27‏/10‏/2012

ماتريكس أم ترومان شو؟


لو تم تخيير ترومان بيرنابك، بين العالم المصطنع الذي يعيش فيه، وبين العالم الحقيقي، ماذا كان سيختار؟. الإجابة التي لا أريدها منك الآن، تشبه الإجابة عن سؤال آخر، عن الفارق بين حلم / كابوس، نحياه بالرغم منا، لكننا نعرف أننا سنستيقظ في نهايته، وبين حلم صنعناه بأنفسنا ونجاهد لنصل إلى نهايته.

اللجوء إذن، إلى فرضية أن ما نحياه كابوسا قد نستيقظ منه بعد قليل، فقط تأخر الاستيقاظ قليلا، ليست إلا بوابة للخروج من مواجهة الواقع، لكن هذه البوابة تتقاطع من جهة أخرى، مع الانتقام من الأعداء الواقعيين، باللجوء إلى قتالهم، وهزيمتهم، والتنكيل بهم، في أحلام اليقظة ليس أكثر، وليس بالضرورة أن يكون هذا دليلا على الضعف، بقدر ما هو دليل على تغير منظومة القيم، التي تجعل الإنسان السوبر مان يلجأ إلى العنف الخيالي، في عالم متسامح بطبيعته.

النوم هو بداية الحلم، لكن الموت هو نهاية الحياة، لكن الأنظمة القمعية تفضل الموتى الأحياء على طريقة فيلم ماتريكس، حين يصبح البشر مجرد بطاريات، ومن هنا فالثورة تبدو كلمة مستعصية على الفهم في عالم لا يحلم، بل يرى أن النوم موت، ويتحول فيه الموتى إلى أرقام بلا تقدير حقيقي لقيمة الإنسان الذي يموت في عبارة أو تحت صخرة جبلية، أو حتى دهسا بالمدرعات.

لم يكن فيلم  ترومان شوThe Truman Show ، للمخرج بيتر وير، والفنان جيم كاري، إذن يطرح فرضا خياليا، بل هو الواقع، الذي نلجأ إليه لنهرب من كابوس نحياه يوميا، لكن يبدو السؤال الأهم هنا، ماذا لو لم تكن الحياة "ترومان شو"، بل كانت ما طرحه فيلم  ماتريكس The Matrix للمخرجين اندي واكوسكي ولاري واكوسكي، حين يكتشف الجميع أنه مخدوع عن طريق برنامج تديره الآلة؟

الخداع هنا هو الحيلة التي نلجأ إليها جميعا، للخروج من حمى قهر الواقع، تماما كما نهرب من كابوسية الاستيقاظ، إلى حائط النوم، بحثا عن أحلام تربّت علينا، حتى لو كانت هذه الأحلام ليست أكثر من انعكاس للواقع اليومي البائس.

إذا كانت السينما، رفضت فكرة صنع عالم من الحلم، المزيف، لماذا إذن كانت العوالم الافتراضية، الحالمة في جزء كبير منها، مثل فيس بوك وتويتر، هي المهرب للكثيرين، حيث يقدم كل شخص وجها مختلفا عنه، وشخصية أخرى لا تشبهه، لكنه في الغالب كان يطمح أن يكونها، وإذا كان يرغب في ذلك، فلماذا لم يكنها بالفعل؟

في ترومان شو، يكتشف جيم كاري، أنه مجرد فأر تجارب، في عالم مصنوع بالكامل، وأن كل من حوله ممثلون، في عالم يؤدي كل من فيه دوره بإتقان شديد، وأنه ليس أكثر من ممثل في أحد برامج "عالم الواقع"، وأن هناك من يتفرج عليه، وعلى زوجته، وعلى عمله، وأن كل ما يحدث ليس إلا جزءا من عالم افتراضي، في ماتريكس يثور البشر على برنامج الآلة، بحثا عن عالم أكثر واقعية، وتحقيقا للذات؟.

البحث عن الخالق، عن الحقيقة المطلقة، وراء هذا الوهم العظيم الذي نحياه، عمن يقف خلف الذين يحركون البشر، والمصائر كعرائس الماريونيت، وهو ربما تشبه ما تعيشه مصر منذ انطلاق الثورة، وحتى الآن، حيث نفاجأ كل يوم بمصائر الأحياء تتغير، وكأنه مسرح، يغير فيه المخرج الأبطال والممثلين، في مشاهد دراماتيكية، لا يصدقها المشاهد.

الكتابة تصنع هذا في جزء منها، تتجاوز ما قبل به الذين يعرفون أنهم جزءا من تمثيلية، للتعرف على ما وراء ذلك، هل الكتابة إذن هي محاولة للتصالح مع الذات، أم مع الخالق، أم مع العالم المحيط، أم صنع عالم جديد، يخص الكاتب الوحيد. الإجابة أنها كل ذلك.

الكتابة ثورة، وربما تكون الملاحظة الأساسية، أننا أصبحنا نمتلك القدرة على الحلم بعد 25 يناير 2011، بالنسبة لي لم أكن أتذكر أحلامي قبل اندلاع الثورة، كنت أراها تهاويم، ملامح سوداء ورمادية متداخلة لا أتذكر منها شيئا بعد أن أستيقظ. بعد الثورة أصبحت الأحلام واضحة تماما، ملونة، حتى لو كان العلماء يقولون غير ذلك، أتذكرها جيدا بعد الاستيقاظ.

ماتريكس، هو عالم افتراضي سلطوي، عندما قامت الآلات ببناء كمبيوتر ضخم جداً وربطت الأجنة البشرية الموجودة بالحقول بهذا الكمبيوتر للاستفادة من البشر كمصدر بديل للطاقة، وعاشت الأجنة البشرية وكبرت، ضمن حاضنات خاصة وتم السيطرة عليها عبر ربط برنامج تفاعلي للبشر يرسم الخطوط العريضة للحياة كما هي الآن مع إمكانية تعديل العقول الموجودة في الحاضنات لهذا البرنامج التفاعلي. يطرح الأخوان واكووسكي في الفيلم عددا من الأسئلة العميقة والفلسفية حول عبودية الإنسان، وتحرره، وارتباطه بعالم تحت السيطرة الآلية، لا يمكن الثورة فيه، لأنك ترس في آلة، إن صدئت  فهناك الكثير من التروس غيرك.  

في فيلم ترومان شو، يسأل الابن ترومان، والده، أو المتحكم فيه، لماذا حبستني في العالم الوهمي منذ طفولتي حتى بلوغي؟ فيرد والده أنه لا يريد من ابنه أن يذوق طعم الألم في العالم الحقيقي، إلا أن ترومان لم يجد المنطق في كلام والده، لأن هذا هو المنطق الذي يتكلم به كل قاتلي الأحلام، وكل الأنظمة القمعية، لذا يسعى كاري إلى بلوغ النقطة الفاصلة بين العالمين، عالمه الحقيقي الذي يحلم به، والعالم القمعي الذي يحبسه فيه والده، في منطقة قرب السماء، وهو الأمر الذي يشبه تماما، ذلك المشهد الأسطوري لميدان التحرير مساء 11 فبراير 2011، في السادسة وخمس دقائق بالضبط، عندما صرخ الشعب المصري صرخة واحدة عملاقة، سمع صداها العالم كله، فرحة بنجاح ثورته، وتحقق حلمه بالانعتاق، من العالم الوهمي الذي صنعه النظام السابق، وبتكسير كل حواجز الخوف والقفز إلى مساحة جديدة من الألوان، تشبه تلك الألوان التي استخدمها كيروساوا في فيلمه "أحلام".

الثورة مرتبطة بشكل أو بآخر بالحلم، لأنها تأتي في الأساس على من افتقدوا الخيال السياسي، والقدرة على الحلم بالواقع الأفضل. الثائرون حالمون بطبيعتهم، ومن هنا يمكن القول أن هذا بعض ما يقوله فيلم الحالمون the dreamers للمخرج الإيطالي برناردو برتولوتشي، الذي يتمرد على كوابيس الماضي من أجل أحلام المستقبل،ومن أجل تحويل هذه الأحلام إلى واقع. الفيلم يتحدث عن واقع مشابه لما نعيشه، وهو  ربيع باريس عام‏1968,‏ حين حدثت ثورة الشباب علي إغلاق جامعة السوربون والمطالبة بتعديل النظم الجامعية‏..‏ ثم تطورت الأمور بانضمام العمال للطلبة وحدثت اشتباكات عنيفة بينهم وبين البوليس‏..‏ واعتصم الطلبة في السوربون ومسرح الأوديون وتحولت إلى أضخم ثورة شعبية شهدتها فرنسا منذ الحرب العالمية الثانية، وأدت إلى إصابة فرنسا كلها بالشلل التام حين عمت الإضرابات كل الخدمات العامة وارتفعت أصوات تطالب باستقالة شارل ديجول، وبغض النظر عن نتيجة هذه الثورة، إلا أن الحالمون بالتغيير كانوا هم من قادوها، ونقلوا حلمهم إلى واقع بدأ بتكسير التابوهات التاريخية.

لكن إذا كان برتولوتشي استطاع رصد تحول الحلم السياسي إلى واقع، فإن المخرج الياباني الكبير اكيرو كيروساوا استطاع أن يحول أحلامه إلى واقع، إلى شريط سينما، بل استطاع أن يحول أحلام الآخرين إلى واقع حينما استوحى لوحة حقول القمح والغربان للفنان فان جوخ في فيلمه أحلام dreams، والذي يروي فيه ثمانية من أحلامه الحقيقة، بدأها منذ كان طفلا، وحتى صار شابا.

الفيلم الذي يرصد مخاوف الفنان الميتافيزيقية، ربما كان حلما للفن بأكمله بتحويل الحلم إلى واقع، وهو ما جعل أربعة مخرجين كبار يشتركون فيه، كيروساوا (صاحب الأفلام)، وستيفان سبيلبرج المنتج، وجورج لوكاس منفذ المؤثرات الخاصة، ومارتن سكورسيزي الذي لعب دور فان جوخ في أحد الأحلام، ويروي كيروساوا أن سبب الفيلم هو أن تذكر نصاً لديستويفسكي يقول فيه: "إن الأحلام هي أفكار عميقة مخبأة في القلب، وتخرج خلال النوم في جرأة وعبقرية"، ومن مبرراته أيضا "الأحلام تعبير حسي عن الرغبة التي تخفيها في الأعماق، وفي لحظة شعرت برغبة جارفة في تسجيل أحلامي على الورق، بالضبط كنت أحس بفراغ كبير، بدأت أنهض صباحاً وأسجل بانتظام أحلام الليل، بعد عدة ساعات أعطيت ابني وفريق التصوير ما سجلته ونصحوني أن أخرج منها فيلماً، هكذا دون أن ألاحظ أن الذي كان في البداية أفكار أقرب إلى البحث العلمي أصبح سيناريو فيلم".

يذكر هذا أيضا بما فعله نجيب محفوظ في آخر أيامه، عندما كان يلجأ إلى تسجيل أحلامه في نصوص سردية بالغة العمق، في "أحلام فترة النقاهة"، لكن الأمر في فيلم كيروساوا، ومجموعة محفوظ، يتجاوز فكرة تسجيل الحلم، إلى اصطياد الرؤية.

إذا كنا ندين للثورة بأنها كسرت حاجز الخوف والصمت داخلنا، فإننا ندين لها بأنها أعادت إلينا أحلامها، ربما تروح الأحلام وتجيء حسب الدراما التي تعيشها، لكن الحلم أصبح واقعا، وأصبح ممكنا، بالرغم من المخاوف من شبح الدولة الدينية والبوليسية العسكرية.

لا أحد يمكنه قمع الحلم، فقط يبقى على الحلم أن يدفعنا إلى الأمام، أن نصبح أكثر تصالحا مع أنفسنا، وتصبح شخصيتنا واحدة، تتماس وتمتزج، الشخصية التي في الحلم هي الشخصية التي في الواقع، هي الشخصية التي على الفيس بوك وتويتر، لحظتها، لحظتها سيصبح الحلم واقعا، ونحطم عالم ماتريكس، ونخرج من رداء ترومان شو.

10‏/10‏/2012

هكذا تلعب سحر عبد الله بالألوان


بحسب بول كلي، في كتابه "نظرية التشكيل"، فالفن لا يكرر الأشياء التي نراها، ولكنه يجعلها مرئية"، وفي كتابها الجديد "حكايات فنون"، ومعرضها الذي حمل نفس الاسم، تعيد الفنانة سحر عبد الله صياغة عالم الطفل، والأشياء من حوله، كما تعيد تشكيل الأشياء المعتادة لتقدم عالما ملموسا، مختلفا عن الواقع في آن.
فالكتاب الذي يقدم أربع حكايات، تعرف الطفل على عالم الفن التشكيلي، يؤكد هذا المعنى في الحكاية الأخيرة "كل هذه القطط"، حيث يبدو مطلوبا من "فنون" بطل القصة أن يرسم "قطة" مختلفة عن تلك التي رسمها من قبل تحية حليم، وزينب السجيني، وجاذبية سري، وحامد ندا، ورباب نمر، ليدرك الطفل أنه لا يكرر الأشياء من حوله، ولا الأشياء المرسومة، حتى لو كانت لنفس الشيء، وإنما يرسم بأسلوبه الخاص والمختلف، ومن هنا تأتي نصيحة السطر الأخير "ارسم دوما لا تتوقف أبدا".
خلق عالم يخص الطفل، وتعليمه أن بإمكانه أن يكون مختلفا بألوانه، وبرؤيته، تبدو هذه هي الرسالة الأولى للكتاب الصادر أخيرا عن دار إلياس، والذي تأخذ فيه سحر عبد الله، الأطفال في جولة في عالم الفن التشكيلي، لكي يتعرفوا على عدد من أبرز الفنانين التشكيليين، وطرقهم المختلفة في الرسم، وهو ما يقرب عالم الفن التشكيلي والألوان من الطفل، ويساعده على خلق حاسة تذوق الفن لديه، وهو ما يذكرنا أيضا بما قاله بول كلي من أن الفن يشبه الخلق، عملية مستمرة لتحرير العناصر وإعادة تجميعها في تفريغات تابعة، فالفن يلعب بالأشياء النهائية، لعبة بلا معرفة ولكنه يمسك بها.
في معرضها، وكتابها الأخير "حكايات فنون"، تقدم سحر عبد الله، تجربة جديدة على عالم الأطفال، وهي تعليم الأطفال أساسيات الفن التشكيلي، عبر اختيارها أربعة من رسامي الاطفال هم "حلمي التوني"، وجورج البهجوري"، و"عدلي رزق الله"، فضلا عن الفنان الأمريكي آندي وورل، ولا يبدو اختيارها لهؤلاء الفنانين الأربعة ارتجاليا، ففي مهمتها لتعليم الأطفال قواعد الفن التشكيلي، تبدو مشغولة بتعليمهم الفنيات والتقنيات المختلفة، فتختار عدلي رزق الله لأنه "ملك الألوان المائية"، كما تطلق عليه، وتختار بهجوري لأنه يستخدم فن الكولاج، الذي تستخدمه في لوحاتها أيضا، وتختار التوني، لأنه يستخدم الموتيفات الشعبية، وتختار وورل لأنه يصنع لوحات من أشياء عادية حولنا، وهو ما تطلق عليه فن البوب أو الفن الشعبي الأمريكي، اللافت هنا هو أنه بالتوازي مع تميز أساليب الفنانين الكبار الأربعة في الرسم يبدو تميز أسلوب سحر عبد الله، في استخدامها للكولاج، فضلا عن تميز ألوانها، وشخصياتها، في هذا الكتاب وغيره، وعالمها الطفولي المميز الذي لا يشبه شيئا آخر.
تبدو الإشكالية الاساسية فيما يقدم لعالم الأطفال من كتابة ورسوم الآن في عالمنا العربي، أن معظم ما يقدم لا يهتم بالبنية الأساسية لعالم الأطفال، فضلا عن حالة من الاستسهال تسبغ ما يتم تقديمه بنكهة تجارية، غير أن سحر عبد الله  تبدو مهمومة فيما تقدمه ببناء عالم للأطفال، عبر شخصياتها، التي تغوص في هذا العالم، فتقدم أطفالا يشبهون الأطفال، وقمرا يطيرون نحوه كالذي يلوح في خيالهم، وفراشات مثل التي يحلمون أن يطاردونها، وبيوتا كالتي يرسمونها في كراريسهم، تقدم عالما طفوليا حقيقا، كأن من رسمه طفلة لم تغادر عالم الطفولة، وتعلم كل تفاصيله، غير أنها تتقن لعبة الألوان جيدا.
تقدم سحر عبد الله في لوحاتها من يمكن اعتباره "فنا تشكيليا للأطفال"، فعلى الرغم مما أشرت إليه من تعامل الكثيرين مع هذا الأمر بشكل تجاري بحت، إلا أن سحر تتعامل مع رسومها للأطفال، حتى لو كانت ستنشر في جريدة أو مجلة، وكأنها تقدم عملا تشكيليا كبيرا،  فتعتمد على أسلوب الكولاج، وهو ما سيلاحظه زائر المعرض، لكن قد لا يلحظه قارئ الكتاب أو المجلة، وهي في ذلك، تؤكد على اهتمامها الزائد بتقديم عمل مختلف، حقيقي،  وهو ما يجعلنا ننظر إلى كل عمل مقدم باعتباره لوحة مستقلة مع النص المصاحب.
تهتم سحر عبد الله في مشروعها الجديد، المكون من كتاب ومعرض وورش رسم، بتعليم الأجيال الجديدة ثقافة الصورة، وتثقيف العيون تشكيليا، وهي بهذا تستند إلى ما عرف به جودنف الثقافة من أنها "صور الأشياء في عقول البشر وأنماطهم في إدراك هذه الأشياء وعلاقتهم بها"، حيث تغيب في مجتمعاتنا تربية أذواقنا على ثقافة اللون، والشكل، والصورة، لكن سحر تبدو حريصة في مشروعها الفني على تربية الذوق الفني، وتذوق الصورة، وهو المشروع يمكننا اعتباره قد بدأ منذ كتابها الأول الصادر عام 2006، حيث تبدو حريصة على تربية العين فنيا، وتنمية الخيال، وحث الطفل على طرح عشرات الأسئلة التي تطل من لوحاتها.
المتابع لأعمال سحر عبد الله منذ معرضها الأول قبل ثلاث سنوات في ساقية الصاوي وانتهاء بالمعرض والكتاب الأخير، يلاحظ  تطورا، بل قفزات نوعية في استخدامها لتقنيات الرسم واختيار الألوان، فاللوحات التي لا زالت تتسم بنفس روح الطفلة التي ترسم كما كان موجودا في اللوحات الأولى، نجد أن وعي الفنانة تجاوز الطفلة التي ترسم عالمها بألوانها، لتقدم في الأعمال الجديدة، روح الطفلة، ووعي الفنانة التي تعرف كيف تختار ألوانها، وكيف توجه الطفل، وتعرف ماذا تقول له، وكيف سيستجيب لها؟.
ألوان قوس قزح، هي مزج لوني لا تنتمي إلى عالم مفارق لنا، ولا تنتمي إلى عالمنا بالكامل، غير أن الألوان السبعة تبدو هي الأكثر وضوحا في عالم سحر عبد الله اللوني، ربما لرغبتها في الوصول إلى عالم قوس قزح، الذي يربض ما بين الواقع والخيال، حيث تحاول أن تصل مع كل لون فيه إلى قوته اللونية التي تناسب عالم الأطفال الذي تتعامل معه، معتمدة على أن التعبير اللوني الصريح الذي يجذب عين الطفل.
تفهم سحر عبد الله لغة الألوان جيدا، تماما كما تفهم عالم الأطفال، لذا فهي تختار ألوانها في الكتاب الجديد بعناية، فيبدو فنون واقفا، وهو يمسك فرشاته في يده كأنها سلاحه لتجميل العالم وجعله أفضل، كما تفهم سحر لغة الخيال، تماما كما عرفه  الشاعر الفرنسي أندريه بريتون بأنه، "الخيال وحده هو الذي يجعلني واعيا بالممكن، وبالنسبة لي يكون كافيا أيضا أن أستسلم للخيال"، فالخيال الموجود في لوحات سحر عبد الله هو خيال الطفل، الخيال الجامح الذي لا يحده الواقع، ولا فن الممكن
"عندما أقف أمام حامل اللوحة أشعر بأنني حي"، هكذا قال فان جوخ يوما، بعد أن وصفوه بأنه أعاد اكتشاف الشمس، وفي لوحاتها الجديدة تنقل سحر عبد الله الحياة إلى اللوحات أمامها، فيرى فيها كل طفل ذاته، تعيد اكتشاف الألوان، وتفاصيل عالم الطفل، لتقدمها له كما يحب وكما تنمي مداركه ووعيه ومعرفته، كما تفعل في مشروع "حكايات فنون"، كما تدرك أنها في مهمة صعبة لتغيير قبح العالم، وتعليم الأطفال كيف يرون الحياة أجمل.
ترسم سحر عبد الله ما تحب، وما يحب الأطفال أن يروه، وما تدرك أنه لا أحد يعرفه سواها، تملك شفرة عالم الأطفال وابتساماتهم، تبدو أعمالها كأنها قطعة من روحها، تبدو شخوصها كأنها انعكاس لبهجتها، ترسم بجدية، وبطفولة،  تختزن في أعمالها خبرات ثقافية متعددة، لمدارس الفن التشكيلي المتنوعة، لوعيها الخاص، وإدراكها الخاص معنى اللون وأهميته، تدرك  سحر عبد الله أن الفن يمكن أن يجعل الأجيال القادمة أفضل، تعرف أن الفن يمكن أن يغير العالم، وهي تسعى إلى ذلك.

ــــــــــــــــــــــــــ
* نشر في جريدة القاهرة