22‏/02‏/2007

ملك


أنا كنت ذات مرة ملك
لكني صرت كتابة
جاهي وزماني اتهلك
والصحبة كدابة
يا ميت ندامة على قلبي اللي كان بيقش
دلوقتي يا قلبي يا عش القش
خايف من الضلمة
من الفرقة
من أمنا الغولة
واقف وحيد ببكي بحرقة
وعيونكو مسئولة
دنا قلبي كان ف يوم محجّ لْكُم
وكنت اسافر ياما وباجيلكم
أنا قلبي كان ف يوم ممشّاكم
إيه اللي صار
وايه اللي مشاكم ؟
دنا كنت ذات مرة ملك
لكني صرت كتابة
آه يا عيون خاينين
ويا ضحكة كدابة

10‏/02‏/2007

ارتد جميع ملابسك فالسماء تمطر بالخارج


عندما يبدأ الشتاء طرقاته على البيوت تغلق النوافذ والأبواب، تضاء الشوارع بنور خافت، تخرج البطاطين، والملابس الشتوية الثقيلة من الحقائب المخزنة فوق الدواليب، يعود الناس من أعمالهم مبكرا، ينشط باعة الجوارب والآيس كاب والمعاطف الفرو، يبدأ فيروس الانفلونزا فترة عمله الحقيقية منتقلا من فرد إلى آخر، يبدأ البعض بياتهم الشتوي، تشتعل البوتاجازات في البيوت بالمشروبات الساخنة، تبدأ الأمهات في تلقين وصاياهن لأولادهن، وأزواجهن بأن « يتغطوا كويس»، ويرتدوا ملابس ثقيلة وهم خارجون، وألا يعطوا وجوههم للهواء، يطول الليل ويقصر النهار، يخرج البخار من أفواه البنات الذاهبات إلى مدارسهن البعيدة، فينفخنه في زجاج المترو، ثم يكتبن عليه أسماءهن وأرقام فصولهن، يرتدي الأولاد القفازات ولا يمسكن بأيدي بعضهم في الطريق، تغلق المقاهي مبكرا، وتزدهر الشيشة التي تدفئ الصدور، يبدأ الشعراء كتابة قصائد جديدة.
الشتاء يعني أن ترتدي جميع ملابسك، أن تغلق جميع أزرار القميص والمعطف وأنت تسير بردانا تحت المطر تدندن بلحن أغنية قديمة، محتضنا صحف اليوم، وكتاب قديم لم تتم قراءته بعد، فيما السماء تزمجر مبشرة بأمطار جديدة.
الشتاء يعني العودة من العمل مبكرا والهرولة إلى البيت، ارتداء جوربين، وملابس ثقيلة ونصائح الأمهات بألا تجلس في البلكونة خوفا من لسعة البرد، ألا تجلس أمام التلفاز انتظارا لفيلم السهرة وأن تدخل إلى السرير مبكرا، وأن تتغطى ببطانيتين، وربما ثلاث، محاولا أن تدفئ أطرافك.
الشتاء يعني القراءة في السرير قبل النوم، أن تتناول كتابا، أو ديوان شعر، من جوارك، وجسدك غاطس في الأغطية، تبدأ القراءة وأسنانك تصطك ببعضها، وتنام قبل أن تكمل الصفحة الثانية، أن تشعل المدفأة، وألا تشعر بما تقدمه لك من دفء، فتنوي أن تحضر المهندس صباحا ليصلحها وتنسى ذلك في الصباح.
«أحن إلى خبز أمي وقهوة أمي ولمسة أمي وتكبر فيّ الطفولة يوما على صدر أمي وأعشق عمري لأني إذا مت أخجل من دمع أمي»، الشتاء يعني صوت مارسيل خليفة الذي يشدو بقصيدة لمحمود درويش وأنت نائم في سريرك تحيط بجسدك جميع أغطية البيت مصاب بالإنفلونزا منذ ثلاثة أيام لا تفعل شيئا سوى شرب المواد الساخنة، ينسون، ليمون مغلي، وأمك تحذر إخوتك من العدوى وترسل أخاك الصغير إلى الصيدلية القريبة لكي يشتري «مجموعة أنفلونزا» لك.
شتاء المصريين يختلف عن غيره، فالقاهرة التي لا تعرف الهدوء، تعرف ما يشبهه في ليل الشتاء، ومواقف السيارات التي تكون مزدحمة طوال الشتاء تعرف الهدوء في هذا الفصل، وترى سائقي الحافلات وهم ينتظرون راكبا حتى يعودوا إلى بيوتهم الهادئة، في الشتاء تنام القاهرة باكرا، وتسري حالة تشبه الحنين بين الناس، تشبه قصيدة كتبها صلاح جاهين ذات يوم تقول «دخل الشتا وقفل البيبان ع البيوت، وجعل خيوط الشمس خيط عنكبوت، وحاجات كتير بتموت في ليل الشتا، لكن حاجات أكتر بترفض تموت ».

الموعد الرسمي لبدء فصل الشتاء يوم 21 ديسمبر، لكن المصريين يبدأونه قبل ذلك بكثير، ربما مع بداية شهر نوفمبر، ورغم تقلبات الجو في الخمس سنوات الأخيرة، والتي يردها المصريون إلى السحابة السوداء إلا أنهم يحرصون على ارتداء الملابس الثقيلة، ورغم أن الحافلات العامة تكون مزدحمة على الدوام بين تأفف الراكبين، إلا أنها في الشتاء أكثر ازدحاما بدون تأفف، بسبب الملابس الثقيلة والمعاطف التي تملأ الأمكنة، فالكل يريد العودة إلى منزله بأي طريقة.
يزدهر في شوارع مصر الجانبية والرسمية في هذا الفصل باعة البطاطا الساخنة والتي يتصاعد بخارها من مدخنة العربة مع رائحتها اللذيذة، بالإضافة إلى باعة الذرة المشوية والذين يشوونها أمام الزبائن على جمرات تدفعهم للتدفؤ عليها، هناك أيضا باعة مشروب الحمص الساخن، أما أكثر الباعة انتشارا في الشتاء، فهم باعة المناديل الورقية، مع النشاط المذهل لفيروس الانفلونزا. كثير من المصريين لا يحبون فصل الشتاء ويرون أن الصيف أفضل، يبررون ذلك بحالة الكسل التي تنتابهم، وحالة البرد التي تعطلهم عن العمل، لكن الذين يحبون بيوتهم يحبونه بلا شك، ويرونه أفضل من الصيف الذي تنتشر فيه الأوبئة وروائح العرق الكريهة، لكنهم لا ينكرون أن الموظفين في المصالح الحكومية يبدون مثل الروبوتات التي لا تريد أن تتحرك.
«بعد ما ادي وبعد ما خد، شد لحاف الشتا م البرد، حط الدبلة وحط الساعة، حط سجايره والولاعة، علق حلمه على الشماعة، اللي قضى العمر هزار، واللي قضى العمر بجد، شد لحاف الشتا م البرد» تلخص أغنية المطرب محمد منير حال الكثير من المصريين في هذا الشهر، لكن الحالة الأبرز هي حالة الاكتئاب، والتي يرى البعض أن منظر السماء والجو والبرد تجعل الإنسان معرضا لها بشكل كبير، حالات الاكتئاب موجودة بكثرة، لكنها لدى الكثيرين تزداد في هذا الشهر.
الشتاء يعني البيات الشتوي للعائلة كلها والالتفاف حول المدفأة، تبادل الحكايات والأخبار، والنكات «يحكى أن بخيلا سألوه، ماذا تفعل عندما يشتد البرد، فقال أقترب من المدفأة، فسألوه: وإذا اشتد أكثر؟ فقال: أقترب من المدفأة أكثر، فسألوه وإذا اشتد أكثر وبدأ الجو يعصف، فقال التصق بالمدفأة، فسألوه: وإذا اشتد أكثر وأكثر حتى أمطرت السماء ثلجا، فقال البخيل: في هذه الحالة أشعل المدفأة». أسعد مخلوقات الله بالشتاء النساء، ففصل الشتاء كما يصفه الخبراء هو فصل الجمال والأناقة فلا عرق أو أتربة تفسد الماكياج ويبدو هذا مبررا لهن لاستعماله، واستعمال أردية ثقيلة وأحيانا خفيفة تجعل السؤال الرجالي الشتوي يتردد «ألا يصبن بالبرد؟».
الثلج رمز الشتاء. اليوم الذي يمر بدون ثلوج ليس شتاء حقيقيا في الدول الأوروبية، لكن مصر ليس فيها هذا الثلج، المصريون يتابعونه فقط عبر شاشات التلفزيون، وفي رعشات أصوات أصدقائهم الذين يكلمونهم من الخارج، رغم الاختلاف على الشتاء، رغم البرد والملابس الثقيلة والجوارب والفرو والبيجامات الكستور، إلا أن هذا الفصل يبدو جديرا بالحب، بأن تسير الساعة الحادية عشرة مساء في الشوارع التي تكاد أن تخلو إلا منك متدثرا بالمعطف تغطي رأسك بالجريدة من السماء التي تهطل خفيفا، تهرول ناحية بائع الجرائد على الناصية تشتري جرائد الغد، وقد تجري اتصالا هاتفيا متعجلا من هاتف بالشارع، وأنت ترمق ولدا وفتاة يرقصان في مرح، تحت المطر.