بعامية بسيطة ويبدو فيه أبو زيد‮ ‬_بإضفائه عنصر السخرية‮ - ‬متمردا علي اللغة المعتمدة للروايات وعلي لغة الحوار بشكل خاص‮. ‬
أسأله ألم يرغب في اختراقات لغوية أكثر تدخل نصه الروائي؟‮ ‬
فيجيب بأن شخصية عم رجب حارس المسجد هي شخصية كارتونية أيضاً،‮ ‬وهناك شخصية حجازي الذي يكتب خطابات تحوي أحداثا مختلقة لأهله ليثبت لهم أنه أصبح ممثلا كبيرا،‮ ‬الخطابات تحوي‮ "‬شعرية الركاكة‮" ‬كما يسميها‮. ‬بالإضافة إلي اختراقات من نوع مختلف‮: "‬هناك مقاطع حاولت فيها تكثيف اللغة الصوفية،‮ ‬والنص الذي أقدم فيه وثيقة إقرار الطلبة علي السكن في البيت كانت لغته مختلفة،‮ ‬الموضوع أنني في مواضع كثيرة كنت أكتب بلغة شعرية،‮ ‬اللغة لم تكن تعمل إذن في إطار ذروة وحبكة وشخصية ونقطة تنوير تحل في النهاية‮."‬
طرح الكاتب في روايته مفهوما مختلفا للتدين،‮ ‬مفهوما محايداً،‮ ‬لم يعد المتدينون هم الظلاميون الإرهابيون الأفاقون كما هو الحال في روايات سابقة‮: "‬الدين بالفعل منذ عام‮ ‬1995‮ ‬وحتي‮ ‬2003‮ ‬كان هو المحرك الرئيسي للمجتمع‮. ‬هناك في الرواية من انضم للجماعات الصوفية لأنه ببساطة أراد إطاراً‮ ‬ينتشله من الوحدة‮. ‬النظام السياسي لا يحل المشاكل ولذلك يلجأ الناس للدين،‮ ‬هذا موضوع بسيط ومفهوم تماماً‮. ‬قصدت أن أجعل أحد الشخصيات اسمه‮ "‬سيد قطب‮" ‬وأن أمرر هذا ببساطة،‮ ‬بدون أن يعني أنه من الإخوان مثلاً‮."‬
مصادر أبو زيد في الكتابة متنوعة جدا‮. ‬يحكي أنه في ديوانه السابق‮ "‬كطاعون يضع ساقاً‮ ‬فوق الأخري وينظر للسماء‮"‬،‮ ‬وضع ثبتاً‮ ‬بمراجع الديوان،‮ ‬وكان منها القرآن الكريم والأعمال الكاملة لعمر خيرت ولمارسيل خليفة،‮ ‬ونظرية النسبية ونظرية الثورة لعبد الناصر،‮ ‬وتقرير حركة كفاية حول الفساد في مصر‮: "‬لم تكن الفكرة أنني أخذت مقاطع من هذه الأعمال ووضعتها في قصائدي،‮ ‬وإنما هذه المصادر هي التي كوّنت ثقافتي وكتابتي ببساطة‮."‬
بجانب إبداعه،‮ ‬يرأس أبو زيد تحرير موقع بعنوان‮ "‬الكتابة‮" ‬يتم فيه الاحتفاء بالكتابة المصرية الشابة‮. ‬يقول إن موقع الكتابة بدأ كحلم منذ أكثر من سبع سنوات،‮ ‬كمحاولة‮ ‬للتغلب علي مشاكل‮ ‬النشر الحكومي،‮ ‬والانتظار سنوات تتجاوز الخمس من أجل نشر كتاب،‮ ‬أو البحث عن مجلة أو صفحة ثقافية لنشر قصيدة‮. ‬المجلات الثقافية لا يتجاوز عددها الاثنتين،‮ ‬ومن يفلت من كل هذا يسقط في فخ ذوق معين سائد في الكتابة‮. ‬ومع ظهور جيل جديد يكتب وينشر علي الإنترنت،‮ ‬كانت الهجرة للنشر الجماعي في مواقع ثقافية عربية‮ "‬مثل كيكا،‮ ‬وجهة الشعر،‮ ‬وأوكسجين وغيرها‮"‬،‮ ‬في الوقت الذي لا يوجد موقع ثقافي مصري واحد‮. ‬من هنا بدأ حلمه‮. ‬يقول‮: "‬حين قررت إطلاق الموقع كان الهدف هو الانتصار لجيلي بأكمله،‮ ‬الانتصار للكتابة الجميلة هكذا كتبت في بيان التدشين‮. ‬أطلقت موقعا تجريبياً‮ ‬في عام‮ ‬2007،‮ ‬لكن لأنه كان مجانيا فقد كان ضعيف الإمكانيات،‮ ‬حتي تمكنت في إبريل‮ ‬2009‮ ‬من إطلاق موقع احترافي ينشر النصوص بشكل يومي،‮ ‬من كل أنحاء العالم العربي،‮ ‬ينشر نقداً‮ ‬وقصة وشعراً‮ ‬وترجمات ومقالات في السينما،‮ ‬كما استحدثت فيه بابا عن التدوين علي اعتبار أن التدوين صار فناً‮ ‬كتابياً‮ ‬خاصاً‮." ‬قدم الموقع خلال عام ونصف مضت ملفات عن أهم كتاب ورموز الكتابة الشابة و الجادة ذات المشاريع الحقيقية‮: "‬لا أبغي من وراء الموقع أي شيء سوي استمتاعي الشخصي بالنصوص التي أقرأها،‮ ‬وبأنك تملك نافذة يدخل منها الهواء النقي إلي رئات تستحق ذلك‮". ‬يضيف أنه مع الاحتفال ببداية العام الثالث للموقع سيتم إطلاق مسابقة ثقافية خاصة بالموقع،‮ ‬كما أن هناك تفكيراً‮ ‬طويل المدي بأن يتحول الموقع إلي دار نشر أيضاً‮: "‬هناك حلم كبير اسمه‮ "‬مؤسسة الكتابة ‮" ‬تشمل الموقع والمسابقة والإذاعة ودار النشر،‮ ‬بأن تكون لدينا أول مؤسسة ثقافية‮ ‬مصرية خاصة،‮ ‬لكن الأمر يحتاج إلي صبر وجهد‮".‬
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
*نشر في جريدة أخبار الأدب

شاعر يكتب الرواية


بهاء جاهين
محمد أبو زيد شاعر شاب من مواليد‏1980,‏ صدرت له خمسة دواوين‏,‏ وها هو ينشر‏-‏ عن دار شرقيات‏-‏ رواية بعنوان أثر النبي‏.‏ الرواية لاتختلف كثيرا عن معظم أعمال المبدعين الشبان‏,‏ حيث العالم الضيق‏,‏ والسيرة شبه الذاتية‏,‏ وشوارع ومقاهي وسط البلد‏,‏ حيث يجتمعون مع رفاقهم من الكتاب‏. ,‏ ويسكنون هذا العالم الصغير عوضا عن الريف الذي نزحوا منه .
لكن أبو زيد أضاف الي هذا العالم اتساعا وجدة‏,‏ حين تحدث عن بيت للطلبة الأزهريين بالغورية‏,‏ أقام فيه بقدرة قادر‏,‏ ومساعدة أصدقاء‏,‏ وهو الطالب بتجارة عين شمس‏,‏ وشقته المظلمة الضيقة بدار السلام حيث اقام في سنته الأولي بالجامعة‏.‏
وبطل الرواية‏-‏ وهو الشاعر لكن ليس بالضبط‏-‏ من المشائين‏,‏ الطوافين في شوارع القاهرة‏,‏ حبا لها وافتقارا لقروش الميكروباص‏,‏ جعلته الغربة صعلوكا‏,‏ فهو بلا أسرة‏,‏ واتخذ من أصدقائه بيتا وعائلة‏.‏ وهم مجموعة من الفقراء اليائسين‏,‏ الحالمين مع ذلك‏,‏ أحلامهم ذاتها تعسة‏,‏ العمل والمرمطة في الخليج وبعضهم ينتهي به المطاف الي المعتقل في هوجة الإخوان‏,‏ مع أنهم أبعد ما يكونون عن السياسة‏.‏
هم كرسوا أنفسهم للضحك‏,‏ رغم أن بينهم واحدا يحتضر‏,‏ عادل هياكل الذي ظل يقيء دم السل وهم يهزرون حوله ليبعثوا فيه بعض الحياة‏.‏
يموت عادل هياكل في حجرة المغتربين الأزهريين وقد قاء آخر قطرة من دمه‏,‏ آخر نفثة من روحه الشابة‏,‏ يموت ويبقي بطل الرواية المصاب بمرض الاكتئاب النوباتي‏,‏ الذي تتلوه في أحيان قليلة كما نري في الرواية فترات انبساط‏,‏ يبقي تائها بين محبوبات لاينالهن‏,‏ واليتم الذي نما معه منذ وفاة أمه وهو طفل‏..‏ يبقي وليس له مستقبل‏,‏ أو لا يلوح أمامه طريق مضيء يسلكه‏.‏ فهو تائه ضائع‏,‏ فقد حجرة الرفاق الأزهريين بالغورية‏,‏ التي فر منها مطاردا بخوفه من الاعتقال‏,‏ وحين عاد ليأخذ أشياءه وجد عادل هياكل منطرحا جنب سريره علي بركة دم‏,‏ دم غاص فيه البطل الذي لم يهتم الشاعر بذكر اسمه‏,‏ لأسباب كثيرة كلها وجيهة‏.‏ مات عادل هياكل ليصير في حياته وموته رمزا لهذا الجيل‏,‏ الذي يموت بأشكال مختلفة‏,‏ قهرا واختيارا‏,‏ في البحر او في الحياة‏.‏
يهرب البطل من جثة صاحبه‏,‏ مطاردا بخوفه‏,‏ مبحرا في سواد بلا نهاية‏,‏ كما يقول في النهاية‏.‏
إنه الجنين المتكور بحثا عن رحم الأم‏,‏ الذي تنقبض روحه وتنبسط‏,‏ طبقا لمصطلحات المتصوفة والأطباء النفسيين‏,‏ الذي يفقد عالمه في النهاية‏,‏ وينادي محبوبته الأولي‏,‏ التي ظل يناديها طوال الرواية‏,‏ والتي كانت أمامه في القرية ولم يستطع أن ينالها‏,‏ ولم يحرص في روايته علي تقديم الأسباب‏,‏ او لنقل لم يحرص في رواية شاعره‏.‏
إن زينب التي يخاطبها هذا الشاب‏,‏ الذي لا اسم له‏,‏ لاتحتل في الأحداث مكانا يذكر‏,‏ لكنها تحتل مساحة كبري في قلب مناديها‏,‏ هل لأن اسمها‏-‏ وصاحبها من المتطوحين في الحضرة‏-‏ يربطها في وجدانه بأم العواجز؟ هل لأنها صاحبة قنديل يضيء في قلبه؟ هل لهذا لاتوجد في أرض الحكاية إلا قليلا؟
هذه لمحة من عالم الرواية‏,‏ وهذا العالم جزء في حد ذاته من فنيتها‏,‏ فالمادة نفسها نوع من الصياغة‏,‏ وزاوية الرؤية جزء أساسي في جماليات التصوير‏.‏ أما التشكيل هنا‏,‏ فهو متحرر من كلاسيكيات السرد‏,‏ لأنه يمتد أفقيا من حيث التزامن او اختلاط الزمن‏,‏ كما يمتد طولا من حيث اتجاه الأحداث في النهاية نحو نقطتها القصوي‏,‏ نحو الذروة‏,‏ او الفاجعة‏.‏
والرواية أيضا تشبه شخصية صاحبها ـ بطلها أو كاتبها ـ الذي يمحي رغم وجوده الطاغي‏,‏ يجرد نفسه من الاسم والصنعة‏,‏ لايذكر إلا لمحا أنه كاتب‏,‏ بكلمة عابرة‏,‏ وتتراوح روايته بين المقاطع شديدة القتامة وأخري شديدة المرح‏,‏ وان غلبت الأولي علي الثانية‏.‏
إن حكايته شخصية وفي الوقت نفسه هي حكاية جيله‏,‏ الغالبية العظمي من جيله الفاقدة القدرة البائسة الآمال‏,‏ الواقعة تحت ضغط الفقر والداء والموت وهي تضحك‏,‏ وهذا جمالها‏.
ــــــــــــــــــــــــــــــ
*نشر في جريدة الأهرام

أثر‏ ‏النبي‏ .. ‏رواية‏ ‏أولي‏ ‏للشاعر‏ ‏محمد‏ ‏أبوزيد‏ ‏تفتش‏ ‏عن‏ ‏أسباب‏ ‏الهزيمة


أحمد الشهاوي
عن‏ ‏دار‏ ‏شرقيات‏ ‏بالقاهرة‏ ‏صدرت‏ ‏رواية‏ ' ‏أثر‏ ‏النبي‏ ‏للشاعر‏ ‏محمد‏ ‏أبو‏ ‏زيد‏ , ‏وهي‏ ‏أولي‏ ‏روايايه‏ ,‏وتدور‏ ‏في‏ ‏أجواء‏ ‏صوفية‏ ‏متنقلة‏ ‏ما‏ ‏بين‏ ‏ابن‏ ‏الفارض‏ ‏وجلال‏ ‏الدين‏ ‏الرومي‏ , ‏وتدور‏ ‏حول‏ ‏إحباطات‏ ‏جيل‏ ‏بكامله‏ ‏نشأ‏ ‏في‏ ‏ظل‏ ‏نكسة‏ ‏عربية‏ ‏جديدة‏ ,‏وتتخذ‏ ‏الرواية‏ ‏الفترة‏ ‏بين‏ ‏احتلال‏ ‏العراق‏ ‏للكويت‏ ‏عام‏ 1990 ‏وحتي‏ ‏الاحتلال‏ ‏الأمريكي‏ ‏للعراق‏ ‏عام‏ 2003 ‏غطاء‏ ‏زمنيا‏ ‏وسياسيا‏ , ‏يتتبع‏ ‏الروائي‏ ‏من‏ ‏خلاله‏ ‏رصده‏ ‏للتغيرات‏ ‏الاجتماعية‏ ‏والسياسية‏ ‏التي‏ ‏حدثت‏ ‏خلال‏ ‏هذه‏ ‏الفترة‏ , ‏عبر‏ ‏تتبعه‏ ‏لشخصيات‏ ‏تعيش‏ ‏علي‏ ‏هامش‏ ‏الحياة‏ ‏تصارع‏ ‏لأن‏ ‏تكون‏ ‏في‏ ‏متنهاالأساسي‏.
‏يوقع‏ ‏الكاتب‏ ‏روايته‏ ‏بأنها‏ ‏كتبت‏ ‏بين‏ ‏عامي‏ (2003 ‏وحتي‏ 2010 ‏أي‏ ‏أنها‏ ‏استغرقت‏ ‏سبع‏ ‏سنوات‏ ‏في‏ ‏الكتابة‏ , ‏غير‏ ‏أن‏ ‏الرواية‏ ‏نفسها‏ ‏تستغرق‏ ‏رحلة‏ ‏حياة‏ ‏شخص‏ ‏منذ‏ ‏طفولته‏ ‏و‏ ‏تنتهي‏ ‏مع‏ ‏دخول‏ ‏القوات‏ ‏الأمريكية‏ ‏بغداد‏ ‏عام‏ 2003 .‏
تبدأ‏ ‏الرواية‏ ‏بخطاب‏ ‏موجه‏ ‏إلي‏ ‏شخصية‏ ‏افتراضية‏ ‏اسمها‏ ‏زينب‏ ‏يخاطبها‏ ‏الراوي‏ ‏المتكلم‏ ‏بقوله‏ ' ‏أكتب‏ ‏لأنسي‏ , ‏لأفرغ‏ ‏ذاكرتي‏ ‏علي‏ ‏الورق‏ ‏وأصير‏ ‏طليقا‏ , ‏لأنسي‏ ‏وحدتي‏ ‏في‏ ‏هذا‏ ‏العالم‏ , ‏أفكر‏ ‏أن‏ ‏أمسك‏ ‏يدك‏ , ‏أخترق‏ ‏بك‏ ‏الشوارع‏ ‏والمقاهي‏ ‏والمشربيات‏ ‏والبنايات‏ ‏العالية‏ , ‏أشير‏: ‏هنا‏ ‏وقفت‏ , ‏هنا‏ ‏تكلمت‏ , ‏هنا‏ ‏تذكرتك‏ , ‏وهنا‏ ‏خنتك‏ ‏يا‏ ‏زينب‏ , ‏أنا‏ ‏الذي‏ ‏أعرف‏ ‏كل‏ ‏شيء‏ , ‏وأنت‏ ‏التي‏ ‏لا‏ ‏تعرفين‏ , ‏أتذكر‏ ‏فأتعذب‏ , ‏أكتب‏ ‏لأحسدك‏ ‏علي‏ ‏النسيان‏ ' ,تبدو‏ ‏الكتابة‏ ‏هنا‏ ‏كذنب‏ ‏واجب‏ ‏علي‏ ‏الراوي‏ ‏أن‏ ‏يفعله‏ , ‏وتبدو‏ ‏الذاكرة‏ ‏عبئا‏ ‏واجب‏ ‏التخلص‏ ‏منه‏ ‏لذا‏ ‏هو‏ ‏يحسد‏ ‏زينب‏ ‏علي‏ ‏قدرتها‏ ‏علي‏ ‏النسيان‏ , ‏وتظل‏ ‏شخصية‏ ‏زينب‏ ‏شبه‏ ‏موجودة‏ ‏طوال‏ ‏الرواية‏ ‏فهي‏ ‏لا‏ ‏تظهر‏ ‏إلا‏ ‏من‏ ‏خلال‏ ‏توجه‏ ‏الراوي‏ ‏إليها‏ ‏بالخطاب‏ ‏والحديث‏ .‏
تبدأ‏ ‏الرواية‏ ‏من‏ ‏حادثة‏ ‏موت‏ , ‏يكتشفها‏ ‏بطل‏ ‏الرواية‏ ‏حين‏ ‏عودته‏ ‏إلي‏ ‏المبني‏ ‏الذي‏ ‏يسكنه‏ ‏مع‏ ‏مجموعة‏ ‏من‏ ‏طلبة‏ ‏الجامعة‏ , ‏وما‏ ‏بين‏ ‏هاجس‏ ‏الفرار‏ ‏وهاجس‏ ‏الخوف‏ , ‏تعود‏ ‏الرواية‏ ‏إلي‏ ‏نقطة‏ ‏البدء‏ ‏حيث‏ ‏طفولة‏ ‏الراوي‏ , ‏رابطا‏ ‏بين‏ ‏موت‏ ‏البطل‏ ‏الموازي‏ ' ‏عادل‏ ‏هياكل‏ ' ‏عقب‏ ‏احتلال‏ ‏العراق‏ ‏بأحداث‏ ‏سابقة‏ ‏تجيء‏ ‏علي‏ ‏لسان‏ ‏أستاذ‏ ‏الجامعة‏ ' ‏قال‏ ‏الولد‏ ‏للبنت‏: ‏أحبك‏, ‏فابتسم‏ ‏عامل‏ ‏البوفيه‏ ‏وهو‏ ‏يناولهما‏ ‏الشاي‏, ‏دقت‏ ‏ساعة‏ ‏الجامعة‏ ‏دقتين‏, ‏كان‏ ‏الجو‏ ‏حارا‏ ‏وخانقا‏, وكان‏ ‏أستاذ‏ ‏الجامعة‏ ‏في‏ ‏المحاضرة‏ ‏يقول‏: ' ‏أنتم‏ ‏الجيل‏ ‏الذي‏ ‏تغرب‏ ‏أباؤه‏ ‏في‏ ‏مدارس‏ ‏ومزارع‏ ‏ومستشفيات‏ ‏المغرب‏ ‏العربي‏ ‏والخليج‏, ‏وعادوا‏ ‏ليشتروا‏ ‏شققا‏ ‏ويبنوا‏ ‏بيوتا‏ ‏في‏ ‏قراهم‏, ‏سقطت‏ ‏في‏ ‏الزلزال‏ ‏أو‏ ‏غرقت‏ ‏في‏ ‏السيول‏, ‏أو‏ ‏نصبت‏ ‏عليهم‏ ‏شركات‏ ‏التوظيف‏ ‏وسرقت‏ ‏تحويشة‏ ‏العمر‏,أنتم‏ ‏الجيل‏ ‏الذي‏ ‏لم‏ ‏يتعاطف‏ ‏مع‏ ‏تعامل‏ ‏الحكومة‏ ‏مع‏ ‏أهالي‏ ‏الجماعات‏ ‏الإسلامية‏ ‏وفضل‏ ‏تسلية‏ ‏أيامه‏ ‏بحكايات‏ ‏ليالي‏ ‏الحلمية‏ ‏والراية‏ ‏البيضا‏ ‏وأحلام‏ ‏الفتي‏ ‏الطائر‏ , ‏أنتم‏ ‏الجيل‏ ‏الذي‏ ‏شاهد‏ ‏في‏ ‏طفولته‏ ‏الطيور‏ ‏وهي‏ ‏تغرق‏ ‏في‏ ‏بترول‏ ‏الكويت‏ ‏المسكوب‏ ‏في‏ ‏الخليج‏ ‏وشاهد‏ ‏انتهاء‏ ‏حلم‏ ‏الوحدة‏ ‏العربية‏ ‏علي‏ ‏الهواء‏ , ‏أنتم‏ ‏جيل‏ ‏فاشل‏ ' , ‏ثم‏ ‏قاء‏ ‏في‏ ‏طرف‏ ‏قاعة‏ ‏المحاضرات‏ ‏دما‏, ‏فتسللت‏ ‏أصابع‏ ‏الولد‏ ‏إلي‏ ‏أصابع‏ ‏البنت‏ , ‏بينما‏ ‏عاد‏ ‏الدكتور‏ ‏ليرسم‏ ‏علي‏ ‏السبورة‏ ‏سارية‏ ‏وعلما‏ ' ‏

ويقول‏ ‏في‏ ‏مقطع‏ ‏آخر‏ ' ‏سيقول‏ ‏عنها‏ ‏السادات‏: ‏انتفاضة‏ ‏الحرامية‏ , ‏وسيقول‏ ‏لطفي‏ ‏الخولي‏: ‏انتفاضة‏ ‏الجوعي‏ , ‏ويقول‏ ‏أستاذ‏ ‏الجامعة‏ ‏بعد‏ ‏خمسة‏ ‏وعشرين‏ ‏عاما‏ ‏منها‏ ‏بينما‏ ‏يراهما‏ ‏في‏ ‏مظاهرة‏ ‏مشتعلة‏: ‏ما‏ ‏فيش‏ ‏فايدة‏, ‏وستقول‏ ‏هي‏: ‏بلاش‏, ‏لكنه‏ ‏سحبها‏ ‏من‏ ‏يدها‏ ‏وخرجا‏ ‏معا‏ ‏يهتفان‏, ‏سقطت‏ ‏نظارتها‏ ‏من‏ ‏فوق‏ ‏أنفها‏, ‏تحطمت‏, ‏ناولها‏ ‏نظارته‏ ‏لكنها‏ ‏لم‏ ‏تر‏ ‏بها‏, ‏أعيدت‏ ‏إلي‏ ‏المدرج‏ ‏وهي‏ ‏تفتش‏ ‏عنه‏ , ‏كان‏ ‏صوته‏ ‏يصلها‏ ‏ببحة‏ ‏مميزة‏, ‏حين‏ ‏زارته‏ ‏في‏ ‏مسكن‏ ‏الغورية‏ ‏رفض‏ ‏عم‏ ‏رجب‏ ‏دخولها‏ ‏حتي‏ ‏بعد‏ ‏أن‏ ‏ادعت‏ ‏أنها‏ ‏أخته‏, ‏وحين‏ ‏سار‏ ‏معها‏ ‏في‏ ‏شوارع‏ ‏الدرب‏ ‏الأحمر‏ ‏غني‏ ‏لها‏ ‏وسط‏ ‏دهشة‏ ‏المارة‏ ‏وباعة‏ ‏الخضراوات‏ ‏وساندوتشات‏ ‏المربي‏ ‏بالقشطة‏ ‏والكشري‏ : ' ‏علي‏ ‏طول‏ ‏الطريق‏ ‏نقابل‏ ‏ناس‏, ‏ونعرف‏ ‏ناس‏ , ‏ونرتاح‏ ‏ويا‏ ‏ناس‏ ‏عن‏ ‏ناس‏' , ‏أمام‏ ‏جامع‏ ‏السلطان‏ ‏حسن‏ ‏غنيا‏ ‏مع‏ ‏حارس‏ ‏المسجد‏ ' ‏عدي‏ ‏النهار‏ ', ‏في‏ ‏القلعة‏ ‏رسم‏ ‏في‏ ‏غفلة‏ ‏من‏ ‏الحارس‏ ‏علي‏ ‏السور‏ ‏سارية‏ ‏وتمثالا‏ ‏جديدا‏ ‏لنهضة‏ ‏مصر‏, ‏ونسي‏ ‏أن‏ ‏يرسم‏ ‏حمامتين‏ '‏
هذان‏ ‏المقطعان‏ ‏يكشفان‏ ‏عن‏ ‏همين‏ ‏أساسيين‏ ‏متوازيين‏ ‏تقدمهما‏ ‏الرواية‏, ‏الأول‏ ‏هو‏ ‏الهم‏ ‏الديني‏ , ‏والثاني‏ ‏هو‏ ‏الهم‏ ‏السياسي‏ , ‏فنجده‏ ‏يطرح‏ ‏علاقة‏ ‏بطل‏ ‏الرواية‏ ‏بالجماعات‏ ‏الأصولية‏ ‏في‏ ‏مصر‏ ‏جماعة‏ ‏الإخوان‏ ‏المسلمين‏ , ‏و‏ ‏الجماعة‏ ‏الإسلامية‏ , ‏والجماعات‏ ‏الصوفية‏ , ‏غير‏ ‏أنه‏ ‏لا‏ ‏يجد‏ ‏الخلاص‏ , ‏في‏ ‏جماعة‏ ‏الإخوان‏ ‏المسلمين‏ .‏
الهاجس‏ ‏الديني‏ ‏في‏ ‏الرواية‏ ‏يتضح‏ ‏حين‏ ‏يسأل‏ ‏أحد‏ ‏المصلين‏ ‏شيخ‏ ‏الجامع‏ ‏عقب‏ ‏الصلاة‏ ‏وبعد‏ ‏احتلال‏ ‏العراق‏ ' ‏هو‏ ‏ربنا‏ ‏مش‏ ‏عاوز‏ ‏يستجيب‏ ‏لنا‏ ‏ليه‏ ‏؟‏ '‏
في‏ ‏اقترابه‏ ‏من‏ ‏الجماعات‏ ‏الصوفية‏ ‏يقول‏ ‏له‏ ‏شيخ‏ ‏الطريقة‏ ‏الذي‏ ‏أجلسه‏ ‏بجواره‏ ‏في‏ ‏إحدي‏ ‏حلقات‏ ‏الذكر‏ ‏في‏ ‏مسجد‏ ‏الحسين‏ ' ‏اعرف‏ ‏الفارق‏ ‏بين‏ ‏العلامة‏ ‏والأثر‏ ' ' ‏وفيما‏ ‏يتصايح‏ ‏الأتباع‏ ‏و‏ ‏الجلوس‏ ‏ب‏' ‏الله‏ ‏عليك‏ ‏يا‏ ‏مولانا‏ ' ‏منتظرين‏ ‏الحكمة‏ ‏منه‏ ‏ضغط‏ ‏علي‏ ‏كتفي‏ :‏ـ‏ ‏الفارق‏ ‏مثل‏ ‏ما‏ ‏بين‏ ‏الحياة‏ ‏والآخرة‏ , ‏فاتبع‏ ‏العلامة‏ ‏و‏ ‏اترك‏ ‏الأثر‏ , ‏لا‏ ‏يفهم‏ ‏أحد‏ ‏لكنهم‏ ‏يهمهمون‏ ‏بالاستحسان‏ : ‏كلنا‏ ‏نبي‏ ‏نفسه‏ , ‏فالبس‏ ‏رداء‏ ‏تقشفك‏ , ‏واترك‏ ‏الناس‏ ‏تتبع‏ ‏أثرك‏ ,‏يحدق‏ ‏في‏ ‏عيني‏ ‏فلا‏ ‏أقوي‏ ‏علي‏ ‏الحركة‏ ‏ويقول‏ ‏بطيبة‏ : ‏العلامات‏ ‏حكاها‏ ‏السلف‏ .. ‏و‏ ‏الآثار‏ ‏سيحكيها‏ ‏الخلف‏ '‏
تبدو‏ ‏هذه‏ ‏العبارات‏ ‏في‏ ‏الرواية‏ ‏هي‏ ‏الإجابة‏ ‏عن‏ ‏السؤال‏ ‏الملح‏ ‏الذي‏ ‏تطرحه‏ ‏الرواية‏ ‏عن‏ ‏الأثر‏ , ‏ما‏ ‏الأثر‏ ‏الذي‏ ‏سنتركه‏ ‏وكل‏ ‏شيء‏ ‏يضيع‏ ‏ويسرق‏ , ‏سواء‏ ‏كان‏ ‏هذا‏ ‏الشيء‏ ‏هو‏ ‏أعمارنا‏ ‏أو‏ ‏حيواتنا‏ ‏الخاصة‏ ‏أو‏ ‏أوطاننا‏ , ‏وهذا‏ ‏هو‏ ‏مدخل‏ ‏الهاجس‏ ‏السياسي‏ ‏في‏ ‏الرواية‏ .‏
يختار‏ ‏المؤلف‏ ‏أن‏ ‏تدور‏ ‏روايته‏ ‏في‏ ‏أجواء‏ ‏حرب‏ ‏العراق‏ ‏الأخيرة‏ ‏ما‏ ‏بين‏ ‏تصريحات‏ ‏الصحاف‏ ‏بأن‏ ‏النصر‏ ‏قادم‏ , ‏وما‏ ‏بين‏ ‏المظاهرات‏ ‏التي‏ ‏تنطلق‏ ‏في‏ ‏قلب‏ ‏القاهرة‏ ‏لا‏ ‏تقدم‏ ‏ولا‏ ‏تؤخر‏ .‏
يقدم‏ ‏الكاتب‏ ‏تصورا‏ ‏أنه‏ ‏إذا‏ ‏كانت‏ ‏الأجيال‏ ‏السابقة‏ ‏عانت‏ ‏من‏ ‏نكسة‏ 1967 ‏فإن‏ ‏الأجيال‏ ‏الجديدة‏ ‏عانت‏ ‏من‏ ‏نكسة‏ ‏ضياع‏ ‏الحلم‏ ‏العربي‏ ‏علي‏ ‏الهواء‏ , ‏احتلال‏ ‏دولة‏ ‏عربية‏ ‏لدولة‏ ‏أخري‏ ‏عام‏ 1990 ‏عندما‏ ‏قامت‏ ‏العراق‏ ‏باحتلال‏ ‏الكويت‏ , ‏وعام‏ 2003 ‏عندما‏ ‏احتلت‏ ‏الولايات‏ ‏المتحدة‏ ‏الأمريكية‏ ‏العراق‏ ‏علي‏ ‏مرأي‏ ‏ومسمع‏ ‏من‏ ‏الجميع‏ ,
‏وعلي‏ ‏الهواء‏ ‏مباشرة‏ ‏دون‏ ‏أن‏ ‏يتحرك‏ ‏أحد‏ ‏من‏ ‏أمام‏ ‏شاشات‏ ‏التليفزيون‏ .‏يقول‏ ‏أبو‏ ‏زيد‏ ‏في‏ ‏روايته‏ ' ‏الأستاذ‏ ‏أحمد‏ ‏مدير‏ ‏السكن‏ ‏جمعنا‏ ‏فوق‏ ‏السطح‏ ‏وقرأ‏ ‏لنا‏ ‏عمود‏ ‏أنيس‏ ‏منصور‏ ‏من‏ ‏الصفحة‏ ‏الأخيرة‏ ‏في‏ ‏جريدة‏ ‏الأهرام‏ ‏الذي‏ ‏يتحدث‏ ‏عن‏ ‏أهمية‏ ‏السلام‏, ‏وأن‏ ‏الطلبة‏ ‏يجب‏ ‏أن‏ ‏يتفرغوا‏ ‏لمذاكرتهم‏ ‏وليس‏ ‏للمظاهرات‏ ‏أوأي‏ ‏كلام‏ ‏فارغ‏ ‏آخر‏, ‏الأستاذ‏ ‏أحمد‏ ‏كما‏ ‏لم‏ ‏يفعل‏ ‏من‏ ‏قبل‏, ‏خلع‏ ‏ساقه‏ ‏البلاستيكية‏ ‏أمامنا‏, ‏وأخبرنا‏ ‏أن‏ ‏هذا‏ ‏من‏ ‏الحرب‏, ‏الأستاذ‏ ‏أحمد‏ ‏هدد‏ ‏من‏ ‏سيعرف‏ ‏أن‏ ‏له‏ ‏أي‏ ‏نشاط‏ ‏سياسي‏ ‏بالطرد‏ ‏من‏ ‏السكن‏ , ‏أتركهم‏ ‏وأنام‏ ‏طوال‏ ‏اليوم‏ ‏هربا‏ ‏من‏ ‏التفكير‏ ‏في‏ ‏العجائز‏ ‏والشيوخ‏ ‏والنساء‏ ‏والأيتام‏ , ‏أجهز‏ ‏حقيبة‏ ‏سفري‏ , ‏أضع‏ ‏الكتب‏ ‏والصحف‏ ‏التي‏ ‏تحكي‏ ‏سقوط‏ ‏بغداد‏ ‏في‏ ‏كرتونة‏ ‏مستقلة‏ ‏استعدادا‏ ‏للطرد‏ ‏في‏ ‏أية‏ ‏لحظة‏ '‏
ويقول‏ ‏في‏ ‏مقطع‏ ‏آخر‏ ' ‏اليوم‏ ‏التالي‏ ‏كان‏ ‏الجمعة‏, ‏ميعاد‏ ‏مظاهرة‏ ‏ضخمة‏ ‏في‏ ‏ميدان‏ ‏التحرير‏, ‏تنتهي‏ ‏بإحراق‏ ‏سيارة‏ ‏مطافئ‏ , ‏في‏ ‏جرائد‏ ‏السبت‏ : ‏كانت‏ ‏صور‏ ‏المظاهرة‏ ‏في‏ ‏صدر‏ ‏الصفحات‏ ‏الأولي‏ , ‏كانت‏ ‏صورتي‏ ‏بعروق‏ ‏وجهي‏ ‏النافرة‏ ‏وأنا‏ ‏أهتف‏ ‏في‏ ‏طرف‏ ‏صورة‏ ‏في‏ ‏الصفحة‏ ‏الأولي‏ ‏من‏ ‏جريدة‏ ‏الوفد‏ , ‏لم‏ ‏أفعل‏ ‏شيئا‏, ‏فقط‏ ‏لساني‏ ‏ينطلق‏ ‏مع‏ ‏الهتافات‏ ,
' ‏الجهاد‏ ‏الجهاد‏ .. ‏شدي‏ ‏حيلك‏ ‏يا‏ ‏بغداد‏ ' , ‏أجري‏ ‏بعيدا‏ ‏عن‏ ‏هراوة‏ ‏عسكري‏ , ‏تهوي‏ ‏علي‏ ‏قدمي‏ , ' ‏يا‏ ‏للعار‏ ‏يا‏ ‏للعار‏ ..‏باعوا‏ ‏الوطن‏ ‏بالدولار‏ ' , ‏أصرخ‏ ‏من‏ ‏الألم‏ , ' ‏اللي‏ ‏بيضرب‏ ‏في‏ ‏العراق‏ .. ‏بكره‏ ‏هيضرب‏ ‏في‏ ‏الوراق‏ ' ‏أجرجر‏ ‏ساقي‏ ‏ورائي‏ ‏ككلبة‏ ‏عرجاء‏ ‏يائسة‏ , ' ‏يا‏ ‏صحاف‏ ‏فينك‏ ‏فينك‏ .. ‏العلوج‏ ‏بينا‏ ‏وبينك‏ ' , ‏أهرول‏ ‏من‏ ‏شارع‏ ‏شامبليون‏ ‏لشارع‏ ‏معروف‏ ‏لشارع‏ ‏عدلي‏ ‏هربا‏ ‏من‏ ‏الهراوات‏ , ‏أهرب‏ ‏من‏ ‏لاشيء‏ ‏إلي‏ ‏لا‏ ‏شيء‏ , ‏في‏ ‏المساء‏ ‏أقابل‏ ‏محمد‏ ‏خليل‏ ‏علي‏ ‏مقهي‏ ‏التكعيبة‏ , ‏بعد‏ ‏انقطاع‏ , ‏كان‏ ‏يائسا‏ :‏ـ‏ ‏تفتكر‏ ‏فيه‏ ‏فايدة‏ ‏كان‏ ‏الشاي‏ ‏بحليب‏ ‏قد‏ ‏برد‏ , ‏وكنت‏ ‏أرتدي‏ ‏قميصا‏ ‏خفيفا‏ ‏علي‏ ‏اللحم‏ , ‏تمزقت‏ ‏ياقته‏ , ‏كان‏ ‏منفعلا‏ ‏فخفت‏ ‏عليه‏ , ‏حاولت‏ ‏أن‏ ‏أغير‏ ‏الموضوع‏ ‏لكنه‏ ‏أصر‏: ‏ـ‏ ‏اشهد‏, ‏النهارده‏ ‏تمانية‏ ‏إبريل‏ 2003 ‏السقوط‏ ‏الأخير‏ ‏للعرب‏ '‏وتبدو‏ ‏هذه‏ ‏الحدة‏ ‏في‏ ‏التعامل‏ ‏مع‏ ‏الحدث‏ ‏السياسي‏ ‏تأكيدا‏ ‏علي‏ ‏أن‏ ‏هذا‏ ‏الاحتلال‏ ‏الأمريكي‏ ‏نكسة‏ ‏أخري‏ ‏لم‏ ‏يتم‏ ‏التأريخ‏ ‏لها‏ ‏بعد‏ .‏ تتقاطع‏ ‏رواية‏ ' ‏أثر‏ ‏النبي‏ ' ‏للشاعر‏ ‏محمد‏ ‏أبو‏ ‏زيد‏ ‏مع‏ ‏دواوينه‏ ‏الخمسة‏ ‏السابقة‏ ‏ثقب‏ ‏في‏ ‏الهواء‏ ‏بطول‏ ‏قامتي‏ ‏الذي‏ ‏صدر‏ ‏عام‏ 2004‏عن‏ ‏الهيئة‏ ‏العامة‏ ‏لقصور‏ ‏الثقافة‏ , ‏وديوان‏ (‏قوم‏ ‏جلوس‏ ‏حولهم‏ ‏ماء‏ )‏الصادر‏ ‏عام‏ 2005 ‏عن‏ ‏دار‏ ‏شرقيات‏ ‏للنشر‏ , ‏و‏(‏نعناعة‏ ‏مريم‏ )‏الذي‏ ‏صدر‏ ‏عام‏ 2006 ‏ديوانه‏ ‏الوحيد‏ ‏للأطفال‏ ‏الصادر‏ ‏عن‏ ‏كتاب‏ ‏قطر‏ ‏الندي‏ ,‏وديوانه‏ ‏مديح‏ ‏الغابة‏ ‏الذي‏ ‏صدر‏ ‏عام‏ 2007 ‏عن‏ ‏الهيئة‏ ‏المصرية‏ ‏العامة‏ ‏للكتاب‏ ,
‏وديوانه‏ ‏الأخير‏ ( ‏طاعون‏ ‏يضع‏ ‏ساقا‏ ‏فوق‏ ‏الأخري‏ ‏وينظر‏ ‏للسماء‏ )‏الذي‏ ‏صدر‏ ‏عام‏ 2008 ‏عن‏ ‏دار‏ ‏شرقيات‏ ‏للنشر‏ , ‏فبالإضافة‏ ‏إلي‏ ‏اللغة‏ ‏الشعرية‏ ‏التي‏ ‏يلجأ‏ ‏إليها‏ ‏الكاتب‏ ‏في‏ ‏بعض‏ ‏فصول‏ ‏روايته‏ , ‏والمقاطع‏ ‏الشعرية‏ ‏التي‏ ‏استعاض‏ ‏بها‏ ‏عن‏ ‏أسماء‏ ‏الفصول‏ ‏فهناك‏ ‏أيضا‏ ‏بعض‏ ‏العوالم‏ ‏الشعرية‏ ‏الموجودة‏ ‏لديه‏ ‏في‏ ‏دواوين‏ ‏سابقة‏ , ‏فشخصية‏ ' ‏عائشة‏ ' ‏وهي‏ ‏إحدي‏ ‏الشخصيات‏ ‏المركزية‏ ‏في‏ ‏الرواية‏ ‏التي‏ ‏تظهر‏ ‏لتحل‏ ‏بعض‏ ‏ألغاز‏ ‏الرواية‏ ,
‏وتقوم‏ ‏بدور‏ ‏الأم‏ ‏البديلة‏ ‏هي‏ ‏شخصية‏ ‏قدمها‏ ‏محمد‏ ‏أبو‏ ‏زيد‏ ‏من‏ ‏قبل‏ ‏في‏ ‏ديوانه‏ ‏الأول‏ ' ‏ثقب‏ ‏في‏ ‏الهواء‏ ‏بطول‏ ‏قامتي‏ ' , ‏وأيضا‏ ‏في‏ ‏ديوانه‏ ‏الذي‏ ‏سيصدر‏ ‏بعد‏ ‏شهور‏ ' ‏مدهامتان‏ ' , ‏وشخصية‏ ' ‏الشيخ‏ ‏أحمد‏ ‏عبد‏ ‏التواب‏' ‏قدمها‏ ‏الشاعر‏ ‏من‏ ‏قبل‏ ‏في‏ ‏قصيدة‏ ‏بعنوان‏ ' ‏يقول‏ ‏محمد‏ : ‏نقية‏ ‏لدرجة‏ ‏أن‏ ‏اسمها‏ ‏مريم‏ ' ‏في‏ ‏ديوانه‏ ‏الرابع‏ ' ‏مديح‏ ‏الغابة‏ ' ‏والطريف‏ ‏أنه‏ ‏قدمها‏ ‏في‏ ‏نفس‏ ‏الدور‏ ‏الرجل‏ ‏الذي‏ ‏يدعو‏ ‏علي‏ ‏أحفاد‏ ‏القردة‏ ‏والخنازير‏ , ‏لكن‏ ‏يتوقف‏ ‏عن‏ ‏الدعاء‏ ‏عقب‏ ‏الحرب‏ , ‏والاحتلال‏ ‏الفعلي‏ ‏للعراق‏ ,
‏يقول‏ ‏في‏ ‏روايته‏ ' ‏توقف‏ ‏الشيخ‏ ‏أحمد‏ ‏عبد‏ ‏التواب‏ ‏عن‏ ‏الدعاء‏ ‏علي‏ ' ‏أحفاد‏ ‏القردة‏ ‏والخنازير‏' ‏عقب‏ ‏الصلوات‏ , ‏أصبح‏ ‏يختم‏ ‏صلاته‏ ‏في‏ ‏الطريق‏ ‏إلي‏ ‏المقهي‏ ‏الذي‏ ‏يعرض‏ ‏مشاهد‏ ‏السقوط‏ , ' ‏آمين‏ ' ‏التي‏ ‏كانت‏ ‏تهز‏ ‏المسجد‏ ‏بقوة‏ ‏وراءه‏ ‏خمدت‏ ‏بعد‏ ‏أن‏ ‏دخلت‏ ‏أمريكا‏ ‏قلب‏ ‏بغداد‏ , ‏قابلته‏ ‏جالسا‏ ‏علي‏ ‏باب‏ ‏المسجد‏ ‏لا‏ ‏يعرف‏ ‏كيف‏ ‏يجيب‏ ‏علي‏ ‏أحد‏ ‏المصلين‏ ‏اليائسين‏ :‏ـ‏ ‏هو‏ ‏ربنا‏ ‏مش‏ ‏عاوز‏‏يستجيب‏ ‏لنا‏ ‏ليه‏ ‏؟‏ ' , ‏ويقول‏ ‏في‏ ‏قصيدته‏ ' 8/ 4 / 2003 ‏ـ‏ ‏هذه‏ ‏المرة‏ ‏لم‏ ‏يدع‏ / ‏الشيخ‏ ‏أحمد‏ ‏عبد‏ ‏التواب‏ / ‏عقب‏ ‏العصر‏ / ‏بترميل‏ ‏نسائهم‏ '‏
يقدم‏ ‏الشاعر‏ ‏والروائي‏ ‏محمد‏ ‏أبو‏ ‏زيد‏ ‏في‏ ‏روايته‏ ‏الأولي‏ ‏بعيدا‏ ‏عن‏ ‏الهمين‏ ‏السياسي‏ ‏و‏ ‏الديني‏ ‏شخصيات‏ ‏هامشية‏ ‏غاية‏ ‏في‏ ‏الإنسانية‏ .‏
يقدم‏ ‏أبو‏ ‏زيد‏ ‏في‏ ‏روايته‏ ‏الأولي‏ ‏عالما‏ ‏صامتا‏ , ‏هامسا‏ , ‏هامشيا‏ , ‏مكبلا‏ ‏بالعجز‏ , ‏لكنه‏ ‏يقدمه‏ ‏بلغة‏ ‏شعرية‏ ‏متدفقة‏ , ‏واهتمام‏ ‏بالتفاصيل‏ , ‏وبالتأريخ‏ ‏للعالم‏ ‏السري‏ ‏للحياة‏
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
*نشرت في مجلة نصف الدنيا

روايته أثر النبي كشفت إحباطات الجيل الجديد


أجرت الحوارهبة اسماعيل‏.‏
يقدم الشاعر محمد ابو زيد في روايته الاولي أثر النبي الصادرة عن دار شرقيات تصورا جديد للنكسة التي سكنت جيلا بأكمله واصبحت نكسة شخصية لكل فرد يعيش بحلم موءود‏,‏ كما تنظر في الإحباط الذي تمكن من جيل باكمله‏, ‏ مما جعله في حالة هروب دائمة‏,‏ بعد رحلة بحث عن علامات يتبعها أو عن أثر يتركه‏,‏ وكل هذا يدور في جو صوفي ما بين مديح لآل البيت أو بعض المقولات لابن الفارض وجلال الدين الرومي أبو زيد الذي يعمل في الصحافة صدر له من قبل خمسة دواوين شعرية هي ثقب في الهواء بطول قامتي‏2004‏ ـ هيئة قصور الثقافة قوم جلوس حولهم ماء‏2005‏ ـ عن دار شرقيات للنشر‏,‏ نعناعة مريم‏2006‏ ديوان للأطفال عن كتاب قطر الندي‏,‏ مديح الغابة‏2007‏ الهيئة المصرية للكتاب‏,‏ طاعون يضع ساقا فوق الأخري وينظر للسماء‏2008‏ دار شرقيات‏.‏وفي حوارنا معه يكشف الكثير من معاناة جيله‏,‏ ليس علي صعيد الكتابة ولكن علي صعيد الحياة وهذا نص الحوار‏.‏
‏*‏ ماذا قصدت بفكرة الأثر القائمة في الرواية؟
‏**‏ ما قصدته بفكرة الأثر‏,‏ اتضح من خلال جملة لأحد شيوخ الطريقة الذي كان يذهب اليه البطل في قوله‏:‏ اتبع العلامة واترك الأثر‏..‏ كلنا نبي نفسه‏,‏ فاللبس رداء تقشفك‏,‏ واترك الناس تتبع أثرك وهو بذلك فك شفرة الرواية‏,‏ فكل منا داخله نبيه الخاص وطريقه الخاصة‏,‏ وعلي خلفية احدي المقولات الصوفية إتبع قلبك‏,‏ حاول ابطال الرواية ان ينفذوها بحثا عن علامات يتبعوها وعن آثار يتركونها ولكن لم يجدوا شيئا‏,‏ وهذا يرجع إلي الجو السياسي العام والإحباطات العامة‏.‏
‏*‏ أظهر الجيل الحالي بالرواية كما انه الإكثر احباطا؟
‏**‏ الفكرة تتركز في ان جيل الستينيات دائما يقول انه جيل النكسة وجيل السبعينيات يقولون انهم من تأثروا بالنكسه في حين أنها نكسة لشخص واحد هو عبدالناصر الذي كان للعالم العربي اقرب إلي الأب منه إلي الزعيم‏,‏ وبالرغم من ذلك استمر الحلم العربي باقامة وحدة عربية‏,‏ لكن النكسة الحقيقية كانت لجيلنا وبدأت من غزو العراق للكويت سنة‏1990‏ وانتهت بسقوط بغداد في‏2003‏ وكلنا شهود علي هذه الاحداث‏,‏ كما يقول أبطال الرواية هي نهاية الوطن العربي‏,‏ وكل ما نفعله اننا نشاهد ولا نفعل شيئا آخر‏,‏ والخبر الذي كان يكتب عن مقتل عدد من العراقيين في الصفحات الأولي‏,‏ ربما لا يكتب الآن في الصفحات الداخلية‏,‏ وكل شخص اصبح منغلقا علي ذاته فهذه هي النكسة الحقيقية وهي عقدة الرواية وليست نكسة شخص لكنها وطن بالكامل‏.‏
‏*‏ لكنك عرضت النكسة علي مستويين؟
‏**‏ نكسة الوطن هي نكسة كل فرد‏,‏ فالوطن مجموعة أشخاص وكل واحد منهم يهزم وينقلب علي ذاته‏,‏ لن يصبح هناك وطن ولا حلم له‏,‏ كل شخص كان لديه حلم يوئد طوال الوقت وينتكس‏,‏ فقصدت أن تكون الإنتكاسة علي مستويين وكل منهما يسلم للآخر‏,‏ حتي القارئ يمكن أن يقرأها علي أنها هزيمة شخصية‏,‏ ويمكن لقارئ آخر أن يقرأها علي أنها هزيمة وطن كامل‏.‏
‏*‏ لماذا جعلت زمن الرواية دائري ينتهي من حيث بدأ؟
‏**‏ قصدت فكرة الدائرة فهي جزء من النص‏,‏ البطل يدور دائما في دائرة لاتنتهي ولايستطيع التوقف‏,‏ رغم محاولاته الدائمة للفرار منها دون تحديد هدف يهرب إليه‏.‏
‏*‏ ماذا قصدت عندما عرضت المشاهد بشكل عبثي؟
‏**‏ البطل يروي النص وهو مهزوم لذا ما يأتي في ذهنه من حكايات يرويها بدون ترتيب‏,‏ فقصدت ان أوضح انه ملعثم يحكي ويصرخ‏,‏ بالإضافة إلي أن بناء الرواية ليس طوليا به مشاهد مرتبة‏,‏ لكن أردت ان يكون البناء خليطا بين الطولي والعرضي حتي يصبح نصا مختلفا‏.‏
‏*‏ لماذا جعلت الهروب حيلة البطل الوحيدة؟
‏**‏ الاساس هو الهروب من الواقع المحيط حتي عندما فكر بطل الرواية في الطيران هذا في حد ذاته كان هروبا من الواقع‏,‏ وعندما حلم بالسفر للقاهرة ليكون مجرد رقم ضمن الموجودين بالشارع فهذا ايضا هروب وبعدها يريد ان يسافر إلي الخارج فهو ايضا هروب لأنه مش لاقي نفسه طول الوقت لذا يستمر بالهروب حتي أخر مشهد بالرواية‏.‏
‏*‏ ولماذا ربطت الهروب بالدين؟
‏**‏ الدين في مصر حالة من حالات الهروب من الواقع‏,‏ مثال التصوف هو هروب بحالة وجدانية‏,‏ والشخص الذي يدخل الجماعة يهرب من فراغ سياسي لحالة دينية‏,‏ كلنا نهرب للدين بشكل ما‏,‏ ونري أن الناس تصلي عند الحاجة‏,‏ وهذا عيب في شخصيتنا فيجب ان يكون الدين جزءا من حياتنا‏,‏ وبطل الرواية دخل كل هذه التيارات هروبا‏,‏ وأرد ت ان أطرح سؤال هل الهروب إلي الدين يؤتي ثمارة أم لا‏,‏ حتي عندما تحقق للبطل ذلك في لحظة في حلقة ذكر إلا أنه كان حلا لحظيا‏.‏
فأنا أكتب الرواية بصفتي شاعرا ولست روائيا محترفا‏,‏ فطوال الوقت أجرب وليس لدي أدوات مسبقة للكتابة الروائية‏,‏ فما اكتبه يحتمل الصواب ويحتمل الخطأ‏,‏ لكن الموضوع مجرد تجربة حول مباراة كرة قدم رأيت أن هذا مكانها‏.‏
‏*‏ ألا تري أن كتابة الرواية في سبع سنوات مده طويلة؟
‏**‏ بدأت في كتابة الرواية بعد حرب العراق‏,‏ ربما بسبب الشحن العاطفي‏,‏ فما كان يمكن فعله في ظل ما يحدث سوي الكتابة‏,‏ كتبت الهيكل الأساسي لها في‏2003,‏ واشتركت في مسابقة يحيي حقي التابعة للمجلس الأعلي للثقافة‏,‏ وأنا في السنة النهائية بالجامعة‏,‏ وفازت بجائزة‏,‏ ثم اصدرت خمسة دواوين شعرية‏,‏ لكن في السنة الأخيرة‏2010‏ بدأت العمل عليها مرة أخري‏,‏ وأخرجت منها الشحنة العاطفية‏,‏ وأكملت البناء الدرامي لها‏,‏ وقصدت ألا أغير في الشخصيات وأحافظ علي التظاجة التي كتبت بها‏.‏
‏*‏ ما دلالة ان تبدأ الرواية من فترة غزو العراق للكويت؟
‏**‏ لأن هذه بداية النكسة الحقيقية‏,‏ فالكاتب أحمد بهاء الدين مات بسبب هذه الحرب لأنه مثل الكثيرين الذين لم يصدقوا ما حدث لأنهم عاشوا حلم الوحدة العربية وأيام عبدالناصر‏,‏ ولم يصدقوا أن دولة عربية تحتل دولة عربية أخري ويضيع الحلم العربي‏,‏ لكن النكسة إكتملت بالحرب الأخيرة علي العراق‏.‏
‏*‏ لماذا استدعيت بعض شخصيات الرواية من دواوينك السابقة؟
‏**‏ هذا حقيقي لأن الكتابة بالنسبة لي ليست مجرد كتابة نص‏,‏ أو ككاتب يفرغ همه للناس أو للنشر حتي يوجد قراء‏,‏ كل هذا ليس المحرك الأساسي بالنسبة لي‏,‏ الكتابة هي الوجود وسبب أن يكون الإنسان موجودا في الحياة‏,‏ يمكن للبعض ألا يصدقوا ما أقول لكن هذه هي الحقيقة‏,‏ وكما قال الشاعر أمل دنقل الكتابة عندي بديل للإنتحار أي هي التي تجعل الانسان يعيش‏,‏ واستعنت بشخصيات من الرواية في ديواني القادم‏,‏ وهناك بعض من فصول الرواية هي شرح لقصائد يمكن ان يكون البعض لم يفهمها في دواويني السابقة‏,‏ لأن الكتابة بالنسبة لي مشروع واحد ونصوص أكملها في كتب ثانية‏,‏ أي أن الكتاب تمثل لي حالة مكتملة وعندما انتهي من مشروعي سيعرف القارئ ما اقصده‏.‏
‏**‏ كيف اخترت الفقرات التي سبقت كل فصل وماذا قصدته بها؟
‏*‏ كانت هذه الفواصل بديلا لاسم الفصل وهي تدور علي فكرة الفصل ليستطيع القارئ أن يستشف مضمونه قبل قراءته وأردت في النهاية ان اضع أربع مقاطع من اصل خمس في أجواء صوفية تكون رابطة للأحداث‏,‏ لأن هناك حالة صوفية من خلال اللغة ومن خلال الجو الديني‏,‏ ولأن الصوفية هي هروب وأن هذه المقاطع تصلح ان تكون بوابات للخروج‏.‏
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* نشر في جريدة الأهرام المسائي

أثر النبي وجع شباب ما بعد الألفية بلسان الستينيات

محمد فرج
على الرغم من كونها روايته الأولى بعد أربعة دواوين شعرية وديوان للأطفال ، وعلى الرغم من كونه من مواليد عام 1980 ، إلا أن محمد أبو زيد في روايته أثر النبي الصادرة حديثا عن دار شرقيات يبدو وكأنه يحمل نفس الهموم التي حملها أبناء جيلي الستينيات والسبعينيات وعبروا عنها من خلال إنتاجهم الكتابي ، مع اختلاف التفاصيل التاريخية والتي يبدو مع أثر أبو زيد وكأنها امتداد لما كان .
فعلى خلاف كتابة أبناء ما بعد الألفية والتي تميل أكثر إلى التجريب والفانتازيا وإعادة تخليق واقع مختلف بحس ساخر ، والبعد عما هو عام أو أيديولوجي بشكل عام ، يصنع أبو زيد نصا مختلفا عن هذه التجربة ويميل إلى رواية " نكسة " ذلك الجيل الذي ولد أواخر السبعينيات وأوائل الثمانينات والتي يؤرخ لها في " أثر النبي " بغزو العراق للكويت ، وتنتهي بالاحتلال الأمريكي للعراق الذي يصفه أحد شخصيات الرواية بـ " نهاية العالم العربي" .
أثر النبي هي خطاب طويل موجه إلى شخصية لم تظهر خلال الرواية إلا في لمحات بسيطة ولكن خطاب الراوي موجه كله إليها ، بداية من مفتتح يبرر فيه لجوئه للكتابة حيث يكتب لينسى ، لأن التذكر بالنسبة له " عذاب " ، ويحسد زينب على " النسيان " ، تلك العلة للجوء للكتابة تختفي تقريبا من الكتابة الجديدة وتبقى واضحة في كتابات الستينيات والسبعينيات ، تبدأ الرواية وتنتهي عند نفس المشهد عندما يتسلل الراوي إلى مسكنه الذي يقطنه مع مجموعة من الطلبة ويكتشف موت زميله بالسل فيجد جثة ملقاة وسط بحيرة من الدم والقيء ، ليبدأ الراوي من هذا المشهد عبر فصول صغيرة يحمل كل منها عنوانا منفصلا ، ويتخللها مقاطع من قصائد وأغاني صوفية لا تخدم النص في كثير من الأحيان ، معاناة الراوي تبدأ منذ طفولته ، حيث تموت والدته فجأة في حادث أمام عينه ، ويتبع ذلك زواج الأب من امرأة أخرى لم يشعر تجاهها الطفل بأية عاطفة لينغلق على نفسه ويحسب الأب ذلك مسا من الجن فيدور به على المشايخ الذين يطردون العفاريت ، فيزداد انغلاق الطفل ثم الفتى على نفسه ، ويبدأ في حمل غربته التي تدفعه إلى الحلم الدائم بالسفر ، وعلى الرغم من أن ساحة أحداث الراوي الآتية التي يتحرك منها إلى ذكرياته القديمة هي شقق الطلبة ، المكتظة ، سيئة الترتيب ، الموضوعة دائما تحت المراقبة من قبل ملاكها أو جيرانها ، الممتلئة بأحلام الطلاب المراهقين النازحين إلى القاهرة والحالمين بإنهاء دراستهم والسفر إلى الخارج والمحاصرين برغباتهم المكبوتة التي يتلصصون لأجلها على شبابيك أصحاب الزيجات الجديدة ، تلك الشقق التي يرصد أبوزيد الكثير من تفاصيلها و التي تصلح لبناء عالم روائي متكامل ولا زال بكرا لم يمس كتابيا من أبناء ما بعد الألفية إلا أن أبو زيد فضل أن يتخذها فقط مسرحا لحركة الراوي وزملائه .
رواية أثر النبي تحكي عن مأساة جيل جديد بنفس لسان الأجيال التي سبقته ، ربما لأن الأزمة تبدو له واحدة وممتدة ويتجلى هذا الامتداد في المشهد الأخير في الرواية حيث يخرج الراوي إلى الشوارع بعد أن ترك جثة صديقه ملقاة على الأرض خائفا أن يتهم بقتله ، ويترامى إلى مسامعه المشاهد الأخيرة من فيلم العصفور ليوسف شاهين عندما تسمع بطلة الفيلم الفنانة محسنة توفيق ـ التي يشعر الراوي أنها تشبه أمه ـ خطاب تنحي عبد الناصر وتخرج إلى الشارع مع جموع ؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* نشرت في جريدة الأخبار

22‏/11‏/2010

محمد أبو زيد يكتب تغريبة القاهرة القديمة


د.شيرين ابو النجا *
يخوض الشاعرالمصري محمد أبو زيد (صدرت له خمسة دواوين) مجال الرواية فيكتب «أثر النبي» (دار شرقيات، 2010) ليكشف عن مأساة شريحة واسعة من الشباب الذي نزح إلى المدينة طلبا للتعليم. كأن القصيدة لم تتسع لرصد كل هذه الأوجاع وكل هذا الترحال من أجل الحصول على قبس من أثر النبي. يعلن الراوي بشكل مباشر «أنتقل من شارع إلى آخر، كتابع يبحث عن نبيه ، لا أجيد قص الأثر، لا دربة لدى ولا طاقة لأفعل، لا أثر لأى شىء، طوال الوقت أشعر أن كل شىء سينتهي بعد قليل، علي فقط أن أواصل التنقل والانتظار...» (ص43).
لا يتوقف الراوى طوال مسيرة السرد عن التنقل أو انتظار ما لا يأتي... هكذا يقدم محمد أبو زيد الشاعر في أولى رواياته «أثر النبي» تغريبة نفسية واجتماعية مكثفة، تغريبة يصورها كل من هاجر من قرية أو مدينة اقليمية إلى المدينة المركز ويحملها في ثنايا وجدانه ورؤيته للعالم. حشد الكاتبة مجموعة من الشخصيات التي تولت تصوير هذه التغريبة: القذافي من البحيرة، أبو العزايم من الشرقية، حمدي من بني سويف، يوسف من الأقصر، الشيخ سيد وعادل هياكل من الفيوم. تحمل كل شخصية من هؤلاء أحلامها البسيطة التي لا تتعدى «الستر» وإعالة الأم والأب، وربما الزواج من فتاة ملتزمة يرضى عنها الأهل والمجتمع. لكنها أيضا شخصيات تداري البؤس والهزيمة المسبقة بمحاولات طريفة (لا تخلو من السذاجة والطيبة) لكسر بعض القواعد المملة، من قبيل مداعبة عم رجب فراش سكن الطلبة بالغورية، التحايل على ميعاد العودة، التلصص على الجيران، مراوغة أستاذ أحمد مدير السكن...وغير ذلك من التحايل على شظف وقسوة الحياة.
عبر تصوير هذه التغريبة يتمكن أبو زيد من تسليط الضوء على مصر القديمة بكل دلالات هذا القدم. بداية «أثر النبي» هو اسم أحد المساجد الشهيرة في منطقة مصر القديمة وهو المسجد الذي يضم بعض آثار الرسول الكريم، ومن هنا يصنع الكاتب المفارقة التي ينبني عليها العمل.
تتحكم فكرة الأثر في السرد، يحاول الراوي تتبع الأثر، أى أثر، ويحاول أن يترك أثرا، بلا طائل. فكلما تشبث بأمل يخرجه من دائرة الوحدة النفسية المحكمة انقطع هذا الحبل في شكل مفاجىء يزلزل كيانه. كلما عقد الأمل واعتقد أنه قد وجد الأثر يتلاشى هذا الأثر وتذروه الريح، فلا يبقى سوى التوسل بأهل البيت الذي يفتتح كل فصل من الرواية. لا تبدو الرواية رحلة بحث عن الذات بقدر ما تبدو بحثا عن الأثر الذي يتوجب تتبعه أو بحثا عن نقطة ارتكاز تتيح العيش بالحد الأدنى من الفهم والأمان. وإن كانت الرواية تبدأ من آخر نقطة وهى موت عادل هياكل جرّاء مرض السل فإنها تنجح في توفير مساحة حكي لتبرر رد فعل الراوي تجاه موت عادل هياكل صديقه ورفيقه في سكن الغورية.
يبدأ الراوي الحكي عن طفولته حين كان يحلم بالطيران في القرية، وفي كل محاولة طيران كان السقوط مدويا. مع موت الأم كانت السقطة الأولى التي تركته عاجزا لا يملك سوى نوبات بكاء شديدة. لا تتفهم عائلته سبب هذا البكاء مطلقا مما يدفع والده إلى الدخول في عالم السحر والشعوذة والزار. في المدرسة لاحقا لا يجد الراوي البكّاء سوى جماعة الاخوان المسلمين التي توفر له الاحساس بأمان الانتماء. الا أنه يعاني ما يشبه الطرد لعجزه عن ضم أي «أخ» للجماعة وذلك على رغم محاولاته المستميتة في اعتناق كافة الأفكار خاصة تلك القائلة أن القصص «حرام».
طيران متوهم
بانتقاله إلى القاهرة ليلتحق بالجامعة لا تتوقف نوبات البكاء أو محاولات الطيران وإن كانت بدأت تتخذ أشكالا أخرى ودلالات نفسية تتعلق بالخفة. تفشل محاولات الطيران دائما ليبقى الراوى مغروسا في الأرض، منخرطا في نوبات البكاء التي تصيبه، ومسيطرا عليه عدم الرغبة في التواصل مع العالم ما ينتج عنه شعور مخيف بالوحدة. فقط عندما ينخرط في مجموعة سكن الغورية تخف النوبات قليلا.
لا تملك الرواية ان تتجاهل أهم ما شكل وعي هذا الجيل سواء كان أغاني أو مسلسلات أو ثقافة عامة يحتل فيها الخطاب الديني مساحة لا بأس بها أو الأحداث التي غيرت صورة العالم ومنها سقوط بغداد مباشرة على الهواء. هكذا ببساطة تسقط بغداد على شاشة الفضائيات. فقط عند هذه الضربة القاصمة يشعر الراوي بوجوده وبامتلاك ارادته تجاه هذا البؤس الكامل. لا ينتفض الراوى ليجلي الصدأ عن ذاته الفردية المنعزلة الا في مواجهة حدث سياسي عام صادم. « في جرائد السبت: كانت صور المظاهرة في صدر الصفحات الأولى، كانت صورتي بعروق وجهي النافرة وأنا أهتف في طرف صورة في الصفحة الأولى من جريدة الوفد» (ص111).
كان لا بد من هذا «السقوط الأخير للعرب» (112) ليتحول البكاء إلى هتاف، ليتلاشى الشخصي في العام، ليلتحم المهزوم بالأكثر هزيمة، إنها المحاولة الأخيرة للراوي للتشبث بحبل نجاة وهى المفارقة البائسة التي تستند عليها الرواية. فحبل النجاة ليس الا سقوطا مدويا حتى لو كان الاعتراض والتظاهر والرفض هي وسائل انقاذه. فكل محاولات الشجب والرفض لسقوط بغداد لم تواجه الا بقمع أمني واستبداد لا يمكن وصفه الا بالغاشم، وهو الوضع الذي أصبح سائدا ومعتادا في مجتمعاتنا. اختفى الشيخ سيد بعد مداهمة أمن الدولة لسكن الطلبة بالغورية، وتحول علم العراق- حبل النجاة الأخير- الذي يحتفظ به الراوي في السكن إلى دليل اتهام ضده أدى إلى طرده من السكن. وفي عودته الأخيرة ليلم حاجياته وجد عادل هياكل وقد قضى عليه السل في نوبة سعال. ما بين نوبات البكاء ونوبات السعال لا يجد الراوي أي نقطة ارتكاز وجودية، لا يبقى له سوى الشعور بالغربة الكاملة التي تملكته منذ أن فقد أمه، الغربة التي كانت تدفعه إلى محاولات طيران تبوء بالفشل دائماً.
في ما بين نوبات البكاء التي قضت على الراوي ونوبات السعال التي قضت على صديقه عادل هياكل- وبالتالي على قطاع كبير من الجيل الذي شهد سقوط بغداد- تظهر المرأة بصفتها محور أمان (عائشة) أو محاولة تشبث بالأمل (نيرة) أو حنين للمستحيل (زينب)، هذاعدا عن وجودها الانساني. أما على مستوى الوعى الجمعي فلا حظ للنساء الا التواجد كصور في النكات الطريفة للشيخ سيد أو أحلام حمدي بالزواج من فتاة لا ترتدي البنطلون ليرضي والدته أو التلصص على زوجة الجار بالمنظار المكبر.
ومع أن معظم السرد موجه لزينب- كحيلة تعويضية عن غيابها- يبقى وجود النساء المحكوم بالكثير من الأحكام الاجتماعية والأعراف مرهونا بخيبة المجتمع في مواجهة هزائمه الكثيرة التي تحاول الاختباء خلف ذلك الشكل القمعي من التعامل مع النساء كأطياف يحملن أوزار أمة كاملة.
وعلى رغم بعض المبالغة في تصوير نوبات البكاء التي يلجأ إليها الراوي عندما تضغط عليه المعطيات المادية، نجح الكاتب في التغلغل داخل أعماق نفس الراوي الشاب الذي لا يجد ذاته إلا وكأنه زائد على مجتمع لا يحتاجه ولا مكان له فيه، قمة الشعور بالاغتراب الانساني في أشد صوره قسوة. يعلن هذا الاغتراب عن نفسه في عدم امكان التواصل مع أى من التجمعات الانسانية، لتبقى فقط الخطابات المتبادلة بين الراوي وهشام هى الملاذ الوحيد الذي يؤكد على استمرار الحياة.
تزداد حدة الاغتراب بالصور المتناقضة التي تعمل عمل الدلالات الشعرية المكثفة، فمن منع التظاهر ضد السقوط إلى تجاهل أبطال حرب أكتوبر، ومن جلسات شيوخ الطريقة إلى النكات ، ومن المسجد إلى هشام، وما بين هذه الصور تتهاوى كل دلالات الأم وتتنوع أشكال القمع الأمنى والأيديولوجي والمجتمعي والعائلي. تبدو النهاية – وربما الرواية كلها بشخوصها البائسة- وكأنها محاولة أخيرة للقبض على الريح، محاولة لايجاد أثر غير موجود أو ترك علامة مستحيلة. «أثر النبي» قصيدة سردية للزمن الرديء تدور أحداثها بين أحياء القاهرة العتيقة بحثاً عن المتلاشي الغائب.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
*نشر في جريدة الحياة اللندنية

محمد أبو زيد : الكتابة تشبه لعب الكرة في حقل ألغام

حوار - نهي محمود

محمد أبو زيد أحد الأصوات الشعرية المميزة جدا في الجيل الحالي . صنع لنفسه مكانا بارزا وسط شعراء قصيدة النثر بأربعة دواوين هي ثقب في الهواء بطول قامتي و مديح الغابة و قوم جلوس حولهم ماء وطاعون يضع ساقا فوق ساق وينظر للسماء ، أبو زيد الشاعر ورئيس تحرير موقع الكتابة الجديدة أول موقع الكتروني مصري ثقافي يحتفي فيه بالكتابة الجديدة في مصر والعالم العربي ، محمد صاحب الإيمان بأن الكتابة هي الحلم والحياة . تأخذنا كتابته لحالة حزن وشجن عامة يقول عنها هي حالة هذا الوطن وهذا الجيل . صدر للشاعر محمد ابو زيد رواية اولي هي اثر النبي عن دار شرقيات وكان لنا معه هذا الحوار .

ـ تقول إنك انجزت روايتك بين عام 2003 حتي 2010 سبع سنوات لإنجاز رواية أولي فيم احتجت كل هذا الوقت ؟

ـ بدأت في كتابة الرواية عقب احتلال العراق عام 2003. وكنت تقريبا قد انتهيت منها . وتقدمت بها لمسابقة يحيي حقي بالمجلس الأعلي للثقافة . وفازت بها . بعد ذلك صدر ديواني الأول وانشغلت ببناء تجربتي الشعرية . لكن ظل طوال الوقت لدي هاجس الرواية . فقررت إعادة العمل عليها عام 2008 . أضفت شخصيات وحذفت أخري أضفت فصولا . تضاعف تقريبا حجم الرواية . لكن حرصت في ظل هذا أن تحتفظ بروح كتابتها الأولي.

ـ ما الذي عجزت عن قوله بالشعر . واحتجت للرواية لتبوح به ؟

ـ قد أكون قلت في دواوين سابقة بعض ما في هذه الرواية . وهذا يفسر سؤال البعض عن وجود شخصيات موجودة في الرواية وموجودة في دواوين سابقة . فهناك شخصية عائشة وهي موجودة في ديواني الأول ثقب في الهواء بطول قامتي وفي ديواني القادم أيضا . وكذلك شخصية الشيخ أحمد عبد التواب و ميرفت عبد العزيز فالفكرة هنا أنني لم أعجز عن كتابة شيء بالشعر فكتبته بالرواية . لكنني كتبت الرواية بمنطق أنني مبدع . وأنني شاعر.

ـ ولاؤك الآن لقصيدة النثر أم للرواية ؟

ـ ولائي للكتابة الجميلة . والفيصل هنا هل هذه الرواية جيدة أم لا . لكنني كما قلت لك أنا شاعر كتب رواية . قد أكرر التجربة أو لا أكررها . والكتابة في ظني بشكل عام أشبه بلعب الكرة في حقل ألغام .في أي سطر من الممكن أن تفجري كل ما فعلتيه . وربما أيضا تقدمين شيئا جديدا لم يفعله أحد من قبلك . الكتابة لعبة . وأنا مستمتع بها أيا كان شكل هذه اللعبة.

ـ الشجن واللغة الشاعرية عامل مشترك بين دواوينك وروايتك . فهل تكرس عالمك الإبداعي للحزن وعنه؟

ـ أهتم جدا باللغة في بناء النص لدي . حتي إذا أدخلت لغة عامية أو مفردات أجنبية فأنا أختارها بعناية بحيث لا تجرح البناء اللغوي للنص . لا أكرس عالمي الإبداعي للكتابة عن الحزن . لكن الحزن هو حالة وطن . حالة جيل . حالة كتابة بالنسبة لي . الكتابة أحيانا تكون مبررا للوجود . أحيانا تكون مخرجا من هذا الحزن أوالاكتئاب . ثم أن لكل نص حالته . بطل الرواية كان يغني عندما يكون خائفا حتي يطرد العفاريت . والكتابة غنائي حتي أطرد الحزن.

ـ بطل روايتك يخاطب حبيبة خرافية ويتحدث عن إحباطاته . تيمة البطل المهزوم ما هي الرؤية الجديدة التي قدمتها فيها في أثر النبي؟

ـ أنا في الرواية أتحدث عن هزيمة جيل بكامله . دائما ما يتحدث جيل الستينيات والسبعينيات عن أن نكسة 1967 هي التي كسرت الجيل بأكمله . وأن الأجيال القادمة لم تمر بمثل هذه التجربة . مع أن ما حدث في احتلال العراق للكويت عام 1990 . ثم احتلال أمريكا للعراق علي مرأي ومسمع من الجميع . شاهدنا كل هذا ونحن نشرب النعناع والينسون علي المقاهي دون أن نتحرك . شاهدنا الحرب علي الهواء مباشرة وأستأنفنا حيواتنا كأن شيئا لم يحدث . كان هذا الاحتلال هو النكسة الحقيقية للعرب . ونهاية حلم الوحدة العربية كما جاء علي لسان أحد أبطال الرواية . هي هزيمة بطل الرواية الذي انكفأ علي هزائمه الشخصية . أبطال الرواية مهزومون . لأن هزائمنا الصغيرة هي التي تكون هزيمتنا الكبري . أعرف أن هذا قد يكون خطابا أيديولوجيا . وأعترف أنني مؤدلج . لأنه يجب أن يكون لدي الكاتب قضيته الخاصة وأيديولوجيته . لا أقصد بالأدلجة هنا الانتماء لحزب فلا توجد أحزاب في الشارع السياسي . لكن أقصد أن يكون لديه همه الخاص . لأن هذا الهم هو الذي يحركنا للكتابة . وحياة بلا قضية تشبه حياة السوائم .

ـ أول أعمالك صدرت عن سلاسل حكومية ثم تخليت تماما عن هذا الجانب ولجأت لدور النشر الخاصة لماذا؟

ـ أول دواويني ثقب في الهواء بطول قامتي صدر بعد أربع سنوات من تقديمه. عن الهيئة العامة لقصور الثقافة . ثاني دواويني مديح الغابة صدر بعد خمس سنوات من تقديمه للهيئة العامة للكتاب . صدر خلالها ديواني الثالث قوم جلوس حولهم ماء عن دار شرقيات الخاصة . وبهذا الشكل يمكنني أن أقدم أعمالي للسلاسل الحكومية . وأفعل ما تفعله سمكة الحنكليس . وهو الانتظار والتأمل في مياه المحيط حتي يصيبني الدور . فضلا عن أن الكتابة تشبه البناء التراكمي . فليس معقولا أن تقرأ الديوان الثالث أو الرابع قبل الثاني بسبب مشاكل النشر . وربما بسبب مشاكل النشر هذه فكرت في إطلاق موقع الكتابة حتي يحل قليلا من أزمة الكتاب الشباب في النشر بعد أن عانيت وعاني منها جيلي وأجيال سابقة الأمرين.

ـ أنت شاعر ومثقف مصري تؤمن بالكتابة الجديدة حدثني عن حلم موقع الكتابة الجديدة الذي تحول لواقع؟

ـ موقع الكتابة بدأ كحلم أن يكون هناك موقع ثقافي مصري . عندما بدأنا ننشر علي الانترنت كانت كل المواقع الثقافية الموجودة هي مواقع ثقافية عربية . مثل جهة الشعر . وكيكا . وأفق . وأوكسجين . ولم يكن هناك موقع ثقافي مصري . مع أن الثقافة هي بمثابة القوة الناعمة لمصر طوال المائة عام الماضية . ومصر كانت دائما ملجأ الكتاب والمبدعين . حتي مواقع الهيئات الثقافية غير محدثة وغير مهتمة بالإبداع . فبدأت الفكرة من هنا أن يكون هناك أول موقع ثقافي مصري . ويساعد في حل أزمة النشر . فلا توجد مجلات ثقافية في مصر سوي الثقافة الجديدة والمحيط الثقافي. وبعض رؤساء تحرير الصحف يعتقدون أن صفحة إعلان أو صفحة فن أفضل من صفحة ثقافة . ودائما صفحة الثقافة هي كبش الفداء الأول. فمن هنا جاء الموقع ليقف بجوار الكتابة ضد مأساة النشر . وليكون أول موقع ثقافي مصري . ولينحاز للكتابة الجميلة كما قلت في بيان إطلاقه.

ـ كيف قابلت تعرض موقع الكتابة للاعتداء؟

ـ قابلته بأن أعدت بناءه مرة أخري . وأطلقته مرة أخري . لم أتوقف عن نشر النصوص الجميلة الجادة . لم أقف . ولم أتراجع عن انحيازات الموقع الواضحة للكتابة الجميلة.

ـ ما هو مشروعك القادم ؟

ـ فضلا عن تطوير موقع الكتابة . أعمل الآن علي الانتهاء من ديوان مدهامتان . وسأقدم فيه نصوصا صوفية . ستكون هناك قصائد عمودية . وقصائد تفعيلة . وقصائد نثر . لأن أكثر ما يضايقني هي فكرة نفي الآخر في الثقافة المصرية . فشاعر القصيدة العمودية لا يري أحدا بعده . وشاعر قصيدة التفعيلة لا يري أحدا بعده ولا قبله . وشاعر قصيدة النثر لا يري أحدا قبله . وأصبحت الكتابة تشبه ما يحدث في أفغانستان والعراق . لذا ستجدين في الديوان ثلاثة أنواع من الكتابة . لأن الشعر هو الذي حين تقرأه تعرفين أنك تقرأين شعرا . بغض النظر عن الطريقة التي كتبت به .

ـ ما الذي تصدق أن الكتابة ستحققه لك بمعني آخر ما هي أحلامك التي تخص كتاباتك؟

ـ الكتابة بالنسبة لي علة وجود . هي سبب استمراري في الحياة . ولدي مشروع كتابة يكتمل بعمل بعد الآخر . وعندما أنتهي من آخر سطر منه . سأضع قلمي جانبا وأنتظر الموت . الكتابة هي الحلم . الكتابة هي الحياة

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

نشر في جريدة الجمهورية

08‏/09‏/2010

كيلو الحنكليس بكام

اقترب عمري من آخره ، ومضى من عمري أكثر مما تبقى ، ويحزنني بشدة أنني لم أعرف بعد ما هي سمكة الحنكليس ، الموضوع كان مؤثرا جدا ، لدرجة أنني أنفقت جل عمري في المكتبات ، وعلى الأرصفة التي تبيع الكتب القديمة ، أبحث عن كتاب يقول لي ما هي سمكة الحنكليس ولم أعرف، قضيت سنينا أتابع برنامج عالم البحار ليس لشيء إلا لكي أعرف ما هي سمكة الحنكليس ولم أعرف ، قاطعت السمك وإسكندرية وبورسعيد وكل المدن الساحلية حتى أعرف سمكة الحنكليس ولم أعرف ، آآآآآه .. إنها مأساة يا إلهي .
وفي يوم من الأيام التي لا تستشعر خطورتها إلا بعد حدوث أمر جلل ، وبينما أتصفح الفيس بوك وجدت الروائية نهى محمود تكتب عن سمكة الحنكليس ، وهنا شعرت أن مصير حياتي الباقية يتعلق بهذه السمكة ، اتصلت بها على الفور ـ بنهى ليس بالسمكة ـ وقد شعرت أنني قاب قوسين أو أدنى من بحر المعرفة المتلاطم :
ـ يعني إيه سمكة الحنكليس ؟
نهى باستغراب : إنت ما تعرفهاش إزاي ، دي سمكة مشهورة .
قلت وقد تضاعف ذنبي ، وزاد جرمي : أنا آسف ، بس أنا عمري ما شفت سمكة حنكليس
قالت نهى بلهجة العليم ببواطن الأمور : دي موجودة في بحر غريب مالوش زي ، بحر من غير شطآن
بدأت أشعر أنها تستغفلني وتسرح بي : من غير شطآن إزاي يا نهى ، ده لا مؤاخذة في ألف ليلة وليلة ؟
قالت وهي تتعجب من جهلي : ده بحر عميق غميق ما فيش في آخر رملة
بدا أنني لن لأفهم وتساءلت : مش ده برضه اللي بيروح فيه سندباد وعبد الله البري وعبد الله البحري ؟ إنتي ما بتشوفيش الخريطة ولا إيه يا نهى ما هو لازم يبقى فيها حدود للمياه ، ده حتى البانيو له حدود
قالت وقد يئست من إفهام شخص جاهل مثلي : ما هو البحر ده جوه المحيط الهادي
وهنا بدأت أفهم : طيب ما تقولي إنه محيط يا نهى
قالت نهى :آه ، وهيه سمكة مرعبة ، ومخططة .
أصارحكم بالحقيقة إيها الأصدقاء : لم أحب سمكة الحنكليس تماما مثلما لم أحب يوما كاظم الساهر الذي تحبه نهى ، وأتمنى إغراقه في بحر من الكاتشب لا شطآن له وهوه فاهمني كويس .
لماذا أقول هذا الكلام ، أقوله لأنه في الوقت الذي تضغط علينا واقعية الحياة لدرجة أننا لا نصدق الخيال ، من فرط مأساوية الواقع ، وندرك بشاعة أننا أصبحنا كبارا ، ولسنا أطفالا نتخيل تفاجئني نهى طول الوقت بعوالم كرتونية من خيالها ، وهذا جميل وأحسدها عليها ، لكن أن يصل الموضوع لدرجة أن تخاف من البطيخة ، أو أن تهرول البرتقالة إليك على قدمين فتهرول منها في الشقة ، أو أن تصادق الأستاذ سيد ، لا أعرف أحدا بهذا الاسم ، فالموضوع أكبرمن احتمالي .
اكن كل الاحترام والمحبة للروائية الإيزابيلية ـ نسبة لإيزابيل الليندي ـ نهى محمود ، وأحسدها على مشاهدتها المنتطمة لسابق ولاحق ، وما زنجار ، وكتابتها الجميلة التي تكتبها بروح طفل، وخيالها المنطلق .
حقا .. كم جميل لو بقينا أطفالا يا أستاذة نهى .

04‏/08‏/2010

الضرب في الميت


أنا كنت نايم ولا إيه
واقف وحيد ف زحمة مهجورة
متلمعة الحيطان صابون تواليت
و البوسطة نايمه ف غرفة الإنعاش

يا ميت ندامة ع اللى ماكلشي
يا ميت ندامة ع اللى كل كل شيْ
النمل واقف وحده بيغني
صف البراص مستني شوف طوابير
وقف الملك بيغني للطراطير

مين اللي مات دنا لسه متعشي
جابوا العيال من غير ماتدرى الست
هديت خيالي بكف متحني
وبنيت عمارة سبعميت بدروم
الامس يشبه بس لمبارح
بس النهارده ليه ماهوش مفهوم
قال الحرامي الست عيانة
ونا أصلي كنت مصلي الفين وتر
هج الولي طاير ..وقع في الأسر
واتبعترت لصوات خمس تيام
سيدنا النبي قال نا خايف
ستي خديجة قالت له ماتخافشي
نادى المؤذن قوم نا خايف
جايبني أذًن ولا مهتفشي
صوت المظاهرة مات على كتفي
سيدي الامام انا جي ابكيلك
إزاي اصلي والإمام ميت
سيدنا الإمام انا حي ولا لأه
في ايدي اباتشي ولا دا كبريت
نيران صديقة بتضوي جوه البيت
نيران صديقة نايمة جوة الشقة
سيدنا الامام أنا مت ولا لأه
خايف اصلي يقولوا صاحبهم
وانا اصلي لسه معدي ع البستان
طارح تقولشى ستميت تورتاية
وحانوتي راكب بسكلتة داية
الداية حلوة عشان الدنيا شبورة
طب مد ايدك يالّه بسم الله
ومد ايده لحد حد ايدها
القنبلة كانت
على الطبلية حددها
وبكيت عشان اضمن محبتها
صرخت في وشي بكل حدتها
شفت الضياع من طول ما حبتها
انا تهت منك ولا ايه يا امه
واقف في وشي مظاهرة مش مارة
بكرة اللي جي اسود ماتضحكشي
شايف النجاة ولا انت مش أعمي
مش قلت لك ؟
يا ريتني كنت كدبت
بكرة الخميس بس النهاردة السبت
أنت اللي مش نافع و أنا اللي خبت
ماسك في ايدي سبحة مفكوكة
بجري ورا حبوبها وبتبعتر
بجري ونا ف جيبي دولار اخضر
بجري و أنا اعمى من الشايف
بجري وشايف قبلتي في ظهري
بجري وصدقني ما نيش خايف
ختموا الصلاة بدري تلات تيام
ختموا و نا محجوز على الميضة
كبس البوليس وحرز الأوضة
كبس البوليس صلى ورا أبو جهل
ودخل على وكنت بتشاهد
وصحيت من الخضة على الاعدام

29‏/06‏/2010

الضنا غالي

فيما مضى حين كنت أقرأ أو أسمع عن حوادث القتل الغريبة والغير منطقية مثل أب يقتل أولاده ، أو أم تلقي طفلها من الطابق الخامس ، أو تضع السم لأبنائها ، كنت أتساءل أين اختفت العاطفة الأعظم في هذا الكون " الأمومة ، والأبوة " ، وكيف تستطيع أم أن تتجرد من عاطفتها الفطرية وتتخلى عن طفلها الذي تكون داخلها ، وارتبطت به بحبل سري ، كيف تستطيع أن تنحي كل هذا جانبا ، وتتخلص من طفلها ، لكن مع الأيام ، ومع معدلات الفقر المتزايدة والعالية التي وصلت لدرجة أنه أصبح عندنا أناس يموتون ـ فعلا ـ من الجوع ، لم أعد أستغرب ما يحدث ، بل وأرفض اعتبار من فعلوا هذا مرضى نفسيين .
هذه الحكايات أصبحت متكررة ، تنشرها الصحف بشكل يومي ، لم تعد تثير الاستغراب ولا الاهتمام ، اليوم هناك حكايتان في الصحف ، الأولى عن نجار شنق نفسه في مروحة السقف لأنه لم يجد ما ينفقه على أسرته ، الثانية وهي الأبشع عن أم خنقت ابنها وحاولت الانتحار لأنها لم تعد تجد ما تأكله .
القصة مأساة حقيقية ، يكفي أن تقرأ ما تحكيه الأم عن أنها وهي تخنق ابنها استيقظ من النوم وقال لها لا تقتليني يا أمي ، يكفي أن تقرأ أنها بعد أن خنقته شربت سما ، لكن القدر أبى أن يريحها فقاءت ما شربته ، فقطعت شرايينها ، وظلت تنزف لمدة ست ساعات ، لكنها لم تمت ، يكفي أن تقرأ ما تحكيه أنه بعد ثلاثة أيام تعفنت جثة ابنها و انفجرت أمامها ، فذهبت إلى القسم وسلمت نفسها وطالبتهم بإعدامها .
القصة مأساوية لدرجة قاتلة ، أتمنى ألا تمر عليك مرور الكرام ، قالت الأم المتهمة فى التحقيقات حسبما نشرت صحيفة المصري اليوم: «قررت يوم الجمعة الماضى الانتحار للتخلص من الفقر، لكنى خشيت على ابنى من البهدلة، ظللت أفكر كثيرا حتى وصلت إلى قتله والتخلص من حياتى، قررت أكتم أنفاسه بفوطة، لكنه استيقظ من النوم وطلب منى أن أتركه يعيش، تركته وبللت الفوطة بالمياه وكتمت أنفاسه حتى فارق الحياة، وتناولت سم الفئران ونمت إلى جواره، أصبت بقىء وإسهال شديدين، ووجدت نفسى على قيد الحياة ، حاولت مرة ثانية بقطع شرايين يدى اليسرى، ظللت أنزف 6 ساعات وتوقف الدم، فوجئت بابنى ينتفخ وجثته تتعفن وتنفجر، توجهت إلى المباحث وأبلغت الرائد إبراهيم عبدالقادر، معاون المباحث، بالواقعة وطالبته بأن يصدروا حكماً بإعدامى» ، وقالت: « قتلت طفلى أحمد عصام «9 سنوات»، كتمت أنفاسه بفوطة مبتلة فجر الجمعة الماضى، لم أنظر إلى رجائه لى بعدم قتله، نعم الفقر والاحتياج حولا قلبى إلى حجر ، توسلاته بأن أتركه يعيش لا تغيب عن مسامعى، وجهه وهو يبكى خوفا من الفوطة المبللة بالماء ترعبنى، أريحونى واعدمونى الآن، الفقر وحده هو الذى دفعنى للتخلص من ابنى.. حاولت الانتحار أكثر من مرة بعد قتله لأكون إلى جواره، كنت أتمنى أن أرحل عن الدنيا بكل ما فيها من مآس، واحتفظت بجثة أحمد 3 أيام، وبعد انفجارها وتحللها توجهت إلى المباحث لمساعدتى على دفنه.. أنا أريد الإعدام حتى أرتاح من الدنيا».
التحقيقات قالت أن المتهمة تعانى من أزمة نفسية ـ كما هو متوقع ـ بسبب عجزها عن الإنفاق على ابنها وأنها أخرجته من المدارس ، منذ 10 سنوات تزوجت من محام ، تخلى عنها بعد 3 شهور زواج، طلقها وهى حامل فى الشهر الثانى، انتقلت من بلد لآخر، وبحثت عن مكان للإقامه فيه بصحبة طفلها، الشرط كان أن الإيجار يكون بسيطاً، لكن الفقر وقلة المال كانا يطاردانها، ذهبت إلى الشرقية وأقامت عدة شهور باعتبارها منطقة ريفية ومصاريفها بسيطة لكن لم تتمكن من المعيشة هناك لمطاردتها من الظروف المادية نفسها ، وعادت إلى القاهرة وتمكنت من الإقامة فى شقة بمدينة النهضة. تألمت بشدة قائلة: " تخلى أشقائى عنى، وتركونى وحيدة بصحبة ابنى، أنا حاصلة على الثانوية العامة ولم أتمكن من الالتحاق بأى وظيفة ".
الضنا مع الفقر لم يعد غاليا ، كما كان يقول المثل القديم ، الفقر أصبح قاتلا ، في ظل مشروعات وهمية عن محاربة الفقر نقرأ عنها فقط ، ويتجشأ المسئولون الكلام عنها في وجوه الفقراء على الشاشات ، الفقير يزداد فقرا ، والغني يزداد غني ، ومن المستحيل أن يشعر المسئول الذي يقيم في فيلا فاخرة بأوجاع امرأة في الريف لا تجد ما تطعمه لأولادها ، ولا بآلام أب لا يستطيع العودة إلى المنزل بفشله ، وقلة حيلته ، وهو لا يحمل في جيبه خمسون قرشا يشتري بها خبزا لأودلاه .
لن أتساءل عن لماذا فعلت الأم ما فعلته ، ولن أتكلم عن ضعفها و قلة حيلتها لدرجة لجوئها إلى الشرطة لمساعدتها في قتله ، ولا عن أنها متعلمة ومع ذلك لم تجد عملا ، ولا عن أولاد الحلال الذين لم يعودوا موجودين ، في الماضي كانت الأمهات تبيع أولادها ، وكان البعض يستغرب هذا ، لكن حتى الرحمة الضئيلة بين تركه حيا ، وبيعه ، وبين قتله لإراحته ضاعت ، قتلها الفقر ، وقتلها المسئولون وقتلها الفساد .
لو كان الفقر رجلا لقتله علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، لكن الفقر تضخم أصبح دولة من رجال الأعمال الفاسدين ، والحكومة التي لا تشعر بالفقراء ، ولا تريد أن يزعجوا انشغالها بشئون السلطة .

06‏/06‏/2010

أنا خائف يا أليس


اليوم فقدت الأخضر
وبالأمس الأزرق
لم تعد هناك سماء ، ولا حقل ذرة
لا يرقات ، و لا غابات أمازون
الأحمر يستلونه مني
ولا أقوى على الذود

أضع يدي فوق جبهتي
وأنظر من أعلى للعمر الذي ترك يدي
وهرول بعيدا
أبحث عن ولد كان يسير هنا أمامي
واختفى
كنت أرعاه بألوان عيني
أبحث عنه في الكتاب المصفر
أحاصر روحه
بخطوط يدي الباهتة .

أكتب " لا "
وأضعها بين قوسين
أغلق القوسين فيصيرا دائرة
أظللها .. تصبح كرة
أركلها .. تخترق النظارة إلى عيني
وتسقط الأبيض

الآن
وأنا أقترب من نهاية العمر
تتكاثر النظارات بلا جدوى
تتجمع في حجري كبيض فاسد محطم
تغدو الحياة مثل الذكريات
بلا ألوان تقريبا
فقط المرار يختلط بالدموع
فقط الحنجرة تتحجر
ولا أقوى على الصراخ

كل يوم
أستيقظ مبكرا لأكتب قصيدة
أمزقها في المساء
لأنام مرتاح البال
ذات يوم
بعد أن أنهيت أعمالي الكاملة
قررت ألا أستيقظ
في الحلم
كانت لفائف الورق
تمشط ذراعي
بقلادة من نار

عندما أعود صغيرا
سأعيد قراءة كتاب لم أكمله
وضاع مني
سأتوقف عن مطاردة دود القز ، وأفراس النبي على الحشائش
وجيلفر في بلاد العجائب
سألعب ..
ألعب حتى تبرى قدماي
وأحتفظ بقصائدي الأولى التي مزقتها
أمسح جبهة حماري الذي ضربته
اشتري عينين جيدتين من البائع الذي يلف في الشارع
أبكي أكثر على قطتي حتى تعود من الموت
أسرع أكثر كي أنقذ كرتي من السيارة المسرعة
عندما أعود صغيرا
لن أصبح كبيرا
سأطلب من الله الذي يزورني كل ليل
أن يزورني كل ليل

مع الأيام
أتحول لصورة معلقة على الحائظ
لا أهش على غنمي
ولا التراب من على حواجبي
تتغذى ذاكرتي على النسيان
تسقط اللقمة من فمي
أنسى أين تركت عيني
وانصرفت باكيا..
يقول الحسن البصري
اعتزلنا واصل

أصبحت أخاف
من الكلاب الساكنة والمراهقين
أهتم بالنظارات وقياس الكوليسترول
بمصادقة طبيب عظام جيد
بأسعار المقابر في صحف الصباح
أصبحت الأشياء العادية مستحيلة
وكوب الشاي أبعد من المطبخ
رتيب كاهتزازة القطارات الفقيرة
مر كفقدان الأحبة كل أسبوع
بعيد ..
بعيد كالحياة

22‏/05‏/2010

ليس كمثله شيء

في شتاء عام 1999 ، في أحد المنتديات الشعرية التي تقيمها الجامعات للتباري بين شعرائها على طريقة سوق عكاظ ، كان يُنظر لي ـ وصديق آخر ـ نقول قصيدة النثر ، على أننا كفرة ، على أننا زناة ، على أننا صابئون ، لا نعرف معنى الشعر الحقيقي ، لا نعرف إيقاعه ، ولا قافيته ، وكنت أقول لنفسي : هؤلاء جهلاء سذج ، منغلقون على أكاديميتهم وعلى دروسهم التي تلقوها في الثانوي ، ولن يتبقى منهم أحد في النهاية ، إذا خرجوا إلى الوسط الثقافي الحقيقي سيعرفون أن الشعر لا يكيل بتفعيلاته ولا بعدد قوافيه .
لكن الإشكالية الحقيقية كانت بالنسبة لي ـ حين خرجت أنا القروي الغض ـ إلى الوسط الثقافي الذي ضاق هو الآخر ـ في منتدياته وندواته ومقاهيه ومقالاته النقدية ـ بقصيدة النثر وبكتابها وعاملهم كالغجر.
كنت وقتها قادما من ريف الصعيد ، للدراسة في القاهرة ، أكتب القصيدة الخليلية ذات الضلفتين ، والتفعيلية ذات الضلفة الواحدة ، صدمة المدينة لم يستوعبها بداخلي سوى قصيدة النثر ، قصيدة تناسب المدينة ، بحزنها ويأسها ، بضجيجها ، بصراخها ، وكنت أجيب من يسألني لماذا أكتب قصيدة النثر ولا أكتب التفعيلة : وكيف يمكن لشخص يهرول صارخا طوال الوقت في هذه المدينة أن يغني ؟
لست ـ بالمناسبة ـ ضد قصيدة التفعيلة ، أو القصيدة العمودية ، ولست من هواة نفي الآخر ، فليكتب كل شخص كما يريد ، المهم أن يكتب روح العصر الذي يحياه ، لا الذي كان يحيا أجداده ، المهم في الأمر كله الشاعرية ، تلك التي تحسها ، التي تأسرك .
تمر عشرة أعوام منذ كتبت قصيدة النثر لأول مرة ، فيما تكاد تقفز من حنجرتي صرخة ضخمة ، يتردد صداها داخلي حتى الآن ، مع مرور الوقت تبقى القصيدة وحدها ، ولا ينتهي السؤال عن ماهيتها ،عن عطاياها ،عن جمهورها عن جدوى كتابتها في زمن كهذا ، عن جدوى هذه الأسئلة العبثية الوجودية الساخرة أيضا ؟
لا ، ليست ساخرة فحسب ، بل محبطة أيضا ، وكفيلة بإيصالي إلى حافة الجنون .
نصف قرن منذ كتب محمد الماغوط قصيدته النثرية الأولى ـ هل أعود إلى الوراء وأقول أنها ثلاثة أرباع منذ كتبها حسين عفيف ـ ولا نكف عن طرح الأسئلة وعن الإجابة نفس الأجوبة .
سأترك كل هذا وأتحدث عن الشعر بالنسبة لي بشكل نفعي بحت : هو وسيلة للخلاص من كآبة هذا العالم ، وسيلة للقفز على الإحباطات المتوالية في كافة مناحي الحياة: في المنزل ، في العمل ، في الشارع ، في المقهى في غرف النوم ، في التلفاز ، في علاقاتنا الإنسانية ، يظل الشعر ـ أيا كانت طريقة كتابته ـ مهربا وحيدا ، لا مهرب سواه ، بديلا وحيدا للانتحار ـ كما قال أمل دنقل ـ النافذة التي نفتحها فنتنفس ، الملجأ من هذا العالم الذي يطردنا على وجوهنا نتسكع في مقاهي وسط البلد ، والندوات التي بلا جمهور ، يظل الشعر هو الشعر ، هو حروفه الخمسة الساحرة الساخرة المبهرة ، يظل هو ، الذي ليس كمثله شيء ، ويظل ما عداه هامشيا ، لا يذكر ، لا ، أنا الذي لا أريد أن أذكره .
العالم ـ حتى وإن أغراه سرده بأن يتخلى عن الشعر في الآونة الأخيرة ـ فالشعر لم يتخل عنه ، ما زال يحزن من أجله ، يفرح لأجله ، يرقص ويبكي ،يموت ويخاف منه وعليه ، ظل قابضا عليه يستمد منه تفاصيله البسيطة الحميمة التي لا ترى ،من شوارعه ، من مقاهيه من حواريه .
هل صدقتم كذبة الكتابة الذاتية ؟ ، الأمر لا يتجاوز فكرة لعبة البازل ، القطع البسيطة التي تتجاور ،الهموم التي تتلاصق فتكون عالما إنسانيا ، هي ليست كتابة الذات إذن ، هي كتابة ذات العالم ، ذات إنسان العالم الذي تسحقه العولمة ، فيختبئ في تفاصيلها خلف كومبيوتر صغير ـ مثلي ـ و يشكو همه .
ماذا أقول إذن للذين يتهمون جيلا كاملا بالإغراق في الذاتية ، وفي الهموم الشخصية ، هل أقول : أيهما إذن أكثر التصاقا بالإنسان : عنترة الذي كتب عن بطولاته وحده ، الخنساء التي رثت أخيها فقط ، عمرو بن كلثوم الذي تفاخر بقومه لا غير ، أم شاعر صغير يكتب قصيدة النثر ويكتب هموم إنسان آخر يجلس في ركن ما من هذا العالم الشاسع يشاركه نفس هم الفناء والبطالة وهجر الحبيبة وزحام الباص وتغول الرأسمالية ، لا أريدها مقارنة ، لكل نص شاعريته ، لكل نص جمالياته محسناته البديعية كما يرى جدنا عبد القاهر الجرجاني ، لكل نص قارئه الذي يشعر به ، فقط لا تجردوا النصوص من شاعريتها ، ولا الشعراء من قصائدهم ، حتى لا نظل طوال عمرنا ندور في نفس الدائرة من الأسئلة التي لا نمل تكرارها .
حين شرعت في كتابة ديواني " مديح الغابة " كان العالم على وش الانفجارـ ألم ينفجر بعد ؟ ـ مجازر ومذابح في فلسطين ، توتر بين سوريا ولبنان ، أميركا أجهزت على أفغانستان وبدأت توزع دماء العراق على القبائل بالترتيب لاحتلالها ، إعلام رديء ، وأنظمة رسمية أكثر رداءة ، وعلى الناحية الأخرى كانت الاتهامات للشعر بأنه في عزلته مستمرة ، وما زال الذين يصرخون ـ بما يعتبرونه شعر ـ على جثث أطفال فلسطين والعراق وعلى صدام حسين والصحاف يصرخون ، وما زال الذين يروجون بالابتعاد عن القضايا الكبرى يروجون .
ماذا ستفعل بالشعر في جو كهذا ـ بل ماذا سيفعل بك الشعر ـ وأنت ترى عالمك ينهار ، هل يمكنك صياغة كل هذا الألم ، في قصيدة ، قصيدتين ، ثلاثة ، عشرة ، ديوان ، لا أعرف ، لكني وجدتني مدفوعا للكتابة عن الغابة التي توحشت ، أهجوها أم أمدحها ، لا يهم ، فبعض المديح هجاء ،وبعض الهجاء مديح، في الديوان طرحت أسئلتي التي لا أعرف الإجابة عنها ، ألا يقولون أن مهمة الفن هي طرح الأسئلة ؟
بعد خمس سنوات من كتابة الديوان ، كنت أكتب ديواني " طاعون يضع ساقا فوق الأخرى وينظر للسماء " عن العالم الذي أصبح أكثر سوءا ، يتمدد عنفوان المدينة أكثر فتشتد الحاجة إلى قصيدة نثر تقاوم عنفوانها ، كان القادة العرب كما هم بسياساتهم الفاشلة ، وكان السادة النقاد يطرحون نفس الأسئلة ، كانت أمريكا تستبيح العراق وسط عشرات التفجيرات ، وكانت الندوات في معرض الكتاب تسأل لماذا يكتب الشعراء قصيدة النثر ، كانت إسرائيل تدك غزة بصواريخها ، وكانت مقاهي المثقفين في وسط البلد تواصل نفي الآخر ، وتسأل أسئلة ـ أصبحت ـ مضحكة بمرور الزمن حول ماهية قصيدة النثر .
كنت أتذكر عالم الطلبة وأساتذة الجامعة الضيق في منتديات الطلبة بين الوقت والآخر ـ عندما كنت في الجامعة ـ هؤلاء الذين اختفوا تماما ، وأقول أنهم معذورون فهذا ما تعلموه ، ونحن لا نقبل التغيير بسهولة .
حين كتبت ديواني الخير كان الواقع السياسي و الحياتي لم يتحرك قيد أنملة ، وكانت الأسئلة التي تطرح في المنتديات الثقافية ـ حول قصيدة النثر ـ لم تتغير ، أدرك أيضا أنني بعد عشر سنوات ، سوف أدخل مقهى ثقافي في وسط البلد ، سأجلس على طاولة وأطلب شايا بالنعناع ، وسأسمع الشخصين الذين يجلسان بجواري يتحدثان عن جدلية قصيدة النثر ، ولن أعلق
سوف أكتب قصيدتي التي تعبر عني ، قصيدتي هي يوتيوبياي الخاصة ، مدينتي الفاضلة ،التي ألوذ بها من صهد الواقع ، هي منفاي الاختياري ، وسجني الأبدي ،هي الدم الذي سال من شاشات التلفاز فأغرق الساهرين يضحكون ، هي ضجيج المظاهرات وصراخ المعتقلين ، هي نداءات باعة الفل على الكورنيش ، وكلام الأحبة ، ورسائل الاس إم إس ، هي ضجيج المقاهي ، وابتسامات تخفّت خلف أكف بنات الثانوي ،هي الحب في طلته الأولى ، هي الفراق والدموع في العينين ، هي المدينة التي جعلتني اكتب قصيدة النثر ، هي رحيل الأمهات والآباء ، وصرخة أم في غرفة العمليات ، هي ضحكة طفلى ، هي حزني ووحدتي ، هي أنا .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نشرت في مجلة الكتابة الأخرى

04‏/02‏/2010

محمد أبو زيد شاعرا ساخرا بمرارة



يسري عبد الله

تمثل قصيدة النثر أفقاً واعداً للشعرية العربية، فهي تتكئ على مواضعات رؤيوية وجمالية مائزة، لا تتسم بالثبات أو الركون، بل ثمة حال من التجدد المفضي إلى فعل «التخطي» المبتغى، ولذا فإن ثمة موجات جمالية متعددة تتخلق في داخلها، تعبر عن ثراء مشهدها حيناً، وعن تنوعها وخصوبتها واتسامها بما أسميه «حيوية الاختلاف» حيناً آخر. ولعل ديوان «طاعون يضع ساقاً فوق الأخرى وينظر الى السماء» للشاعر المصري محمد أبو زيد، الصادر أخيراً عن دار «شرقيات» في القاهرة، يمثل استجابة جمالية لحيوية قصيدة النثر وأفقها الخصيب، ويعد تعبيراً دالاً على إمكان طرحها الهامش والمعيش عبر معالجة تقنية مغايرة. يحيلنا العنوان إلى تقنية مركزية داخل الديوان، وأعني بها التوظيف الدال للفنون البصرية، إذ يضعنا أمام إمكان واعد لتخيل صورة ضافية ذات ملامح بصرية تتجسد فيها الأشياء، حين يصير الطاعون، ذلك المرض الجرثومي الشهير، مضطجعاً واضعاً ساقاً فوق أخرى، ناظراً إلى السماء. غير أن هذه الصورة الكاريكاتورية الساخرة للطاعون، تبدو متواشجة مع نزوع تأويلي آخر، يكشف أننا لسنا أمام «طاعون» وحيد يهمّ بافتراسنا ضاحكاً، بل نحن أمام «طواعين» مختلفة تمتد لتحاصر كل حيواتنا: «في النوم/ أهرب من طاعون/ يحبو على الأرض/ طاعون في طرقات المستشفى/ طاعون في العناية المركزة/ في السوق/ في الحافلة/ في استراحات المسافرين /في حقائب الديناصورات الصغيرة» (ص 78). غير أن الطاعون هنا ليس كابوساً من الحصار الخانق فحسب، لكنه يصبح أحياناً وجهاً آخر لشاعر مأزوم أضحى «وحيداً وحيداً كملك الموت» (ص 82).

يتشكل الديوان من أربعة أقسام: كوبري ستانلي، عشيقة جيدة لدراكولا، كلمني شكراً، قاتل تسلسلي، وهي تتواشج في ما بينها، لتشكل بنية شعرية متجانسة تتكئ في جوهرها على اعتماد آلية السخرية لا بصفتها تقنية مركزية في الديوان فحسب، ولكن بصفتها أيضاً أداة ناجعة لرؤية العالم. وتنفتح أيضاً نصوص الديوان على الأفق الواعد للثـقافة البصـرية في نسـختها الراهنة، وهذا ما ستكشف عنه النصوص المختلفة في الديوان.

في قصيدة «لا أريد أن استيقظ ولو للحظة واحدة» ينفتح العنوان على أفق الحلم، الذي تتبنى فيه الذات الشاعرة خطاباً مسكوناً بالأمنيات، وبالاعتقاد الواهم في القدرة على تحقيقها: «بصرخة واحدة أُنزل المطر/ بإشارة من إصبعي الصغير / أوقف الحرب / بنظرة أبعد الموت عن أمي، وبابتسامة واحدة، واحدة فقط، سأزوّج العاشقات المنتظرات في المترو». (ص 11). ثم تنتهي القصيدة بما يفترض أنها تبدأ به في الخطاب العادي: «فقط لو تصدقونني». ولعل تأخير جملة الشرط هنا صنع الحد الفاصل بين ما يعرف بالخطاب العادي والخطاب الشعري، إذ صنع الشاعر محمد أبو زيد ما يعرف بالانحراف عن المسار المألوف في الخطاب، ما منح النص جماليته الخاصة.

تتكئ نصوص الديوان على حرية الانتقال بين المقاطع الشعرية، إذ ثمة ديناميكية حاضرة في متن القصائد، بدا التداعي الذي يغلب عليها متواشجاً معها، ويبدو هذا التداعي قرين العفوية حيناً، إذ لا روابط سببية بين الجمل الشعرية. في قصيدة «عبدالله البري يكره عبدالله البحري والجوي حائر بينهما»، لسنا أمام استيحاء لقص «ألف ليلة وليلة»، والعيش في إساره، بل نحن أمام نفس شعري راهن يعابث الأشياء القديمة، ويعيد تشكيلها جمالياً، وفق ذات شعرية لا ترى العالم وفق رؤية حدية له، فتحكي لنا مثلاً عن «دراكولا» الطيب، الذي لا يستعمل معجون الأسنان، وكأنه إيماء إلى إنسان واقعي يثير التعاطف والشفقة: «دراكولا الذي لا يستعمل معجون الأسنان / ويثير الشفقة / أكثر من طفل مصاب بالسكري / دراكولا الذي قبض على يدي في عنف وبكى / فيما تخترق صدره عصا الكمنجة / «أنت اللي هتغني يا منعم».

نرى في هذه القصيدة أيضاً توظيفاً دالاً لآلية السخرية، بدءاً من العنوان ذاته «والجوي حائر بينهما»، ونلمح الانتقال بين مستويات لغوية ودلالية مختلفة، فمن «الكنال» إلى «أنت اللي هتغني يا منعم»، إلى «شهريار الهارب» إلى «مريم» لنصبح أمام تجاور لدوال شعرية متنوعة تصبح مؤشرات على مستويات لغوية وثقافية متعددة داخل القصيدة. في قصيدة «أنا القبطان… لا، أنا السفينة…»، نلمس تماساً مع عوالم، تعد في جوهرها علامة على سياق ثقافي راهن، تحاول الذات الشاعرة صوغه جمالياً، ونلحظ في هذه القصيدة أننا أمام استهلال نصي بديع، يدخل فيه الشاعر متلقيه إلى أجواء نصه منذ السطر الأول: «كيف لا تعرفون الموت / كيف لا تحبون لون عينيه»، وكأنها قصيدة عن «الموت المشتهى». ويستخدم الشاعر الأسلوب الإنشائي في موضعين داخل القصيدة: «أيها البحارة الكسالى / أيتها المرأة الجميلة»، وينوع في الجمل الشعرية التالية لهما. ففي المرة الأولى يصبح «الأمر» آلية بلاغية للنفاذ إلى ما يريده بعد توظيف النداء: «أيها البحارة الكسالى / أحصوا عدد القتلى / امسحوا دمهم المتجلط فوق وجهي شدوا بقايا لحمهم من بين أسناني / ارموا عظامهم بعيداً عن مائدة إفطاري…». (ص 25). وتتواءم مع الاستخدام الأسلوبي السابق حالة التدفق الكامنة في المقطع. وفي المرة الثانية يعقب الأسلوب الإنشائي صيغة خبرية تتواءم مع توظيف آلية القص في هذا المقطع: «أيتها المرأة الجميلة / لقد قتلت حبيبك / ساومت على جثته المرتزقة / حطمت ألواحه أمام عينيه». (ص 25).

وكلا المقطعين – على رغم اختلافهما تقنياً ورؤيوياً – تملأه الذات الشاعرة بصخبها وعنفها وقلقها الدائم، وتوجسها المستمر، لنصبح أمام ذات شاعرة، متسائلة، لا تطرح خطاباً يدعي امتلاك العالم، واهماً بقدرته على خندقته في صور جاهزة، بل نصبح أمام شعرية تحاول القبض على لحظة إدهاش مبتغاة، تبدو متوهجة في نهاية القصيدة، عبر هذه الجملة المدهشة «حلوة هي الحياة / من غيركم». في «ثورة الشك» نصبح أمام عالم مسكون بالتساؤل لا التقرير والتنبؤ، إذ تصير «النجوم» كاميرات مراقبة، و «القمر» رجل أعمال قاسياً، فلا شيء حقيقياً، ولذا لم تعد الذات الشاعرة معنية إلا بتصديق ما تنفعل به، بل هي لم تعد تحب الحكماء.

تتجاور في قصيدة «حتى لا يعتقد الأولاد في روض الفرج أنني سأغتاب تنورة من شبرا» دوال متعددة منتمية إلى عوالم مختلفة: «الهناجر» جنكيز خان،/ ميرفت المقهورة/ شبرا»، واللافت أنها لا تحيا صراعاً في داخل النص، بل تحيا جدلاً خلاقاً في ما بينها. ثم يعرج الشاعر باحثاً عن «بردة البوصيري»، ويصوغ بعد ذلك عوالمه المسكونة بالتفصيلات الهامشية، إلى أن يستعيد جمله المتذرعة بمد حكمي شفيف، يفارق حكمة الأقدمين، ويختلف عنها: «الأفيال تحرس البحر/ والمدن الساحلية التي تتفرج / شوارعها ألسنة ثرثارة/ تفضح الخجلى والمريبين / ومدمني تناول الألغام كل صباح». (ص 40). ترتكز قصيدة «محاولة للتآمر على الملونين» على آلية البناء على المفردة، إذ تعتمد على مفردة «الأطفال» التي تصير بمثابة المبتدأ الذي يظل في احتياج دلالي وجمالي إلى خبر يتمم معناه. غير أن الحضور المتأخر للخبر، لم يكن سوى حيلة تقنية تتجه عبرها القصيدة، إلى أن تشكل علائقها الخاصة: «الأطفال الذين بلا ملامح / الذين يوجعون قلوبنا من شدة التأثر، ستناديهم أمهاتهم بأرقامهم»، وصولاً إلى نهاية هي أشبه بتمام المعنى: «لن تتخلى ملامحهم عن الكذب / حتى لو نفدت بطارياتهم».

لا يكسر الشاعر محمد أبو زيد في ديوانه «طاعون يضع ساقاً فوق الأخرى وينظر الى السماء» أفق التوقع لدى المتلقي عبر نزع القداسة المدعاة عن اللغة فحسب، بل يتماسّ مع عوالم وسياقات ثقافية راهنة (الانترنت)، متماساً أيضاً مع الفنون البصرية المختلفة، وتحديداً السينما، واعياً آليات بناء قصيدته، هازئاً بالعالم من حوله، غير أنها السخرية المسكونة بمرارة القول وشعريته في آن واحد.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

نشر في جريدة الحياة اللندنية


يكتب الشعر ليطعم به البحر


زيان وزيري

بداخله ولا ينفضه إلا شعره الجميل اذكر أني سمعت له قصيده عن الحزن ومدي الارتباط بين ذلك المخلوق والعشب الأخضر وأصبت بدهشة الموقف التي حددت لدي انطباع عن هذا الشخص إنه وحسب يعيش شاعر كتابة وسلوكا كان يلقي الشعر وأنا أنظر إليه وكأنه طائر لا يطلب منك إلا أن تسمعه كي تعينه علي نفض ذاك القفص المتناهي في احتوائنا وعندما تسمعه لن يراك وأنت تصفق له لأنه موكل بملاك لا يعلم إلا كتابة الشعر وإلقائه بمنتهي العذوبة بإخراج الكلمات من مناطقها الأصلية بارتباط وثيق مع لغته الجسدية الواعية بكل ما يقول لا يوجد انفصال بين شعره وجسده فبشعره الجميل يستطيع أن يحرك جسدك أيضا كما يقوم بتحريك أعضاءه الكامنة في جسده لا بد وأن تسمعه وهو يلقي (يا أيها المزمل) وعندما تسمعها لن تقول رأيك فيها لأنك وبمنتهي البساطة ستذهب في عالم جميل يقودك فيه ذاك الأمير صاحب الحروف الموكلة بتطبيب القلوب .

هل رأيته وهو يصارع ذاك الطاعون الذي اضمر عقولنا حتى انه ركب حصانه وامسك بقلمه ونظارته المصغرة والتي بها فقط يستطيع أن يقوم بافتراس الطاعون الذي يضع ساقا فوق الاخري وينظر للسماء وتركناه وحيدا علي جزيرته يصارعه حتى خرج إلينا بكتاب جميل يحمل رأس الطاعون وهو ينبض بالحياة ويقدمه إلينا بسلسلة تتكون من أربع جولات ليصل إلينا بالقاتل التسلسلي ويوهمنا انه اتخذ مقعده السلبي بفضيلة النوم يقول _ في النوم، أهرب من الطاعون، يحبوعلي الأرض، طاعون في طرقات المستشفي، طاعون في العناية المركزة، في السوق، في الحافلة، في استراحة المسافرين، في حقائب الديناصورات الصغيرة. سألته عن ماهية المراجع التي ذيل بها هذا الطاعون المقتول رد مقتضباً: بها تكونت ثقافتي، إذًا نحن أمام شاعر تكونت ثقافته بالقرآن الكريم، صحيح البخاري، النسبية لأينشتاين، الأعمال الكاملة لمارسيل خليفة وعمر خيرت، ماذا تنتظر إذًا من تلك التركيبية التي تؤلف ملاكا ليسحرك بكلماته التي غلف بها كتابه _ نحن أحباب الله، ودعنا كراريسنا في غفوة الظهر، وركبنا النهر دون أن يدري، دون أن يهتم آباؤنا بمقاعدنا الفارغة، أمام شباك بنت الجيران……. عندما صدر له (ثقب في الهواء بطول قامتي)، (قوم جلوس وحولهم ماء) وكتابه (مديح الغابة) كان لا بد أن يطل علينا بالديوان الجميل (طاعون يضع ساقا فوق الأخري وينظر للسماء) ليحملنا إلي عالمه الذي قام بتكوينه لنا ليقوض تلك الحياة التي نعاني من نموها علي تلك الحال ويرسم طريقا لقارئه يقوده من خلاله الي جزيرة الطاعون المقتول. شاعرنا الذي يحاول أن يتبرأ من كونه أميرا يقود حقبة المدعوين علي طاولته اللامتناهية يذكرنا بدور الساحر الطيب الذي يمسك عصا بيضاء يحركها نحواليمين فينبت عشبا اخضر ويحركها ناحية الشمال ليبعدنا عن مبارزة الطاعون ويمسك بعصاه ليطعم بها البحر المالح ليسقي بعذوبة شعره وتشرب كل الكائنات نعم إنه يكتب الشعر ليطعم به البحر وطينا فرصة الارتواء بعد معاناة مع النفس.

صديقي القارئ عندما تبدأ في قراءة هذا الشاعر فلا بد من فتح جميع نوافذك كي تتمكن من استقبال مفاجئات الكتابة وحينها فقط ستدرك أنك أمام حالم بدنيا لا تستمر بقوانيننا الوضعية يقول ..

ابتسموا في وجوه الأقزام

حتى يحلقوا في السماء

في اطراف طائراتهم الورقية

لوحوا لهم تضامنا معي

لونوا الفضاء حولهم بالتنهدات والأدعية

قولوا لهم أن الأرض لا تستحق

سنوات قربهم منها

ولا القرابين التي قدمت للمسلات الطويلة

عندما قرأت هذا النص الجميل علي مدونته (مزيكا حزايني شوية) وجدت نفسي أكتب له في تعليق علي تأثري بحلمه الجميل.

الشاعر الجميل محمد أبوزيد:- من اليوم سنرفع القبعات للأقزام وسنروي يوما ما قصة الديناصورات التي تشارك العصافير حبوب القمح - من أجلك فقط.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

نشر في ديوان العرب