29‏/06‏/2010

الضنا غالي

فيما مضى حين كنت أقرأ أو أسمع عن حوادث القتل الغريبة والغير منطقية مثل أب يقتل أولاده ، أو أم تلقي طفلها من الطابق الخامس ، أو تضع السم لأبنائها ، كنت أتساءل أين اختفت العاطفة الأعظم في هذا الكون " الأمومة ، والأبوة " ، وكيف تستطيع أم أن تتجرد من عاطفتها الفطرية وتتخلى عن طفلها الذي تكون داخلها ، وارتبطت به بحبل سري ، كيف تستطيع أن تنحي كل هذا جانبا ، وتتخلص من طفلها ، لكن مع الأيام ، ومع معدلات الفقر المتزايدة والعالية التي وصلت لدرجة أنه أصبح عندنا أناس يموتون ـ فعلا ـ من الجوع ، لم أعد أستغرب ما يحدث ، بل وأرفض اعتبار من فعلوا هذا مرضى نفسيين .
هذه الحكايات أصبحت متكررة ، تنشرها الصحف بشكل يومي ، لم تعد تثير الاستغراب ولا الاهتمام ، اليوم هناك حكايتان في الصحف ، الأولى عن نجار شنق نفسه في مروحة السقف لأنه لم يجد ما ينفقه على أسرته ، الثانية وهي الأبشع عن أم خنقت ابنها وحاولت الانتحار لأنها لم تعد تجد ما تأكله .
القصة مأساة حقيقية ، يكفي أن تقرأ ما تحكيه الأم عن أنها وهي تخنق ابنها استيقظ من النوم وقال لها لا تقتليني يا أمي ، يكفي أن تقرأ أنها بعد أن خنقته شربت سما ، لكن القدر أبى أن يريحها فقاءت ما شربته ، فقطعت شرايينها ، وظلت تنزف لمدة ست ساعات ، لكنها لم تمت ، يكفي أن تقرأ ما تحكيه أنه بعد ثلاثة أيام تعفنت جثة ابنها و انفجرت أمامها ، فذهبت إلى القسم وسلمت نفسها وطالبتهم بإعدامها .
القصة مأساوية لدرجة قاتلة ، أتمنى ألا تمر عليك مرور الكرام ، قالت الأم المتهمة فى التحقيقات حسبما نشرت صحيفة المصري اليوم: «قررت يوم الجمعة الماضى الانتحار للتخلص من الفقر، لكنى خشيت على ابنى من البهدلة، ظللت أفكر كثيرا حتى وصلت إلى قتله والتخلص من حياتى، قررت أكتم أنفاسه بفوطة، لكنه استيقظ من النوم وطلب منى أن أتركه يعيش، تركته وبللت الفوطة بالمياه وكتمت أنفاسه حتى فارق الحياة، وتناولت سم الفئران ونمت إلى جواره، أصبت بقىء وإسهال شديدين، ووجدت نفسى على قيد الحياة ، حاولت مرة ثانية بقطع شرايين يدى اليسرى، ظللت أنزف 6 ساعات وتوقف الدم، فوجئت بابنى ينتفخ وجثته تتعفن وتنفجر، توجهت إلى المباحث وأبلغت الرائد إبراهيم عبدالقادر، معاون المباحث، بالواقعة وطالبته بأن يصدروا حكماً بإعدامى» ، وقالت: « قتلت طفلى أحمد عصام «9 سنوات»، كتمت أنفاسه بفوطة مبتلة فجر الجمعة الماضى، لم أنظر إلى رجائه لى بعدم قتله، نعم الفقر والاحتياج حولا قلبى إلى حجر ، توسلاته بأن أتركه يعيش لا تغيب عن مسامعى، وجهه وهو يبكى خوفا من الفوطة المبللة بالماء ترعبنى، أريحونى واعدمونى الآن، الفقر وحده هو الذى دفعنى للتخلص من ابنى.. حاولت الانتحار أكثر من مرة بعد قتله لأكون إلى جواره، كنت أتمنى أن أرحل عن الدنيا بكل ما فيها من مآس، واحتفظت بجثة أحمد 3 أيام، وبعد انفجارها وتحللها توجهت إلى المباحث لمساعدتى على دفنه.. أنا أريد الإعدام حتى أرتاح من الدنيا».
التحقيقات قالت أن المتهمة تعانى من أزمة نفسية ـ كما هو متوقع ـ بسبب عجزها عن الإنفاق على ابنها وأنها أخرجته من المدارس ، منذ 10 سنوات تزوجت من محام ، تخلى عنها بعد 3 شهور زواج، طلقها وهى حامل فى الشهر الثانى، انتقلت من بلد لآخر، وبحثت عن مكان للإقامه فيه بصحبة طفلها، الشرط كان أن الإيجار يكون بسيطاً، لكن الفقر وقلة المال كانا يطاردانها، ذهبت إلى الشرقية وأقامت عدة شهور باعتبارها منطقة ريفية ومصاريفها بسيطة لكن لم تتمكن من المعيشة هناك لمطاردتها من الظروف المادية نفسها ، وعادت إلى القاهرة وتمكنت من الإقامة فى شقة بمدينة النهضة. تألمت بشدة قائلة: " تخلى أشقائى عنى، وتركونى وحيدة بصحبة ابنى، أنا حاصلة على الثانوية العامة ولم أتمكن من الالتحاق بأى وظيفة ".
الضنا مع الفقر لم يعد غاليا ، كما كان يقول المثل القديم ، الفقر أصبح قاتلا ، في ظل مشروعات وهمية عن محاربة الفقر نقرأ عنها فقط ، ويتجشأ المسئولون الكلام عنها في وجوه الفقراء على الشاشات ، الفقير يزداد فقرا ، والغني يزداد غني ، ومن المستحيل أن يشعر المسئول الذي يقيم في فيلا فاخرة بأوجاع امرأة في الريف لا تجد ما تطعمه لأولادها ، ولا بآلام أب لا يستطيع العودة إلى المنزل بفشله ، وقلة حيلته ، وهو لا يحمل في جيبه خمسون قرشا يشتري بها خبزا لأودلاه .
لن أتساءل عن لماذا فعلت الأم ما فعلته ، ولن أتكلم عن ضعفها و قلة حيلتها لدرجة لجوئها إلى الشرطة لمساعدتها في قتله ، ولا عن أنها متعلمة ومع ذلك لم تجد عملا ، ولا عن أولاد الحلال الذين لم يعودوا موجودين ، في الماضي كانت الأمهات تبيع أولادها ، وكان البعض يستغرب هذا ، لكن حتى الرحمة الضئيلة بين تركه حيا ، وبيعه ، وبين قتله لإراحته ضاعت ، قتلها الفقر ، وقتلها المسئولون وقتلها الفساد .
لو كان الفقر رجلا لقتله علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، لكن الفقر تضخم أصبح دولة من رجال الأعمال الفاسدين ، والحكومة التي لا تشعر بالفقراء ، ولا تريد أن يزعجوا انشغالها بشئون السلطة .

06‏/06‏/2010

أنا خائف يا أليس


اليوم فقدت الأخضر
وبالأمس الأزرق
لم تعد هناك سماء ، ولا حقل ذرة
لا يرقات ، و لا غابات أمازون
الأحمر يستلونه مني
ولا أقوى على الذود

أضع يدي فوق جبهتي
وأنظر من أعلى للعمر الذي ترك يدي
وهرول بعيدا
أبحث عن ولد كان يسير هنا أمامي
واختفى
كنت أرعاه بألوان عيني
أبحث عنه في الكتاب المصفر
أحاصر روحه
بخطوط يدي الباهتة .

أكتب " لا "
وأضعها بين قوسين
أغلق القوسين فيصيرا دائرة
أظللها .. تصبح كرة
أركلها .. تخترق النظارة إلى عيني
وتسقط الأبيض

الآن
وأنا أقترب من نهاية العمر
تتكاثر النظارات بلا جدوى
تتجمع في حجري كبيض فاسد محطم
تغدو الحياة مثل الذكريات
بلا ألوان تقريبا
فقط المرار يختلط بالدموع
فقط الحنجرة تتحجر
ولا أقوى على الصراخ

كل يوم
أستيقظ مبكرا لأكتب قصيدة
أمزقها في المساء
لأنام مرتاح البال
ذات يوم
بعد أن أنهيت أعمالي الكاملة
قررت ألا أستيقظ
في الحلم
كانت لفائف الورق
تمشط ذراعي
بقلادة من نار

عندما أعود صغيرا
سأعيد قراءة كتاب لم أكمله
وضاع مني
سأتوقف عن مطاردة دود القز ، وأفراس النبي على الحشائش
وجيلفر في بلاد العجائب
سألعب ..
ألعب حتى تبرى قدماي
وأحتفظ بقصائدي الأولى التي مزقتها
أمسح جبهة حماري الذي ضربته
اشتري عينين جيدتين من البائع الذي يلف في الشارع
أبكي أكثر على قطتي حتى تعود من الموت
أسرع أكثر كي أنقذ كرتي من السيارة المسرعة
عندما أعود صغيرا
لن أصبح كبيرا
سأطلب من الله الذي يزورني كل ليل
أن يزورني كل ليل

مع الأيام
أتحول لصورة معلقة على الحائظ
لا أهش على غنمي
ولا التراب من على حواجبي
تتغذى ذاكرتي على النسيان
تسقط اللقمة من فمي
أنسى أين تركت عيني
وانصرفت باكيا..
يقول الحسن البصري
اعتزلنا واصل

أصبحت أخاف
من الكلاب الساكنة والمراهقين
أهتم بالنظارات وقياس الكوليسترول
بمصادقة طبيب عظام جيد
بأسعار المقابر في صحف الصباح
أصبحت الأشياء العادية مستحيلة
وكوب الشاي أبعد من المطبخ
رتيب كاهتزازة القطارات الفقيرة
مر كفقدان الأحبة كل أسبوع
بعيد ..
بعيد كالحياة