08‏/09‏/2010

كيلو الحنكليس بكام

اقترب عمري من آخره ، ومضى من عمري أكثر مما تبقى ، ويحزنني بشدة أنني لم أعرف بعد ما هي سمكة الحنكليس ، الموضوع كان مؤثرا جدا ، لدرجة أنني أنفقت جل عمري في المكتبات ، وعلى الأرصفة التي تبيع الكتب القديمة ، أبحث عن كتاب يقول لي ما هي سمكة الحنكليس ولم أعرف، قضيت سنينا أتابع برنامج عالم البحار ليس لشيء إلا لكي أعرف ما هي سمكة الحنكليس ولم أعرف ، قاطعت السمك وإسكندرية وبورسعيد وكل المدن الساحلية حتى أعرف سمكة الحنكليس ولم أعرف ، آآآآآه .. إنها مأساة يا إلهي .
وفي يوم من الأيام التي لا تستشعر خطورتها إلا بعد حدوث أمر جلل ، وبينما أتصفح الفيس بوك وجدت الروائية نهى محمود تكتب عن سمكة الحنكليس ، وهنا شعرت أن مصير حياتي الباقية يتعلق بهذه السمكة ، اتصلت بها على الفور ـ بنهى ليس بالسمكة ـ وقد شعرت أنني قاب قوسين أو أدنى من بحر المعرفة المتلاطم :
ـ يعني إيه سمكة الحنكليس ؟
نهى باستغراب : إنت ما تعرفهاش إزاي ، دي سمكة مشهورة .
قلت وقد تضاعف ذنبي ، وزاد جرمي : أنا آسف ، بس أنا عمري ما شفت سمكة حنكليس
قالت نهى بلهجة العليم ببواطن الأمور : دي موجودة في بحر غريب مالوش زي ، بحر من غير شطآن
بدأت أشعر أنها تستغفلني وتسرح بي : من غير شطآن إزاي يا نهى ، ده لا مؤاخذة في ألف ليلة وليلة ؟
قالت وهي تتعجب من جهلي : ده بحر عميق غميق ما فيش في آخر رملة
بدا أنني لن لأفهم وتساءلت : مش ده برضه اللي بيروح فيه سندباد وعبد الله البري وعبد الله البحري ؟ إنتي ما بتشوفيش الخريطة ولا إيه يا نهى ما هو لازم يبقى فيها حدود للمياه ، ده حتى البانيو له حدود
قالت وقد يئست من إفهام شخص جاهل مثلي : ما هو البحر ده جوه المحيط الهادي
وهنا بدأت أفهم : طيب ما تقولي إنه محيط يا نهى
قالت نهى :آه ، وهيه سمكة مرعبة ، ومخططة .
أصارحكم بالحقيقة إيها الأصدقاء : لم أحب سمكة الحنكليس تماما مثلما لم أحب يوما كاظم الساهر الذي تحبه نهى ، وأتمنى إغراقه في بحر من الكاتشب لا شطآن له وهوه فاهمني كويس .
لماذا أقول هذا الكلام ، أقوله لأنه في الوقت الذي تضغط علينا واقعية الحياة لدرجة أننا لا نصدق الخيال ، من فرط مأساوية الواقع ، وندرك بشاعة أننا أصبحنا كبارا ، ولسنا أطفالا نتخيل تفاجئني نهى طول الوقت بعوالم كرتونية من خيالها ، وهذا جميل وأحسدها عليها ، لكن أن يصل الموضوع لدرجة أن تخاف من البطيخة ، أو أن تهرول البرتقالة إليك على قدمين فتهرول منها في الشقة ، أو أن تصادق الأستاذ سيد ، لا أعرف أحدا بهذا الاسم ، فالموضوع أكبرمن احتمالي .
اكن كل الاحترام والمحبة للروائية الإيزابيلية ـ نسبة لإيزابيل الليندي ـ نهى محمود ، وأحسدها على مشاهدتها المنتطمة لسابق ولاحق ، وما زنجار ، وكتابتها الجميلة التي تكتبها بروح طفل، وخيالها المنطلق .
حقا .. كم جميل لو بقينا أطفالا يا أستاذة نهى .