24‏/12‏/2006

هل ثمة داع لأن يمر الهواء من هنا ؟



حين مت
لم يحدث لها شيء

كان لا بد من وجود
رسائل في درج سري
وكروت بوستال مضفرة
وأقلام رصاص
وكحل في العينين
فهكذا
تكتمل الخيانة


هذا المكان
ألم يكن شاهدا من قبل ؟
وهذه العيون
ألم ألونها ؟
وهذه العصا
ألم تسق يها السحب ؟

مع مرور الزمن
سوف أعتاد صوتي
مع مرور الزمن
ستصبحين أقصر


هذه التي دخلت من الشباك
سحبت خلفها رعدا
لتقيده في رجل الكنبة
لأظل طول الليل أصرخ
فيما يئن


لم أقصد هذا بالتحديد
لكن كان بإمكان المارة
أن يترفقوا بي قليلا
وهم ينزعون القمر من السماء
بأظفار طازجة
و إلا فكيف سأهرول في الشارع
وأنا أضم كل الصراخ
إلى صدري


هذه العلاقة الحميمية
بين الحذاء والتراب
لماذا تبد ذاهلة
من البستاني المنسي في
الحديقة ؟


يمكنك الآن
أن تقولي أي شيء
...
لم أعد أسمع


تصوري
لم يزل القطار كل يوم
يسافر
من سوهاج إلى القاهرة
لم يزل كل يوم
يُغَيّر أصحابه
....
الخائن


كما توقعت تماما
علبة الشاي في المطبخ من اليسار
كيس السكر قارب على الانتهاء
الأكواب شبه نظيفة
الماء في الصنبور
.....
من سيشعل لي الموقد ؟


الأطفال المنسيون في بطون أمهاتهم
أما آن لهم
أن يقولوا:
السلام عليكم
ثم يعدلون ربطة العنق


تعودت على هذه الخيانات
تعودت أن تنتهي القصائد
كما لا أريد

18‏/12‏/2006

GAMEOVER

أقدم لكم اليوم جزء من رواية صديقي الروائي الجميل محمد صلاح العزب " وقوف متكرر " والتي ستصدر في معرض الكتاب القادم عن
دار ميريت ، إذا أعجبكم الفصل اشتروا الرواية ، أوزوروا مدونته
GAME OVER

تعمل أنت ومنعم كمندوبي مبيعات لمخزن أدوية في المرج لمدة شهرين، تأخذان كمية من الدواء تلفان بها على الصيدليات طوال الأسبوع، والتوريد في يوم الجمعة، بعد شهرين يغلق المخزن ويلقى القبض على صاحبه ؛ لأنه كان يستخدم المخزن كستار ويتاجر في المخدرات بشكل سري، يغلق المخزن وتحت يد كل منكما بضاعة بحوالي ثمانية آلاف جنيه، في ظرف أسبوعين توزعان الأدوية على الصيدليات ويصير معكما ستة عشر ألف جنيه لا صاحب لها.
تستأجران شقة دور أرضي بمساكن الضباط المواجهة لمستشفي السلام، أمام باب مدرسة سوزان مبارك الثانوية بنات مباشرة، وتفتحانها صالة ألعاب: 20 لفة بوص، تفردانها وتثبتانها على الجدران، وبوسترات كبيرة لهيفاء وهبي، وعمرو دياب، وإليسا، وروبي، ونانسي عجرم، ومحمد حماقي، وبوسترات قديمة للفور كاتس، وسابيس جيرلز، وباك ستريت بويز، مقطوعة من مجلتي الشباب وكلمتنا، وسبوتات إضاءة خافتة.
ترابيزة بلياردو، وأربعة تليفزيونات، وأربعة أجهزة بلاي ستيشن، ويافطة كبيرة بالخارج مكتوب عليها بالحروف المضيئة:

زبائنكم الأساسيون كما قال منعم هم العيال الصيع الذين يزوغون من مدارسهم ليقفوا أمام مدرسة البنات، فوقوفهم في الشارع يمثل خطرا بالنسبة لهم، حيث اعتادت سيارة الأتاري الوقوف أمام مدرسة البنات، ليحقق أمناء الشرطة متعتهم في صفع هؤلاء العيال على أقفيتهم، أمام البنات اللاتي يضحكن بشماتة، سيجدون مخبأ مناسبا في الصالة.
كما أنك اشتريت خط بيزنس، وعدة إريكسون 688، ووضعتهما في المحل كوسيلة لجذب أرجل الفتيات.
كانت لجدك صورة كبيرة معلقة داخل برواز مذهب في صدر الصالة، سقطت في زلزال 92، وانكسر الزجاج والبرواز، وظلت طوال هذه المدة مركونة في الكراكيب، فأخرجتها، وكتبت على ظهرها بقلم الفلوماستر الأسود الذي أخذته من علبة ألوان أختك:

تثبت اللوحة أمام باب الصالة الخارجي لاصقا وجه جدك بعمامته وزبيبة الصلاة في جبهته في الحائط.
أسبوع واحد ويتحول المكان إلى ماخور لم تتوقعاه، ويصير زبائنكم الأساسيون من البنات اللاتي يزوغن من المدرسة، ويلعبن البلياردو والبلاي ستيشن بمهارة، ويقلن نكاتا جنسية، ويدخن السجائر خلسة.
في البداية خاف الأولاد ( العيال الصيع ) من الدخول عندما رأوا أن البنات يحتللن المكان، فصاروا يمرون من أمامه يتلصصون على ما يحدث بالداخل كأنه كوافير حريمي

شيئا فشيئا تعتاد أرجلهم على المكان، وصاروا يتعرفون على البنات بالداخل بسهولة عن طريق اللعب، بدلا من السير وراءهم ومعاكستهم في الشارع وبلا جدوى غالبا، لكنكما لم تسمحا بحدوث أي تجاوزات أخلاقية بين الأولاد والبنات، بينما تحول الجزء الداخلي من الشقة إلى وكر ؛ حيث يقف أحدكم فقط في الصالة غالبا بتابع اللعب، والآخر بالداخل ومعه واحدة، وبعد أن ينتهي يخرج ليقف ويدخل الآخر.
اطمأن الجميع إلى المكان خصوصاَ وأن التعامل الأمني مع المساكن مقصور على الشرطة العسكرية.
اكتسب المكان شهرة واسعة في كل المدارس الثانوية في مدينة السلام، والنهضة والعبور، وأصبح عاديا أن يسأل واحد زميله:
((انت رايح المدرسة بكرة؟)).
فتكون الإجابة:
((لأ.. رايح فريندز جيمز)).
لم يستمر الأمر سوى شهر ونصف، حيث تعددن شكاوى أولياء الأمور البنات، وناظرة المدرسة، وسكان المنطقة، وقد فاحت رائحة المكان، فأتت سيارة الشرطة العسكرية الجيب البيج القديمة، وأوقفت النشاط. .

13‏/12‏/2006

ثقب في الهواء بطول قامتي



لا تموتي الآن
فأنا أنتظرك منذ خريفين ووردة
حقيبتي فارعة
عيوني معلقة على البحر
من يمسح بيده فوق صدري
فأرتجف
أنا وردة الملاريا الحزينة
ُأُسْكَب..
كأغنية على البلاط
يهجوني الأطفال..
لاعبو الكرة الشراب
يركلني الفلاحون..
حين يمرون بعد الصلاة الفجر
يكرهني الوحل
والمراهقات
والهدهد ذو الزي الموحد

لا تموتي الآن
فأنا سأرحل مع هذا الهواء
المنسي على جدران الغرفة
الشرفة نفس الشرفة..
فقط أنا الذي لم أعد أبتسم
من بعيد..
ألوح..
ثم أبكي
من بعيد أموت..
ثم أهرول صارخا

لا تموتي الآن..
منذ قليل..
سكبت الشاي على الأرض
ونمت واقفا
أتأمل آثار أنفاسك على الهواء
ولثتك..
فوق فرشاة الأسنان
وأصابعك..
فوق براد الشاي
أنا المتشرد كليل
لا ينقطع أنيني بالمطر..
فقط..
يغرقني حينما أذكرك
الغابات في الخارج تعضني
الربو يحتك بي
يتركني مغطى بشمس الصيف
الظالمة

حزين أنا
حزين أكثر مما يجب
فلا تتركيني وحيدا..
مع القصائد والشاي
كبقايا طاعون مزمن
تغطيه الطحالب والصخور
الدفاتر..
ألون فيها بدمي
بنفسجا وأحذية مثقوبة
وشاعرا..
يموت بعد منتصف الليل
كرهتني القصائد يا أمي
كرهتني الكباري..
والسجائر..
وجالسو القرفصاء
أنا الحزين كجبل
أبيع قصائدي للمارة، وللكلاب
وللطغاة الحمر

لا تموتي الآن..
من سيزمل الرسول
من سيسقي النعناعة..
عابرة السبيل

عيونك تركتني للشوارع تنهشني
أنا الصعلوك القديم
ألتهب بالنعاس..
وبالبكاء
تطردني المقاهي لليل..
بلا نهدين
فأرنو إلى وجهك..
وأبكي
ألملم صوتك..
وأضمه إلى صدري
أضفر شعرك وأغني
أتحسس وجهك
حزينة أيتها العيون السوداء
حزينة حتما
كرائحة..
القصائد اليتامى
والأطفال الرضع
وأبناء باعة العرقسوس

يا الله..
يا أمي..
يا أنتم..
وداعا
......ً
من ديواني الأول الذي يحمل نفس الاسم

09‏/12‏/2006

الأدب يتغذى على دم النميمة

يصلح ليل كل ثلاثاء من ليالي القاهرة ، أن يصبح هو ليل النميمة الأكبر في حياة المثقفين المصريين ، ففي هذا اليوم الذي اتفق على أن يكون هو يوم لقائهم الأسبوعي على مقاهيهم الثقافية في وسط القاهرة ، تتناثر أشلاء الثقافة والمثقفين على المقاهي ومناضد البارات مزقا ، ويمكن لمن يتحرك خلال ما يسميه المثقفون بمثلث الرعب : " مقهى زهرة البستان ، وأتيليه القاهرة ، وبار الجريون " أن يسمع الحكايات السرية ، والقصص السفلية عما يجري في الثقافة المصرية ، أن يرى الغسيل السري ، أوبحسب وصف البعض ، الملابس الداخلية للثقافة والعلاقات مع السلطة ، والدول العربية ، والصراعات الخفية ، وهي تتداول ، وتحكى ، دون أي ذكر أو نقاش حقيقي حول الأعمال القصصية والروائية والشعرية ، الصادرة من دور النشر القريبة .
والنميمة عادة اجتماعية ذميمة ، تعرف بأنها نقل كلام الناس بعضهم إلى بعض على وجه الإفساد بينهم فحرمت لما فيها من مفسدة إلقاء البغضة بين الناس ويستثنى منها ما كان النقل فيها على جهة النصيحة كأن يقول له : إن فلانا يقصد قتلك ونحو ذلك ، فإن كان ما ينم به نقصا أو عيبا في المحكي عنه فهو غيبة ونميمة ، و قال ابن حجر في الزواجر : الحكم على ما هو كذلك بأنه كبيرة ظاهر جلي , وليس في معناه بل ولا قريبا منه مجرد الإخبار بشيء عمن يكره كشفه من غير أن يترتب عليه ضرر , ولا هو عيب , ولا نقص.
والنميمة ، و " مسك السيرة " بالتعبير الشعبي المصري ، ونهش لحم الآخرين ، عادة ذميمة، قد تكون انتقلت من العامة إلى المثقفين ، لكن الغريب أن هذه العادة انتقلت من المقاهي ، وجلسات " مثلث الرعب " إلى الأدب ، وأصبح هناك عدد من الأعمال الإبداعية تصدر ، وتوزع ، وهي تحمل تشهيرا ببعض الناس من المثقفين ، وغير المثقفين ، وهو ما يرى البعض أنها ساهمت في شهرتها ، وزادت من توزيعها ، خاصة أن هذه الكتابة تكون عادة بأسماء مشابهة ، ولكن " كل لبيب بالإشارة يفهم " ، فيبدو الأمر متراوحا ، بين الطرافة ، والإلغاز ، والتعريض ، و" التلسين " ، بحسب تعبير الناقد فاروق عبدالقادر.
ظاهرة أدب النميمة ، أو الروايات التي تلجأ إلى النميمة كسياق أساسي فيها قديمة ، ويمكن اعتبار أن رواية " المرايا " لنجيب محفوظ من أقدمها ، فنجيب محفوظ في هذه الرواية اعتمد على شخصيات حقيقية موجودة في الواقع الثقافي ، شخصيات زاملها وعرفها ، وصداقها ، لكنه في الرواية ألبسها أقنعة بأسماء اخرى ، وهناك أيضا روايته الشهيرة " الكرنك " والتي أثير أنه كتبها عن صلاح نصر مدير المخابرات العامة المصرية أيام عبد الناصر راصدا فيها التعذيب الذي يحدث في السجون ، والتحولات الفكرية لدى عدد من المثقفين اليساريين ، أما رواية النميمة الأشهر فهي رواية عمارة يعقوبيان الشهيرة ، لعلاء الأسواني ، والتي يرى البعض أن سبب شهرتها هو أنها اعتمدت على التعريض بشخوص معروفين في الواقع ، وذكر مساوئهم سواء في الوسط الثقافي أو السياسي أوالاجتماعي ، مثل الصحافي الشاذ جنسيا ويرأس تحرير صحيفة أجنبية ، والوزير الفاسد ، وضابط أمن الدولة المتوحش ، ورجل الأعمال المزواج ، وهي كلها شخصيات تردد بعد نشر الرواية أنها لشخصيات حقيقية معروفة في الوسط الاجتماعي ، وهو ما زاد من توزيعها ، لدرجةأنها طبعت أكثر من طبعة ، وحتى حينما تم تحويلها إلى فيلم سينمائي لوجدنا أن أبطالها يصرحون للصحف أنهم لم يقوموا بأداء أدوار الشخصيات الفاسدة في الحياة السياسية ، وهناك رواية زينب والعرش ، والتي تحدثت عن الوسط الصحافي المصري في فترة الستينيات ، والفساد الذي دار فيه ، ويمكن لمن يقرأ الرواية أن يخمن طوال صفحات الرواية الأسماء الحقيقية لأبطالها والقصص المصاحبة لصعودهم ، وهناك أيضا رواية " قبل وبعد " لتوفيق عبد الرحمن التي تم مصادرتها إثناء مصادرة الثلاث روايات ، وقيل أن سبب مصادرتها أنها تحدثت عن شاعر عامية مصري كبير ، وقالت أنه سلم نفسه للسلطة بعد خروجه من السجن ، وهناك رواية " كحل حجر " لخالد إسماعيل ، التي تحدثت عن بعض المثقفين الأقباط في مصر ، وأعطتهم أسماء رمزية ، تقترب من أسمائهم ، وغيرها من الروايات التي تعتمد نفس المنهج ، في بناء دراميتها .
الشعر أيضا لا يخلومن النميمة ، فهناك أميات نجيب سرور ، تلك القصيدة المكتوبة بالعامية ، وتوجه سبا وقذفا ، في حق العديد من الشخصيات الفاعلة في الوسط الثقافي المصري في الستينيات والسبعينيات ، والتي يقال أن نجيب سرور كتبها إثناء وجوده في المستشفى النفسي ، وانتقم فيها من كل أعدائه ، واصفا إياهم عبر أبيات القصيدة الطويلة بالشذوذ ، وموجها لهم شتائم جنسية كثيرة ، وهناك مجموعة من القصائد للشاعر أحمد فؤاد نجم ، لعل أشهرها قصيدة " الشاعر الأكره " التي قالها يصف بها شاعرا آخر يهادن الحكومة " ملعون أبوك طالع نازل ، شاعر أكره " ، وقصيدته عن الرئيس المصري الراحل أنور السادات التي أسماه فيها " شحاته المعسل " .
غير أن النميمة في الوسط الثقافي المصري بعد ان تجاوزت المقاهي ، وجلسات الثلاثاء الحميمة في الاتيليه وزهرة البستان والجريون ، إلى الأدب ، قررت أن تنتقل إلى بعض الكتب ، لعل أشهرها الكتاب الذي صدر منذ حوالي عامين ، بعنوان " مثقفون تحت الطلب " وقام بتأليفه محمد عبد الواحد ، الذي كان يعمل للمكتب الإعلامي لدى فاروق حسني وزير الثقافة المصري ، وفيه فضح عددا من المثقفين ، بالاسم وقال بعلاقة بين بعض المناضلين السابقين " اليساريين " ، والسلطة ، ليضع عددا كبيرا منهم في مأزق ، ويتحول الكتاب وأبطاله إلى وجبة دسمة استمرت أسابيع على مقاهي وسط البلد الثقافية .
كما قال عبد الواحد في كتابه أن اختيارات فاروق حسني لقيادات وزارته " دليل واضح على عدم صلاحيته كوزير، مع أن صورة الغلاف تبينه ـ أي وزير الثقافة ـ قائد أوركسترا موسيقي في يده عصا وأمامه نوتة موسيقية وأربعة من الرجال تبدو رؤوسهم نسخا متشابهة وفارغة، يقصد بهم مثقفي السلطة ، غير أن الهجوم الاكبر في الكتاب كان على صلاح عيسى ، اليساري السابق ، ورئيس تحرير جريدة القاهرة التي تصدرها وزارة الثقافة حاليا ، وإن كان البعض يعتبر ما كتب عنه ليس إلا من قبيل تصفية الحسابات ، خاصة بعد استبعاد عبد الواحد من الجريدة ، ونلمح ذلك مثلا في إشارته إلى إن صحيفة (القاهرة) كان يتردد فيها نداء شهير عصر كل يوم أحد هو " نسخة الوزير.. نسخة الوزير" في إشارة إلى نسخة التجربة الأخيرة لصفحات (القاهرة) لتعرض على الوزير ليراجعها قبل طبعها ، وهو ما يضرب التجربةاليسارية لعيسى وادعائه الاستقلال في مقتل .
وهناك نوعيات من الروايات ليس لها علاقة بالنميمة ، لكن النميمة دارت حولها بعد نشرها مثل رواية " اخرج منها يا ملعون" التي كتبها صدام حسين ، وشن موقع الامبراطور على الانترنت حملة ضد الروائي جمال الغيطاني مدعيا انه كاتبها الحقيقي ، وبغض النظر عن صحة هذا من عدمه ، فهذه الحادثة كانت زادا وفيرا لمائدة النميمة ، لمدة طويلة من الوقت .
لكن أشهر كتب النميمة ، هو الكتاب الذي حمل ذلك الاسم صراحة ، وهو " كتاب النميمة " للروائي الكبير سليمان فياض ، والذي حلل فيه شخصيات العديد من للمثقفين المصريين ، عبر أسماء رمزية مثل ، الفأر ، والقط ، والتمرجي ، ومالك الحزين ، والواعظ ، وعازف الفلوت ، وعجل جسد له خوار " ويصبح سؤال المثقفين بعد قراءة الكتاب المتداول " من التي يقصدها فياض بشخصية " لوليتا" ، هذا ، وإن كان الكتاب بجزئيه " كتاب النميمة ، ونبلاء وأوباش " يحتوي لغة أدبية راقية ، ويمكننا اعتباره نصوصا أدبية ، إذا قرأه شخص من خارج الوسط الثقافي ، بعيدا عن السعي لحل لغز القصة ، والوصول إلى اسم الشخصية الأدبية .
يفتتح سليمان فياض كتابه " كتاب النميمة " بإهداء ، قد يبدو منه الغرض من الكتاب "إلى الأجيال الجديدة ، تذكرة بأن الإنسان تاريخ وموقف ، فلا سر يخفى ، ولا شهادة تموت " ، ويقول فياض " لست مسئولا عن أية إسقاطات أو تصورات شخصية لقارئ ما على أحد النماذج ، لمجرد أنها معماة ، ولا تحمل اسما من الأسماء ، ويقول " لست مسئولا عن أية وقائع أو مشابهات في هذه البورتوريهات إلا عمن سميتهم بأسمائهم " ، لماذا كتب إذن هذا الكتاب ؟ يقول فياض " غايتي أن أقبض على اللحظات الهاربة والظواهر المستمرة أو الآفلة التي يغفل عنها دائما التاريخ العام والخاص أيضا لأنه يتجاوز في الشرق ما يعتبر أسرارا شخصية في حياة الناس "
و رغم عدم اعتراف عدد كبير من النقاد والمبدعين بهذا المصطلح " أدب النميمة" إلا أن فاروق عبد القادر يعد هو أول من دشن مصطلحا مشابها له وهو " أدب التلسين والنميمة "في كتابيه " أوراق من الزمن الرخو " و " في الرواية العربية المعاصرة ، حيث أسماه " أدب التلسين وإياك أعني " ، معتبرا رواية عمارة يعقوبيان و هي الرواية الواقعة بامتياز تحت مسمى " أدب النميمة " ذات مستوى متوسط استفادت من الهجوم على رموز المجتمع ، وهناك عملين آخرين ينطبق عليهما هذا الوصف كما يذكر في كتابه هما روايتي " حكايات المؤسسة " و " حكايات الخبيئة " لجمال الغيطاني ، حيث نجد الراوي يتعثر مابين المكاشفة و التخفي ، التصريح والتلويح ، بين ما يريد أن يقول، وما لا يستطيع أن يقوله ، أن تغمز بعينك للقارئ في إغراء بالتواطؤ : أنت تعرف وأنا أعرف ، لكنني لا أجرؤ على مزيد من الإفصاح ، حين أراد أن يجعل مؤسسته بشخوصها وأحداثها واقفة تتأرجح على هذا الحد الزلق بين الواقع وما وراءه أو ما فوقه ،ولم يجد بين يديه سوى أدوات ووسائط فقيرة : المبالغة التي تتجاوز الحدود ، والإلحاح بالتكرار في الألفاظ والمعاني ، لدرجة الإضجار ، وفي ظنه أن هذه المبالغات تحيط الشخصيات بأطر غرائبية .
العمل الفني ليس نميمة ، وكذلك لا يمكن أن نعتبر النميمة عملا أدبيا ، لكن هذا لا ينفي أن النميمة مرض من الأمراض الثقافية التي باتت منتشرة تعبر في رأيه عن مدى الخواء الحادث ، والانشغال بالآخرين ، بدلا من الانشغال بالمعرفة والإبداع فجلسات المقاهي تحولت إلى جلسات للنميمة بدلا من النقاش الحر الموضوعي . و لو بحثنا عن سبب لانتشار النميمة بين أوساط المثقفين ، في الأدب وفي المقاهي ، فلا يمكن بأي حال من الأحوال تجاهل أن تهميش المثقف هو السبب الأول ، أن تصبح كل مهمته في الحياة أن يجلس على المقهى ينم ، وهو الذي كان قبلا ، يحرك شعوبا ،نستطيع أن نقول أن السبب هو الفساد الذي دمر كل مرافئ الحياة حتى الثقافية، صعود رموز السلطة ، وقتل الإبداع بنار البيروقراطية ، حتى لم يعد بإمكان المثقف الآن أن يفعل سوى أن يتنقل بين أضلاع مثلث الرعب ، يحقق ذاته ، فقط ، بالنميمة .

06‏/12‏/2006

نهار أسود




الضلمة في عيون الحرس
متقفّلة كل البيبان
وضريح يتيم من غير ولي
كل البنات بارت
وعيونكو هيّاها العسس
يا خَيْبِة الأيتام إذا حاولوا الهرب
متقَفّلة كل الحيطان
نازفة بارود مش مِسْتِحِي
ساكتة كما كدب الجرايد والغنا
بتبص مني عيون وطن
مدبوح أنا ..
.. ولا انا لسّه كوم تراب
الخيل عذاب بيجُرِّني
طباشير على وش الهوا
لا عرفنا نكتب غنوتين
ولا يوم حفظنا آي ياسين
تبقى الحكاية مْلَفّقّة
والشعر مش ضحك ونسيم
الشعر مرمي في القفص


يا صحابي
يا خيبتي القوية
طلع الأدان زيّ الخرس
طلعت ودانّا مصَمّغة
متعلقين كيف الدبيحة الــــ
(مش جبانة )
والدمع صوته مش طرب
صوتي اتنقش فوق البحار
طعمين لّجَنّيّة
أما الخرس كان القروش

( وصاني قلبي بالوطن
فجرحني وردي
شوكي عجين ميت ما يتاكلش
عكّرتْ روحي بالقصيدة واتخنقت
كان الوطن مرمي على الكورنيش
ما بين بنادق أمن دولة وبين قلوبنا )

البحر خنجر لو تشوفه تعشقه
مترصصة رملة عروسته بالأنين
من غير حرس
قلبي انطفى
لما اتملى ببارود عسس
( ما تجيش وحيد من غير أبوك
ما تجيش وحيد من غير وطن )

هفضل أحاربك للنهاية
للشموس اللي انطفت
رشيت مخاض الشعر في وشي
انتفضت
وِطِرْت في عيوني سكنت
خَضِّتني لما شفت إيدك بين إيديك
سودة نجس
يا مقفلين كل البيبان
يا قاتلين كل القصايد والحسان
بصوا وراكم
..... واشتموا

04‏/12‏/2006

ليل / خارجي


سبعة شارع الخيامية تعنى
الرجل الذي يجلس بين قدميّ الليل
يدعو للقطط
للمارة
لفمه – حتى لا يصدأ –
ولقروش ضامرة

الرجل
آخر الليل
- في غفلة من الحائط -
يخرج الأدعية من فمه
يرصها في حفرة صغيرة
ثم يغطيها بقطع البوص والتراب
ينديها بالماء لتنمو

الرجل الذي ..
...
...
أوه
من قال أنني لا أؤتمن على سر

22‏/11‏/2006

صفحة الوفيات .. التاريخ السري للموتى



صفحة الوفيات هي الصفحة الوحيدة التي ، استطيع أن أقول لكم ، أنها تخلو من الكذب ، في كل الجرائد القومية ، والتي تنشر الحقيقة كاملة دون تزييف ، ربما لأنه لا توجد حقيقة أوضح وأنصع من الموت ، صفحة الوفيات والتي اعتاد قراؤها البحث عنها في الصفحات الأخيرة من جرائدهم تنتقل إلى الصفحة الأولى في حالة وفاة شخصية قيادية كبيرة وفي هذه الحالة يرصد المصريون من يسمونهم " المشتاقين " إلى مناصب كبيرة عند رحيل ابن أحد المسئولين ، أو قريب له ، حيث يكشف النعي ماذا ييد ناشره ، مجرد العزاء أم وظيفة جديدة ومقعد جديد ، ومؤخرا تحولت معظم صفحات الصحف الأولى إلى صفحات وفيات مع تزايد عمليات العنف في أرجاء العراق ولبنان وفلسطين .
ثمة مقولة قديمة يرددها المصريون للتدليل على مدى ارتباطهم بنشر نعي موتاهم في صفحة الوفيات بجريدة الأهرام " من لم ينشر نعيه في الأهرام فكأنه لم يمت " والتي عادة ما تخصص صفحتها قبل الأخيرة للوفيات والنعي ، وربما يزيد الأمر فتخصص أكثر من صفحة .
وعدد كبير ممن أعرفهم ، لا سيما الكبار في السن ، يفضلون ان يبدأوا يومهم بقراءة صفحة الوفيات ، للتعرف على من رحل من معارفهم وأصدقائهم ، والمشاهير ، حتى يبادروا بالعزاء أو بنشر نعي مناسب ،وارتبطت صفحة الوفيات بجريدة الأهرام ، ويقارب عمر هذه الصفحة عمر الجريدة ذاتها ، غير أنها لم تصبح بهذا الشكل الرسمي إلا في أوائل القرن الماضي ، وكان قبل ذلك ينشر النعي متفرقا ، ثم انتقلت صفحة الوفيات بعد ذلك إلى باقي الجرائد التي لم تستطع أن تنافس الأهرام في تميزها وظلت صفحة الوفيات مرتبطة بصحيفة الأهرام ، وإذا كان المؤرخ المعروف يونان لبيب رزق يسمي جريدة الأهرام بديوان الحياة المعاصرة ، فإن صفحة الوفيات بها بمثابة التاريخ السري والحقيقي والصادق لحياة المصريين ، حيث أنها تكشف شجر عائلاتهم ، وارتباطاتهم الاجتماعية ، وعلاقاتهم الأسرية ، وتربيطاتهم في العمل أيضا .
ويختلف حجم النعي في صفحة الوفيات حسب شخصية والمركز الاجتماعي للمتوفي ، فهو يبدأ من سطور قليلة في صفحة الوفيات ينشرها أهل الميت عقب وفاته أو في ذكرى مرور أربعين يوما على رحيله ، ويذكر فيها عادة أسماء أقاربه ، مع دعواتهم له بالرحمة والمغفرة ، وقد ينشر مع هذا النعي صورة ، يأتي بعد ذلك نعي أصحاب الشركات أو بعض الرجال المهمين في مناصبهم ، وهؤلاء عادة ينشر نعيهم ، أو نعي أقاربهم مشفوعا بأسماء الموظفين الكبار في هذه الشركات ، ويمكن للمتتبع لهذه الإعلانات أن يرصد عن طريق هذه الإعلانات شبكة المصالح بين رجال الأعمال والموظفين ومديري البنوك ، وعادة ما يكون هذا الإعلان ربع صفحة مع صورة كبيرة ، لكن أكبر نعي فهو عادة يكون مع رحيل أحد الزعماء حيث يملأ النعي صفحة كاملة ، فجريدة الشرق الأوسط أصدرت ملحقين منفصلين عند رحيل الملك فهد لتغطية العزاء والنعي ، حتى زاد عدد صفحات الجريدة عن المائة صفحة .
وإعلان الوفاة يكون فيه اسم المتوفي بالبنط الكبير يتبعه التسلسل العائلي بالبنط الصغير ، مع ذكر الوظائف لكل شخص من أقارب الميت ،وهو ما يجعل النعي راويا لتاريخ الميت السري ، لأقربائه ، لأصدقائه ، لأهله ، ووظائفهم ، وكثير من المصريين يكتشفون تسلسل عائلات المشاهير ، والكثير من تفصيلات حياتهم عن طريق صفحة الوفيات .
الأمر لا يتوقف عندنا كمصريين فحسب ، فقد أصدر الصحفي السويسري " برتولد جاكوب " عام 1935 وحوى الكثير من أسرار الجيش النازي حتى قبل أن يعلن هتلر نواياه بالاستعداد لغزو العالم وإقامة إمبراطورية نازية كبرى ، وهو ما أصاب جنرالات النازية بالجنون ،وفجر غضب هتلر نفسه ، مما جعله يستدعي قادة أمنه ويدفعهم إلى القيام بعملية اختطاف " جاكوب " من سويسرا و إحضاره إلى برلين لمعرفة كيف توصل إلى الأسرار التي نشرها في كتابه ، وكانت المفاجأة أن " جاكوب " قد حصل على كل المعلومات الواردة في كتابه من صفحة الوفيات في الصحف الألمانية وحدها .
" الجنرال فلان قائد الفرقة كذا المتمركزة في المنطقة س ينعي زوجته الراحلة ، والجنرال فلان قائد الفرقة كذات والمتمركزة في المنطقة ص تواسي قائدها الجنرال فلان بسبب كذا وكذا " عشرات المعلومات وجدها "جاكوب " متناثرة في الصحف وكل ما فعله أن قام بجمعها وأعاد ترتيبها وحصل منها على معلومات عظيمة كشفت توزيع وتنظيم الجيش النازي كله ، وبعد هذه الواقعة لم تعد الصحف الألمانية أو أية صحف أخرى في العالم تنشر أية معلومات عن رجال الأمن لا في صفحة الوفيات ولا أية صفحة أخرى .
ثمة تيمات معروفة تكتب في النعي الذي ينشر في صفحة الوفيات ، فبخلاف الذين يكتبون شعرا رثاء للفقيد ، نجد أن النعي يبدأ بعبارة "البقاء لله ، أو إنا لله و إنا إليه لراجعون توفى إلى رحمة الله فلان الذي يعمل في مهنة كذا ،ووالد فلان الذي يعمل في وظيفة كذا وشقيق فلانة زوجة المهندس فلان " وهكذا ، أما الأقباط فإنهم عادة يبدءون نعيهم قائلين " الأبرار يضيئون كالشمس في ملكوت أبيهم ، رقدت على رجاء القيامة عروس السماء الآنسة س المحاسبة بشركة ص كريمة المرحوم ع .... عزاؤنا أنك بالسماء .. شقيقتك ووالدتك س وص " ويكشف طول النعي عن المكانة الاجتماعية التي يحتلها المتوفي وكثرة أقاربه ومعارفه وتأثيره في الحياة العامة .
وكادت واقعة متعلقة بصفحة الوفيات أن تكون سببا في دخول الكاتب الراحل عبد الحميد جودة السحار السجن ، حيث ردد نكتة في الستينيات تقوا أن رجلا كان يذهب كل يوم إلى بائع الجرائد وينظر إلى العناوين ثم يعود دون أن يشتري شيئا ، وظل يفعل هكذا عدة أيام ، وفي يوم سأله بائع الجرائد : لماذا تفعل هذا ؟ فقال الرجل : أنتظر وفاة خبر وفاة أحد الأشخاص ، فقال البائع : لكن أخبار الوفاة تنشر في صفحة الوفيات بالداخل ، فقال الرجل : من أنتظر وفاته يموت في الصفحة الأولى .
ونعي المتوفى في قرانا البعيدة الطيبة يعتمد على تناقل الخبر بين الجيران وأهل القرية، بالإضافة إلى إذاعة شيخ القرية لخبر الوفاة من المسجد.
أما في المدينة، فالأمر يختلف بسبب بعد المسافات حتى داخل المدينة الواحدة، فالنعي أصبح لإخبار الناس عن وفاة شخص لتقبل العزاء فيه وليس لدفنه والصلاة عليه؛ ذلك لأنه يكون لاحقًا لدفن المتوفى فيتمعن طريق ما يسمى بالإذاعة المحلية ، وهي عبارة عن ميكروفونات منتشرة في أرجاء المدينة تبث خبر الوفاة ، بينما يلجأ البعض إلى استئجار سيارة لتطوف أرجاء المدينة أو القرية لنشرالخبر وذكر أقاربه ووظائفهم أيضا .
ويحرص أبناء المشاهير والصاعدون على ذكر ارتباطهم إلى عائلاتهم ، ويعتبرون ذلك إعلانات مدفوعة الأجر لهم ، وحافزا لهم في أعمالهم ، وهو ما يوضح اعتناء كبيرا بالشكليات ، كما قد يكشف النعي عن بعض الخلافات العائلية فقد نجد في نعي أن الميت نجل فلان وشقيق فلان ، وفي نعي آخر أنه زوج فلانة ابنة فلان وهو ما يكشف عن وجود خلاف عائلي في موضوع الزواج .
وتختلف صياغة النعي حسب التوجه السياسي للميت فالإخوان المسلمون يكتبون " مأمون الهضيبي واخوته يحتسبون عند الله أخاهم فلان " ويكتب اليساريون مجموعة أسماء يتبعونها بأنهم ينعون المناضل الكبير ، أما الوفديون فيحرصون على وجود عبارة " القطب الوفدي " في وصف الميت .
و أخيرا أصبحت رسوم الكاريكاتير تقوم مقام صفحة الوفيات ، فحين يموت أحد الرسامين نجد زملاءه يرسمون ريشة تبكي ، وحين يرحل أحد الكتاب الكبار فإنهم يرسمون قلما بجناحين يطير تجاه الجنة ،أما في حالة رحيل أحد الزعماء فإن الرسامين يرسمون بلدته على هيئة امرأة حزينة تبكي عليه .
وكما تسببت صفحة الوفيات في التعريف بشجرة عائلة العديد من المشاهير كانت سببا في العديد من المواقف الملتبسة خاصة مع تشابه الأسماء ، وهو ما حدث مع أنيس منصور في الأسبوع الأخير من شهر أغسطس قبل الماضي حيث نشرت الأهرام نعي رحيل أنيس منصور ، وهو ما جعل الاتصالات تنهال على مدير مكتبه لتعزيته وعلى هاتفه الخاص حيث كان يقضي إجازته السنوية في مصيف مارينا للتأكد من صحة الخبر ، وتبين بعد ذلك أن الذي رحل شخص آخر يحمل اسم محمد أنيس منصور ، وهو رجل أعمال اشتهر بمفارقاته الكثيرة مع الكاتب الذييحمل نفس الاسم "أنيس محمد منصور " ولكن بصياغة أخرى
ومن المواقف الشهيرة المرتبطة بصفحة الوفيات أنه يروى أن الكاتب الراحل أنطوان الجميل رئيس تحرير جريدة الأهرام في بدايات القرن الماضي وصل إليه نعي أحد الأشخاص لينشر في صفحة الوفيات، لكن يبدو أن النعي وصله متأخرا، فكتب أنطون لعمال الجمع أسفل النعي " إن كان له مكان " ، أي ينشر إذا كان هناك مكان في صفحة الوفيات، لكن النعي ظهر في صفحة الوفيات في اليوم التالي هكذا " فلان الفلاني... أسكنه الله فسيح جناته .. إن كان له مكان " . لكن أظرف نعي شهدته صفحة وفيات هو ما نشرته صحيفة أمريكية عام 1875 خطأ عن وفاة الأديب الكبير فيكتور هوجو، وبعد عشر سنوات مات هوجو فعلا، فكتبت الصحيفة عنوانا كبيرا " نحن أول من أعلن وفاة هوجو".

18‏/11‏/2006

حفل توقيع قوم جلوس حولهم ماء

حفل توقيع جماعي للأدباء الشباب
ديوان قوم جلوس حولهم ماء
رواية ليلى أنطون
سالم الشهباني
ديوان ولد خايب
رنا التونسي
عادل سلامة
رامي يحي
ديوان صعلوك
الحفل تنظمه جماعة ورقة وقلم الادبية
بمناسبة عام على إنشائها
الاثنين 20 نوفمبر
الساعة الثامنة مساء
قاعة النهر

09‏/11‏/2006

أسطح القاهرة

أنا قلبي برج حمام
هج الحمام منه
يا اللي عنيكي كلام
ليه الضلوع أنوا

محمد منير
عالم آخر ، حياة أخرى ، كون آخر ، أنت هنا منفصل تماما عما يدور فوق الأرض ، أنت هنا بعيد عن الزحام ، والشتائم ، والصراخ ، أنت هنا معنا فوق أسطح القاهرة ، في قلب الحياة ، فوقها ، تلك الحياة التي تميزالقاهرة دونا عن غيرها ، ، من فوق الأسطح ، نقترب معا في هذا الملف ، نقترب من السماء
اقرأ فيه:ـ
الصور الأبيض والأسود في هذا الملف للفنانة راندا شعث

قريبا من السماء


أن تعيش فوق أحد أسطح بنايات القاهرة العالية أو الواطئة فهذا يعني أنك تعيش جزءاً مهماً من تاريخ القاهرة السري، التاريخ الذي لم يكتبه أحد، وإن عاشه الكثيرون، التاريخ الذي لا يعرفه البعض إلا من خلال الكتب والقصص والروايات التي تحكي عن سير البرجوازيين الذين صعدوا،فكان صعودهم يعني أن يهبطوا من الأسطح إلى الشقق السفلية ، هل هناك معنى فلسفي ما في هذا الهبوط ، أن يكون السطح ، الذي في الأعلى ملكا للفقراء ، والشقق التي أسفله للأغنياء ، الأسطح هي كنز الحكايات ، مختبر الحب الأول ، عليه يتلمس المراهقون حكايات حبهم الأولى ، عليه تتكرر الحكاية القديمة بين ابني الجيران الذين سيفرقهم الزمان ، عليه أيضا ستتكرر حكاية تحية كاريوكا وشكري سرحان في فيلم شباب امرأة عن ابن الريف الساذج وصاحبة البيت الجميلة ،عليه حكايات هؤلاء الذين قدموا من قرى بعيدة تقبع في أقصى الصعيد، أو في عمق الدلتا، بأحلام، وآمال وسكنوا هذه الأسطح، وانطلقوا منها إلى أسفل حيث الشقق الفاخرة في عمارات عالية تطل على القاهرة من فوق، أو هؤلاء الذين يحكون لأحفادهم الصغار في الإجازات الصيفية، وهم يتشمسون في بلكونات تزورها الشمس عن شباب قدامى أرادوا أن يهربوا من مراقبة البوليس السري أيام الملك فاروق، فلم يجدوا ملجأ سوى غرفة فوق سطح في بيت قديم في أحد أحياء شبرا أو روض الفرج، متلمسين خطواتهم الأولى في طريق الثورة ، الأسطح ابنة للمدينة ، وساكنو الأسطح يرتبطون بالمدينة ، وبالاغتراب ، لأن أسطح البيوت القروية البسيطة تخصص لأشياء أخرى ، فغالبا تكون مكانا لمبيت الحمام ، والدجاج ، أو فرن الخبيز ، هذه الأشياء موجودة أيضا في أسطح المدينة ، لكنها تضم إلى جوارها البشر أيضا ، أسطح القاهرة المدينة المزدحمة ، مكان جيد للهروب من الزحام ، وللفوز بميزة لا تتوفر لغالبية سكانها ، إلا وهي أنك سترى السماء ، والنجوم والقمر ، في مدينة تتكالب بناياتها على المارة فتمنعهم من النظر إلى أعلى ، فوق الأسطح عالم غريب.. وعجيب، يمتلئ بالعديد من المتناقضات، لكنه يستحق أن يعاش، وأن يحكى.
الأسطح لا يملكها أحد، لا الأغنياء، ولا الفقراء، بل هي ملك للجميع، حتى أولئك الغرباء.. الذين يأتون بلافتاتهم الكبيرة ويطلبون من صاحب البناية أن يعلقوا إعلاناتهم لتطل على القاهرة من أعلى مقابل مبلغ ما.ولكن لأن السلم الاجتماعي لا يتطلب دوماً أن يكون من يعيش فوق السطوح هو الأكثر غنى، فإننا نجد دائماً أن الحياة فوق الأسطح يحتكرها غالباً الفقراء، أو الغرباء الذين جاءوا بحثاً عن فرصة عمل، لكنهم لم يستطيعوا أن يتحملوا في القاهرة لهيب أسعار شققها، ففضلوا أن يبدأوا من أعلى (من السطوح) على أن يهبطوا بعد ذلك إلى الشقق.
تغيرت أسطح القاهرة في الفترة الأخيرة كثيراً، فقدت كثيراً من رونقها، الأصح، فقدت كثيراً من حميميتها، من تاريخها، لكن أجمل ما فيها، هو أنها قريبة من السماء، انها تجعلك تنظر إلى أعلى لترى السحاب يمر فتسبح الله تعالى، ان ترقب النجوم، وتعدها، ان كنت عاشقاً، أن تنظر إلى السماء، التي تبدو قريبة، كحبل الوريد، أحياناً، وتدعو الله أن يفرج كربك، وربما كان هذا هو ما يجعل الكثيرين يفضلون السكنى فوق السطوح. ربما لأنهم يفضلون أن يظلوا دائماً.. قريباً من السماء.

أسطح بالأبيض والأسود


أسطح المنازل بالأبيض والأسود ، تبدو أكثر حزنا ، وحزنها يبدو أكثر نبلا ، ونبلها يزداد إنسانية كلما أطلت التحديق فيه ، أسطح القاهرة ، بالأبيض والأسود كانت تجربة خاضتها المصورة المصرية الفلسطينية الأصل راندا شعث ، وقدمتها في كتاب بعنوان " تحت سماء القاهرة " آثرت فيه أن تقترب من الفقراء و المهمشين الذين يسكنون أسطح القاهرة ، يفنون فيها أحزانهم وأفراحهم .
راندا التي ولدت في يناير 1963 من أب فلسطيني وأم مصرية وحصلت على البكالوريوس في العلوم السياسية عام 1985 من الجامعة الأميركية وحصلت على شهادة الماجستير في الاعلام المرئي من جامعة مينيسوتا بالولايات المتحدة الأميركية عام 1987 أقامت أكثر من 20 معرضاً فوتوغرافياً، وصدر لها العديد من الكتب المصورة مثل "وطني على مر حجر" الذي يروي مأساة اللاجئين على الحدود المصرية الفلسطينية، وكتاب "تحت سقف القاهرة" الذي يحكي قصة أسطح القاهرة ، اختارت في هذا الكتاب أن تدخل أحد أكثر عوالم القاهرة سرية ،وغربة وغرابة : أسطحها ، الحياة فوق الأسطح ، كيف يعيش الناس ، في إحدى الصور ، نرى مقهى فقيرا فوق سطح ، وفي صورة أخرى نجد عائلة أقامت فرح نجلها ورصت الكراسي ، ولنا أن نتخيل أن هذه الأسرة بعد أن عجزت عن أن يكون فرح ابنها في مركز الشباب المجاور ، أو في النادي ذي الأسعار المهاودة ، فقررت أن تقيمه فوق السطح ، وفي صورة أخرى نرى الكراكيب سمة أسطح القاهرة الفارقة ، وتفاصيل أخرى يعطيها الأبيض والأسود سمة متميزة ، وحزن نبيل .
راندا كما قالت لي تشعر أن الصورة عندما تكون أبيض وأسود تحول نظر المتلقي إلى مغزى خفي وراءها، وربما مغزى تاريخياً، على عكس الألوان التي قد تجعل الصورة مزدحمة، وتقول " أنا أرى أن اللون إذا لم يضف لكي يضيف إلى الصورة مزاجاً أو معنى فلا داعي له ويصبح مشتتاً. كما أنني أحمض وأطبع بيدي، وهذا يجعلني أتحكم في درجة الأبيض والأسود فأغمق الصورة لأزيدها كآبة أو أفتحها فتزيد حيوية، بحيث تضيف مغزى جديداً إلى الصورة.
راندا صورت في مشروع متميز لها الأرصفة ، ثم قررت أن تصعد من القاع إلى القمة لتصور الأسطح ،وتقول " الأسطح أعادتني إلى الواقع، وأشعرتني بمشكلة داخلي، أنني طوال عمري الفني أصور المهمشين الذين أحبهم، وأصور الروابط الإنسانية بيننا، والقوة التي يستمدها البسطاء من الواقع لتمضية حياتهم، وهذا هو الذي أبحث عنه في صوري، وكانت إرادة الناس تشعرني بقوتي، وتقويني لكن الأرصفة والأسطح جعلتني أشعر بضعفي، بمعانيها المختلفة، ووجدت أن الرصيف غير الكثير من القيم، فتوقفت عن إكمال المشروع، لأنني شعرت أنني أريد أن أقول شيئاً لا أعرف كيف أوصله عن طريق الصور " ، وفي كلا المشروعين صورت راندا المكان الذي تعتبره وطن الإنسان " بيت الإنسان هو وطنه، هو الشارع الذي يسير فيه، والمقهى الذي يجلس عليه، هو ذاته في بعض الأحيان، والأمكنة تكمن أهميتها لدي في الناس الذين يعيشون بها، بتأثيرهم عليها، وتأثرهم بها " .
"تحت سماء القاهرة" عنوان الكتاب المصور الذي صدر في اسبانيا عن منشورات متحف تابييس باللغتين العربية والانكليزية ، وتضمن صوراً فوتوغرافية التقطتها رندا للأسطح ، في صور راندا نرى أسطح نجيب محفوظ في ثلاثيته و علاء الأسواني في "عمارة يعقوبيان" ، وغيرها من الإعمال التي تبدو فيها الأسطح مكاناً لإقامة الأفراح ومشاهدة التلفزيون والسمر في الليالي الحارة وأيضا مظاهر التشـوه العمراني التي أصابت المدينة, فحولت السطوح إلى مكان لتربية الحمام والحيوانات الأليفة. كتاب راندا يعيد الاعتبار الى الصورة الفوتوغرافية كلغة قائمة بذاتها من خارج الممارسة الصحفيّة ، وفي هذا الجزء القريب من السماء, والبعيد عن زحام المدينة, بإمكاننا أن نرى هؤلاء الرومانسيين الأقرب إلى أبطال أفلام بركات وحسين الإمام ، والى جوارهم وجوه راغبة في التلصص على عالم سفلي يعيش تحت ضغط الحاجة ، بينما تعطيهم الدهشة فرصة التعلق بوهم الصعود الاجتماعي.

برج حمام


«أنا قلبي برج حمام.. هج الحمام منه، ياللي عنيكي كلام.. ليه الضلوع أنوا»، أتذكر أغنية محمد منير، وأنا أرمق حجرة الحمام التي تعلو أحد بيوت طملاي بمحافظة المنوفية ، حجرة الحمام التي كانت إحدى سمات الأسطح الريفية، والتي اختفت تماماً مع ظهور محلات بيع الحمام طازجاً ، حجرة الحمام كادت أن تختفي مع انتشار مرض أنفلونزا الطيور دون رجعة ، ولتصبح قبورا لكائنات بيضاء ملائكية .
«ياحبيبتي قلبي فانوس.. بس الهوى محبوس.. بكره اللي جي شموس.. في عنيكي يتحنوا» يتابع محمد منير، لكن برج الحمام، أو حجرة الحمام لم تستطع أن تحتفظ حتى النهاية بكونها ملكة متوجة فوق السطح، ولا يمكن رد غياب حجرة الحمام إلى انتشار «الحمام الطازج» فقط، بل لأن تربية الحمام، كما قال لي «محمود» صاحب البرج في منطقة المرج يحتاج إلى تفرغ، وإلى حب للحمام.محمود قال لي أيضاً إنه بنى البرج، بشكله الاسطواني الجميل الذي تطل منه فتحات يقف فيها الحمام، كأنها عيون ترقب السماء، لأنه يملك البيت، وبالتالي فهو حر في أن يبني فوق سطحه ما يشاء. وأضاف أن الحمام نقي وطاهر، وهو لا يربيه بحثاً عن الربح، بل لأنه يحبه، مع أن مكسبه كبير بالفعل. لكن سطح بيت محمود ـ الذي يقع في منطقة شبه ريفية ـ يختلف كثيراً عن الأسطح التي رأيتها من قبل، وأهم ما يميزه بخلاف برج الحمام هو حبل الغسيل الممتد بطول السطح، بالإضافة إلى حجرة للدجاج ومساحة واسعة أمامها، يلهو فيها الدجاج طوال النهار قبل الدخول إلى حجرته آخر اليوم.. يتناثر فوق السطح الحبوب والذرة، ومخلفات أخرى، مثل لعب أطفال مكسورة، دراجة بلا عجلات، زجاجات مياه فارغة، إطار سيارة، وغير ذلك.. قال محمود لي: أحب الحمام لأنه يحبني، ولأنه يحب السطح.. ولأنه يطير ثم يرجع إلي مرة أخرى، ويضيف في الفترة الأخيرة اضطررت لحبس الحمام في البيت خوفا من تفشي مرض الانفلونزا ، وتابع " خفت أن يأتي بتوع الصحة فيذبحون الحمام "، أتأمل الحمام الذي ينظر من نوافذ البرج وكأنه يغني معي " أنا قلبي كان شباك ، بس الهوى شباك ، يا بكرة بستناك ، ليك العيون حنوا " .

أسطح صناع الحياة



" سطح منزلك القديم المليء بالمهملات، وازرعه بلون أخضر جميل "، ربما كانت الجملة السابقة تصلح كإعلان لا بأس به، ولكنها، في الحقيقة، مجمل الفكرة التي تبنتها الحملة التي قام بها عمرو خالد في مشروعه صناع الحياة ، فرغم الشهرة الكبيرة لعمرو خالد ، ورغم الالتفاف الغير مسبوق حوله من قبل قطاعات كبيرة من الشباب العربي ، إلا أن النجاح الحقيقي له في ظني في مشروعه الذي اقترب فيه من هم الشباب الرئيسي في مشروعه صناع الحياة ، ورغم اختلاف روافد المشروع إلا أنه من أهم الأفكار التي طرحت كانت فكرة زراعة الأسطح ، وتحويلها إلى حدائق خضراء ، فكرة المشروع تتلخص في زراعة أسطح المبانى من خلال استخدام نظم زراعية بسيطة تستخدم تربة مصنعة خفيفة ويمكن من خلالها الحصول على منتجات صحية لا تستخدم فيها المواد الكيمائية والمبيدات الصناعية. وتصلح هذه النظم للحصول على خضروات (خيار , طماطم , فلفل , خس, كوسة , ملوخية , نعناع. الخ) كما يمكن الحصول على فاكهة مثل(الفراولة , الكنتالوب , الموالح وغيرها) بالإضافة إلى زراعة النباتات الطبية والعطرية وزراعة التوابل وزهور الزينة وزهور القطف.
ويهدف المشروع إلى زراعة أسطح المنازل و هي خطوة على طريق ربط الإنسان بالزراعة كأساس اقتصادي هام فى البلدان المتقدمة أو الأقل تقدما ، وذلك تحقيقا لنهضة زراعية شاملة.
وهناك أهداف مرحلية أيضا منها زراعة أسطح الجامعات:و هى خطوة هامة على الطريق و قد كانت الجامعات تحديدا هى المستهدفة نتيجة بعض المقومات الهامة التى ترشحها لذلك مثل:أنها هي مراكز تجمع الشباب الذي يمثل محور اهتمام المجتمع و طاقاته الفعالة ، و مركز خدمة المجتمع و منارات إشعاع الفكر والعلم .
الفكرة من المؤكد انها نجحت لأنها عزفت على اكثر من وتر لدى الشباب ، وتر فاعليتهم ،والقضاء على البطالة أيضا ، وهي نفس الفكرة التي تبنتها منظمة الأغذية والزراعة التابعة لمنظمة الأمم المتحدة (الفاو) وقامت بتبنيها في بعض الدول النامية مثل السنغال وكينيا وكولومبيا، واقترحت أن يتم تنفيذها في مصر.الفكرة كانت تستند على أن أسطح المنازل هي مساحات واسعة تملؤها المهملات و«الكراكيب»، وغير مستغلة في نفس الوقت، في الوقت الذي تحتضر فيه البيئة من غياب اللون الأخضر من شوارع المدن الخانقة، وكان المشروع يعتمد في الأساس على إضافة رئة جديدة للعالم، وتوفير فرصة عمل مناسبة لربات البيوت وللشباب، بالإضافة إلى تبني فكرة الزراعة بدون تربة ويعتمد هذا النوع من الزراعة على استخدام بيئات زراعية بديلة للتربة العادية كبيئة «البيتموس»، وهو نوع من الطحالب، ينمو في الدول الباردة، ويستخدمه بكثرة منتجو نباتات الزينة، أو البرليت وهي صخور ناتجة عن انفجارات بركانية يتم وضعها في فرن درجة حرارته ألف درجة مئوية تتحول بعدها إلى حبيبات صغيرة تصلح للزراعة ولا يشترط لنجاح الزراعة فوق الأسطح مساحة معينة، فالأنظمة المستخدمة تصلح لكافة المساحات، ولكن المطلب الأساسي أن يتم إخلاء السطح من أي مهملات تعوق وصول الشمس للنباتات المزروعة، وان يكون السطح معرضاً للشمس من 4 إلى 5 ساعات يومياً، ومعنى ذلك أن هذا المشروع لا يصلح مع الأسطح التي تحيطها المباني من كل اتجاه والتي لا يصلها ضوء الشمس بالقدر الكافي.وربما يبدو ما سبق رفاهية بالنسبة لهؤلاء الذين يبحثون عن مكان وسط الزحام.. وسط ضجيج القاهرة، ولا يجدون سوى حجرة، قد تزورها الشمس ولها باب خشبي يغلق بالكاد فوق أحد الأسطح المترامية المتراصة كعلب كبريت مفتوحة، ينطلقون منها إلى العالم الذي لا يرحم.أو هؤلاء الذين يؤجرون أسطحهم للطلبة المغتربين لكي يزيدوا من دخلهم، ولكي يستطيعوا أن يوفروا شيئاً لأسرهم حتى لو كان ضئيلاً، أو هؤلاء الذين يؤجرون أسطحهم لشبكات الهاتف الجوال رغم ما يقال عن أضرارها الصحية، لكن يبدو أن ما باليد حيلة، فالتقنية أصبحت هي سيد الموقف، أو تأجيرها للافتات الإعلانات التي تعلن عن التلفزيونات الجديدة أو الهواتف الجوالة، أو زجاجات البيبسي، وحديثاً عن أرقام الدخول إلى مواقع الإنترنت، لتتحول الأسطح إلى لافتة إعلان كبيرة.. ضلت طريقها فاستقرت فوق البنايات ، لكن رغم ذلك تظل الفكرة ، فكرة زراعة الأسطح ، جديرة بالاحترام وبصناع الحياة .

سيد حجازي


اسمه سيد حجازي ، سيد الذي كان يسكن سطح أحد البيوت الأهلية بمنطقة بولاق الدكرور ، حين تأملت غرفته الوحيدة فوق السطح والتي تتجاور مع غرفة لتربية الدجاج يملكها صاحب البيت، وجدت جدرانها تمتلئ بصور الممثلين لا سيما أميتاب باتشان، وصور كبيرة لسيلفستر ستالوني من أفيش لأحد أفلامه، تتجاور مع صورة لليلى علوي. ولوحة كبيرة مكتوب عليها بالخط الثلث آية الكرسي، لم يكن بالحجرة أشياء كثيرة ، لم يكن هناك سوى سرير صغير مفرودة عليه بطاطين وآنية طهي، ووابور قديم وأكواب شاي.. لكن سيد كان متفائلاً إلى حد كبير، و حكى لي أنه يعمل (كومبارس) ويأخذ 20 جنيهاً في اليوم. وانه يتدرب مع أصدقائه على أداء هاملت لشكسبير استعداداً لالتحاقه بمعهد المسرح..وأخذ يقرأ لي من ورق قديم في يده ، اهترأت أطرافه ، يبدو أنه تم تصويره من كتاب قديم مقاطع بصوت حاول أن يجعله متهدجا ، وقال لي " ما رأيك ، أنفع ممثل ؟ " وقال لي أيضاً، انه مقبل من إحدى قرى الصعيد، و أنه حاصل على دبلوم تجارة، وانه جرب الكثير من المهن لكن فشل فيها جميعاً، وان الجميع كان يرى فيه أنه سيصبح يوماً مثل عمر الشريف ورشدي أباظة.
سيد حكى لي أيضاً عن الأفلام التي شارك فيها، وقال انه ظهر في لقطة من فيلم البطل لأحمد زكي وهو وسط الجماهير ويصفق لأجله ويرتدي ملابس خواجة اشتراها من الوكالة ، وانه شارك في العديد من مسلسلات رمضان، وأراني صورة له وهو يقف بجوار الممثل كمال أبو رية، وأخرى له وهو يرتدي الطربوش الذي ظهر به في مسلسل «الشارع الجديد» خلف عزت العلايلي في إحدى المظاهرات، وانه كان يهتف «يحيا سعد، يحيا سعد».سيد وقف خارج باب حجرته، وقال لي انظر، حينما قمت لأنظر، أشار إلى السطوح وهو يقول: كل هذا السطح ملكي، وبهذا تكون (شقتي) أوسع ممن يسكنون بالأسفل، لا يشاركني فيه سوى غرفة الدجاج هذه (وأشار إليها باشمئزاز)، وتابع " في الليل أخرج من حجرتي، وأقف وحدي على السطح وأبدأ في تقليد الممثلين، يوسف وهبي، إسماعيل يس، عمر الشريف، شكري سرحان، وغيرهم، وأطل من فوق هذا السطح على هذه المدينة، وعلى البيوت التي أراها من أعلى، وأنا متأكد أنني في يوم ما سأهبط من السطح إلى الشقق السفلى حين سألته عن رأيه في أفلام داود عبد السيد لم يفهم ، وانتقل إلى موضوع آخر.قبل أن أترك سيد قال لي «أريدك أن تكتب لي خطاباً لأهلي في البلد (بأسلوبك الحلو) تطمئنهم علي، وأخبرهم بميعاد إذاعة المسلسل الذي سأظهر فيه».تركت سيد، وأنا أتأمل حياته، وأحلامه بأن يهبط يوماً، من الهامش إلى المتن، من أعلى إلى أسفل، أن يصبح ممثلا مشهورا ،حتى ولو لم يكن يعرف مخرج اسمه داود عبد السيد .

أم عبد الله


حالة سيد تختلف كثيراً عن حالة أم عبد الله، التي تقطن بمنطقة مصر القديمة في بيت من طابقين ، تؤجر حجراته ـ في طابقه الثاني ـ الذي يتكون من حجرات متراصة في ثلاث زوايا وبينها مساحة واسعة ترى السماء ، أما حجرات الطابق الأول فهي ملك لأخيها الذي يؤجرها بمعرفته .
أم عبد الله قالت لي إنها ورثت البيت عن أبيها، وأنها تؤجر حجراته للأسر التي تريد أن تجد سكنى رخيصة، وان الحجرة الواحدة يقيم فيها من ثلاثة إلى خمسة أشخاص حسب عدد الأبناء ، وربما أكثر .
وتستغل هذه الأسر ـ حسبما حكت لي أم عبد الله ـ هذه المساحة المفتوحة على السماء بين الحجرات للجلوس والسمر في وقت الليل، حيث يتجمع أفراد كل أسرة أمام باب بيتها أو حجرتها، لو أردنا الدقة ، و تقول " نحن نسكن هنا من زمان ، والأولاد الذين تراهم الآن ، بعضهم أنهى دراسته هنا ، ولدي بنتان تزوجتا من هنا ، جميع الأسر تعتبر أولادها إخوة ، فقد تربوا معا ، في بيت واحد " .
الحجرة ، ليست مساحة ضيقة في اعتقاد أم عبد الله التي اضطرت لتأجير غرف منزلها حتى يكمل أولادها تعليمهم ، وتجد ما تقتات به ، أبناؤها لم يفلح الكثير منهم في التعليم ، لكنها ليست حزينة لهذا وتقول " عملت اللي علي " ، وتعود للقول أن أولادها السبعة " أربعة أولاد وثلاث بنات " تربوا في الحجرة ، بعضهم كان ينام على الأرض ،والبعض على السرير ، والصيف بالنسبة لهم كان فرصة لتوسعة الحجرة ، فكانوا ينامون على السطح ، هربا من الحر ، ما كان يضايق أم عبد الله هو الشتاء الذي يمطر كثيرا ، وتقول " لكن هنعمل إيه " ، ما كانت تفعله أم عبدالله في هذه الحالة أنها تضع آنية واسعة على الأرض ، ومفرش بلاستيكي على السرير ، حتى لا تتحول الحجرة إلى بركة ، من السقف الذي لا يتوقف عن النزيف ، أما المساحة بين الحجرات فإنها تصبح بحيرة صغيرة يعوم فيها البط ،والكتاكيت الصغيرة التي تربيها أم عبد الله .
وهذه المساحة التي بين الحجرات، قد تكون شاسعة، قالتها أم عبد الله، وصعدت على سلم خشبي إلى فوق الحجرات، تبعتها لأجدها تشير بإصبعها إلى منزل قريب، وتقول بيت أبو خالد يستغل سقفه وسطوحه، لإقامة أفراح من يسكنون في البيت ،وأحيانا لأفراح آخرين يسكنون في الحارات المجاورة ،وضحك لتكشف عن أسنان ضاعت مع الزمن " تصور السطح أوسع من الشارع ".
قالت ذلك قبل أن تحكي لي عن الشوارع الضيقة، ومضايقات الشرطة لهم حينما يقيمون فرحاً في الشارع وما يتبعه من معارك ، وقالت: «منذ شهرين زوّج أبو راضي الذي يسكن في شارع مجاور ابنه البكر.. ولأنه لا يملك مالاً كافياً يكفل له أن يقيم عرسه في أحد النوادي على النيل، أو حتى في الشارع لما يستتبعه ذلك من تكاليف، فقد قرر أن يقيم فرح ابنه (على الضيق) فوق السطوح فذهب لأبي خالد الذي وافق مقابل مبلغ بسيط ، وإن لم يمنعه هذا من أن يتم جميع طقوس العرس، ويدعو جميع الأهل والأصدقاء».
أم عبد الله، قالت لي إن السطوح هنا ـ في هذه المنطقة ـ ليس كماً مهملاً مثل المناطق الراقية، بل هي جزء لا يتجزأ من البيت، وأهميته من أهمية البيت ذاته.. ففي الصيف، حينما تصبح حجرات البيت طاردة لساكنيها من شدة الحر، نستطيع أن نرش الماء في السطوح حتى تمتص الأرض درجة الحرارة، ويترطب الجو، وعندها نجلس جميعاً في الخارج.لكن أم عبد الله يبدو أنها لا تعرف سطوح الأماكن الراقية، ربما لأنها لم تعش هناك، أو لأنها تكتفي بالسماع فقط ، أو الفرجة عليها في التليفزيون ، سطوح العمارات الراقية تابعوها في التقرير التالي .

سطوح وسط البلد

سطوح بنايات وسط القاهرة عالم آخر لا يقل غرابة عن العالم الذي تحكي عنه أم عبد الله، عالم أهم سماته حجرة الغسيل، والحبال المفرودة بطول السطح، وان كان هذا لا يمنع أيضاً من وجود حجرة، أو اثنتين يمكن تأجيرهما للمغتربين، هؤلاء الذين سيفخرون بين أصدقائهم حين يجلسون على المقاهي الزدحمة بالأفكار أنهم يسكنون في وسط البلد ، من دون أن يذكروا أين بالضبط فيرفع أصدقاءهم حواجبهم دهشة وعجبا وحسدا.
والحديث عن حجرة الغسيل سيقودنا حتماً إلى الحديث عن حرامية الغسيل، ولعلنا جميعاً نذكر ذلك المشهد الساحر الساخر للفنان محمد رضا في فيلم «30 يوم في السجن» مع فريد شوقي، وكان رضا يقوم بدور حرامي غسيل وقال مقولته المشهودة «الواحد لما بيشوف الغسيل بيرفرف، قلبه بيرفرف معاه». ورغم أن هذه المهنة ـ إذا اعتبرناها كذلك ـ انقرضت أو قاربت على الانقراض، بعد أن انتقل الغسيل من السطوح إلى البلكونات هذه التي يمكننا أن نعتبرها عيون الشقق على الشارع.
لكن مع ذلك لم تنقرض حجرة الغسيل تماماً من أسطح القاهرة، بل ما زالت موجودة، وخاصة في البنايات القديمة، تلك الموجودة قبل أن يخترعوا ـ فيما يبدوـ البلكونات، أو التي ترى أنه من العيب أن يكون الغسيل منشوراً في الشارع فيراه عابرو السبيل.
لكن حجرة الغسيل والغسيل يقوداننا إلى حكاية أخرى مرتبطة بالسطح هي عشاق الأسطح، أو هؤلاء الذين تتفتح عيونهم لأول مرة على الحب فوق الأسطح، وعندها يصبح الغسيل ونشر الغسيل، وسيلة ملائمة لملاقاة بنت أو ابن الجيران، الذي ينتظر فوق السطوح.
وقد شهدت حبال الغسيل والملابس المنشورة فوقها كثيراً من القصص التي تبلورت حولها، وسواء اكتملت أم لم تكتمل، فإن السطح يظل حتى النهاية بطلا في القصة.
ورغم انتقال اللقاءات الغرامية بين العشاق من أسطح العمارات إلى النوادي والكورنيش، والمقاهي، والكافتيريات والشاتينج مع دخول الإنترنت حلبة المنافسة، إلا أن عشاق الأسطح يختلفون حتماً، لأنهم يسترقون لحظات الحب، والتعرف على ذلك الاحساس العجيب لأول مرة، تحت عيون الأهل، أو فوق عيونهم، في خوف وترقب، كما أنهم يشهدون على زمن استطاع «الشاتينج» والتعرف عبر الإنترنت القضاء عليه تماماً، وكلنا يذكر ثلاثية نجيب محفوظ، التي تحكي عن الحب في الستينات، أو الحب فوق أسطح القاهرة الفاطمية في الثلاثينات.
لكن أشهر سطح بوسط البلد هو سطح عمارة يعقوبيان ، الذي صنع أبطالها وساكني سطحها الروائي علاء الأسواني ، فعلى سطح عمارة يعقوبيان التي تقع في وسط البلد ، نجد البواب ، وابنه الذي حين يفشل في دخول الكلية التي يريدها ، وبعد أن تصفعه الحياة بقوة ، يتحول إلى إرهابي ، عليه أيضا نجد البنت التي تسعى للصعود في سلم الطبقات الاجتماعي ، والتي تعمل في أحد محلات وسط البلد وتتعرض للتحرش من صاحب المحل الذي تعمل فيه ، عليه أيضا نجد الترزي اليهودي ، عليه نجد عوالم غريبة ،وكائنات مختلفة جديرة بوسط البلد ، أو بأسطح وسط البلد .

جاموسة فوق السطح


اسمعوا هذه الحكاية " أرجو أن تصدقني فهذه حادثة وهي معروفة لأنني كتبت عنها فكان لها طعم الفضيحة، فقد فوجئت بأن فوق سطح البيت المجاور لنا وفي الدور العاشر: جاموسة، نعم ج.ا.م.و.س.ة، وأدهشني ذلك، فصعدت على السلم لأرى، وطلبت من أحد المصورين أن يلتقط صورة أوضح، جاموسة فوق السطوح، لا بد أن تأكل وأن تكون لها مخلفات وللمخلفات رائحة وأنها بحيرة جذب للذباب، وان هذا الذباب سوف ينتشر في كل الاتجاهات، أما الروائح ففي كل أنف، كيف؟ أما كيف فالأمر سهل، لقد أتوا بها صغيرة جداً، ودفعوها في الأسانسير إلى الطابق العلوي وتربت وترعرعت على هذا المستوى الرفيع ، وكان لا بد أن تختفي، وذبحوها واختفت، ولكن المعنى ما يزال قائماً: وهو أن آخرين عندهم نفس الاستعداد في جعل السطح حظيرة للطيور أو الأغنام ـ أغنام الضحية " هذه الحكاية الجميلة الغريبة هي حكاية شهيرة رواها الكاتب الكبير أنيس منصور ، لكنها تكشف أحد الأبواب السرية لأسطح القاهرة ، حيث يتحول السطح إلى شارع يحوي كل شيء ، حكيت لكممن قبل ، عن مقهى مقام فوق سطح ، ولا تسألني كيف يصل الناس إليه ، ولا من هم رواده ، لكن المأساة التي تكشفها الحكاية تنقسم إلى جزءين ، هو ضيق الشقق مما يدفع الناس بتهريب حاجياتهم إلى الأسطح ،والجانب الثاني أن هذه الأسطح في حالة غياب سمة السكنى عنها تتحول إلى سلة مهملات ، من الممكن أن تضع فبها أي شيء دون اهتمام بأن هذه الأسطح تسقط عليها عيون الجيران القريبة .

05‏/11‏/2006

الحب خلف قضبان المترو


لسنوات طويلة ، لم أستطع أن أحذف من ذاكرتي مشهد عبلة كامل ، وهي تجلس في محطة المترو تنتظر أحمد ذكي ، في فيلم هستيريا ، يقفز المشهد وهي تقوم بعمل التريكو ، يمر عليها المترو تلو الآخر ، وهي لا تيأس من الانتظار .
أتذكر هذا كلما دخلت محطة المترو لأجد ولدا وبنتا يجلسان متجاورين ، لا يعيران المترو الذي يمر أي اهتمام ، ينظران إلى عيون بعضهما ، يقرآن الحب الذي يدق على قلوبهما في عنف لأول مرة ، يحمر وجه البنت خجلا ، ويطأطئ الولد ، الذي يخطو خطواته الأولى تجاه المراهقة ، في خجل ، يتوقف المترو، ينزل أناس ويصعد آخرون ، ويهرول البعض قبل أن يغلق الباب ، لكن الولد والفتاة لا يريان كل هذا ، إنهما غارقان في الحب ، هنا في المترو .
المترو الآن يلعب دورا جديدا إلى جانب دوره في نقل الركاب إلى شتى مناطق القاهرة ، إنه يقوم بكتابة قصص الحب على جدرانه ، ينقشها على الرغم من أعين المتلصصين والرافضين ، يشهد على قلوب تدق لأول مرة ، على ورود تختفي داخل كراريس البنات ، ورسائل حب في حقائب الأولاد وداخل محافظهن .
تصبح محطات المترو مكانا مناسبا للانتظار، تستطيع أن تلمح ، ولا سيما في أيام المدارس ، البنات اللائي يجلسن ، في انتظار هبوط ولد من القطار القادم ، تظل عيونهن معلقة بالعربات ، حتى تفرغ من فيها ، فيصبن بخيبة أمل ، ثم ينتظرن المترو القادم ، فربما يأتي بشيء جديد .
حكايات الحب في المترو تبدأ عادة مع الأولاد والبنات الذين يركبونه ، للذهاب إلى مدارسهم في الصباح ، بمختلف أعمارهم ، ومع الذين يمرون بتغيرات فسيولوجية ، يصبح المترو ، مكانا مناسبا لاكتشاف الجنس الأخر ، المترو الذي يبدو كمملكة كبيرة ، لا يعرف أحد فيها الآخر ، يصبح مكانا مناسبا أيضا للقاء المحبين الكبار ، مكانا غير مكلف ، لا يوجد فيه ، بائع " حاجة ساقعة " رزل ، أو جرسون كافيتريا يستغل قصة الحب البريئة ليطلب أسعارا مرتفعة لمشروباته ، كما يصبح المكان الذي يبدو مناسبا للعودة في أي وقت عندما تنظر البنت إلى ساعة هاتفها المحمول وتقول "يا نهار إسود اتأخرت " ، فتجمع حاجياتها ، وتستقل أول مترو عائد ، ولا تنسى أن تنظر إلى عيون حبيبها من خلف زجاج المترو الذي ينطلق .
يصبح المترو في أحيان كثيرة حلا وسطا للكثيرين من العشاق الذين لا يملكون رفاهية الجلوس في الأماكن المكيفة المغلقة ، والذين يخافون من الرقابة المجتمعية في الأماكن المفتوحة ، والذين لا يملكون أيضا سوى جنيه ثمن تذكرة المترو التي تكفي للذهاب والإياب ،لأنهما لن يخرجان من المترو ، وفي أحيان كثيرة ، يبدو الموضوع مجانيا إذا كان مع كل منهما اشتراك .
أسوأ ما في قصص الحب في المترو هو الانتظار ، يصبح عليك في أحيان كثيرة ، أن تتحملي النظرات الفضولية ، فتحاولين ان تنشغلي بالقراءة في كتاب لا تفهمين ما فيه ، أومتابعة فيلم كارتون أبله ، او اإنيات مسفه في التليفزيونات المعلقة حتى يأتي الحبيب ، أما إذا لم يأتي ، فسيكون لزاما عليك ، أن تقومي لتستقلي المترو القادم ، أن تجلسي بجوار الشباك ، وأن تتصفحي بعينيك وجوه المارة في تشبث أخير بالأمل ، ولا تنسي أن تنفخي في زجاج الشباك ، وترسمين في البخار المتجمع ، قلبك الوحيد ، ذلك المجروح .

02‏/11‏/2006

حزين لأني لا أبرئ الأكمه ولا الابرص


حزين لأني لا أبرئ الأكمه ولا الأبرص
نشر في إيلاف
سلوى اللوباني
من الصفحة الاولى للمجموعة الشعرية الثالثة للشاعر "محمد أبو زيد" تعلم بأن الحزن بانتظارك بين أبيات قصائده، فقد بدأ مجموعته الجديدة باللغة الفصحى "قوم جلوس حولهم ماء" الصادرة عن دار شرقيات بهذه الابيات ...حزين لأني لا أُبرئ الاكمه والابرص..ولا أحيي الموتى..لا أخبئ الديناصورات في حقيبتي من العواصف..ليس لي جيوب أربي فيها المطر ولا عيون أعيرها للعمي..ولا مقاعد فارغة أهديها للعاشقين..ليس لي حبيبة..ولا أصدقاء..ولا قصائد راقصة..محمد أبو زيد من الشعراء الشباب يعمل صحافياً في جريدة الشرق الاوسط، صدر له مجموعتين شعريتين "ثقب في الهواء بطول قامتي" و"نعناعة مريم"، أبو زيد يكتب قصيدة النثر التي يرفض البعض اعتبارها شعراً على حد تعبيره، والجدير بالذكر أنه كتب الشعر بأنواعه حيث بدأ صغيراً بكتابة القصيدة العمودية، ثم كتب القصيدة التفعيلية، ثم قصيدة النثر، وبالرغم من ذلك هو مبهور بشاعر العامية المصري "فؤاد حداد" وبشكل خاص بالشاعر السوري الراحل "محمد الماغوط" واللبناني "وديع سعادة"، والفلسطيني "محمود درويش" وغيرهم

الحزن حالة جيل بأكمله:
وما يلفت النظر في ديوانه الجديد أنه يحمل كماً من الحزن والاستسلام...فهو لا يرى ما يبهج في الحياة...ويقول الحزن هو حالة جيل بأكمله، تتوالى عليه الهزائم النفسية، جيل بلاعمل، بلا مستقبل، بلا تحقق حقيقي، بلا حبيبة، بلا أصدقاء، جيل يهاجر لأنه أصبح بلا وطن، جيل يكتب في الوقت الذي انفض فيه الناس عن القراءة، جيل يكتب وكأنه يلهو، لأنه يدرك جيداً أن أحداً لن يقرأه!! فالقارئ لم يعد يفهمه.. ولا يرغب حتى في ذلك، وربما نجحت الأجيال السابقة في أن تفضه تماماً عن القراءة!! يعتبر أبو زيد أن جيل الشباب.. جيل مهزوم نفسياً، هزيمة أقسى من هزيمة جيل 67، ويوضح أن الحزن الذي في الديوان لا يتعامل معه كعدو، بل كصديق يستسلم له، فلم يعد يخافه، بل يلاعبه، ويضحك معه، ويجلس معه على المقهى، ويحتسي معه القهوة، يقول...الحزن أصبح تفصيلة عادية تماماً في حياتي، وفي قصائدي، أفكر كيف أتعامل معه، ما الذي يرضيه، ما الذي لا يجعله لايغضب مني، لا كيف أتخلص منه، لقد ألفته لدرجة أنني صرت أخاف انفضاضه عني
!
ينادونني في الشارع ياميت:
الديوان مقسم الى 4 أجزاء الاول "كأننا والماء من حولنا" والثاني "كم جناحاً لك يا ميرفت" "جثث قديمة" والرابع "سوف أهذي" كتب من خلالهم أبياته الشعرية عن المدينة وظلمها وحنينه للقرية وصورة العائلة وشجنه للحبيبة..وانكساره وحزنه على قيم الماضي والحاضر... وبدا ذلك في قصيدته "ينادونني في الشارع يا ميت"...سوف نكبر..ونصبح مثل الذين نأسى لهم الان...سنخاف على أولادنا.. وسيكرهون ذلك.. لن يقوم لنا أحد في الباص.. لن يساعدنا أحد في صعود السلم.. ولن يدعو لنا أحد بطول العمر.. ستختفي العصي.. ونسقط من دونها.. ستضحك المراهقات بعنف من صلعاتنا.. ويدفعنا الشباب لكي نكح.. حين يمر كعب عال، وعن هذه القصيدة يقول أبو زيد... كتبتها حين أكملت عامي الرابع والعشرين، قد لا يكون هذا حدثاً مفصلياً في العالم، لكنه كذلك بالنسبة لي، وجدتني فجأة في لحظة منفصلة عن العالم، استعدتني صغيراً، وبعد فترة من الزمن، لأكتشف أن العالم يزداد سوءاً، لذلك النص تتبادل مقاطعه الحديث بين صوتين، صوت يتحدث عن المستقبل، وصوت عن الماضي، لأكتشف في النهاية أنني ميت، وأن أربعة وعشرين عاماً أكثر مما يجب

قوم جلوس حولهم ماء
يرثي أبو زيد كل ما حوله في قصائده..ذاته طاغية على شعريته..ذات يائسة..هاربة من واقعها المؤلم، ففي قصيدة فستان حمل لسيدة شبه متزوجة يقول... لماذا أصبحنا قساة الى هذه الدرجة، لا نضحك لاشارات المرور..ننهر الفئران في أطباق الطعام..نركب المترو بلا رحمة..-وفي أبيات اخرى-.. كلما اكتسبت صديقاً...أجد دمي يلطخ الحائط..ويعرف أن البحر بلا قوارب نجاة..لم نعد بشراً بما يكفي.. سنصطدم في زحفنا بالدمامل والقيح.. سنأكل جثث الذين مازحونا..حتى التي غادرها زوجها..ستبدي كراهية مبيتة لفيروز..ستضحك من أظفارها حين يعود الورثة الى الشقة، وهذا الواقع الذي يرثيه الشاعر أبو زيد هو الواقع الذي يعيشه، وهو يستحق الرثاء والشفقة معاً على حد تعبيره، يقول.. الواقع أصبحت الكتابة فيه أختاً للعنقاء والرخ، فكيف تكتب!! ولمن تكتب!! ولماذا تكتب!! أسئلة موجعة بحق، الأصح قاتلة، الكتابة في هذا الواقع أصبحت بالنسبة لي بديلاً عن فعل الموت، حينما أصل إلى حافة اليأس الإحباط، أكتب قصيدة، هرباً بها، الكتابة إذن مهرب مناسب لذوات يائسة، كتابة قصيدة جديدة أيضاً أصبح معناها هزيمة جديدة، أما قصيدته "قوم جلوس حولهم ماء" يوضح بان القوم هم الذين يجلسون ينظرون في ذهول حولهم لا يعرفون ماذا بإمكانهم أن يفعلوا، هم الذين صمتوا حتى حاصرتهم المياه، وتكاد أن تغرقهم وهم لا يستطيعون أن يفعلوا شيئا، هم نحن، هم أيضاً الذين يجلسون يتأملون مصيرهم بهدوء وجنون غريب، لذلك تجده يرثي ذاته، يرثي الاصدقاء والحياة والاطفال، ويقول...أرثي حكايات لم أستطع كتابتها، قصص حب لم أعشها، أحلاماً أجهضت، قصائد لم تكتمل، أرثي مجتمعاً بالكامل يسقط، يسقط باستمرار، يسقط بإصرار غريب، كل ملامحه تضيع، أرثي عبد الناصر وعصره، الحلم الذي لم يكد يتبلور حتى فاجأته النكسة، ثم عصر الانفتاح، ثم الخصخصة، أرثي حلم وحدة عربية فشلت في أعوامها الأولى.

21‏/10‏/2006

يقول محمد : نقية لدرجة أنه من المؤكد اسمها مريم


يقول محمد
نقية لدرجة أنه من المؤكد اسمها مريم



(3)

الأهـــــــــرام
31 يناير
الأبرار يضيئون كالشمس
ملكوت أبيهم
الذكرى السنوية الأولى لعروسة السماء
ريميديوس الجميلة
الرب يعوض تعب محبتكم
فارقت عيوننا
ولم تفارقى قلوبنا

ماما وأخوتك



(واحد)

لما سمع بالحرب
خرج تاركا رأسه – وحدها –
على النافذة تبص
وترد السلام على الناس فى الشارع
دون حتى
أن يعلق صورة له
على حائط دفع فيه دم قلبه
أو يترك فى قلب أخوته الصغار
ندبة بالقلم الرصاص

عرى ذراعه
وقال للوشام : اكتب أيها الرفيق :
لا أريد أن أصافح كونديرا
أو أبيع غنما فى الميدان الأحمر
اكتب يا أخى بقسوة

كانت أمه تدخل وتخرج
تحادث رأسه التى تبص
تخلع من أذنيه سماعات الووكمان
ثم تأخذ من فمه
مبسم النارجيله التى أنطفأت

اكتب :
محطات المترو ليست المكان المناسب
- دائما – للطيران
فلا تكن بحاجبين وعين واحدة

أبوه لما تعب
ترك جوار على تمراز
وجلس قدام التليفزيون
يشجع اللعبة الحلوة

اكتب :
أنا ضعيف وكلهم عميان
فاعطنى مثبتا للشعر

لما سمعوا صفارات الحرب
أغلق الصغار النافذة
دو ن أن ينتبهوا
للتى تدحرجت على البلاط
ولا زالت تبص .



(واحدة )

هاتان العينان
قابلتهما من قبل فى ميدان الجيش
وكانتا لقطة
سيارتها – حتما – بنية
والصليب الكبير على صدرها
ربطنى جيدا فى الهواء
فلم أتحرك
نقية ، يقول محمد
فلم أجبها : ثالث باب يمين
ولم أعرف : هل تأكل التراب كروبيكا
وتغنى كأنغام
و تبكى كأمى ؟
ولم تدع دموعى تتجمع فى أنبوبة المعمل
فقط تركت كل شىء فى مكانه
الشارع
المبنى
المارة
السماء
لأتذكر كلما مررت من هناك
أننى لم أزل بعلامة فى الصدغ
وخنجر فى يسار صدرى
أعلى الحجاب الحاجز


(2)

أعتقد أن هذا الاسود
على ظهر كرسى الميكروباص ( طابا – باب الخلق )
ليس خط ماركيز :

الذكرى الهباب
وأيام العذاب
والزحف على التراب

للذكرى الغالية
زعيم شلة السمائيين
الكولونيل
أوريليانو جوزيه أركاديو بوينديا


( 3 )

9/4/2003
مسجد الشيخ السبكى بالدرب الاحمر
هذه المرة
لم يدع الشيخ أحمد عبد التواب
عقب العصر
بترميل نسائهم
نشرت في أخبار الأدب

11‏/10‏/2006

جمعية المنتفعين بنجيب محفوظ


سيكون طريفا حقا لو تم تأسيس جمعية أهلية مصرية تحمل اسم «جمعية المنتفعين بنجيب محفوظ»، وتضم في عضويتها عددا وافيا من الذين احتكروا، في الفترة الأخيرة، لأنفسهم حق الحديث عن أسرار نجيب محفوظ وأخباره، وأحياناً أدبه، ويمكن أن تعلن الجمعية مقرها من أي مقهى ثقافي في وسط القاهرة، من دون أن يستغرب ذلك أحد.
تبدت ظاهرة الانتفاع بنجيب محفوظ بشكل سافر، بعد وفاته، إذ خرج عدد من المثقفين والكتاب يريدون أن يستغلوا التركيز الإعلامي على الأديب العربي الوحيد الذي حاز جائزة نوبل للحديث باسمه وعنه، وعن خزائن أسراره التي يملكون وحدهم مفاتيحها. ووصل الأمر بالبعض إلى الحديث عن أسرار شخصية تخص محفوظ وأسرته مثل وصيته، وعلاقته ببناته وزوجته. كما وصل الأمر إلى نقل تفاصيل ما دار اثناء تغسيل جثته. أيضا ثمة من تجدهم يتحدثون عن محفوظ كلما فتحت جريدة، أو قناة فضائية أو أرضية أو إذاعة، على اعتبار أنهم كانوا مستودع أسرار الرجل. ثمة من احتكروا لأنفسهم هذا الدور، وأصبحوا بالتالي متحدثين رسميين باسم نجيب محفوظ، لدرجة أن البعض علق بأنهم صاروا أكثر شهرة من نجيب محفوظ نفسه، من كثرة ما ظهروا في وسائل الإعلام.
ثمة أسماء معروفة احتكرت هذا الدور، لكن الحقيقة أن المتاجرة بنجيب محفوظ بدأت قبل وفاته، وربما بعد الاعتداء الإرهابي عليه أوائل التسعينات، حين فقد القدرة على الحركة بشكل طبيعي. وهو ما جعل مجموعة من المثقفين، وغير المثقفين أيضا، تلتف حوله، بعضهم كتاب معروفون ولهم أعمال أدبية ويرتبطون بمحفوظ منذ فترة طويلة، وبعضهم لم يسمع بهم أحد من قبل، أو من ذوي المواهب الضعيفة. بدأ كل هؤلاء في الالتفاف حول الرجل والحديث باسمه ومنع الآخرين من الاقتراب منه. وأصبح وجود بعضهم في الحياة الثقافية مرتبطا بوجود نجيب محفوظ ذاته، وظهورهم في وسائل الإعلام يقتصر على الاحتفال بذكرى ميلاده، أو حصوله على نوبل، ومن ثم وفاته مؤخرا. وما كان يثير غضب العديد من المثقفين في الفترة الأخيرة، وقبل وفاة محفوظ، هو أنه بالرغم من تقدمه في السن وصعوبة حركته، إلا أن المحيطين به، كانوا مصرين على الظهور معه والالتفاف حوله، وإجباره، حسبما كان يردد البعض، على الخروج ستة أيام في الأسبوع في الوقت الذي كان يحتاج فيه إلى الراحة.
حين سألت الروائي يوسف القعيد أحد القريبين من مفوظ ، والمتحدثين عنه بكثرة ، بدا غاضبا، وحزينا من السؤال، وقال لي «أنا لم أنتفع من وفاة نجيب محفوظ بشيء، لأنني روائي لي كتبي وأعمالي التي تقدمني للناس، ولست محتاجا إلى وفاة محفوظ لكي أجني شيئاً»، وأضاف «عندما يكون لدي إبداعي الخاص لماذا أتمسح بإبداع الآخرين وشهرتهم؟». وقال القعيد «أتحداك أن تجد صورة واحدة لي في جنازة محفوظ، أنا كنت موجودا، لكنني رفضت الظهور في التلفزيونات التي كانت تصور، ولم أدل بتصريحات صحافية. وكنت أبتعد عن الكاميرات، ولست مثل الذين قاموا بعمل مؤتمرات صحافية على باب الجنازة، وعلى باب مسجد الحامدية الشاذلية الذي أقيم به العزاء. هات لي أي صورة ظهرت فيها، أو أي استغلال إعلامي مارسته باسم محفوظ؟»
وبغض النظر عن كون القعيد انتفع أم لم ينتفع ، ورغم أنه غضب مني ، إلا أن إجابته كشفت أن ثمة من انتفعوا بالفعل ، هؤلاء الذين أشار إليهم بقوله أنهم عقدوا مؤتمرات صحافية على قبر محفوظ ، إذن هل نطالب بكشف أسماء هؤلاء المتحدثين ، أذكر أنه منذ فترة كنت أتحدث مع الروائي محمد جبريل عن هذا الموضوع أيضا فقال لي أن المخرج توفيق صالح ، وهو أحد حرافيش محفوظ ، إنه اضطر الى أن يشتم بعض الذين يقتاتون من نجيب محفوظ في قلب المدفن، لدرجة أن أحدهم كان يتحدث ، ويفاخر بأنه شارك في غسل محفوظ ، ويحكي ما دار "، هل أجد لديكم تعليقا أكثر تهذيبا من الذي يدور في خاطري الآن .
بالنسبة لي فقد زرت محفوظ مرة واحدة ، وكنت فيها بصحبة وفد من الاصدقاء الصحافيين الألمان منذ عامين ، في العوامة التي تقبع على نيل العجوزة ، ربما لم أكتب انطباعاتي عن الزيارة من قبل ، لكن هذه فرصة مناسبة ، هل أقول أن الرجل بدا مجهدا ، متعبا ، هل أحكي عن الضجيج الذي كانت تصنعه زمرته حوله ، هل أتكلم عن هؤلاء الذين يظهرون في الصور حوله ، بينما هو لا حول له ولا قوة ، أذكر هنا أيضا أن الشاعر شعبان يوسف قال لي على جانب آخر من المنتفعين ، حين حكى لي عن الذين يتحدثون طوال الوقت باسم نجيب محفوظ، مثل محمد سلماوي الذي لا يضيع وقتا إلا ويتحدث فيه عن نجيب محفوظ، وإبداعه، شعبان قال لي وقتها " أن الصراع على تركة محفوظ سياسي في بعض جوانبه، فلم يكن محفوظ نجيب محفوظ في أيامه الأخيرة، قادرا على اختيار حوارييه وحرافيشه، ولا أعرف لماذا على وجه الخصوص، نجد أن سلماوي هو المتحدث باسمه، مع أنه لا علاقة لإبداع سلماوي بإبداع نجيب محفوظ، ولا علاقة لفكره بفكر نجيب محفوظ ، هذه علاقة غامضة ولها أسباب سياسية وليست ثقافية على الإطلاق. فسلماوي ليس من ورثة إبداع نجيب محفوظ، كما أنه ليس امتدادا حقيقيا له وقد يكون مكلفا من الدولة " .
الحقيقة أن الفكرة التي طرحها شعبان عن علاقة الدولة بمحفوظ جديرة بالتأمل ، خاصة مع الاحتفالية ، التي كانت بالرغم من كل شيء باهتة ، التي أقامتها الدولة حين رحيله ، ومحاولتها تبني شخصه ، وإبداعه ، مع أنه كان يحاول أن يكون بعيدا في حياته ، أما علاقة سلماوي وغيره ، ومحاولات الحديث باسم محفوظ ، واحتكاره ، ومنع الآخرين من الحديث عنه ، فهذا سيتكفل به الزمن ، لأننا سنذكر محفوظ فقط ، وليس المتحدثين به السؤال الذي يتردد الآن ، على استحياء، ويخشى الكثيرون الإجابة عنه ، حفاظا على صلاتهم الثقافية ، وعلى علاقاتهم ببعض المنتفعين ، وربما خوفا منهم أيضا هو من يملك حق الحديث باسم نجيب محفوظ، ومن يملك خزينة أسراره، ولماذا يتم فتح مقبرة نجيب محفوظ على الملأ والحديث عما فيها، هل تتوقف هذه الأمور بعد مرور وقت كاف ، أم أنها قدرنا الذي لم نعد نملك منه فكاكا ؟

04‏/10‏/2006

على قيد الحياة


وما تنساشي
تسأل عني ف باب الخلق
مستنيك
وبقالي سنين قاعد نفس القعدة
نفس الشاي السادة
نفس البصة على التليفزيون
نفس الكتب النايمة ع الترابيزة
نفس الصرخة بتتمدد حواليا

مستنيك
ولما هشوفك مش هسأل
ليه سبتني وحدي في مرايتي
من غير مصحف ع الشيفونيره
من غير سكر في المطبخ
من غيرك
صوتك يتسحب واحدة واحدة
والنظرة تكش واحدة واحدة
ونا برضه قاعد مستنيك
حلقس مش ناشف
حلقي ممرر

مستنيك
تالت شعر تحود حتلاقي قدام منك وشي
مستنيني زي ما أنا مستنيك
الشباك مش مقفول
لكن شكله كدهه
والصبح ما صفرش لبنات شايله شنطها
وراجعة م المدرسة بدري
ما سألهمشي ليه
أنا مصلوب وحدي
في عنين بياع الجراين السهرانه
متعلق من شعري على بوابة المتولي
زي فانوس ميت بالظبط
إبر الخيامية بتلون عيني بالدم
فما تسألنيش
واما استناك وما تجيش
هحكيلك وأوصيك
إنك تسأل عني ف باب الخلق

مستنيك
ولا أقولك .. ما تجيش .

30‏/09‏/2006

النائمون في السيدة زينب


كنت في مسجد السيدة زينب منذ يومين الساعة الواحدة ظهرا ، وفاجأني هذا المنظرأعلاه للنائمين بطول وعرض المسجد ، في منتصف النهار ، وأينما تلفت وجدت نائما أسفل مروحة من مراوح المسجدالكثيرة ، هذا المشهد لا أعتقد أن الإسلام قال به ، ولا رمضان ذلك الشهر الكريم يتطلبه ،ولم يوص به الرسول في أحاديثه
أيها النائمون نهارا تحت المراوح .. الساهرون ليلا أمام المسلسلات . استيقظوا يرحمكم الله

20‏/09‏/2006

رصاصة الرحمة




(1)
.. .. ..
.. .. ..
.. .. ..
إلــــخ

(2)
هنا
أسفل يدى بالضبط
قطعة تدق
كل يوم خمس دقات
فى الدقة الخامسة : تستيقظ التماسيح
فى الرابعة : ينفخ فى الصور
فى الثالثة : مكرر
فى الثانية : أبدأ الكتابة
فى الأولى : أترك ذراعي على الورقة
وأجرى فى الشوارع
صارخا

(2)
لم نعد مبهرين كالجان
لم نعد مشعين
نحلق فوق الناس بقلوب وقصائد متوهجة
لسنا أجمل من الديناصورات
ولا أسعد من الحمقى
فقدنا كل مبررات وجودنا
فقدنا قبورنا المزركشة
وسرنا عراة
حين نختنق بالشعر
ونشعر أنه يضغط على أرواحنا بقوة
- بحذائه -
لا نكتب
نحن المبهرين
لم نعد كذلك
فمن الذى زرع هذه القصائد
فى طريقى
ومن أين لى
- أنا القعيد-
بمنجل أعلى السحابة ؟
من أين لى
بأم لا تموت ؟
(2)
أيها الطيب كصنبور
المسلّي كتلفاز
المحتج كخلاط
ويحك –
لقد تحولت منى إلى آلة

(2)
الجوع ..
لم يذهب الى المدرسة
ولا دخل فصول محو الامية
تربى فى الشارع
وصادق الطلاء المتساقط
على فم منسى من زمن

(2)
كيف اكتشفنا هكذا فجأة
وبعد مرور كل هذه السنوات
أن كل ما قلناه قد قيل
وما فعلناه قد حدث ملايين المرات
لسنا متفردين
لسنا شعراء ولا مذهلين
لسنا أى شىء على الاطلاق
لم تعد البيوت تنحنى لتحيينا
تطردنا الشوارع كالكلاب
كالغجر
كالزناة
الى الحوارى المسدودة
ترشق القصائد فى أجسادنا كمطواة
تمنحنا القىء والسعال والربو عن طيب خاطر
نرفع أيدينا مستسلمين
ونسير إلى آخر الطريق
معترفين بذنوبنا التى لم نرتكبها
مصرين على أن ندفع الثمن
كيف اكتشفنا كل هذا فجأة
ونحن فى سرائرنا
نحسب المسافة بيننا وبين الجاذبية الأرضية
نتحدث بود مع القتلة
وندخن

(2)
اكتظت خزائننا بالذنوب
ولم نرفع أيدينا إلى السماء
بطلب المطر
سرنا فى الشوارع كالموتى
وقلنا هذه شيم الغرباء
يلكزنا السحاب بقوة
فلا نستيقظ
نعبئ البنادق بالبنفسج
ونقول :
" الصفصافة التى رعت فى الحقول ميتة
ستصاب بوما بالجدرى
ليخلف في وجهها حفرا صغيرة جميلة
تصلح مسكناَ للأطفال
يولدون ضاحكين
يجرون خلفهم ناقتين وجارية "

(2)
عليكم أن تغسلوا أسنانكم جيدا
قبل النوم
وإذا جاءتكم الكوابيس
استقبلوها بأنفس راضية
خذوها بالأحضان وقدموا لها شيئا مثلجا
غنوا لها "يا ليل الصب "
فإذا ما نبتت على أعينكم النظارات
فاعلموا أن القرصان قد رضى عنكم
فالبحر سيشقه الأن –
نبى
(2)
حتى الذين نتذكرهم
ونحن فى غرف العمليات
سيفتحون لنا باب المشرحة

(2)
ناموا ولما استيقظوا فى الصباح
وجدوا زوجاتهم موتى
نمن ، ولما استيقظن فى الصباح
وجدن أزواجهن جثثا هامدة
...

البقاء لله

(2)
هذا سكين
والذى عليه دم
طبعا تنتظرون أن أقول
أننى القتيل

(2)
وما أبرىء نفسى
أنا الذى بدأت بالشعر

(2)
التى صارت أبيض من أى كوب حليب
تركت مربعا يراه الديناصور من مخبئه
فينقلب على ظهره
على صدره
على جبينه
ويقهقه كأى حمار لم يفهم اللوغاريتمات
ولم يوقظنى فى الرابعة صباحا
ليشكونى لى
لأنني لم أعد له حبات المطر
ليرقص مع ماجدة الرومى فى أغنية مع جريدة
ديناصور بلا ذيل
بلا مسدس بثلاث طلقات ونصف
بلا أبيض بمربع بنى فى المنتصف
لا ...
لا ...
هى التى سترص البيض
فى خانات الكلمات المتقاطعة
بحرص ، محاذرة من دمى على البلاط

(2)

المترو الذى أكتب عنه منذ أربع سنوات
هو الذى ..
لن أكتب عنه الآن


(2)
هو نفس الكلام الذى كتبته من قبل
ما الذى تغير
هل كبر المعاقون
وأمسكوا بنجمتين ، خبطوهما معا
- استعدادا لقليهما-
فلما أضاء المقهى
بدأت أخرج من جديد
فى حلة خضراء كميت
بثلاثة أجنحة كمروحة السقف
أتأمل البرص فى السرير
وأستعد للضحك .

(2)

هنا بالضبط..
مضغة سماها العرب الاوائل : القلب
تكرهها الحداثة
تهددنى ، وترغمنى على تجاهلها
لم تجعلني أكتب قصيدة غزلية في
الميكروباصات
ولم أجهز قصيدة لرثاء أبى
لم أتفق مع جرافة
لأبكى على أطلال أى بيت
فقط سحبتنى من يدى
فتركت كل هذا الخراب أمامى ، وخلفى
لأدرك الأن
أنها بلا قلب
بلا حبيبة على الكورنيش
بلا صديق فى المقهى
بلا أم ، ولا خالة
أن هنا
أسفل يدى بالضبط ..
مضغة لم تدق منذ بداية القصيدة

(2)
يجب
ما دام الأمر هكذا
أن نقف صفا أطول من هذا
أيدينا لأسفل
رؤسنا لأسفل
ثم
بووم ، بووم
بووم ، بووم
سأتوقف عن الكتابة
سأتوقف عن الكتابة
سأتوقف عن الكتابة
حتى لو غنت نجاة
أمامى الى الصبح
" كل ده و قلبى
اللى حبك
لسه بتسميه
ثلاجة معطلة "

(1)
إلخ ................
.....................
.....................
.....................

13‏/09‏/2006

وجع الكتابة


إلى صديقي القاص محمد حسين بكر
الذي يرقد في المستشفى مريضا .. حزينا

الكتابة الآن أصبحت هي الشقيقة للكبرى للرخ والعنقاء والخل الوفي ،أصبحت رابع المستحيلات ,أصبح الكاتب كالساحر المسكين الذي فقد كل قدراته ، ولا يعرف كيف يرضي متفرجيه ، حتى الساذجين منهم ، أصبح على الكاتب الشاب أن يصنه معجزة مع كل نص جديد يكتبه ,أصبحت فكرة الكتابة في حد ذاتها أمرا مستغربا ، ودائما يقفز سؤال في عيون من تخبرهم بأنك تكتب " لماذا " ، وفي ظل طغيان سطوة المادة ، وانعدام القارئ ، الذي يكاد أن يتوقف عن قراءة الجرائد ، وليس الأدب ، وغياب الصفحات الثقافية في الجرائد ، وغياب المتابعة النقدية ، وغياب النشر ، وتسلط إعلام الفيديو كليب ، وغياب المشروع الوطني ، وتدني الثقافة العامة ، والبحث عن لقمة العيش ، والتسلط الذي تمارسه أجهزة الدولة الثقافية والأمنية ، يصبح وجود الكاتب ممارسا محفوفا بالمخاطر ، فكيف يوجد في مجتمع يرفضه ، ولا يقبل إنتاجه .
لا بد أنك تذكر أن وزير دفاع هتلر هو الذي قال عندما أسمع كلمة مثقف أتحسس مسدسي ، هذا يا صديقي يحدث الآن ، أصبحت وزارة الثقافة ، والمجتمع من بعدها يردد هذا , أصبح الكاتب الشاب مطاردا ، منزو في مكان لا يسمعه فيه أحد ولا يراه أحد ، الكتابة الآن أصبحت كالمعجزة ، وليس بعيدا أن تبحث عمن كان يكتبوا منذ سنوات معك فتجدهم قد هجروا مهنة الكتابة ، التي أصبحت بالنسبة لهم رفاهية ، لا تحتملها قلوبهم المجهدة ، ولا ظروفهم البائسة ، وتجدهم انخرطوا في مهن مختلفة بعيدة عن عملهم.
مشكلة الجيل الحالي أنه ورث أيديولوجيات فكرية سابقة ، أصبح عليه أن يتعامل معها ، مع أن هذه الأيديولوجيات السابقة ، تدعي التمرد على شقيقات كبريات لها سبقنها ، وبالتالي أصبح من يكتب عليه أن يتمرد على ماذا ، ليس هذا مهما ، المهم أن يتمرد .
أقول لك يا صديقي ، لو كان الأخ دون كيشوت حيا فلا بد أنه كان سينضم طوعا إلى جيل الشباب ، يحارب معهم طواحين الهواء ، خاصة بعد أن نجحت أجيال سابقة ، بجدارة ، في تفريغ الأدب من مضمونه ، واختصرته في تهاويم ، وبعد أن نجحت وزارة الثقافة في إدخال بقية المثقفين في " حظيرتها " طمعا في سفر للخارج أو منحة تفرغ ، أو جائزة صغيرة .
الأجيال التي سبقتنا حين ولدت وجدت منابر ثقافية مختلفة لها ، كانت هناك مجلات ثقافية مختلفة ، وسلاسل إبداعية مختلفة ،كان هنا كنظام في الدولة يهتم بالإبداع ، وكانت هناك حركة ثقافية مستقلة تهتم بالمثقفين والكتاب الشباب ، أما عندما ظهرنا نحن فلا توجد على الساحة إلا مجلتين لا يقرأهما أحد ، تخيل مجلتين شهريتين ، لآلاف المبدعين في مصر بأقاليمها ، أما السلاسل الإبداعية فتحولت إلى عزب أو شقق مفروشة بالتعبير العامي ، في هيئة الكتاب سلسلة تشرف عليها سيدة ، لا ينشر فيها إلا المعارف والأصدقاء ، أما سلسلة هيئة قصور الثقافة ، فقد نجحت الحكومة الفاشية في القضاء عليها ، وأصبح على جيلنا أن يبحث عن مكان للنشر آخر ، ويكون الحل هو أن ينشر على حسابه ، فكيف يفعل هذا وهو لا يجد عمله ، إذن إما أن يفعل كالمراهقات ويخبئ ما كتبه في درجه ، او أن يتوقف عن الكتابة حتى يريح وزارة الثقافة ويستريح .
جيلنا الذي يبحث عن اسم له ، مثل التسعينيات ، والثمانينات ، يخوض حربين أولاهما من أجل لقمة العيش ، الثانية من اجل نشر قصة أو قصيدة لن يقرأها أحد في مجلة لن تبيع ، جيلنا ما زال يكتب حتى يجدوا له اسما كالأجيال التي سبقته أو حتى إشعار آخر .
لكني مع ذلك لست يائسا ، أرى أن جيلنا مع شدة لطمات الحياة له أصبح أكثر وعيا ، استفاد من التجارب السابقة له مع وزارة الثقافة ، فقرر أن يصدر كتبه على حسابه ، حتى لو كان سيدفع فيها ثمن كوب شايه وسيجارته الوحيدة ، ألا ترى معي أن نشر الشباب على حسابهم أصبح ظاهرة لافتة ، استطاع جيلنا التخلص من كل الأيديولوجيات السابقة ، وبدأ يكتب ذاته ، مشاكله ، حكايات بلاده الحقيقية ، تجاوز كل التهاويم الكبرى التي صدعونا بها كثيرا ، تخلص من نظريات النقد الكبرى وبدأ بكتب كتابة حقيقية دون خوف من نقاد أصبحوا مع الزمن مثل خيال المآتة ليس أكثر ، تسألني ماذا سيفعل جيلنا ، أجيبك لا أعرف ، لكن عليك أن تنتظره
.

02‏/09‏/2006

التطور الطبيعي للشتيمة في مصر

التطور الطبيعي للشتيمة في مصر


تحذير


هذا الملف يحتوي على ألفاظ خارجة ، وعبارات نابية ، ذكرت للاستدلال ليس أكثر ، لذا ننصح من هم تحت السن القانوني وذوي المشاعر المرفهة بعدم قراءة محتواه ، كما نعتذر سلفا لأصدقائنا إذا جرحت إحدى الجمل مشاعرهم ، فنحن نتكلم عن موضوع جارح بالأساس
ـ مافيش شتيمة ولا إيه
ـ ابن الإيه
ـ شتيمة نعمان
ـ انت حمار يا حمار
ـ صحف الشتيمة
ـ تابوهات الشتيمة
ـ قبر يلمك
ـ اسمك إيه ؟
ـ الصياعة أدب

ما فيش شتيمة ولا إيه ؟

نذكر جميعا المشهد الشهير في فيلم الناظر حينما انهال واحد من ذوي العضلات المفتولة بالضرب على الفنان الراحل علاء ولي الدين الذي عندما تعب من كثرة الضرب صاح في الرجل " كابتن ، كابتن .. هو كله ضرب ضرب ، ما فيش شتيمة ولا ايه ؟ " .
هناك شتيمة بالطبع ، لها تاريخها الطويل ، وحكاياتها المثيرة ، لها عمرها الممتد بطول التاريخ البشري ، توازيها مع حالات الغضب ، واليأس والحنق ، والألم ، أحيانا تصدر كرد فعل تلقائي ، كحل أخير أمام من لا يملك اي رد فعل آخر ، تعبر في أحيان عن قاع المجتمع ، في المجتمعات العشوائية تصبح الشتيمة مثل صباح الخير ، تصبح على سبيل التهريج ، والتنكيت ، أحد أصدقائي من ساكني منطقة كوتسيكا التي لم اكن أعرفها سألته ذات مرة هل كوتسيكا منطقة راقية ، فأجابني ساخرا : جدا ، لدرجة أن الناس هناك تصبح على بعضها بسب الدين ، ولأن الشتيمة ترتبط بالحياة فإننا نجدها كذلك في الأمثال الشعبية ومنها مثلا "ما شتمك الا إللى بلغك" ، والمثل "تشتم أبويا الرُخيِّص .. أشتم أبوك الكويس" ويقال "يشتمنى فى زفة ويصالحنى فى حارة .
أحيانا نعتبر الشتيمة رد فعل الضعيف فقط ، من لا يملك حيلة أخرى يفعلها ، أحيانا تصبح الشتيمة قلة أدب ، أحيانا تصبح هزارا ، أو موقفا ، او رأيا ، تتلون الشتيمة بتلون البشر ، باختلاف مشاربهم ، فشتيمة الأغنياء غير شتيمة الفقراء غير شتيمة سكان السواحل ، غير سكان المناطق الجبلية ، يشتقها أصحابها من بيئتهم ، من تفاصيلها الصغيرة ، والتي قد لا يفهمها سكان المناطق الأخرى .
الشتيمة اعتبرها فعل إبداع مثلها مثل أي شيء موجود في الحياة ، أحيانا نجد احد المارة يشتم آخر بشتنيمة مبتكرة ، نفهمها حين نفتش في المجاز خلفها ، بغض النظر عن اتفاقنا أو اختلافنا معها ، مفردات الشتيمة في مصر من يبحث عن التطور الطبيعي لها سيجد مفاجآت كثيرة ، لكن أكبر هذه المفاجآت أن أصول بعضها فرعوني ، فيبدو أننا لم نرث الأهرامات وأبا الهول و التاريخ والمعابد والأدب وبعض التقاليد والعادات والفنون، بل يبدو أننا ورثنا الشتيمة أيضا .
يرد البعض معظم عبارات السباب والشتيمة في المجتمع المصري إلى أصول أخرى كالفارسية والانجليزية والتركية وغيرها حين خضعت مصر للاحتلال ، لكن الشتيمة الفرعونية ربما تبدو هي الأكثر تداولا حتى الآن وتؤكد أحدى الدراساتفي علم المصريات أن العديد من الشتائم الموجودة حاليا توورثت عبر الجيال لتصل إلينا ،وتقول الدراسة أن لفظة عبيط مثلا هى لفظة مصرية قديمة مركبة من ( عا + بيط ) ، و لفظة "عا" تعنى حمار فى الهيروغليفية، و لفظة "بِيت" تعنى شخصية ، فيكون معنى الكلمتان معاً هو حمار الشخصية ، وكان الحمار فى العصور الفرعونية يستخدم فى القصائد الدينية على انه كائن شرير يستثنى من ذلك نص قديم جداَ أستعمل فى "كتاب الموتى" ينص على أنه يجب على الميت أن ينقذ حماراَ أسطورياَ من عضة ثعبان. و كانوا يعتبرون الحمار , ولاسيما الحمارالبنى اللون ، حيواناَ غير طاهر , ثم أعتبروه ممثل "الاله ست". ولما أعتُبر "سِت" , فى العصر المتأخر , عنصراَ شريراَ , صار الحمار بدوره أعظم حيوان سحرى , ولذا كانوا ينكلون بجسمه الحى أو يتماثل له كى يلقوا على الشر تعويذة بطريقة السحر الغامض وكان قاتل أوزوريس يلبس رأس حمار وما كان بوسع كتبة المعابد أن يكتبوا الكلمة الدالة على الحمار دون أن يرسموا سكيناَ مغروساَ فى كتفه ، ومن النص السابق يمكننا القول أنهم كانوا يكتبون لفظة "عبيط" هكذا "عا – بيت" بمعنى حمار الشخصية أو غبى , ويرادف لفظة عبيط فى اللغة العربية "ساذج" وهى أصلها فارسى "ساده" بمعنى بسيط فنقول "شاى ساده" بمعنى شاى بسيط أى بدون إضافات مثل اللبن أو الليمون وغيره .
أما عبارة " شرابة خرج " ، والتي تعد شتيمة لمن لا يفعل شيئا ، لا يقدم أو يؤخر ، فيفسرها أحد الكتاب بأن "الخُرج" هو كلمة فارسية من "خورة" وهو المزادة أي كيس الزاد ,التى توضع على الدابة ، وهو عبارة عن جراب طويل يشبه الشنطة يوضع به الزاد وله غطاء من الشراشيب يسمى شُرابة , ونظراً لأنها عبارة عن شرائح من القماش فهى عديمة الفائدة لأنها لا تغطى الكيس بإحكام ومن هنا جاءت "شرابة خرج" أى "مثل غطاء الخرج ليس له فائدة ، أما أصل كلمة "شرابة" فهو الكلمة القبطية swrp "شورب" بمعنى مترأس ، متقدم ، صائر الأول , وهى تعنى مجازاً الغطاء لأنه يكون فى أول الكيس. والكلمة مأخوذة من الكلمة المصرية لقديمة "خرب" وتعنى الأول ، الأمامى ، وإذا كتبت بدون مخصص تعنى مدير ، قائد .
أما إذا شتمك أحد بأنك " ولد تالف " ، أوبأنك " تلم " فيجب أن تعرف أن أصل كلمة تالف هى الكلمة القبطية talef و"تالف" تعنى فسدان , خسران وترادفها أيضاَ الكلمة القبطية yolem و "تلم" ولها نفس المعنى فنقول "الموس تلم" بمعنى الموس فاسد أو "السكين متلم" بمعنى السكين مفسود و تحورت منها " تلامة" بمعنى فساد .
" شوطة لما تشيلك " وهذه العبارة تقال على سبيل السب ، وأصل كلمة "شوطة" هو الكلمة القبطية "شووت" وتعنى كوليرا ، وباء ، الهواء الأصفر . وعادة تقال الشوطة عن الفراخ ، ويقابلها "الفرة" للفراخ أيضاً ، أما الآن فانفلونزا الطيور بالطبع .
عبارة " شلق " من الألفاظ القديمة ، ورغم أن كلمة بيئة ، أصبحت بديلا لها الآن ، إلا أن كلمة شلق ظلت تستخدم لفترة طويلة من الزمن ، حيث يقال أن هذه امرأة شلق ، بمعنى أنها من أصول ضحلة وأنها كثيرة العراك ذات صوت عالى وتعتمد في عراكها على الألفاظ البذيئة الممطوطة ، والكلمة أصلها قبطي "شلاك" وتعنى إمتداد أو مط , وتعنى أيضاً توتر وأنفعال .. وفعل الكلمة هو "شولك" وتعنى يمتد، يتصلب ، يقوى ، فعندما نقول هذه المرأة "شلق" نقصد أن ألفاظها بذيئة وممطوطة. ومنها "تِشلَّق" بمعنى تقول ألفاظ نابية , ويرادفها أيضاً باللفظة "تردح" وتعنى نفس الشئ تماماً ومنها "الردح" و المرأة الرداحة ، وهي التي قامت الفنانة القديرة عبلة كامل بدورها في فيلم خالتي فرنسا ، أما جملة " دول شوية أوباش " فهى مأخوذة من الكلمة القبطية "أوباش" وتعنى عريان ، صعلوكأما جملة " إتمرمط آخر مرمطة " فلها أصول فرعونية أيضا فكلمة "مرمطة" قبطية قديمة "مارماتا" بمعنى ألم ، وجع , وترادف ايضاً "بهدلة" فنقول "فلان إتمرمط آخر مرمطة" بمعنى قاسى كثيراً ، كما نقول "فلان شغال مرمطون" ، وتقول المرأة العاملة المسكينة "الواحدة بتتمرمط فى المواصلات آخر مرمطة". أما إذا قال لك أحد أصدقائك ،أو جارتك ، أو أبوك " إنت يا واد يا مِدَهوِل على عينك " فعليك أن تعرف معنى الكلمة قبل أن تنفعل فالكلمة "مدهول" هى كلمة قبطية "متاهوول" وهى مركبة من مقطعين "متاهو" أى يرتب ثم تأتى "أوول" أى للخارج وهى تفيد النفى ، فيكون المعنى الكلى غير مرتب أو مهمل ومن هنا جاءت الكلمات "دهولة" بمعنى إهمال وعدم ترتيب , و"يدهول" بمعنى يبعثروهى أساساً من اللفظة المصرية القديمة "مدهى" وتعنى مهمل ، أما إذا أرسلك والدك لشراء شيء وسرت متباطئا فجاءتك عبارته القوية والصارمة من خلفك " ياد إمشى وبلاش لكاعة “ فعليك أن تعرف أن اللكاعة هى التباطؤ أثناء السير ، وأصل كلمة "يتلكع" هو قبطى من etlaka و "إتلاكا" تعنى الذى يضع كثيراً , أى يبطئ ومنها " لُكعى" بمعنى بطيء وأيضاً " لكاعة " بمعنى تباطؤ. والكلمة مركبة من "إت" بمعنى الذى و "لا" بمعنى كثيراً و "كا" بمعنى يضع. ، وهناك اللفظة "إلِك" وتعنى يبطئ ، وقد صارت سبا فيما بعد .
ولكن يبدو أنك تصر على اللكاعة لذا فإن والدك بعد أن يكون قد زهق منك ، فسيهتف فيك " ها أسكعك بالقلم أخليك تتول "ويقول بعض الآباء " هلزقك بالقلم " فهى ترادف المعنى الأول تماماً. وأصل كلمة "سكع" هو الكلمة المصرية القديمة "سقاح " بمعنى يلصق ، وأصلها "قاح" بمعنى أرض ، إلتصاق, وعندما نضع حرف "س" تصبح "سقاح" بمعنى يلصقو قد تترجم التصق بالأرض, ففي وجه قبلى يقولون "فلان سكع" بمعنى نام بعد تعب أو إرهاق. أما إذا لم يجد السكع معك فإنه من الممكن أن يقول لك " لو ما سمعتش الكلام هسويك " ومعنى التسوية هنا ، إذا لم ترد أن تسأل والدك، فسأقول لك عليه فأصل كلمة "يسوى" من "سوى" هو الكلمة المصرية القديمة "سوا" وتعنى يقطع أوصال, فيكون معنى العبارة إن لم تصمت سأقطع أوصالك . أما إذا لم يجد كل ما سبق نفعا فالوصف التالي سيكون " ده ولد تِنِحْ" وكلمة "تِنِح" ومنها "تناحة" و"يتنح" مأخوذة من القبطية "تانهو" بمعنى يستحى أو يخجلوإذا فكرنا قليلاً فى كلمة "يستحى" العربية ، وجدنا أنها تعنى " يعطى حياة لذاته" أى لا يكون مثل "من لا حياة فيه" ، وإذا تأملنا فى أصل الكلمة القبطية نجد أنها مركبة من "تى" بمعنى يعطى ومن "أونخ" بمعنى حياة ، فيكون المعنى يعطى حياةفإذا كان الشخص الشديد الحياء هو الذى "يتنح" فى المواقف الجديدة فهو (تِنِح). والكلمة مأخوذة أيضاً من المصرية القديمة ، فنجد أن "دى" بمعنى يعطى , ومن "عنخ" بمعنى حياة ،فكأنهم كانوا يقولون "ديعنخ" بدلاً من تنح.
" هس اسكت ولا كلمة " تتذكر هذه الكلمة طبعا ، كان يقوبها لكم الأستاذ في المدرسة ، والناظر في الطابور ، والدكتور في المحاضرة ، ومن أيضا ، قل أنت ؟ ، هذه الكلمة قبطية أيضا وهي بمعنى يغلق ، يقفل ، وليس يسبح كما يدعى البعض – والمقصود اقفل فمك , ومن الكلمة جاءت "هويس" وهو عبارة عن الواح حديدية تقفل على مأخذ المياه للترع ، أما إذا لم تسكت فستاتيك هذه العبارة " جاك خيبة بالويبة " و الويبة هى مكيال للحبوب وهى من أصل مصري قديم "إبت" وقد أخذتها عنها القبطية "ويبة" ومعناها وعاء للكيل وهذا المكيال يكافئ كيلتين ، فيكون معنى العبارة جاك خيبة كبيرة أو متوصى بها ، أما إذا لم تؤثر كل الشتائم الماضية فإن الشتيمة القادمة ستكون هي الأصعب " فلان ده بِلِطْ "وتعني من لا يؤثر فيه شيء ، وكلمة "بِلِط" هى كلمة قبطية من "بيلتى" وتعنى, فيكون المقصود بالكلمة انه كثير الجلوس أو كسلان ومنها اشتق التعبير "فلان مبلط فى الخط" بمعنى كسلان ولا يعمل.
أما الشاب الطايش فيجب أن يبحث عن معنى الكلمة معنا ، فأصلها مصرى قديم من "تش" وتعنى يُفقَد ، يَضِل, فيكون معنى "طايش" أى ضالوقد إستخدمت فيما يعد لتدل على المعنى (متهور). وما زلنا نقول إلى الآن"عيار طايش" بمعنى عيار ضال.
وهناك شتائم قليلة الاستخدام لكنها مستعملة فيبعض الأماكن مثل " داهية توديك الآمندى " وهذه العبارة مشهورةَ في الصعيد فكلمة "أمندى" هى كلمة قبطية , وتعنى جهنم أو الغرب وهى مأخوذة من الكلمة المصرية القديمة "أمنتت" بمعنى الغرب وقد إعتاد القدماء المصريون ان يطلقوا على الجبانة إسم العالم الغربى أوالغرب فقط ، وذلك لأن الجبانة كانت تقع فى المعتاد فى الجهة الغربية ن ومن هنا جاءت كلمة " البر الغربي " ، كما اعتادوا أن يطلقوا هذا الإسم أيضاً على مملكة أوزوريس حيث يُحاكم الموتى أمام إلههم الأعظم أوزوريسفالغرب كان عند المصريين القدماء رمزاً عن العالم الآخر ،عالم الموت والوحدة. وهذه الفكرة لا يزال أثرها باقياً فى مصر إلى الآن . فنحن نقول عندما نرى المريض على فراش الموت وقد فقد وعيه وظهرت عليه أعراض الموت أن عينيه "غربت" ومعنى هذا ان عينه اتجهت إلى جهة الغرب أى إلى العالم الغربى .أما إذا كان " وشك مش ولا بد " وناداك أحد أصدقائك بعبارة " ياغراب البين " فأنت في حاجة إلى أن تعرف أن أصل كلمة " بين " مصرى قديم من "بين" وتعنى شر ، سوء ، بؤس , فيكون معناها إنت يا غراب الشر ، وكان الغراب عند قدماء المصريين نذيرشؤم ، أما عبارة "إتلم تنتون على تنتن والأتنين أنتن وأنتن " ,والتي تقال عندما تصادق أحد الأشخاص المستهترين فكلمة تنتون وتنتن هما كلمتان قبطيتان تماماً فكلمة تنتون هى الكلمة القبطية "تنتون" باللهجة البحيرية ، وكلمة "تنتن" باللهجة الصعيدية وكلاهما يعنى شابه، ناسب، قلد، إقتدى, فيكون المعنى أن الأشخاص المتشابهه فى السوء تلتقى معاًوأصل الكلمة مصرى قديم من "دندن" بمعنى يشابهأما كلمة " هلاس وبتاع نسوان " فالجزء الثاني منها معروف اما الجزء الأول "هلس" فهو من كلمة قبطية أصلها يونانى "هيلوس"، "هيلوس" بمعنى تلف ، فساد ،ومن الجمل المرتبطة بها أيضا أن نقول " فلان مايص ومهياص" وكلمة "مهيص" هى كلمة قبطية "مهيوص" بمعنى مملوء سرعة وهى مركبة من "مه" بمعنى مملوء و "يوص" بمعنى سرعة أوعجلة , ومن المصرية القديمة "مح" بمعنى مملوء , و"أس" بمعنى سرعة , فيكون معنى العبارة أنه "مملوء بالسرعة أو بحب النط" أما " ربنا ما يحرمك من الهبل " فكلمة الهبل معروفة لنا جميعا لكن أصلها يونانى "هابلوس" وتعنى بسيط ، ساذج , ومن الكلمة أشتقت الألفاظ "أهبل" أو "مهبول" بمعنى ساذجو"يستهبل" بمعنى يدعى السذاجه ،و"إستهبال" بمعنى إدعاء السذاجهوالبعض يقول عن الهبل "هبالة" ، والبعض يقول عن الهبلة "هبيلة" ، ومن الأمثال فى الهبل، "دقوا الطبلة وجريت الهبلة" ، "رزق الهبل على المجانين" ، "هبلة ومسكوها طبلة ، عموما يجعل كلامنا خفيف عليكم ، ولاأريد أن يسألني أحد عن معناها .أما بالنسبة لأصل كلمة شتم عربيا ، فكما يقول ابن منظور في معجمه الشهير " لسان العرب " الشَّتْمُ: قبيح الكلام وليس فيه قَذْفٌ. والشَّتْمُ: السَّبُّ، شَتَمَه يَشْتُمُه ويَشْتِمُه شَتْماً، فهو مَشْتُوم، والأُنثى مَشْتُومة وشَتِيمٌ، بغير هاء؛ عن اللحياني: سَبَّهُ، وهي المَشْتَمَةُ والشَّتِيمة؛ ويقول أَبو عبيد:: هذه الكلمة وإِن لم تُعَدَّ شَتْماً فإِن العَفْو عنها شديد.والتَّشاتُمُ: التَّسابُّ. والمُشاتَمةُ: المُسابَّةُ؛ وقال سيبويه في باب ما جَرى مَجْرى المَثَل: كلُّ شَيءٍ ولا شَتِيمةُ حُرٍّ ، وشاتَمه فَشَتَمه يَشْتُمه: غَلَبَه بالشَّتْمِ. ورجل شَتَّامةٌ: كثير الشَّتْمِ. والشَّتِيمُ الكَريهُ الوجه، وكذلك الأَسَدُ. يقال: فلان شَتِيمُ المُحَيّا، وقد شَتُمَ الرجلُ، بالضم، شَتامَةً؛ والاشْتِيامُ: رَئيسُ الرُّكّابِ. والشَّتِيمُ والشُّتامُ والشُّتامةُ: القبيح الوجه. والشُّتامَةُ أَيضاً: السَّيِّءُ الخُلُقِ. والشَّتامة: شِدَّةُ الخَلْقِ مع قُبْح وَجْهٍ. وأَسدٌ شَتِيمٌ: عابسٌ. وحمار شَتِيمٌ: وهو الكريه الوجه القبيح. وشُتَيْم ومِشْتَمٌ: اسمان.