01‏/12‏/2010

الشاعر محمد أبو زيد بعد روايته الأولي‮:‬ تحوّلنا إلي أصنام

حوار‮ ‬ : نائل الطوخي
الشاعر محمد أبو زيد أصدر رواية بعنوان‮ "‬أثر النبي‮". ‬ولكن علي عكس جميع الشعراء الذين كتبوا الرواية بعد تمرّسهم في الشعر،‮ ‬فالصيغة الأولي من روايته كانت قد اكتملت قبل نشره أي ديوان‮. ‬كتب الرواية عام‮ ‬2003،‮ ‬وكان ديوانه الأول‮ "‬ثقب في الهواء بطول قامتي‮" ‬لا يزال ينتظر دوره للنشر في الهيئة العامة لقصور الثقافة‮. ‬يقول‮: "‬كنت أجرب‮. ‬كتبت القصة والشعر ولكنني كنت واعياً‮ ‬وقتها أن الشعر مشروعي‮. ‬الكتابة في النهاية لعبة،‮ ‬قد تبدو علي هيئة رواية أو شعر أو مسرحية أو حتي نص عائم،‮ ‬المهم هو فكرة الكتابة ذاتها،‮ ‬بالإضافة إلي أنني كتبت روايتي هذه بنَفَس شعري‮. ‬لم ألتزم بقواعد الرواية المتعارف عليها‮. ‬الحدث كان يتعطل كثيرا لصالح الكثير من فقرات‮ ‬مناغاة الراوي وغيره‮."‬
العام‮ ‬2003‮ ‬له دلالة أخري،‮ ‬عام الاحتلال الأمريكي للعراق‮: "‬كان احتلال العراق نكسة حقيقية للجيل كله‮. ‬نكسة جيل الستينيات والسبعينيات تمحورت حول سقوط الزعيم الروحي لهم،‮ ‬عبد الناصر،‮ ‬الذي لم يعد هو الزعيم القائد،‮ ‬ولكن الأمة العربية كانت لا تزال موحدة‮. ‬بعد الاحتلال العراقي للكويت عام‮ ‬90،‮ ‬ثم الاحتلال الأمريكي للعراق عام‮ ‬2003‮ ‬أصبح موضوع الوحدة العربية مزحة ثقيلة‮. ‬الآن السودان والعراق ينقسمان،‮ ‬وفلسطين تتحول إلي‮ ‬غزة والضفة الغربية منفصلين عن بعضهما البعض،‮ ‬ولبنان ينقصها القليل لتنفجر‮. ‬في عام‮ ‬2003‮ ‬كنت مهزوما وأريد التنفيس عن هزيمتي‮."‬
العام‮ ‬2003‮ ‬هو العام الذي تدور فيه أحداث الرواية،‮ ‬خلفيتها الأخبار المذاعة عن سقوط العراق بيد الجيش الأمريكي،‮ ‬والبطلان الرئيسيان لها هما شخصية عادل هياكل،‮ ‬الذي يسكن مع زملائه في بيت الطلبة ولا يتوقف عن المزاح،‮ ‬يعيش قصة حب في الجامعة،‮ ‬ويخرج في المظاهرات وفوق هذا هو مريض بالسل ويموت في نهاية الرواية،‮ ‬هو المعبر عن الجيل في الرواية،‮ ‬كما يشرح أبو زيد،‮ ‬بالإضافة إلي بطلة أخري‮: ‬الفنانة محسنة توفيق‮. ‬تنتهي الرواية بخبرعن ضربها علي يد قوات الأمن التي تقوم بتفريق المظاهرات،‮ ‬مع مشاهد من نهاية فيلم‮ "‬العصفور‮"‬،‮ ‬بعد إعلان تنحي عبد الناصر وهي تنزل الشارع وتهتف‮ "‬هنحارب‮".‬
أسأله إن لم يكن الربط بين احتلال العراق ونكسة‮ ‬67‮ ‬بهذه الطريقة مباشراً‮ ‬قليلاً؟‮ ‬فيقول إنه حاول الابتعاد عن المباشرة قدر الإمكان‮. ‬علي العموم‮.. ‬فكرة المباشرة تبدو بالنسبة له محيرة قليلا،‮ ‬يتوقف أمامها ليطرح تساؤلاته‮:‬
‮"‬ظهور عبد الناصر في الرواية كان محايداً‮. ‬قد يفهم منه القارئ أنني أدينه وقد يفهم أنني أسترجعه بنوع من الحنين‮. ‬لم أحب أن توضع الرواية في إطار سياسي‮. ‬ولكن في نفس الوقت،‮ ‬هل المطلوب من الكاتب أن يتخلي تماماً‮ ‬عن قضيته؟ نيرودا يتساءل إذا ما فتحت النافذة صباحاً‮ ‬ورأيت قتيلاً‮ ‬ورأيت وردة،‮ ‬فهل أكتب عن الوردة؟‮! ‬أنا هنا ضد الجيل الحالي الذي يريد الانغلاق علي ذاته ويكتب شعرا عن تفاصيل‮ ‬صغيرة‮. ‬الكاتب بلا قضية ليس كاتباً‮. ‬لا أطلب من الكاتب الدفاع عن فلسطين ولكن علي الأقل أن يكون لديه هم‮. ‬عندما نتوقف عن التعب بحثاً‮ ‬عن لقمة العيش،‮ ‬ونتوقف عن الموت من البطالة،‮ ‬سيكون متاحاً‮ ‬لنا أن نكتب عن قضايا ذاتية تماماً‮."‬
كتب أبو زيد روايته هذه أربع مرات،‮ ‬وفي كل مرة كان يعاود عملية التنقيح ويحذف الأجزاء الأكثر مباشرة‮ (‬هو‮ ‬_‮ ‬مع رأيه هذا‮ - ‬يرفض المباشرة الزاعقة،‮ ‬يري أبياتا مثل‮ "‬دع سمائي فسمائي محرقة‮" ‬تصلح أكثر للأغاني،‮ ‬بينما النص الأدبي خُلق ليبقي‮)‬،‮ ‬كما أضاف شخصيات وحذف أخري وأضاف تفاصيل‮ ‬علي مدار عملية تنقيح الرواية لتضيف بعض المصداقية للعمل،‮ ‬مثل كلمات الأغاني والإعلانات المنتشرة عام‮ ‬2003‮. ‬وفي أثناء عملية التنقيح المتواصلة هذه،‮ ‬قدم الرواية لمسابقة يحيي حقي بالمجلس الأعلي للثقافة وفازت فيها‮. ‬يواصل حديثه عن المباشرة‮: ‬
‮"‬نحن كأدباء شباب تحولنا إلي أصنام،‮ ‬ثرنا علي الأصنام القديمة لأنهم كانوا يقومون بنفينا،‮ ‬وقلنا إنهم كانوا مباشرين،‮ ‬وثرنا علي الشعر التفعيلي والعمودي،‮ ‬ثم تحولنا نحن أنفسنا إلي أصنام،‮ ‬صرنا نقدس الرواية القصيرة والنص المشفر والذاتي تماماً‮. ‬أنا ضد فكرة نفي الآخر‮."‬
هناك مقطع كامل من الرواية يرويه‮ "‬عادل هياكل‮" ‬معلقا‮ ‬_‮ ‬بشكل ساخر‮ ‬_‮ ‬علي مباراة كرة يتخيلها بين زملائه في السكن‮. ‬المقطع مكتوب بعامية بسيطة ويبدو فيه أبو زيد‮ ‬_بإضفائه عنصر السخرية‮ - ‬متمردا علي اللغة المعتمدة للروايات وعلي لغة الحوار بشكل خاص‮. ‬
أسأله ألم يرغب في اختراقات لغوية أكثر تدخل نصه الروائي؟‮ ‬
فيجيب بأن شخصية عم رجب حارس المسجد هي شخصية كارتونية أيضاً،‮ ‬وهناك شخصية حجازي الذي يكتب خطابات تحوي أحداثا مختلقة لأهله ليثبت لهم أنه أصبح ممثلا كبيرا،‮ ‬الخطابات تحوي‮ "‬شعرية الركاكة‮" ‬كما يسميها‮. ‬بالإضافة إلي اختراقات من نوع مختلف‮: "‬هناك مقاطع حاولت فيها تكثيف اللغة الصوفية،‮ ‬والنص الذي أقدم فيه وثيقة إقرار الطلبة علي السكن في البيت كانت لغته مختلفة،‮ ‬الموضوع أنني في مواضع كثيرة كنت أكتب بلغة شعرية،‮ ‬اللغة لم تكن تعمل إذن في إطار ذروة وحبكة وشخصية ونقطة تنوير تحل في النهاية‮."‬
طرح الكاتب في روايته مفهوما مختلفا للتدين،‮ ‬مفهوما محايداً،‮ ‬لم يعد المتدينون هم الظلاميون الإرهابيون الأفاقون كما هو الحال في روايات سابقة‮: "‬الدين بالفعل منذ عام‮ ‬1995‮ ‬وحتي‮ ‬2003‮ ‬كان هو المحرك الرئيسي للمجتمع‮. ‬هناك في الرواية من انضم للجماعات الصوفية لأنه ببساطة أراد إطاراً‮ ‬ينتشله من الوحدة‮. ‬النظام السياسي لا يحل المشاكل ولذلك يلجأ الناس للدين،‮ ‬هذا موضوع بسيط ومفهوم تماماً‮. ‬قصدت أن أجعل أحد الشخصيات اسمه‮ "‬سيد قطب‮" ‬وأن أمرر هذا ببساطة،‮ ‬بدون أن يعني أنه من الإخوان مثلاً‮."‬
مصادر أبو زيد في الكتابة متنوعة جدا‮. ‬يحكي أنه في ديوانه السابق‮ "‬كطاعون يضع ساقاً‮ ‬فوق الأخري وينظر للسماء‮"‬،‮ ‬وضع ثبتاً‮ ‬بمراجع الديوان،‮ ‬وكان منها القرآن الكريم والأعمال الكاملة لعمر خيرت ولمارسيل خليفة،‮ ‬ونظرية النسبية ونظرية الثورة لعبد الناصر،‮ ‬وتقرير حركة كفاية حول الفساد في مصر‮: "‬لم تكن الفكرة أنني أخذت مقاطع من هذه الأعمال ووضعتها في قصائدي،‮ ‬وإنما هذه المصادر هي التي كوّنت ثقافتي وكتابتي ببساطة‮."‬
بجانب إبداعه،‮ ‬يرأس أبو زيد تحرير موقع بعنوان‮ "‬الكتابة‮" ‬يتم فيه الاحتفاء بالكتابة المصرية الشابة‮. ‬يقول إن موقع الكتابة بدأ كحلم منذ أكثر من سبع سنوات،‮ ‬كمحاولة‮ ‬للتغلب علي مشاكل‮ ‬النشر الحكومي،‮ ‬والانتظار سنوات تتجاوز الخمس من أجل نشر كتاب،‮ ‬أو البحث عن مجلة أو صفحة ثقافية لنشر قصيدة‮. ‬المجلات الثقافية لا يتجاوز عددها الاثنتين،‮ ‬ومن يفلت من كل هذا يسقط في فخ ذوق معين سائد في الكتابة‮. ‬ومع ظهور جيل جديد يكتب وينشر علي الإنترنت،‮ ‬كانت الهجرة للنشر الجماعي في مواقع ثقافية عربية‮ "‬مثل كيكا،‮ ‬وجهة الشعر،‮ ‬وأوكسجين وغيرها‮"‬،‮ ‬في الوقت الذي لا يوجد موقع ثقافي مصري واحد‮. ‬من هنا بدأ حلمه‮. ‬يقول‮: "‬حين قررت إطلاق الموقع كان الهدف هو الانتصار لجيلي بأكمله،‮ ‬الانتصار للكتابة الجميلة هكذا كتبت في بيان التدشين‮. ‬أطلقت موقعا تجريبياً‮ ‬في عام‮ ‬2007،‮ ‬لكن لأنه كان مجانيا فقد كان ضعيف الإمكانيات،‮ ‬حتي تمكنت في إبريل‮ ‬2009‮ ‬من إطلاق موقع احترافي ينشر النصوص بشكل يومي،‮ ‬من كل أنحاء العالم العربي،‮ ‬ينشر نقداً‮ ‬وقصة وشعراً‮ ‬وترجمات ومقالات في السينما،‮ ‬كما استحدثت فيه بابا عن التدوين علي اعتبار أن التدوين صار فناً‮ ‬كتابياً‮ ‬خاصاً‮." ‬قدم الموقع خلال عام ونصف مضت ملفات عن أهم كتاب ورموز الكتابة الشابة و الجادة ذات المشاريع الحقيقية‮: "‬لا أبغي من وراء الموقع أي شيء سوي استمتاعي الشخصي بالنصوص التي أقرأها،‮ ‬وبأنك تملك نافذة يدخل منها الهواء النقي إلي رئات تستحق ذلك‮". ‬يضيف أنه مع الاحتفال ببداية العام الثالث للموقع سيتم إطلاق مسابقة ثقافية خاصة بالموقع،‮ ‬كما أن هناك تفكيراً‮ ‬طويل المدي بأن يتحول الموقع إلي دار نشر أيضاً‮: "‬هناك حلم كبير اسمه‮ "‬مؤسسة الكتابة ‮" ‬تشمل الموقع والمسابقة والإذاعة ودار النشر،‮ ‬بأن تكون لدينا أول مؤسسة ثقافية‮ ‬مصرية خاصة،‮ ‬لكن الأمر يحتاج إلي صبر وجهد‮".‬
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
*نشر في جريدة أخبار الأدب

ليست هناك تعليقات: