27‏/10‏/2017

a ghost story

ـ عندما كنت صغيرةً
كنا كثيري التنقّل
كنت أكتبّ الرسائل
وأطويها بحجمٍ صغير
وأخفيها بأماكنٍ مختلّفة
فإذا رغبت يوماً بالعودة
ستكون هناك قطعة مني بانتظاري
ـ هل حدث وأن عدت؟
ـ كلا.
.....

من فيلم a ghost story

23‏/10‏/2017

Baby driver.. ماذا لو أخرجه تارانتينو؟


تذكرت المخرج الكبير كوينتن تارانتينو، بينما كنت أشاهد فيلم Baby driver أكثر من مرة. ليس فقط لأن الفيلم يدور في عوالم الجريمة التي تدور فيها معظم أفلام تارانتينو، بل لعدد من الإشارات ـ غير المقصودة ـ التي تضمنها، وتحيل إليه مباشرة.
أول هذه الإشارات كانت الحديث عن "الرومانسية الحقيقية"، لفظاً وبالشكل الذي قدمه تارانتينو في الفيلم الذي كتبه تارانينو في العام 1993 True Romance ، وأخرجه توني سكوت، وثانيها: هذا الولع بالموسيقى وبالحديث حولها ومشهد المطعم وهو ما ذكرني بالمشاهد الأولى في المطعم أيضاً من فيلم كلاب مستودع reservoir dogs والذي كتبه وأخرجه عام 1992، ناهيك عن الحوارات الغريبة والساخرة التي تذكر تماماً بحوارات تارانتينو.
لا أقصد هنا أن Baby driver استنساخ من أفلام أخرى، فإدغار رايت كاتب ومخرج  الفيلم، مخرج كبير، بل واشترك مع تارانتينو في إخراج فيلم Grindhouse  عام 2007. لكن أقصد أن "روح" كوينتن المتميزة في صنع هذه النوعية من الأفلام بدت حاضرة وبشدة في مشاهد الفيلم، وهو ما قد يراه البعض نقطة إيجابية.
لكن بعيداً عن هذا فـ Baby driver، فيلم يستحق الثناء، بداية من طاقم التمثيل الذي أضاف إليه كيفين سبيسي ثقلاً، والاختيار الموفق لبطله إنسيل إلغورت، مررواً بالسيناريو، وانتهاء بإخراج ممتيز . لكن الفيلم لا يتوقف عند هذا فقد استطاع أن يجمع بين أفلام الحركة والدراما والرومانسية والأكشن والموسيقى في بوتقة واحدة. وأكثر ما يميزه، أنه حول قصة عادية إلى فيلم غير عادي، وحول المشاهد التقليدية إلى مشاهد خارجة عن المألوف، حيث تم اختيار عدد من الأغنيات التي تتناسب تماماً مع مشاهد الحركة، لدرجة أنها تبدو كأنها رقصات غنائية وليست مشاهد مطاردات وعنف، (نستمع إلى أكثر من 30 أغنية على مدار الفيلم)  فصارت الموسيقى هي البطل الذي يحرك الأحداث، وكما أن الفيلم عن سرقات البنوك فنحن لم نر هذه السرقات بل نشاهد الترقب على وجه "بيبي" ونحن نستمع معه إلى موسيقاه.

لكن ثمة نقطتين تجلعان هذا الفيلم يختلف تماماً عن أفلام تارانتينو، أولاهما هي غياب بطله المفضل صمويل جاكسون، وإن كنت أظن أنه كان من الممكن أن يحل محل جيمي فوكس، النقطة الثانية الفاصلة هي النهاية، ففي حين قدم إدغار رايت نهاية لم ترق إلى جمال الفيلم، بأن استسلم "بيبي" في النهاية للشرطة، ففي ظني أن تارانتينو لم يكن ليسمح لهذه النهاية أن تحدث، ففي أفلامه ـ سواء تلك التي كتبها أو أخرجها ـ  بداية من "الرومانسية الحقيقية"، مرورواً بـ "جاكي براون"، لا تظهر الشرطة أبداً، بل يهرب المجرم الحالم بماله وجريمته مع قصة حب رومانسية، في سيارة تنطلق منها أغنية تقول كل شيء.

17‏/10‏/2017

بقايا الأيام

 
بعد ذلك سكتت مس كنتون لحظة ثم واصلت كلامها: "لكن هذا لا يعني بالطبع أن المرء لا تمر به أحياناً لحظات كئيبة، عندما يجلس ويفكر ويقول لنفسه: يا لها من غلطة مرعبة تلك التي ارتكبتها في حق حياتي، ثم يفكر بحياة أخرى، حياة أفضل كان يمكن أن يحياها، فأنا مثلاً أفكر في حياة كان يجب أن أعيشها معك يا مستر ستيفنس وأعتقد أن ذلك يحدث عندما أغضب لشيء تافه، وأترك البيت. ولكن في كل مرة أفعل فيها ذلك أدرك قبل وقت طويل أن مكاني الحقيقي هو أن أكون مع زوجي، على أيه حال عقارب الساعة لا تدور إلى الوراء ولا يمكن أن يظل المرء دائما يفكر فيما كان ينبغي أن يكون. لا بد من أن يدرك أنه أفضل من كثيرين، وأن يكون شاكراً لذلك.
بقايا الأيام
كازو إيشيجورو

