24‏/01‏/2017

ديجافو

انتهى العام 2016، وبدأ العام 2017، ولا زالت الدماء العربية من سوريا إلى اليمن إلى ليبيا إلى العراق إلى مصر تتصدر المشهد، كأننا نعيش حالة من "الديجافو" التي تتكرر فيها المشاهد من عام إلى الذي يليه، وكأننا عشناها من قبل. لكن منذ متى لم تكن هذه عادتنا؟ منذ متى لم نودع عاماً ونستقبل آخر، ونحن ننعي أنفسنا، وهزائمنا التي تتزايد عاماً تلو الآخر؟
ربما تبدو الإجابة على هذا السؤال صعبة لكثرة الماسي العربية، حتى أننا لن نذكر متى بدأنا منحدر الهبوط، وبدأنا نأكل أنفسنا، بعد أن شبعنا من أكل بعضنا، وما هي النقطة التي غادرتنا فيها الحضارة، فغرقنا في القتل والدم.
في فيلم أمريكي شهير، يحمل اسم "ديجافو"، قام ببطولته دينزل واشنطن، وأخرجه توني سكوت، يقوم بطل الفيلم بالعودة إلى الماضي من خلال نفق زمني لمحاولة إنقاذ سفينة من محاولة تفجير إرهابية، وبغض النظر عن فكرة الفيلم الخيالية، لكنها تجعلنا نطرح سؤالاً ـ خيالياً أيضاً ـ حول النقطة الزمنية، التي إذا كان يمكننا ـ كعرب ـ أن نعود إليها لنغيرها، سنصبح أفضل، ما هي اللحظة التي بدأ فيها مشهد الدماء يصبح هو المشهد الوحيد الذي يراه العالم لنا؟
هل كانت البداية مع نكسة 67، حين انهار حلم عبد الناصر بالقومية العربية، وأدت إلى احتلال إسرائيل لسيناء وقطاع غزة والضفة الغربية والجولان؟ أم كانت البداية حينما قرر السادات إطلاق التيارات الإسلامية لمحاربة اليساريين والناصريين فبدأ الوحش الجهادي يتضخم ليبدأ أول أعماله باغتيال السادات نفسه، ثم تنطلق الفكرة إلى باقي العالم؟، أم كانت البداية حين قرر رؤساء العالم العربي الخلاص من الجهاديين في بلادهم بحجة دعم الإسلام، فأرسلوا مئات الشباب إلى أفغانستان لمقاتلة الاتحاد السوفيتي، فوضعوا بذور تنظيم القاعدة؟
هل كانت البداية حينما قرر رئيس عربي، لأول مرة في التاريخ، باحتلال بلد عربي مجاور، بعد أن أعماه جنون العظمة والقوة، فكانت البداية لضياع العراق، والإيذان بدخول أمريكا والغرب رسمياً إلى منطقة الخليج العربي، ولم تغادرها من يومها؟ أم كانت البداية حين قرر مجنون عربي آخر باسم الإسلام أن يستهدف برجي التجارة الأمريكيين، فيقتل ثلاثة آلاف أمريكي، ويعطي الإشارة لقتل وتشريد مئات الآلاف من العرب والمسلمين باسم الحرب والإرهاب؟
هل كانت البداية حين قفزت الجماعات الراديكالية المتشددة على انتفاضات الربيع العربي، فأطاحت بحلم الشعوب في غد أفضل؟، وهكذا مرت خمس سنوات على نزيف مستمر للدماء في سوريا، ومثلها في ليبيا، واليمن، بعد أن ضاع حلم التغيير تماماً.
أم كانت البداية أقدم قليلاً، مع وعد بلفورـ وعد من لا يملك لمن لا يستحق ـ الذي وضع بذرة الدولة اليهودية في المنطقة، أم  مع انحدار العالم العربي على يد الدولة العثمانية، في الوقت الذي كانت فيه أوروبا تنطلق إلى عصر الحضارة والازدهار، أم مع اتفاقية سايكس بيكو لاقتسام منطقة الهلال الخصيب بين فرنسا وبريطانيا لتحديد مناطق النفوذ في غرب آسيا، أم  مع نكبة 1948 وهزيمة الجيوش العربية، وبداية التغريبة الفلسطينية التي لم تنته حتى اليوم، ولا يعرف أحد متى ينتهي؟
هل من حقنا أن نقول أن البداية كانت قبل ذلك بقرون، حينما بدأ الاقتتال على الخلافة، وفتنة مقتل عثمان بن عفان، والفتنة الكبرى بين فريقي علي ومعاوية، وبداية النزوع المذهبي بين الشيعة والسنة، الذي لا زلنا ندفع ثمنه حتى الآن.
الحقيقة هي أن هناك عشرات النقاط الزمنية في تاريخنا تحتاج إلى تغيير، والتي ما إن تنتهي واحدة، حتى تنشأ أخرى أقسى وأشد، وكأنها تقول إن العيب ليس في الزمن، ولا في العدو، ولا في التاريخ، بل فينا نحن وليس في أي أحد آخر.
...................
*نشر في صحيفة "المصري اليوم"
 

ليست هناك تعليقات: