26‏/03‏/2012

بازل محمد أبو زيد..الشعر ينفجر لحظة اكتمال الصورة


حسن عبد الموجود
"أضبط برودة الثلاجة/ وأترك قلبي وحيداً في الداخل/ خائفاً عليه/ من عواء الريح في الأفق". لا يخاصم محمد أبوزيد المجاز، ولكنه لا يعتمد عليه بشكل كلّي، المجاز يشبه قشرة في ديوانه الجديد "مدهامتان"، أو بالأدق لمسة الحنين إلي الأشكال القديمة، فكيف تتفجر الشعرية إذن من أسطر هي في الأغلب أقرب إلي تقرير؟! أو بشكل أدقّ.. هل يمكن تفجير الشعرية من التقرير؟!
نعم هناك إمكانية لتفجير الشعر من لغة مباشرة وواضحة، ممزوجة بقليل من المجاز، فالدهشة تخطفك مع اكتمال المشهد. الشاعر يسرد التفاصيل، ويعيد تركيب أجزاء الصورة بطريقة البازل، يعيد قص العالم ولصقه، ليجبرنا علي رؤيته من خلال منظوره هو، لا من خلال رؤيتنا الواقعية. الألفاظ هي الألفاظ، ولكن ترتيبها الجديد هو ما يصنع الاختلاف. وفي الأغلب سيبدو كما لو أن شيئاً ناقصاً ما لم تصل إلي السطر الأخير، ما لم تكتمل الصورة، وهكذا ستشعر بروعة المشهد الكلي، وسينفجر الشعر "سكان البدرومات/ يأخذون كرات أولادهم/ التي اتسخت/ من كثرة اللعب في الشارع/ يرفعونها كل مساء/ قمراً ينير طريق الليل في عودته".
في مداهمتان العالم شديد الوضوح، ألوانه صارخة، ربما تعويضاً عن المجاز، شبه الغائب "اليوم فقدت الأخضر/ وبالأمس الأزرق/ لم تعد هناك سماء ولا حقل ذرة/ لا يرقات ولا غابات أمازون/ الأحمر يستلونه مني/ ولا أقوي علي الزود"، ولكن لا يعني وضوح الألوان أن العالم مبهج، فالروح التي تُسيطر علي الديوان تحاول الهرب من شيء ما، من إحباط ما، من ذكري مؤلمة "تتغذي ذاكرتي علي النسيان" إنها روح قلقة وخائفة علي الدوام "أصبحت أخاف/ الكلاب الساكنة والمراهقين/ أهتم بالنظارات وقياس الكولسترول/ بمصادقة طبيب عظام جيد/ بأسعار المقابر في صحف الصباح". إنها تخشي الحقيقة المؤلمة، حقيقة الموت "مع الأيام/ أتحول لصورة معلّقة علي الحائط".
تتمني تلك الروح لأحبتها أن يسبقونها إلي العالم الآخر، فربما يكون أكثر جمالاً "لأنني أحبكم/ أريدكم أن تموتوا الآن/ أريد أن أمشي خلف جنازاتكم/ واحداً وراء الآخر". لا. تجزم تلك الروح بأمان العالم "سأكون سعيداً وأنا أغلق عينيك عن هذا العالم/ هناك ستكونين بمأمن/ سأتنهد بارتياح/ وأنا أضع آخر طوبة أمام فتحة القبر"، تجزم أيضاً بصعوبة تكوين العلاقات رغم أن هناك ما يدعونا إلي هذا "يقول موقع yahoo/ إن التفاهم صعب/ والعلاقة متعبة/ ومثيرة للأعصاب/ وإنه لا توجد ثقة كافية متبادلة/ بالرغم من أن الثور مفكر ومهذب/ والدلو مفعم بالحياة ومثالي/ أريد أن أصدّق الأبراج/ هذه المرة".
يملك محمد أبو زيد خبرة شاعر كبير، خلصته من مشاكل قصيدة النثر، خلصته أولاً من أن يكون رقماً في طابورها، وأيضاً من أن يكون جزءاً من الحالة العامة، أو القصيدة الواحدة التي يكتبها كثيرون، والاستثناءات حاضرة طبعاً وإن كانت قليلة. لا يترك اللغة تُسيطر عليه، وحتي لا يكون الكلام عاماً فإن هناك مثالاً بخطأ تكرار الفعل المضارع، لأنه يشيع حالة من الملل. أبوزيد لا يفعل هذا وإنما يستفيد من أساليب السرد الحديثة، فهو ربما يكسر الرتابة بتساؤل، بصوت آخر، إنه يكسر حالة الديوان نفسها بقصيدة عمودية، أو قصيدة تفعيلة، لا ليستعرض عضلاته، ولا كنوع من الحنين إلي الأشكال القديمة، لأنه يسخر أصلاً من الإكلشيهات "لو قلت إنك زرتينني في الحلم/ سأكون كلاسيكياً/ ولن يُصدّقني أحد"، ويعلن كراهيته للأغراض الشعرية "كل قصائد الحب القديمة هراء"، إنه يفعل ذلك في الأغلب ليخلق إيقاعه هو، لا إيقاع التداعي الذي يجعلك كأنما تنصت لصوت خبطات بطيئة صادرة من بعيد تصيبك بالقلق، وذلك الخروج علي التداعي النمطي لا يعني صدم القراء، حيث تبدو لعبة الكتابة واضحة من القصيدة الأولي، وهكذا يستطيعون الإحساس بهارموني القصيدة، رغم النقلات الفجائية في القصيدة الواحدة. انظروا.. يقول "ذات يوم/ سأتحول إلي سفينة سوداء/ عيوني قراصنة/ تنبض قلوبهم بالمحبة"، وبعدها مباشرة "ذات يوم كان لي دراجة/ أصعد بها إلي السماء". هل أضاف ديوان "مدهامتان" إلي الشعر؟! بالنسبة إليّ أصبح محمد أبوزيد شاعراً قادراً علي صناعة الفارق.
ــــــــــــــــــــــ

"مدهامتان" أبو زيد.. حينما يتحدى الشاعر شعره


محمد الشماع
قصيدة النثر. هذه البناية التي جاورت الأنواع الأدبية في منتصف التسعينيات، لي معها تاريخ من الاضطراب والانزعاج. حبي لأشعار عبد الصبور ودنقل وحجازي ودرويش، يمنعني من الانجذاب لهذا الفن، الذي طالما عدد رواده ومريدوه، مكامن الجمال فيه، وصوره البراقة اللامعة، سارقة الأنظار والأفهام، وحريته في كسر الوزن، الذي يعتبروه أحد التابوهات الكبرى.
أقرأ الرواية في ظروف خاصة. كذلك أفعل مع المجموعات القصصية، ودواوين شعر التفعيلة، والعامية. ربما لا أحتاج لهذه الظروف، وقت قراءتي لديوان نثري. فأغلب ما قرأت من قصيدة النثر، يشبه بعضه. الصور تكاد تكون مكررة، القاموس اللغوي، متشابه إلى حد كبير. لا متعة ولا شغف ولا قلق، فأخرج من الديوان بلا شئ جديد.
في حديثي مع أصدقائي من كتاب قصيدة النثر، دائما ما أقول "ربما العيب في". لكنني في نفسي، متأكد أن العيب هو عيب النوع الأدبي. ولكن مع ديوان "مدهامتان" للشاعر محمد أبو زيد، عرفت أن العيب ليس عيب النوع الأدبي. فالديوان ينتمي إلى قصيدة النثر، لكن المتعة، والشغف والقلق، تسربا إلى داخلي، أثناء قراءتي، وكأنني أقرأ لدرويش ودنقل وعبد الصبور.
"مدهامتان" هو اسم الديوان، وهي الآية رقم 64، من سورة الرحمن. وهو أيضا وصف للجنتين، الذين وعد بهما الله تعالي لـ"من خاف مقام ربه"، في السورة، وفي اللغة، هو اللون الأسود من شدة الخضرة. هكذا في البداية، يجعلني أبو زيد أفكر، في مغزي اختياره لهذا الاسم.
في طرف الغلاف الداخلي، صورة لطفل معمم. يشبه أبو زيد. لم أجتهد كثيرًا في معرفة أن الصورة، هي صورته وقت أن كان في المرحلة الابتدائية، من دراسته الأزهرية. لم يتغير أبو زيد في ملامحه، إلى حد جعلني أشعر حينما كنت أقرأ بعض قصائد الديوان، أن روح الطفل أبو زيد، حاضرة.
صه أيها الموت / ماذا تريد بعد أربعة دواوين مفعمة بالجثث / برائحة البارود والجماجم الطائرة / بالدم والسل والطاعون / لم يعد بإمكاني تقديم قرابين أكثر / تعبت
بهذه السطور افتتح الشاعر ديوانه. فكانت كالمقدمة، التي تسبق الدراسة. والذي يسرد فيها الباحث أهداف وخطوات دراسته، والنتيجة التي توصل إليها. يبدو أن أبو زيد، سيأخذنا لرحلة من القلق، والخيال القاتم. يتحدث مع الموت، بل يأمره الإنصات، والتروي، ومنحه الفرصة أن يتحدث عن أشياء أخرى، وأن يكف عن نيل القرابين.
في القسم الأول، والذي منحه الشاعر اسم "ذهب محمد إلى الحقل"، نحو 12 قصيدة، سيطرت على معظمها فكرة الحنين إلى الماضي. ففي قصيدة "الغابة الخضراء الواسعة" تجده يقول:
أريد أن أعود طفلا مرة أخرى / أحب / ويتحطم قلبي الغض / أحلم بالكتابة والثورة / أعرف الفارق بين العدو والصديق / أتخلى عن حكمة الشيوخ / وأعود حيوانا بريا / يجري سعيدا في الغابة.
الشاعر أيضا، يرسل بطله، إلى عالم الكهولة، ليحلم معه بزمن كان فيه قويا، يافعا، قادرا على صنع الكثير. في عالم الكهولة، يندم البطل، على عمره، وعلى قوته التي خارت، وعلى حكمته، التي لم تكن. كما في المقطع السادس، من قصيدة "أنا خائف يا أليس":
عندما أعود صغيرا / سأعيد قراءة كتاب لم أكمله / وضاع مني / سأتوقف عن مطاردة دود القز وأفراس النبي / سألعب / ألعب حتى تنبري قدماي / أحتفظ بقصائدي الأولى التي مزقتها / أمسح جبهة حماري الذي ضربته / اشتري عينين جيدتين من البائع الذي يلف في الشارع / أبكي أكثر على قطتي حتى تعود من الموت / أهرول كي أنقذ كرتي من السيارة المسرعة / عندما أعود صغيرًا ، لن أصبح كبيرًا.
تناقض مدهش، يحمل في طياته سخرية بالغة، بين عنوان قصيدة "السعادة الحقيقية تجدونها في هذه القصيدة" وبين نصها الذي يبدأ:
لأنني أحبكم / أريدكم أن تموتوا الآن / أريد أن أمشي خلف جنازاتكم / واحدا وراء الآخر.
أبو زيد، يمتلك ناصية لغوية عظيمة، ويعشق التجريب. نراه يلعب بالتراكيب اللغوية، في قصيدة "برج الثور: حب جديد يغزو قلبك". نراه يكرر اللفظ أو التركيب الذي ينهي به سطره الأول، من كل مقطع في القصيدة، في أول السطر الذي يليه:
حبيبتي خضراء كالغابة / الغابة التي احترقت أمامي منذ قليل ..... حبيبتي حزينة كالآر بي جي / الآر بي جي الذي قتلني في الحرب ..... حبيبتي خالدة كالظلام / الظلام الذي يمتصني ولا أراه
في مقطوعة "أعلق صورتي على الجدران وأكتب تحتها wanted" يكتب الشاعر قطعة أدبية، أقرب في الشاعرية، للشعر، وأقرب في الشكل، للقصة.
"فك رقبة" هي آية في سورة البلد، اتخذت من الحكمة مبلغا. بموجبها، حرر الله ملايين من بني البشر، من الرق والعبودية. الآية جاءت في سياق قوله تعالى، "فلا اقتحم العقبة وما أدراك ما العقبة فك رقبة"، ومعناها أن اجتياز العقبة أو أهوال يوم القيامة، وقيل أيضا أن العقبة هي جبل فى جهنم، لا يكون إلا بالأعمال الصالحة فى الدنيا، وعلى رأسها "فك الرقبة" أى تخليص النفس من الرق.
ولكن لماذا أطلق الشاعر، هذا الاسم على القسم الثاني من الديوان؟. أعتقد أنه أراد أن يعتق، أو يفك رقبة الصورة الشعرية، ويحررها من قيودها، ويطير معها في آفاق خلط التاريخ بالواقع بالخيال. ففي مقطوعة "ليل / داخلي" يمزج أبو زيد مشهدا سينمائيا من فيلم غزل البنات، بالواقع كما يراه هو، فيقول:
في مشهد أخير من غزل البنات يبكي نجيب الريحاني وهو يرتشف: "وعشق الروح مالوش آخر.. لكن عشق الجسد فاني"، ثم يقرر ترك قلبه، وليلى مراد في الميكروباص، ويستقل المترو المتجه إلى المرج، حين يناديه قلبه بعد ذلك، سيعلق عينيه على شماعة الحمام حتى لا يراه.
يخرج الشاعر في هذا القسم أيضا، عن المعدل الطبيعي، لحجم قصائده، فيورد قصائدا متناهية في القصر، مثل "مبررات النسيان"، و"تبدو دائما على أهبة الابتسام.. ثم تبكي، و"لا أريد أن أكرر تحذيري لكم"، وقصائد أخرى طويلة، مثل "لو قلت حبيبتي كالقمر..هل أكون كلاسيكيا؟".
أبو زيد له رواية، أصدرها منذ عامين، بعنوان "أثر النبي"، لذلك هو يقول في قصيدته الأولى "الشاعر والروائي"، من القسم الثالث والذي منحه اسم "الخوارج":
العام الماضي كنت روائيا / كنت سعيدًا كبطريق / تناول إفطاره مبكرا / ثم لعب الكرة مع سمكتي "حنكليس في الشارع
قصائد هذا القسم بالذات أراها تجارب ذاتية عاشها الشاعر، في طفولته وصباه وشبابه، يعود ليرويها بعد فترة تأمل، ففي قصيدة "أحمد العسكري"، يروي أبو زيد، بشكل موجز، رؤيته الجديدة لمشاعره تجاه صبي فقد ساقيه في حادث، واستبدلهما بساقين حديديتن. أما في مقطوعة "قصة البلكونات الطائرة"، فيعيد صياغة صورة كان يراها دائما في القرية، وهي مشهد تراص سكان القرية في البلكونات، وكأنها معلقة في الهواء، ويشبه هذا المشهد بقصيدته التي هي الأخرى معلقة، بين الأيديولوجيات.
أكثر أبو زيد في هذا القسم من المقطوعات، وربما هو خروج آخر عن شكل القصائد المألوفة، فيورد مقطوعات بعناوين "شاطر ومشطور وبينهما جثة"، و"لغز الحلم"، فضلا عن "قصة البلكونات الطائرة".
في قسم "القصائد المرة"، ربما يستعين الشاعر، بفكرة سلسلة الأفلام الأمريكية، التي حملت اسم "فيلم رعب"، و"فيلم تاريخي"، فأتت قصائد أبو زيد بأسماء "القصيدة الخراب"، و"القصيدة السامة"، و"قصيدة رعب"، و"قصيدة أكشن"، و"قصيدة اجتماعية".
هذا القسم بالتحديد، أراه أفضل أجزاء الديوان، فقد تملكت أبو زيد خلاله، روح الشاعر المبصر، المتملك من أدواته اللغوية والخيالية. يجعلك تتحرك بروحك، وتعبر القارات، بحثا عن منزل باولو كويلو، مثلا في "القصيدة الخراب"، أو حانة إليوت، في "القصيدة السامة"، أو شوارع أفلام آل باتشينو، في "قصيدة أكشن". تتحرك في الزمن، لنقرأ أشعار الميدوسا، والكوميديا الإلهية، وقصة تاجر البندقية، وتاريخ عصر المماليك.
"عاد لينتقم". هو عنوان القسم الخامس، من الديوان، وفيه تحدى الشاعر، قصيدة التفعيلة، والقصيدة العمودية. فيكتب قصيدة "صورة القاف على التي شيرت الأزرق"، وهي قصيدة عمودية، من بحر البسيط، يقول فيها أبو زيد:
يا قاف يا قلق يا قاف يا قلقي / قد وافق القوم لكن ويحه ودقي
قلق تدفق في الانفاق مفتقدا / دق النقيق إذا ما ضقت يا طرقي
الشاعر يقيم علاقة حية، مع الأنواع الأدبية، يجعلها هدفا مرة وسخرية مرة أخرى، كل ذلك في نصوص تشعر معها بأن النوع الأدبي كائن حي له لحم ودم.
في قصيدة "من أخبر هذا المقهى أني صعلوك؟"، يعود الشاعر لشكل التفعيلة، ويكسره تماما، في القصيدة الثالثة من هذا الجزء، "نعناعة في فستان عائشة"، فيملأه بالهوامش والمشاهد، والتي تشكل تحديا لشكل القصيدة.
في القسم قبل الأخير، والذي يحمل عنوان "أحفر مقبرتي وأغني"، يقدم الشاعر مجموعة من القصائد، تؤهل قارئه للنهاية، وكأن أبو زيد يقرأ معنا الديوان. فهو يكسر الإيهام والحاجز، بين القارئ والنص، بصورة مذهلة.
وفي القسم الأخير، والمكون من قصيدة واحدة، حملت عنوان "من يدل الكفيف – مرة أخرى – على الطريق يا رب؟"، يجعلك أبو زيد تشعر، بأنها نهاية حياة الشاعر، فهو يمارس هوايته، التي بدأها في ديوانه، بكسر كل الحواجز، وتحدي كل الصعاب، في أنه يجعل من الديوان، وكأنه حياته التي تنتهي بنهاية الديوان.
ـــــــــــــــــــــــــ

14‏/03‏/2012

مدهامتان .. الموت يحلق حول قصائد محمد أبوزيد


مجدي عبد الرحيم

من الاصوات الشعرية ذات الملمح الخاص والتجربة الثرية، يرهق نفسه كثيرا لكتابة نصوص مختلفة عما هو سائد ويقدم رؤية لا تستطيع الوصول لمكنونها بسهولة لما يملكه من لغة ومفردات وآليات جمالية سواء علي مستوي الرمز والشكل والمضمون والتجديد والتجريب، يغوص بسخرية مريرة في أعماق النفس البشرية بكل تقلباتها واحزانها عبر مشروعة الابداعي المتصل بداية من ديوان ثقب في الهواء بطول قامتي، مروراً بأعماله قوم جلوس حولهم ماء، نعناعة مريم، مديح الغابة، طاعون يضع ساقا فوق الأخري وينظر للسماء، رواية أثر النبي. بين السواد وحيرة التلقي وفي ديوانه الصادر حديثا عن دار شرقيات بعنوان " مدهامتان "، وهي الآية رقم 64 من سورة الرحمن في القرآن الكريم ومعناها اي خضراوان من الري، وقاله ابن عباس وغيره، وقال مجاهد مسودتان في اللغة السواد، والعرب تقول لكل اخضر أسود وسميت قري العراق سوداء لكثرة خضرتها

وهكذا يضعنا ابوزيد علي عتابات النصوص بين السواد وحيرة التلقي والابحار في التيه، لا يوجد اهداء في البداية ولكن يوجد مفتتح ومدخل للديوان، يقول : صه أيها الموت /ماذا تريد بعد أربعة دواوين مفعمة بالجثث/برائحة البارود والجماجم الطائرة/بالدم والسل والطاعون/لم يعد بإمكاني تقديم قرابين أكثر/تعبت. قصيدة بلا عنوان تحمل زفرة ألم ووجع ورسالة الي الموت المخاطب كثيرا في الديوان، ويقول: أريدك فقط أن تمهلني قليلا /لأنهي هذه النار المسكوبة في جوفي صورة جيدة يترجي الموت الانتظار قليلاً لا من اجل الحياة لكن لينهي النارالتي لو تركت مشتعلة لمات كما اراد، ويقول: إيه أيها الموت/ أنا جاهز تماما / هل يمكنني أن استريح ؟ ختام جيد للقصيدة واستكمالا للصورة هو الآن جاهز لراحة الموت التي ربما وجد فيها الخلاص والذات الشاعر هنا في حيرة شديدة واختيار صعب فهي تفضل الموت علي حياة جرداء لا خير فيها.

الديوان مقسم الي سبعة اقسام :ذهب محمد إلي الحقل، فك رقبة، الخوارج، القصائد المُرَة، عاد لينتقم، أحفر مقبرتي وأغني، القصيدة الأخيرة، ويحتوي علي 58 قصيدة تتراوح مابين الطول والقصر، التقسيمات أفادت النصوص، لكن ذلك لا يتضح من القراءة الاولي، فالشاعر يضعك دائما داخل الحالة يعيشها معك بتفاصيلها التي تجذبك وتحيرك وتشغل عقلك فهولا يخدعك ولا يزيف الواقع بل يقدم صورة صادمة وكاشفة وفاضحة للواقع المرير.

الغابة الخضراء الواسعة في قصيدة "الغابة الخضراء الواسعة اختزلت المعاني في عبارات قصيرة تلغرافية افصحت في بساطة رائعة وبغير تكلف، منها قوله: وأعود حيوانا بريا/ يجري سعيدا في الغابة،ويقول: لأطلقت سراحكم جميعا/ في الحقول الخضراء، يصورنا مساجين في الحياة رغم اننا طلقاء، وفي قصيدة"مالا أريد قوله" لم أولد وفي فمي ملعقة من ذهب أو صفيح/لم أولد وفي فمي ملعقة من الأصل / لأنني بلا فم يا إخوتي، قصيدة توحي بالكثيرمكثفة ومختزلة تكاد تفضح عالمنا وواقعنا بما اوحت إليه ولم تصرح به، وفي قصيدة" أرص الصور بجوار بعضها فتكتمل الحياة" أجلس في ركن المقهي/ينير الناذل عيوني الزجاجية/ يغير القهوة التي بردت/ أعد البناطيل المارة..والايام المرة، تجد تحير المتلقي ماذا ينتظر هل الموت الذي اكد عليه في نهاية القصيدة، ام عمره الضائع ام حبيب غائب ام مفقود اخر

وفي قصيدة" ولد يتثاءب وينظر من الحافلة" ما شدني نهايتها كأنها الحكمة والسخرية، ما أمتع أن تجلس في الحياة / بلا رفيق معك. وفي قصيدة "أف .. المصعد متعطل كالعادة" محملة بالخبرة بالكتابة لشاعر يمتلك الرؤية والتصوير يقول: سكان الأدوار الاخيرة في ناطحات السحاب/ يدعون الشمس كل يوم لتناول الإفطار/ وفي الليل يضيئون شموسا صغيرة، المفترض في الليل يضيئون قمروليست شموس، لكنهم اغنياء يستطيعون فعل كل شيء، ويقول:البعض يفضلون أدوار المنتصف/ القريبة من كل شيء/يضيعون أعمارهم علي السلم، يخططون لشراء مقابر مناسبة/ يقيدون الزمن في مقبض الباب / يربتون علي كتفه كببغاء أخرس

وليست هذه السخرية التي تغلف القصيدة مجرد سخرية الواقع بل هي تقليب لما بداخل الشاعر الإنسان في آن واحد فهو لم يفقد الأمل في تحقيق حلمه البسيط الذي يكمن في سنين قادمة تحتويه لأنه يتعامل بوعي يري النور في الظلام رغم هذه المتاعب التي يمر بها ليل نهار.

وفي قصيدة" وحدي في المنزل" يقول: في اليوم الأول لتركي العمل /لم يستطع هاتفي تحمل كم الاتصالات /فسقط علي الأرض يلهث/بعدها بأيام/ كان النوم يصاحب هاتفي قليلا/ وعندما توقظه مكالمة/ يحاول إطالتها بقدر الإمكان/ الآن/ يضع يده علي خده/ ينظر إلي وأنا أكتب القصيدة، يمكن ان يطلق عليها قصيدة الديوان رغم قصرها الا انها قالت الكثير والكثير، قصيدة محملة بالمعاني والتجارب الحياتية الزائفة التي يغلب عليها المصالح، وتقدم رؤيا كاشفة فاحصة بعين خبيرة، تمتلك ابعادا إنسانية لقضايا وتحولات البشر، وتجيد ايضا تعرية الواقع وتجريده من الزيف، رؤية لاتهوي أنصاف الحلول واللعب بالألوان. تكثيف ظاهرة الاغتراب وفي قصيدة" أعلق صورتي علي الجدران وأكتب تحتها wanted" يقول: الشعرالنصيحة/ وأنا أنصحكم أن تنسوني/ أن تنسوا وجهي وابتسامتي ولون ظلي/ قصيدة دائرية ما تكاد تنتهي منها لتعود لبداية النص، حوت اشياء كثيرة رغم البساطة البادية علي وجه القصيدة الا انها عميقة ومعبرة.

وهكذا ينجح ابو زيد في تكثيف ظاهرة الاغتراب داخل الوطن فتبدو عناصره الفنية متألقة. كما نجح في المزاوجة بين المعنوي والحسي في تجربة شعرية متماسكة، فهو يملك من الأدوات ما يمهد له سبيل الإجادة والتميز والتحليق في مملكة الشعر ويختزل المشاعر في عبارات بلاغية وفي كلمات مكثفة ذات لغة لها الكثير من المعاني والدلالات. وفي قصيدة"أنا خائف يا أليس يقول: "أضع يدي فوق جبهتي/وأنظر من أعلي للعمر الذي ترك يدي /وهرول بعيدا/ أبحث عن ولد كان يسير هنا أمامي واختفي/ كنت أرعاه بألوان عيني / أبحث عنه في الكتاب المصفر/ أحاصر روحه/ بخطوط يدي الباهتة، يضعنا الشاعر امام مأزق انساني نبيل فكلنا هذا الباحث، علي الرغم من سيطرة الحزن والحسرة علي كل ما هو جميل، فالشاعر يحدد هذا الجميل في صور متتابعة تبدأ بلحظة جوهرية متميزة تلغي من النص أية زيادات أو تفاصيل لا تحتاجها القصيدة ثم يبدأ بتتابع المشهد الشعري ويرصد فيه صورا شعرية تصور هذه اللحظات الجوهرية ويعني هذا تركيز الشاعر علي عدة مفاتيح أختارها بعناية مما يجعل لمدخل النص أهمية قصوي في تفهم خطابة الشعري المركز. وفي قصيدة "السعادة الحقيقية تجدونها في هذه القصيدة" يقول:لأنني أحبكم /أريدكم أن تموتوا الآن/ أريد ان أمشي خلف جنازاتكم /واحدا وراء الآخر، قصيدة حالة، والعنوان معبر ودال وهي صورة صادمة تقف امامها في حيرة شديدة ودهشة، إن لم تستطع أن تتفاعل وتتعاطف معها بقوة، فهي تقف علي مقربة منك تكاد أن تتماس مع ما تحياه، ولاتستطيع الفكاك منها بسهولة. وفي قصيدة"برج الثور: حب جديد يغزو قلبك" حبيبتي خضراء كالغابة/الغابة التي احترقت أمامي منذ قليل/كنت مختبئا في العناية المركزة/والجلوكوز يتدفق إلي الأشجار/كنت نائما فوق سحابة/ ودموعي تملأ البحر بالملح والصدف/كنت يوما غابة /وكانت حبيبتي خضراء، وهو تكرار يفيد المعني ويثريه، وتأتي المقاطع الخمسة: حبيبتي حزينة كالآربي جي، حبيبتي جميلة كديناصور، حبيبتي خالدة كالظلام، ويختتم القصيدة : لم أقل الحقيقة/ ليس لي حبيبة زرقاء/ ولا نهر مستأنس/ ليس في جيبي مصباح/ ولا قلتي ممتلئة علي النافذة، هكذا يرسم ابوزيد خطة للقصيدة بطريقة لا تجعلها واضحة المعالم للقارئ منذ البداية، ثم يختار الاسم الذي كان موفقا، ولأن النص الشعري هنا مشهد متعدد الوجوه رغم الانفعالية الحادة بعض الشيء المسيطرة علي لغة النص الشعري إلا إنها لغة جذابة تدخل إلي القلب في بساطة آسرة. وفي قصيدة " أتنهد هكذا" يقول :أنا القط الذي انقرض/أنا الموسيقي الهاربة من البيانو/أنا غابات الزيزفون التي يكرهها النقاد/أنا .. أنا/وأنت .. أنت، تقدم القصيدة للوجود والمصير وهي تنضج بالشجن الجميل والأسي النبيل والشاعر يجاهد نفسه طويلا وهو محاصر بوعود كاذبة وعيون لا تري الحق وزمن يقتل الأشياء الجميلة من حوله، وفي مقطع آخر يقول:الموسيقي التي ظللت أسمعها لأعوام /كانت تنساب من الجدار/ تشبه عينيك، نختبئ في رسائل البوسطجي/ تنام دموعنا بين السطور، هكذا تمضي القصيدة عبر حاله من الحزن المغلف بالضياع فالكل قد تجمع ضده، وقد اجاد الشاعر في تكرار مقطع أو عبارة " أنا.. أنا وأنت ..أنت" فقد أعطي بعدا موسيقيا تلتقطه الآذان والقلوب معا، وفي قصيدة"حبيبتي نظيفة وجميلة ومتطورة" الدرس الذي تعلمته من القتلة / الجريمة لا تفيد/ الدرس الذي تعلمته من القتلة/ كن قاسيا بلا قلب/ لا تدعهم يكتشفون أنك شاعر/ وأن قلبك طفل يلهو في المولد أمام أمه/ وفي الختام يقول: الدرس الذي تعلمته من القتلة/ لا تترك وراءك أثرا/ ولا قلوبا محبة، رغم قسوتها لم استطع ان اكرهها وشدتني سطور الختام وهي قصيدة مكثفة ذات أبعاد صيغت بحرفية فنية عالية، واستطاعت أن تصيب الهدف بأقل الكلمات وبدون صخب أو افتعال.

وفي قصيدة"أحمد العسكري" يرفعه المعلم منزوع القلب /ليضربه علي قدميه/ أحمد عبد الحفيظ العسكري/ الذي يجيد رسم نظرة المسكنة/ يخلع ساقيه الحديديتين/ساقا وراء الأخري/ وعيناه تتساءلان عن الرحمة/ في حصة المدرس الكفيف/ نضع أيدينا فوق أقدامه/حتي لا تجرجرنا نظراته/ من قلوبنا الصغيرة إلي النار، قصيدة حالة وتذكر لأحداث ربما تركت اثرا في النفوس ورغم مرارتها تجعلك تشعر بالقوة في عزالضعف، وفي قصيدة "شاطر ومشطور وبينهما جثة " قصيدة جيدة كنت افضل ان تسمي(أريد أن أبكي يا أمي؟) يقول في عدة مقاطع : كنت طفلا، ألون السماء بالأزرق فيصحو الجو، بالرمادي فتمطر، بالأحمر فتحتلين قلبي، بالأسود فتموت أمي، قلت لأمي: المدينة غيرتني ولم أعد أنا، فلا أنا القروي الساذج، ولا هذه طريقتي في البكاء، قلت لأمي وحبيبتي: قفا نبكي من ذكري حبيب ومنزل وشاعر بلا اسم، المنزل احترق وكنت في الناحية الأخري أنفخ حتي ينطفئ فيزداد اشتعالا، قلت لأمي حين مررت من أمامي لم أكن هنا، لم أكن أنا، قلت لأمي حين أموت لا أريد أن يمشي في جنازتي شعراء ولا نقاد ولا باعة صحف، قلت لأمي أريد أن أموت يا أمي، الكلمات والعبارات غير مجانية ولها مدلول.

والشاعر مهموم بقضايا الانسان بوجه عام يشغله وجوده وتفاعله مع الكون وعلاقته بمن حوله، يبحث عن جوهر الاشياء يغوص في الاعماق لنري خفايا النفس البشرية. وفي قصيدة " لم أخطط لهذا طوال عمري" لا قلب لي /أتخلص منه مبكرا وأواصل حياتي /القلوب البديلة ملقاة علي قارعة الطرق/ كباعة البطاطا/لكنني أفضل الانصراف مبكرا/في شارع نصف مظلم/إلي بيت وحيد /آخر الدنيا /أتناول عشائي مع قطتي في طبق واحد، وفي مقطع اخر: التي قالت لي: أنت أخي، ميتة الآن/التي قلت لها: أنت أختي، تركتني ميتا/التي لم نلتق كثيرا، صارت جميلة كالظلام/التي تبادلت معها الصمت/ لونت معها كفني/التي أخذت البيعة من دمي/نائمة الآن علي البحر/وأنا جثة ممددة علي الشاطئ الآخر، هكذا للحياة وجهان الحزن والفرح والذات الشاعرة هنا تقابلك كثيرا مع الأحزان، ورغم ان الموت يحوم دائما حول قصائد الديوان إلا أن تعامل الشاعر مع الاحداث يجعلك تبتسم اوتضحك ربما من فرط السخرية والاحساس بالألم.

ــــــــــــــــــــــــــ

نشر في جريدة القاهرة

5x5 يساوي 25 يناير.. الثورة لسه مستمرة


الثورة ليست يوما، ينتهي بعد 24 ساعة، ولا جلسة على مقهى تنتهي بمجرد دفع الحساب، ولا هتافا في مظاهرة ينتهي بمجرد فضها، ولا نزهة تنتهي بالعودة إلى المنزل، ولا دعوة بإسقاط نظام تنتهي بسقوط مبارك، الأمر ببساطة أن الثورة مستمرة، قد تستغرق عاما، أو عامين أو عشرة، بعد الثورات استمرت سنينا حتى تنجح، الثورة الفرنسية ظلت 14 عاما، الأمر ببساطة شديدة أن الثورة لها مطالب لم تتحقق كلها، تحققت بعض المطالب لكن الأهم فيها لم يتحقق، الثمانية عشر يوما التي عاشت فيها مصر في ميدان التحرير كانت هي البداية، لكن النهاية لم تأت بعد، لأن النظام لم يسقط، ربما أصبح أكثر عنفا وغلا وحقدا وكرها من ذي قبل، فلوله وأذنابه، لا زالوا يسحلون ويقتلون ويتعقبون أكثر من ذي قبل، متى نقول إن الثورة نجحت؟ لا أحد يعرف، لكن عندما لا يهتف الناس في الشارع: عيش حرية عدالة اجتماعية، لأنهم يجدون العيش، ويعيشون في حرية، ويشعرون بالعدالة الاجتماعية، وقتها فقط سنقول إن الثورة قد نجحت.

أهم 5 أحداث أيام الثورة:

يوم 25 يناير: بداية الغضب

الساعة الثانية ظهرا تحركت المظاهرات في الشوارع، خرجت من كل شارع، وميدان، من أماكن لم يتوقع الأمن أن تخرج منها، لم تكن قاصرة على الذين اعتاد الضباط أن يروهم كل مرة أمام نقابة الصحفيين، كانت الوجوه العادية الفقيرة التي مصها وقتلها الفقر والبطالة، في الصفوف الأولى، تهتف بغضب ضد النظام، انتهى اليوم بتجمع المظاهرات التي خرجت من كل مكان في ميدان التحرير، لكن الداخلية بعد منتصف الليل أطفأت الميدان، وأطلقت قنابل الدخان، والمياه على المتظاهرين.

جمعة الغضب: نهاية الداخلية

يوم فارق في تاريخ مصر وتاريخ الثورة، استخدمت فيه وزارة الداخلية القوة الباطشة لقتل وضرب وسحل المتظاهرين، لكن الجموع الغاضبة كانت أقوى، فأسكتت جحافل الدولة البوليسية، وأخذت ثأرها من التعذيب والإهانة على مدار 30 عاما، فأحرقت الأقسام، ومقر الحزب الوطني، وانتهى الأمر بإصدار أوامر لقوات الشرطة بالانسحاب لإحداث فراغ أمني، قبل نزول قوات الجيش التي وصلت متأخرة، شهدت القاهرة مساء ذلك اليوم عمليات سلب ونهب منظمة قامت بها جيوش منظمة من بلطجية الداخلية، كما تم فتح السجون وإطلاق المساجين لترويع المواطنين

2 فبراير: موقعة الجمل

موقعة تشبه حروب القرون الوسطى، سبقتها كلمة في اليوم السابق لمبارك يحاول استعطاف الشعب، حتى يبقى في موقعه حتى نهاية فترة رئاسته، لكن في ذلك اليوم خرج المؤيدون له، يمتطون الخيول والاحصنة، وقاموا باقتحام ميدان التحرير الذي كان يكتظ بالمتظاهرين، لم يقتصر الأمر على ذلك، بل تبع الجمال المئات من المأجورين الذين اخذوا يرشقون المتظاهرين بالحجارة نهارا، وبالمولوتوف ليلا، وبدت مصر في ذلك اليوم، وكأنها عادت إلى القرون الوسطى.

استقالة جمال مبارك.. نهاية الوريث

يوم 5 فبراير شهد نهاية حلم التوريث لدى جمال مبارك، ونجاح المطلب الأول للثورة، حيث تم إقصائه من أمانة السياسات ومنصبه في الحزب الوطني، مع صفوت الشريف، وكان قد سبقه إقصاء أحمد عز، وجاء ذلك في اليوم التالي لحوار أجراه نائب الرئيس السابق عمر سليمان أكد فيه أنه لا نية لوجود أي مشروع توريث، وتشير بعض التقارير الصحفية أنه بالرغم من ذلك، فجمال حاول أن يتدخل في وزارة أحمد شفيق، كما تدخل في صياغة خطاب والده الأخير.

خطاب التنحي.. سقوط النظام

الجمعة 11 فبراير، وكان اسمها جمعة الزحف، حيث قرر المتظاهرون الزحف إلى حيث يسكن مبارك، لكن مبارك استبق ذلك بمغادرة قصره إثناء صلاة الجمعة إلى شرم الشيخ، وفي السادسة مساء، خرج عمر سليمان ليلقي خطاب رحيل مبارك " بسم الله الرحمن الرحيم، أيها المواطنون في ظل هذه الظروف العصيبة التي تمر بها البلاد، قرر الرئيس محمد حسنى مبارك تخليه عن منصب رئيس الجمهورية، وكلف المجلس الاعلى للقوات المسلحة بإدارة شئون البلاد، والله الموفق والمستعان". وفي اللحظة التالية كانت مصر كلها في الشوارع تحتفل بسقوط النظام


أهم 5 مشاهد بعد الثورة:

الاستفتاء على تعديل الدستور:

كانت النتيجة "نعم" في نهاية الاستفتاء على تعديل الدستور، الذي أعلن المجلس العسكري بعده الإعلان الدستور، ورغم أن هذه النتيجة جاءت مخيبة لكثير من القوى المدنية، بعد ما عرف باسم "غزوة الصناديق"، لكن كانت الطوابير التي خرجت إلى لجان الانتخابات، دليلا على أن شيئا ما قد تغير في مصر.

موقعة ماسبيرو.. دهس المتظاهرين

كانت مظاهرة عادية سار فيها أقباط ومسلمون إلى ماسبيرو احتجاجا على التمييز ضد الأقباط، لكن تحول الأمر فجأة إلى معركة، بعد أن قامت مدرعة جيش بدهس عدد من المتظاهرين، منهم مينا دانيال، وتسببت الأحداث في مقتل 25 شخصاً وجرح 272 على أقل تقدير، واتهم الجيش أيد خفية بالتدخل لإفساد العلاقة بين الجيش والشعب.

أحداث محمد محمود.. موقعة الكيماوي

أحداث 19 نوفمبر، بدأت بعد محاولة الشرطة فض اعتصام أهالي الشهداء بالقوة، والاعتداء عليهم، عقب جمعة المطلب الواحد، بدءاً من يوم السبت 19 نوفمبر 2011 حتي الجمعة التالية 25 نوفمبر 2011، وأدت الأحداث إلى مصرع 41 متظاهر بالإضافة إلى آلاف المصابين، وكانت الكثير من الإصابات في العيون والوجه والصدر نتيجة استخدام الخرطوش بالإضافة إلى حالات الاختناق نتيجة استخدام الغاز المسيل للدموع.

أحداث قصر العيني.. السحل أولا

شهدت مشهدين مهمين، الأول هو حرق المجمع العلمي، والثاني هو سحل وتعرية المتظاهرات، بدأت من يوم الجمعة 16 ديسمبر 2011 بين قوات الشرطة العسكرية وبين المعتصمين أمام مبني مجلس الوزراء، عندما تم اختطاف أحد المتظاهرين من قبل قوات الشرطة العسكرية والاعتداء عليه بالضرب المبرح ثم إطلاق سراحه وشهدت استخدام مكثف للعنف ضد المتظاهرات، وهو ما تلاه جمعة الحرائر اعتراضا على انتهاك عرض الفتيات، وانتهى الأمر باعتذار من المجلس العسكري.

برلمان الثورة.. الإخوان يحكمون

بعد أطول انتخابات برلمانية شهدتها مصر، انتهى الأمر بحصول الإخوان على أغلبية مقاعد البرلمان، وحصولهم على رئاسة المجلس بوصول سعد الكتاتني إليه، كما شهدت الانتخابات صعود لافت للتيار السلفي، وعزل شعبي لمعظم المنتمين إلى الحزب الوطني المنحل السابق، ورغم أن رئيس البرلمان في جلسته الأولى أعلن أن الثورة مستمرة، إلا أن الميدان يرى أن هذا البرلمان لا يمثله، وأن الصراع بين الشرعية الثورية والشرعية البرلمانية مستمر.


أهم 5 شخصيات في الثورة

عبد الوهاب المسيري.. الثائر

ربما لا يعرف كثيرون من خرجوا إلى الميادين يوم 25 يناير المفكر الكبير عبد الوهاب المسيري، لكنهم حتما تأثروا بأفكاره، وبدعوته المستمرة إلى الثورة، المسيري هو واحد من قلة ظلوا صامدين حتى النهاية أمام طغيان مبارك، وظهرت معاداة النظام له قبل رحيل المسيري بأشهر عندما احتاج إلى علاج على نفقة الدولة وهو ما رفضته الدولة، رغم قيمته الفكرية والعلمية، المسيري كان لفترة قصيرة في بداية حياته منتميا إلى الاخوان ثم انتمي للحزب الشيوعي، وفي يناير 2007 تولى منصب المنسق العام للحركة المصرية من أجل التغيير (كفاية).

خالد سعيد.. شهيد الطوارئ

لم يكن خالد سعيد هو الشهيد الأول الذي يقتله نظام مبارك، لكن رحيله كان بذرة الغضب، حيث شهدت مصر العديد من الوقفات الاحتجاجية، وتأسيس صفحة كلنا خالد سعيد التي ضمت حوالي مليون عضوا وساهمت في الدعوة للثورة، خالد استشهد وهو في الثامنة والعشرين من العمر، بعد تعذيبه حتى الموت على أيدي اثنين من مخبري الشرطة، كان قد صورهما وهما يبيعان المخدرات.

بائعة الجرجير... أول هتاف ثوري

اسمها أم محمود، ربما لا يعرفها أحد، لكن الزميل رضوان آدم أرخ لما رآه بعينه، قاطعا الطريق على مدعي البطولة، بقوله "بائعة الجرجير والبصل في شارع ناهيا صرخت في وجه نشطاء اليسار الذين سّيروا أولى تظاهرات الثورة عند الحادية عشرة صباحاً. مرّ الثوّار أمام قفصها الخشبي، فأوقفتهم. رفعت رغيفاً من الخبز. "قولوا عيش. قولوا حرية يا أولاد مصر العربية". نادت كل البائعات في السوق الشعبي. لم يسألنها شيئاً. انطلقن وراءها، وتقدّمت هي تظاهرة الشباب رافعة رغيفاً في يد، ومطلقة بالأخرى هتاف الثورة الأوّل: "عيش. حرية. كرامة إنسانية".

الشيخ عماد عفت.. الشيخ الثائر

يحاول الأزهر بعد الثورة أن يلعب دورا في الحياة السياسية، تارة بإطلاق المبادرات، وتارة بلقاء القوى السياسية، لكن أهم ما قدمه الأزهر للثورة كان شهيده الثائر، الشيخ عماد عفت، الذي استشهد في أحداث محمد محمود، يوم الجمعة 16 ديسمبر 2011 بعد إصابته بطلق ناري، و شيعت جنازته من الجامع الأزهر بالقاهرة، ليخرج الآلاف يحملون نعشه، ويردون على من يتهمون الشهداء بأنهم بلطجية، كيف يكون هذا الشيخ المستنير بلطجية أيها العسكر؟

أحمد حرارة.. عين الثورة

أحمد حرارة هو أيقونة الثورة، فقد عينه في جمعة الغضب، لكنه فضل أن يواصل المعركة، حتى يستكمل ثورته، ففقد عينه الأخرى، في أحداث محمد محمود، بعد أن قررت الداخلية أن تنتقم من الثوار بسلب أعينهم، الدكتور أحمد حرارة، طبيب الأسنان، الذي فشلت جراحة كان قد أجراها في فرنسا بسبب شدة الإصابات التي تعرض لها، وصعوبة التدخل الجراحي أعلن عن رفضه لأية مساعدة مادية، سواء من المؤسسات أو الأفراد، بخصوص علاجه قائلاً: "قررت أن أتكفل بمصاريف علاجي حتى لا أحصل على مقابل لما قدمته لبلادي"


أهم 5 مطالب للثورة ماتحققوش

تسليم السلطة بطريقة من تلاتة

المظاهرات الحاشدة التي تشهدها مصر منذ الذكرى الأولى للثورة، الأربعاء الماضي، واعتصام التحرير، ومظاهرة الجمعة، كل هذا يرفع شعارا واحدا، وهو تسليم السلطة، ويطرح الثوار ثلاث طرق لفعل ذلك وهي إما إلى رئيس مجلس الشعب لحين انتخاب رئيس جديد في خلال 60 يوما، أو إلى رئيس المجلس الأعلى للقضاء كما يقول الدستور، وذلك بشكل مؤقت حتى يتم انتخاب رئيس جديد، أو إلى رئيس مؤقت يختاره مجلس الشعب على أن تجرى انتخابات الرئاسة في أسرع وقت ممكن.

محاكمة مبارك.. ثورية

عام مضى على الثورة، ورغم ذلك لم يتم محاكمة أيا من رموز النظام السابق، بل أصبحنا نسمع كل يوم مرافعات لرموز نظام مبارك تدافع عنه، فمرة يصف فريد الديب مبارك بأنه نسر جريح، ويشبهه بالرسول، وتارة يصف المتظاهرين بالبلطجية، المطلب الرئيس الذي يرفعه المتظاهرون منذ قرابة عام هو محاكمة ثورية تقتص للشهداء والمصابين، ليس أكثر، محاكمة ثورية تعيد أموال مصر المنهوبة في الخارج، محاكمة ثورية تريح أهالي الشهداء الذين يرون القتلة كل يوم في القفص يبتسمون.

إلغاء المحاكمات العسكرية والطوارئ

على الرغم من أن المشير طنطاوي أعلن وقف العمل بقانون الطوارئ، إلا أنه استثنى منه البلطجة، وهو ما يتخوف منه الثوار، حيث يعتبرون أن ذلك قد يكون مبررا لملاحقة النشطاء بعد ذلك، ويطالبون بإلغاء كامل للقانون سيء السمعة، وأيضا وقف المحاكمات العسكرية للمدنيين، بعد أن وقف أمامها طوال العام الماضي العشرات منهم مثل علاء عبدالفتاح، ومايكل نبيل، وحسام الحملاوي.

التحقيق في أحداث بعد الثورة

شهداء الثورة المصرية ليسوا هم فقط أولئك الذين سقطوا يوم جمعة الغضب وفي موقعة الجمل، أو في ال18 يوما الأولى من الثورة، بل هناك الكثيرون الذين سقطوا بعد ذلك في معارك دامية مرة مع الشرطة، ومرة مع الجيش، في أحداث ماسبيرو، وفي أحداث مجلس الوزراء، وفي أحداث محمد محمود، الشعب المصري يريد القصاص ممن قتل الشيخ عماد عفت، وعلاء عبد الهادي، ومينا دانيال.

إعادة هيكلة الإعلام الرسمى

رغم مرور عام على الثورة، إلا أن الموقف الشعبي من الإعلام الرسمي لم يتغير، وربما زاد الأمر مع أحداث ماسبيرو، ومنذ يوم الأربعاء الماضي، حيث الذكرى الأولى للثورة، شهد مبنى التليفزيون، في ثلاثة أيام متتالية، مسيرات، ومظاهرات أمامه، ودعوات باقتحامه، ويطالب الثوار بإعادة هيكلة الإعلام الرسمي، على أن يكون على هيئة نموذج هيئة الإذاعة البريطانية البي بي سي

مين اللي هيحط الدستور؟

حصول الإخوان والسلفيين على أغلبية البرلمان، مدعاة للقلق لدى التيار المدني، حيث اعتبروا ذلك دليلا على أن التيار الإسلامي سيستأثر بوضع الدستور، ووضع مواد على مقاسه، معركة المادة الثانية من الدستور التي اشتعلت قبيل الاستفتاء على التعديلات الدستورية، وإصرار نائب سلفي في قسمه أمام البرلمان على إضافة "بما لا يخالف شرع الله"، يزيد الخوف، لذا تأتي على رأس مطالب الثورة، أن تضع الدستور لجنة معبرة عن المجتمع وعن روح الثورة، وهذا هو الأهم.


أهم 5 حاجات مالهمش دعوة ببعض

الراجل اللي ورا عمر سليمان

على الرغم من الأهمية التاريخية لخطاب التنحي الذي ألقاه عمر سليمان، إلا أن شخصية الرجل الذي كان يقف وراء سليمان في هذه الخطاب، دخلت التاريخ أيضا مع كم الإفيهات التي أطقت عليه، لدرجة عمل أغنية راب عنها، ومن أشهر الإفيهات "الله الوطن الراجل اللي واقف ورا عمر سليمان"، و" المستحيلات أربع: الغول والعنقاء والخل الوفي وجلوس الراجل الواقف ورا عمر سليمان"،و"لَيسَ الفَتى مَن يُقولُ كانَ أَبي.. إن الفتى من قال أنا الراجل اللي واقف ورا عمر سليمان"

قاموس الثورة.. فلول وثورة

شهدت مصر منذ انطلاق الثورة عددا من المصطلحات التي دخلت في حياة المواطنين العاديين، تسمعها في المقهى والاتوبيس، ولعل أهمها الفلول، الطرف الثالث، اللهو الخفي، الأجندات، المخلوع، النظام السابق، المجلس العسكري، حظر تجول، مولوتوف، فنجري بق، والله الموفق والمستعان.

السلفيون والكفار

قبل الثورة لم يكن هناك تواجد كبير للسلفيين، كانوا في مساجدهم، يحرمون الخروج على الحاكم، ويكتفون بدروس دينية في قنواتهم المنتشرة بعيدا عن السياسة، لكن بعد الثورة، ظهر السلفيون في زي جديد ، فأسسوا حزبين، النور، والأصالة، وحصلوا على المركز الثاني في صراع مقاعد البرلمان، وظهر التخوف لدى الشارع من هؤلاء السلفيين الذين يعاملون من سواهم على اعتبار أنهم من كفار قريش.

المهنة: ناشط على تويتر

على برامج التوك شو المسائية، أصبح طبيعيا أن تجد ضيفا يتم تعريفه على اعتبار أنه ناشط سياسي، أو مدون على فيس بوك وتويتر، وهناك نكتة ممكن تلخص هذا الأمر، " واحد راح يخطب واحدة، ابوها قالوا انت بتشتغل ايه؟ قالوا أنا من شباب الثورة، قال له طب احنا آسفين يا ريس"، وتكمن الأزمة في أن كثيرا من النشطاء الذين قاموا بدور في الثورة، تخلوا عن الميدان، لصالح الظهور الإعلامي.

متلازمة استوكهولم

ظهر هذا المصطلح في مصر، عقب رحيل مبارك، ومع ظهور المتباكين على مبارك، رغم أنه كان يقمعهم، لكنه لم يختف، حيث أن دعاة الاستقرار، انتقلوا من ميدان مصطفى محمود إلى روكسي ثم إلى العباسية لينادوا ببقاء المجلس العسكري بالرغم من سحل المتظاهرات، ويعتبرون أن المتظاهرات هن المخطئات لأنهن نزلن الميدان، ومتلازمة ستوكهولم مصطلح يطلق على الحالة النفسية التي تصيب الفرد عندما يتعاطف أو يتعاون مع عدوه أو من أساء إليه بشكل من الأشكال، أو يظهر بعض علامات الولاء له.