27‏/06‏/2008

البير قصيري .. الغريب يغادر الفندق


" كيف تفضل أن تموت ؟ " منذ سنوات قليلة وجهت مجلة لير الفرنسية هذا السؤال للكاتب ألبير قصيري وكانت إجابته " على فراشي في غرفة الفندق " ، هل كانت أمنية أم نبوءة ، فألبير قصيري الروائي المصري الذي قضى جل عمره في باريس ورحل مساء الأحد الماضي توفي في فراشه في غرفته بفندق لو لويزيانا البسيط في حي سان جرمان دوبريه في باريس الذي عاش به ستون عاما .
ألبير قصيري الذي ولد في الثالث من نوفمبر عام 1913 في حي الفجالة بالقاهرة غادر مصر عام 1945 إلى فرنسا ولم يعد إليها ربما " لأن كل الذين أعرفهم ماتوا " حسبما كان يقول ، رحل عن 94 عاما ، قضاها مدافعا عن الوحدة والتفرد والمهمشين والبسطاء.
ورغم أن الكثير من الأجيال الجديدة من الكتاب المصريين لا تعرف من هو ألبير قصيري رغم شهرته العالمية ، وترجمة أعماله الأدبية إلى خمسة عشر لغة ، إلا أنه عاش مخلصا لثقافته العربية ، كان كل أبطال رواياته التي يكتبها بالفرنسية تدور في أحياء مصرية ، وفي مدن مصرية كالقاهرة والإسكندرية ودمياط ، كلها تنحاز للفقراء والمهمشين وتنتصر لهم ، وظل حتى آخر عمره حريصا على امتداده المصري وعدم سعيه للحصول على الجنسية الفرنسية ، رغم أنه كان يصنف على اعتبار أنه كاتب فرانكفوني ، ورغم هذا لم يعرفه الشارع المصري إلا من خلال إحدى رواياته " شحاذون ونبلاء "التي حولتها المخرجة المصرية أسماء البكري إلى
فيلم لم يلق الكثير من النجاح .
ينتمي ألبير قصيري إلى عائلة غنية تملك العديد من "الأطيان الزراعية " حسب التعبير المصري ، وبسبب هذا الغنى لم يعمل ألبير جل عمره ، كان يمجد الكسل وحوله إلى فلسفة عمره ، كان يرى أن الكسل فرصة للتأمل ، يشبه في هذا أبطال روايته الشهيرة " كسالى الوادي الخصيب "، ويقول في حوار أجرته معه مجلة لو ماجازين ليترير الفرنسية " في فرنسا أحس أنني أكثر ثراء بكثير من الآخرين بما أنني احتفظت بهذا النمط الشرقي في تصور الوجود بلا عمل " ، لكن والديه لم يكونا مثقفين ، والده لم يكن يقرأ سوى الجرائد ، أما أمه التي كانت تجيد أمور الطبخ فلم تكن تعرف القراءة ، كان يقرأ لها ما يكتب في الأفلام الصامتة ، يعلق على هذا ألبير بقوله " أبواي لم يربياني لهذا السبب أنا ذكي " ، تلقى ألبير دروسه في مدارس دينية مسيحية قبل أن ينتقل إلي مدرسة الجيزويت الفرنسية ، ويقول " لقد صرت كاتبا بفضل هذا : لأنني تعلمت الفرنسية ، منذ وقت طويل وأنا أفضل موليير علي شكسبير " ، لم يقرأ كتب الأطفال حين كان صغيرا ، دلف مباشرة المؤلفات الكلاسيكية، وبدأ الكتابة في سن العاشرة، وفي السابعة عشر بدأ نشر قصصه في بعض المجلات القاهرية .
