16‏/04‏/2019

"عنكبوت في القلب".. كيف نختار سجوننا داخل الأوطان؟

حسين عبد الرحيم 
أصدرت الهيئة المصرية العامة للكتاب، عن سلسلة «إبداعات قصصية»، مؤخرًا، رواية «عنكبوت في القلب»، للكاتب والشاعر محمد أبو زيد.
ترصد الرواية مدى تأثير الخوف على البشر، وقدرته على النفاذ لتفاصيل حميمية بين أعضاء الجسد الواحد، وتقدم العلاقة بين الراوي والأنثى، والكثير من البؤساء والمنسحقين، والمعدومين، فمنهم من على الهامش ومنهم الحاد والجاد والعصابي والممسوس وكذلك الذي اختار الجنون، أو اختار أن يسير في طريق أو مسار واحد بعيدا عن أذى البشر في شوارع خالية، أو تذوب في العزلة، أو الفوضى والجنون والعلاقات المبتورة.
ينطلق الراوي في «عنكبوت في القلب» من الذاتي والوجودي متماسا في مناطق عدة غائرة وشيقة وفاتنة بل ومثيرة وموجعة تنهل من أدق التفاصيل الجوانية لعوالم الكاتب، محمد أبو زيد، وهو الشاعر في المهد واللحد طارح قصائد نثرية تتفرد بحمل نفس إيقاعه في روايته هذه والتي تلمح بحرفية السرد في الرواية التي تدور في عوالم مابين الرمادي والأسود والشبحي، بسخرية القابض على جوهر الفرد المتوحد والمنسجم مع ذاته بعيدا عن الجنون الفعلي خارج عالمه الحقيقي، ومساره الحاد والجاد الصامت في المشي والترجل، وحتى الكاره لسماع الإكليشيهات التي صارت لازمات مؤبدة تلوكها الأفواه في كل أو غالبية الشرائح الاجتماعية والطبقية.
لم يعرف "بيبو" -بطل الرواية- الحب في صباه ولا مراهقته، حتى حب البحر الذي يولد بالسليقة مع أطفال قريته، لم يعرفه أيضًا، سأم المدينة الشبحية بقاذوراتها وذبابها وبلاهة ناسها رغم ثقل مآسيهم وتأثيراتها المباشرة في الحالة العامة أو الكون المرئي في تفاصيل الشارع والحوانيت ومطاعم الوجبات السريعة، اختار الوحدة بإرادته كحماية لنفسه من هذا العالم المتغول على كافة المستويات في العيش والطعام والتحصيل العلمي والمعرفي وحتى في أدق تفاصيل العلاقة مع أعظم المشاعر الإنسانية وهو الحب والذي دفنه السارد في أول عام له بالجامعة لأنه ليس من أبناء الماء، والبحر يأكل من لا يبادله الحب..فأبوه أدرك هذا مبكرا فالولد الخائب.." ؟!! كما كان يسميه الأب مدرك بحالته من قبل ابيه بأنه لن يعود إليه إذا القاه في البحر.
تبث رواية «عنكبوت في القلب» للشاعر والكاتب المبدع محمد أبو زيد، رسائل للوجود ولاستنطاق العدم وقهر الغشم ومساءلة الخواء والتلذذ بالوحدة المنتجة لصفاء وترتييب وتريث فكري وحدوي وذاتي جدير بالاشتباك في أدق تفاصيل سروده الشفيفة التي تبطن وتخفي أكثر مما يحمل ركامها الشفيف من أنين وجوى وفقدان للتواصل مع البشر، حتى في علاقة حب وحيدة ضمها دور عرض سينمائي بضاحية المنيل فكان الميلاد والبدء والمنتهى لصيرورة ما رآه الراوي في نفسه بعدما شفّت وراقت حواسه فصار يجتر في بعض الأحيان سيرة من التقى والتي سنعرف فيما بعد بأنها كانت تقرأ الفنجان لرواد مقهى أو كافيه في مدينة نصر.
محمد أبو زيد، يُعبّر بجسارةٍ عن عوالم محظورة تُهشّم الفواصل الحادة مابين الرواية والشّعر والنثر، في متون فلسفية تصطبغ بها روايته التي تترك القارئ في مقعده بلا ثمة ردود فعل إلا التلذذ بحتمية الاشتباك مع هذه العوالم والرؤى السردية، وكأننا نختارُ بأنفسنا سجونًا نُحشر فيها بعيدا عن السجن الكبير المسمى."وطن".
.............
*نشر في "الدستور"

ليست هناك تعليقات: