29‏/05‏/2012

لمن ستصوت والدة الشهيد مينا دانيال في انتخابات الإعادة؟

ربما لم تشعر والدة الشهيدة مينا دانيال بفقده إلا الآن، ربما تكون قد افتقدته إثناء 18 يوما قرر فيها أن يبيت في ميدان التحرير ضد نظام فاسد ومستبد، لكنها كانت تعلم أنه سيعود إليها بمصر الحرة، ربما افقتقدته في الاعتصامات والإضرابات والمظاهرات التي شارك فيها، ربما شعرت بالقلق عليه، ربما طلبت رقمه، وطالبته بالعودة، لكنها كانت تعلم في النهاية أنه يفعل ذلك من أجل مستقبل أفضل لمصر.
وعندما خرج في مظاهرات ماسبيرو، ضد الطائفية، وضد مصر التي يريد البعض تقسيمها، وضد بيادة المجلس العسكري التي تدهس الثورة،  ثم جاءها الخبر بأن مدرعات المجلس العسكري دهسته، هي بكت بشدة، وشعرت بروحها تسلب منها، لكنها كانت تدرك أن مينا دانيال لم يمت، لأن المبادئ التي ناضل لأجلها لا زالت حية، في هتاف آلاف المتظاهرين، ضد حكم المرشد، وضد حكم المجلس العسكري.
كانت تعلم أنه باق، وأنه يرفرف فوق كل المظاهرات، والاعتصامات مبتسما، يردد ما قاله المسيح، ليحمي الثورة التي وهبها روحه، كانت تعلم أنه لم يمت، لأن الثورة مستمرة،  وأن الدماء التي سالت في محمد محمود وماسبيرو ومجلس الوزراء ومسرح البالون، والعباسية، لم تسل إلا لتغسل جراح الوطن، وتطهرها.
الآن فقط تشعر والدة أم مينا دانيال بالفقد، وهي ترى الثورة التي ضحى نجلها لأجلها بروحه،   وهي تضيع تماما، تماما، وبالفصيلين الذين خاض ضدهما معركته يصلان إلى نهاية السباق، كتنين وكراكن يتعاركان للاستحواذ على الأرض.
المعركتان الكبيرتان اللتان خاضهما مينا دانيال، حتى اللحظة الأخيرة في عمره، كانتا ضد حكم المرشد، وضد النظام السابق وحكم العسكر، الآن فقط تشعر بالمرارة، بالخسارة الشديدة، فالطريق الذي فرشه الشهداء بدمائهم إلى صندوق الرئاسة، انتهلا بأحد خيارين، حكم المرشد، أو حكم العسكر، إما تجرع السم، أو القتل بالرصاص، إما سكة اللاعودة، أو "سكة اللي يروح وما يرجعش".
لمن ستمنح أم مينا صوتها في الانتخابات، لمن قتله وقتل غيره من الثوار، أم لمن سيقتله مجددا، ويكفره، ويطارده بما لم ينزل الله به من سلطان في أي من كتبه، ماذا ستفعلين يا أم مينا؟ أية مرارة وحيرة وضعتك فيها الثورة، والثوار وانشقاقهم، ونرجستهم ورغبتهم في الصعود إلى كرسي الحكم.
من تلومين يا أم مينا؟ هل ستلومين حزب الكنبة الذي لم يدرك فداحة المأساة وقرر التصويت لأحمد شفيق مطيحين بالثورة، أم ستلومين الثوار أنفسهم الذين لم يستطيعوا أن يتجتمعوا على مرشح واحد، ورفضوا كل محاولات التوافق، والاجتماع على مرشح واحد، وقرر كل واحد منهم أنه الأصلح لحكم مصر، غلبتهم النرجسية الشديدة، والغرور المتزايد، فلم يروا أبعد من أنوفهم، لم يروا الثورة التي ضاعت بانحيازهم السافر إلى أنفسهم وأنفسهم فقط.
لا يمكن لأحد أن يلوم أم مينا، ولا أحدا من الأقباط إذا منحوا أصواتهم لأحمد شفيق في مرحلة الإعادة، فقد وقفوا إلى جوار مرشحين الثورة في المرحلة الإعادة، لكن مرشحين الثورة أنفسهم لم يقفوا إلى جوار أنفسهم.
لا يتوقع أحد من الأقباط أن يمنحوا أصواتهم لمحمد مرسي مرشح الإخوان المسلمين، لأن الجماعة المعروفة ببراجماتيتها السياسية، لم تقدم ضمانات لأي أحد من  التيارات الإسلامية نفسها، ولا تنازلات من أجل الثورة، ومن المؤسف أن تتحول الانتخابات إلى معركة طائفية، يجمع الإخوان التيارات الإسلامية حولهم فيما يذكر ب"غزوة الصناديق"، ويغازل أحمد شفيق الأقباط بورقة الدولة المدنية، مع أن لا هذا يعبر عن الدولة الدينية، ولا ذلك يعبر عن الدولة المدنية.
المقاطعة ليست حلا، لكن كل الخيارات المطروحة مريرة، سامحينا يا أم مينا، جميعنا يجب أن نقدم الاعتذار لوالدة الشهيد مينا دانيال.. فلم يكن هذا هو حلمك ولا حلم مينا، ولا حلم الثورة

15‏/05‏/2012

كيف تصنع "فزاعة سياسية" في 24 ساعة؟

مع اقتراب الانتخابات الرئاسية، يقترب الحلم الجميل الذي عاشه الإسلاميون، في الفترة الانتقالية، من نهايته، ويبدو حلم الخلافة الذي لاح لهم دانيا ذات يوم يستعد للقطف، بعيدا جدا.
فالمسرح الذي يتم تجهيزه لاستقبال الرئيس القادم، الذي لن يرفض بحال من الأحوال إرضاء العسكر، يسبقه مسرح آخر، وهو الخلاص من السلفيين، وذلك عن  طريق صنع فزاعة سياسية  منهم، تبينهم على أنهم أعداء الوطن، وذيول بن لادن في المنطقة، والمتسببين في كل الأحداث التي شهدتها مصر.
لم يكن ظهور الشيخ محمد الظواهري، شقيق زعيم تنظيم القاعدة في ميدان العباسية، وهو محاط بملثمين، يرفعون رايات سوداء، ويهتفون "صور صور يا أوباما كلنا هنا أسامة"، لم يكن هذا إلا بداية صناعة الفزاعة، حيث خرجت في اليوم التالي الصحف، تصور مصر وكأنها بيت تنظيم القاعدة السري، وكأن التفجيرات يسمعها المصريون في الطرقات قبل وجبات الطعام الثلاث، مع أن أحدا لم يسأل نفسه، وهل من يقوم بالعمل السري، الجهاد ضد النظام، سوف يفضح نفسه بهذا الشكل.
الفزاعة جرى صناعتها في الأيام التالية على هيئة أخبار صغيرة، لكنها تثير رعب وتساؤل المواطن العادي، فيحكي أحد الأخبار عن سائق التاكسي، الغلبان،الذي قام بالتبليغ عن رجل ملتحي يرتدي جلبابا أبيض، ويضع كيسا به قنبلتين بجوار مسجد النور، هذا الخبر الذي يبدو ببساطة شديدة لقارئه أنه صنيعة أمن الدولة، لم يكن إلا جزءا من مخطط مقصود لتشويه التيار الإسلامي.
خبر آخر، نقلته إحدى الصحف، أن جهاز الأمن الوطنى بدأ الاستعانة بعدد من ضباط أمن الدولة المنحل، والمختصين بمتابعة ملف التيار الدينى قبل ثورة 25 يناير، لدراسة عناصر الجماعات الدينية المختلفة من المنتمين لتنظيم القاعدة، والتى دخلت البلاد عقب الثورة، وظهرت خلال اعتصام العباسية، خاصة أن كاميرات المراقبة التقطت صورا لعدد من الملثمين، ممن تثور شكوك فى كونهم ينتمون إلى مصر، وبعد أن رصد الجهاز عددا كبيرا من العناصر المنتمية لجماعات لها علاقة وثيقة بتنظيم القاعدة فى باكستان وأفغانستان واليمن وفلسطين، ودخلت البلاد عبر الأنفاق مع غزة، وقوافل التهريب القادمة من السودان وليبيا، واندمجت مع الخلايا النائمة فى مصر، وبثت فى شرايينها النشاط من جديد، ومارست عملها فى سيناء، بالتنسيق مع جماعة جندالله الفلسطينية، ثم دفعت بعدد كبير من عناصرها إلى القاهرة وظهرت فى اعتصام العباسية ملثمة.
الخبر، المكتوب بصياغة أمنية واضحة، يقول أن ضباط أمن الدولة السابقين قرروا الاستعانة بالأرشيف الإلكترونى المتحفظ عليه لدى جهات أمنية سيادية لمطابقتها مع صور العناصر الملثمة التى ظهرت فى أحداث العباسية، ورصد تحركاتها داخل البلاد، وبغض النظر عن أن مصدر أمني نفى بعد ذلك الاستعانة بضباط سابقين، إلا أن المضحك في الأمر، هو كيف تتم مطابقة وجوه الملثمين، خاصة وأنهم "ملثمين".
الأخبار الثلاثة الماضية، ليست إلا  بعض أخبار، بدأت تتسرب إلى الصحف، تنشر أحيانا في صدر الصفحات الأولى، وأحيانا في طرفها، وتتبعها عشرات المقالات المحللة والمحذرة، والتي تكشف عن اتجاه لصناعة فزاعة جديدة، ربما تبدأ بالجهاديين، مرورا بالسلفيين، ثم الإخوان، وقد تطال بعد ذلك بقية التيارات السياسية، لكي يبقى تيار سياسي واحد يسبح بحمد الرئيس.
الأخبار السابقة، قرأنا مثلها في أواخر عصر السادات، وفي التسعينيات من عصر مبارك، وكانت كلها تنتهي بالقبض على أعضاء التيار الإسلامي ووضعهم في السجون، أو إجبارهم على التحول إلى العمل السري.
لسنا في حاجة لصناعة فزاعة جديدة، ففي مصر الجديدة، نحن نحتاج إلى كل الأفكار جنبا إلى جنب، نختلف في الأيديولوجيات، لكن في النهاية فإبعاد أي طرف هو وأد لأحد الأطراف الفاعلة التي تصنع حراكا مهما، ومطلوبا.
أمام الرئيس القادم أحد الطريقين، وهو إما دمج التيارات الإسلامية في العمل السياسي، وإجبارها على التعامل مع المحيط السياسي، والتجربة اثبتت أن السلفيين، ممثلين في حزب النور، يتعلمون من أخطائهم بسرعة، ويتطورون سياسيا، وبالتالي تكون كل أفكارهم، وتمويلهم وخططهم متاحة أمام الجميع، وتحت رقابة دولة القانون، والطريق الثاني، هو أن تتم محاصرتهم، وتحويلهم إلى فزاعة، وهو ما عني أنه سيتم إجبارهم على العودة إلى العمل السري، والعمل تحت الأرض مرة أخرى، وهو ما سيؤدي إلى كوارث لا تحمد عقباها.

11‏/05‏/2012

سينما باراديسو


سأحكي لك حكاية، في يوم من الأيام أقام الملك حفلة تضمنت أجمل الأميرات في المملكة. أحد الحراس، وكان يدعى باستا، رأى ابنة الملك، كانت أجمل الموجودات، فوقع في حبها، ولكن ماذا يفعل جندي فقير مع ابنة ملك ؟

في يوم من الأيام دبّر لقاءً معها، وقال لها إنه لا يستطيع العيش بدونها، تأثرت الأميرة بشدّة من عمق مشاعره، لدرجة أنها قالت له: إذا بقيت منتظراً مائة يوم ومائة ليلة تحت شرفتي، فسوف أكون لك في النهاية، بحقّ الله.

ركض الجندي بعيداً، وانتظر يوماً، يومين، عشرة، عشرين، كل ليلة كانت الأميرة تنظر خارج الشباك، ولكنه لم يتزحزح.

جاء المطر، و الريح، والثلج، تبرزت الطيور فوقه، وأكله النحل حياً، ولم يتزحزح.

بعد تسعين ليلة أصبح سقيماً شاحباً، والدموع تجري في عينيه ولكنه لم يستطع إيقافها. لم يعد يمتلك القوة لينام. وطوال هذه المدة كانت الأميرة تراقبه، وفي الليلة التاسعة والتسعين، هب الجندي واقفا، حمل كرسيه وغادر المكان.

لا أعرف كيف، فهكذا انتهت القصة، ولا تسألني عن مغزى ذلك، فأنا لا أعرف.

لا أحد يملك أن يقرأ نهاية القصص، لأن التاريخ يكذب كثيرا، المخرج الإيطالي جيوسيبي تورنتوري، لم يكن يعرف نهاية القصة، ولم تقدم  سينما باراديسو إجابة للسؤال، عن المستقبل وعلاقته بالمقدمات.

كل النهايات مخيبة للأمل، القصة الماضية لا تختلف عن قصة التمويل الأجنبي، التي أشعر المجلس العسكري الناس فيها بأن رأسه برأس أمريكا، وأنه سيلقي أوباما في البحر، وسيقف يتفرج عليه من على الشط، تشبه قصة حازم أبو إسماعيل، الشيخ التقي الذي كذب علينا جميعا، تشبه قصة اليسار المريض الذي يتصارع زعماؤه على رئاسة حزب، تشبه قصة الإخوان والعسكري والصراع على الكعكة، تشبه قصة الخلاف مع السعودية الذي انتهى بذهاب وفد رسمي  للاعتذار للملك، تشبه قصة الوطن، الذي لم يعد يعرف إلى أين يسير، ومن الذي بيده خيوط اللعبة.

الجميع يتحدث الآن عن انتخابات الرئاسة، وكأنها طوق النجاة لمصر. أعرف أنه بعد انتخابات الرئاسة سيغادر المجلس العسكري الحكم، ويعود إلى ثكناته كما وعد، وكما نتمنى، لكن هل تكون هذه هي نهاية القصة وبداية النهاية السعيدة التي نراها في الأفلام.

كما قلت النهايات السعيدة في الأفلام العربية فقط، فلا بعد مائة يوم من الانتخابات الرئاسية ستصبح مصر دولة عظمى، ولا بالاتصالات الهاتفية سنحل المشكلة الأمنية والاقتصادية، لا تصدقوا من يقول لكم ذلك، فلا الطرف الثالث سيلملم ملابسه ويرحل ولا الأطراف السياسية المتصارعة ستتزوج زواجا كاثوليكيا.لم يتوقع الذين خرجوا يوم 25 يناير، والذين استحموا بقنابل الغاز والرصاص المطاطي يوم 28 يناير، والذين دهستهم الجمال يوم 2 فبراير، والذين لم يوقفوا سيل الدموع من عيونهم بعد تنحي مبارك يوم 11 فبراير، لم يتوقعوا جميعا أن تكون هكذا النهاية.

لكن ما أغرب الواقع، وما أغرب الحقيقة، عندما نجد أن على رأس المرشحين للرئاسة رموز النظام السابق، وزير خارجية لم يتخذ موقفا حقيقيا خارج إطار الكلام، ورئيس وزراء كان موجودا في موقعة الجمل، ولم يفعل شيئا، هل كانت البدايات تقول هذا. لا. لم تقل هذا إطلاقا.

يقول ماركس إن التاريخ عندما نجره للتغيير يمر عبر المنحنيات القذرة، ومن الواضح أن مصر بعد ثلاثين عاما من الجمود، تنزع قدمها، لتضعها في مستنقع تلو الآخر، ما يحدث للثورة الآن، هو منحنيات قذرة بالفعل، بحسب توصيف ماركس، صنعها رجال أعمال النظام السابق تارة،  والمجلس العسكري تارة، والقوى السياسية مجتمعة، ومتفرقة بنرجسيتها، تارة، وتارة.

أقول لك.. لا تسألني ما الذي سيحدث غدا، فأنا لا أعرف.

07‏/05‏/2012

مدهامتان‏..‏الخضرة القاتمة من شدة الري


بقلم: بهاء جاهين
أرص الصور بجوار بعضها فتكتمل الحياة‏.‏ دقات قلب المرء قائلة له‏:‏ أنا وحدي في الفريزر‏.‏ السعادة الحقيقية تجدونها في هذه القصيدة‏..‏هذه عناوين ثلاث قصائد في الديوان الرابع لشاعر بديع ــ في رأيي ــ غير مسموع بما يكفي, شاب يرتدي عمامة أزهرية, وتحتها رأس عامر بما لذ وطاب من ثقافة واسعة متعددة المنابع, وأولها بالطبع الثقافة العربية الكلاسيكية.
الاسم: محمد أبوزيد. الديوان: مدهامتان. وهي لفظة قرآنية أورد شرح معانيها من تفسير القرطبي, وأحد هذه المعاني: عميقتا الخضرة إلي درجة السواد من شدة الري, وهذا الشعر كذلك: عميق وقاتم وريان, اجتمع الشرق والغرب والموهبة علي ريه فأترعنه.
من أول كلمة يبدو مدي تأثر الشاعر بالتراث العربي الإسلامي. لكنك إذا تأملت عناوين القصائد التي أوردناها في البداية, للمست ثورة الشاعر علي تراثه وعلي كل ما هو كلاسيكي, فهو شاعر يمكن وصفه أحيانا بأنه سيريالي. ولكن لأنه شاعر كبير فهو يستعصي علي التعليب, إلا أنه من المؤكد أنه حداثي, بأوسع معاني الكلمة, فهو ليس مدرسيا في شعره, أيا كانت المدرسة, بل يخرج عن التقاليد والأعراف والمطروق في الفن طوال الوقت, فإذا كتب قصيدة خوارجية بالمعني الفني, لا يلبث أن يخرج عليها في القصيدة التالية.
لن أزيد, حتي أفسح أكبر حيز لهذا الصوت الأصيل المتفرد, المدهش في لغته وصوره, والمبدع في كل تفصيلة, حتي التذييلات(footnotes) يكتبها بإبداع!
تذييل: في القصائد الطويلة اضطررت إلي بعض المونتاج واستعضت عن السطور التي استبعدتها اضطرارا بسطر واحد من النقاط(.....................)

مختارات من الديوان
من باب ذهب محمد إلي الحقل
> ما لا أريد قوله
لم أولد وفي فمي ملعقة من ذهب
أو صفيح
لم أولد وفي فمي ملعقة من الأصل
لأنني بلا فم يا إخوتي
وما تسمعونه الآن
ليس إلا همهمات الأشجار المختبئة
من البرد والمطر
ليس إلا صراخ الظلام في حنجرتي
ليس إلا هرير القطة النائمة تحت قدمي
منذ واحد وثلاثين عاما.

مقتطفات من قصيدة أنا خائف يا أليس
1
اليوم فقدت الأخضر
وبالأمس الأزرق
لم تعد هناك سماء, ولا حقل ذرة
لا يرقات, ولا غابات أمازون
الأحمر يستلونه مني
ولا أقوي علي الذود
2
أضع يدي فوق جبهتي
وأنظر من أعلي لعمر الذي ترك يدي
وهرول بعيدا
أبحث عن ولد كان يسير هنا أمامي..
4
كل يوم
أستيقظ مبكرا لأكتب قصيدة
أمزقها في المساء.
ذات يوم,
بعد أن أنهيت أعمالي الكاملة
قررت ألا أستيقظ.
في الحلم
كانت لفائف الورق
تمشط ذراعي
بقلادة من نار
5
الآن..
وأنا أقترب من نهاية العمر
تتكاثر النظارات بلا جدوي
تتجمع في حجري كبيض فاسد محطم
تغدو الحياة مثل الذكريات
بلا ألوان تقريبا
..................
من باب: القصيدة الأخيرة

من يدل الكفيف مرة أخري علي الطريق يارب؟
هذه قصيدتي الأخيرة
بعد آخر حرف فيها سأعتزل
لم أعد أرغب في كتابة الشعر
....................
وأنتم تقرأون هذه القصيدة
سأكون ممتطيا حماري
وأنا أتناول الجبن والخبز
إلي البلاد التي بلا اسم
حين تكتب الصحف في صدر صفحتها الثالثة:
نحن ننفرد بنشر القصيدة الأخيرة لمحمد أبوزيد
وتعلن قناة الجزيرة:
عاجل: معلومات مؤكدة عن امتطاء محمد أبوزيد حماره,
وتوجهه إلي جهة غير معلومة
سأكون هناك
أتأمل الفضاء
أحني لحيتي
وأضحك
يكفيني كهف في جبل
تكفيني مزقة لبن
يكفيني بكاء أغنامي علي
تكفيني الوحدة
آآآآه
الوحدة التي تتحول إلي قصيدة مؤلمة لا تنتهي
....
الكتاب صادر عن دار شرقيات, وهو حقا من الشرقيات التي نهلت من الغرب حتي ارتوت, وكاتبه شاعر عليم بفن المعمار. تأمل قصيدته الأخيرة, واعلم أن عنوان الباب الذي يسبقها يحفر قبره ويغني, وأن القصيدة الثانية تبدأ بهذا السطر: لم أولد وفي فمي ملعقة من الذهب.
ــــــــــــــــــ