06‏/10‏/2017

"عمري ف يوم ما غزيت"


"تعرف يا أبو زيد

أنا عمري ف يوم ما غزيت"

تطاردني أبيات قصيدة صديقي مجدي عبد الرحيم، تتردد في ذهني كناقوس خطر وأنا أتابع أخبار مرضه بقلق، أسأل الأصدقاء عنه، يأتي صوته مبحوحاً عبر الهاتف، ثم يتوقف عن الرد تماماً. يدهمني صمت كالموت عندما أقرأ نعيه على صفحة فيس بوك فجر يوم قاتم، تتحول كل الأشياء إلى اللون الأسود، وأنا أحس أن جزءاً مني يضيع إلى الأبد، هذا الإحساس الذي يطاردني حتى الآن كلما مرت أمام عيني صورته، أو ابتسامته الطيبة، أو صوته وهو يلقي قصائد لم تخرج إلا من قلبه.

"تعرف يا أبو زيد

أنا عمري ف يوم ما غزيت"

أتذكر جيداً الأيام التي كتب فيه هذه القصيدة وأهداها إلىّ قبل أن يضمها إلى ديوانه الأول. متى كان ذلك. ربما قبل ثمانية عشر عاماً. كنا نلتقي بشكل شبه يومي، نتنقل بين الندوات تلمّساً لطريق الكتابة، ما بين ندوات أسبوعية في نادي الجيزة ونقابة الصحافيين وجريدة الجمهورية، ومقهى خلف صحيفة الأهرام كنا نجلس فيه بالساعات، يصطحب معه ابنته فاطمة في أحيان كثيرة، التي تجلس بجواره وتنصت لما يقوله الشعراء رغم سنواتها القليلة. كنت قادماً لتوّي إلى القاهرة، فاعتبر نفسه أخاً أكبر لي واحتضنني، فتح لي بيته، عرفني إلى والدته التي كانت جزءاً من روحه. أتذكر أول قصيدة نشرها، أول كتاب له، أول مقال ساخر، خطواتنا معاً من ندوة إلى ندوة. مرت الأيام والسنين، وتغيرت أشياء كثيرة، تغيرتُ، لكنه ظل كما هو، محافظاً على قربه، على محبته، على إيمانه بذاته، على إيثاره للآخرين على نفسه، على ابتعاده عن الشللية، ورفضه المكاسب الزائفة. ظل كما عرفته في أول يوم، نقياً جميلاً، لا يستند في الحياة إلا إلى قصيدته.

"تعرف يا أبوزيد

أنا عمري ف يوم ما غزيت"

لماذا يا أستاذ مجدي؟ لماذا "عمرك ما غزيت"، لكنك حاولت كثيراً، ونجحت في أن يكون لك مكانك واسمك، لو كنت بيننا الآن وقرأت ما كتب عنك، لو رأيت كل هذا التقدير لعرفت أنك "غزيت"، وحققت ما حلمت به. لكن هل كنا ننتظر موته حتى نقول له إننا نحبه، أننا نقدره كشاعر وكإنسان، أنه قدم ما لم يقدمه غيره. هل كان يدرك هذا، هل لهذا ظل الحزن والموت رفيقاً دائماً لقصائده، أتذكر الآن عناوين دواوينه الموحية، ديوانه الأول "مشهد الوداع الأسبوعي"، ديوانه "قبل العتمة بمتر"، ديوانه الأخير "ريحة الموت"، لماذا إذن لم ننتبه ما دام قد حذرنا ونقول له كم كان إنساناً عظيماً، وشاعراً كبيراً.

 "تعرف يا أبوزيد

أنا عمري ف يوم ما غزيت" 

شخص ما ستقابله ذات يوم سيكون أخاك الذي لم تلده أمك، هذا الشخص كان بالنسبة لي مجدي عبد الرحيم، عشرات ومئات التفاصيل التي أتذكرها كلما مرت ذكراه، كلما لمحت صورة له على الكمبيوتر، كلما قرأت تعليقاً عنه على فيس بوك، كلما تصفحت رسالة منه. كل شيء يذكرني بأني أفتقده، أفتقد جزءاً من عمري الذي كان شريكاً فيه، سأفتقده كلما ذهبت إلى وسط البلد، كلما مررت على مقهى "عم صالح" الذي لن أجلس عليه مرة أخرى بدونه. كلما مررت في شاعر شاملبيون الذي قطعته عشرات المرات معه. هل أكتب عن نفسي هنا؟ لا بل أكتب عنه، لأنه كان جزءاً من تاريخي الشخصي.

لا أعرف شخصاَ في الوسط الأدبي حاز كل هذه المحبة والإجماع سواه، ليس مني فقط، بل من الجميع. من يعرفه ومن لم يكن قريباً منه. ربما تأخر الكثيرون في الاعتراف بهذا حتى رحيله، لكن محبته تظل باقية مضيئة كالشمس.

"تعرف يا أستاذ مجدي

نحن نفتقدك"