لم يغادر ألبير قصيري القاهرة لكى يهجر مصر ، ولكن لأن الأدباء الذين كان يحبهم كانوا يعيشون فيها . ففرنسا بالنسبة له هي ستاندال، سيلين، مالرو، وأيضا لويس جويو، جان جينييه، جوليان جراك ،وفي فرنسا بدأ كتابة رواياته السبع ومجموعته القصصية الوحيدة ، كل عقد يكتب رواية ،في فرنسا تعرّف الى ألبير كامي وجان بول سارتر ولورانس داريل وهنري ميلر وهؤلاء أصبحوا أصدقاء له ورفاقاً في جلسات المقاهي. وقد ساعده ألبير كامي في طبع مجموعته القصصية الأولى " الرجال الذين نسيهم الرب " في باريس التي كان نشرها في صحف فرنسية في مصر منذ سنة 1931، و نالت هذه المجموعة إعجاب هنري ميلر، فنشرها في أمريكا باللغة الإنجليزية وكتب لها مقدمة ، قبل أن تبدأ شهرته وارتباطه بالثقافة الفرنسية لدرجة أن الكاتب إيف سيمون يصفه بأنه " ذاكرة حية للأدب الفرنسي " رغم أنه يصرّ دوماً على وصف نفسه بـ " الكاتب المصري الذي يكتب بالفرنسية" على رغم الموقع الذي يحتله داخل الأدب الفرنسي ، و تصدر رواياته القليلة واجهات المكتبات في فرنسا
يشبه ألبير قصيري أبطال رواياته ، في خفة الدم ، في التسلح بحب الحياة ، في الانحياز للفقراء والمهمشين الشحاذون والعاهرات وكناسي الشوارع الذين رصدتهم عينه طفلا في مصر ، والذين كان يصفهم بأنهم أشخاص متسامحون حيال مصاعب الحياة ، فشكوى الإنسان حقارة إذا كان لا يزال على قيد الحياة ، أول أعماله هي المجموعة القصصية " الرجال الذين نسيهم الرب " أما أولى رواياته فهي " منزل الموت الأكيد " نشرت عام 1942 أما آخرها فهي " ألوان النذالة " ومن اعماله التي صدرت في فرنسا عن دار جويل لوسفيلد للنشر " شحاذون ونبلاء " و "مؤامرة مهرجين" و" العنف والوهم" و" كسالى الوادي الخصب" ، وقد نال ألبير قصيري عددا من الجوائز منها" جائزة المتوسط" سنة 2000 وجائزة اوديبرتي سنة 1995 وجائزة الفرنكوفونية الكبرى سنة 1990 .
كان له جدول حياة يمضي به يومه يعرفه أصدقاؤه المقربون ، سهل عليه هذا أنه قضى حياته عازباً عدا زواج قصير الأمد من ممثلة مسرحية فرنسية ، حتى أنه حين كان يسأل عن معنى السعادة كان يقول " أن أكون بمفردي " ، يستيقظ في الظهيرة ، لأنه طوال حياته لم يذهب إلي الفراش قبل الثانية أو الثالثة صباحا ، كان يغادر الفندق نحو الثانية بعد الظهر، يتناول طعام الغداء في الجوار، ثمّ يتمشّى وعند المساء، حين يكون مدعواً، يغادر الفندق مجدداً عند الثامنة. ثم يذهب لتناول العشاء قرب الفندق عند العاشرة ، كان يفضل القراءة في حديقة اللوكسمبور أو في ساحة سان سوبليس. غير هذا يخرج إلي شرفة احد المقاهي حتى يستطيع مراقبة مرور العابرين ، يقضي القسط الأكبر من وقته في المقهي، وحيدا، في قراءة الصحف، أو مقابلة أصدقائه ومريديه ، حين يكتب ، يفضل أن يفعل ذلك في غرفته البسيطة بالفندق ، بقلم ماركة بيك ، وحين توفى قالت إدارة الفندق أنه قبل ايام فقط من وفاته كان هذا الرجل المدهش ما زال يقوم بجولته المعتادة بين مقهيي كافيه دو فلور وليه دو ماغو .
ألبير قصيري الذي كان لا يكف عن إلقاء النكات كان قد توقف في أيامه الأخيرة عن الكلام بعد إصابته بسرطان في الحلق سنة 1998حرمه من حباله الصوتية وأفقده القدرة على النطق ما جعله يرد كتابة على اسئلة الصحافيين
ربما يبدو السؤال البديهي ، لماذا عاش ألبير قصيري ستون عاما في فندق ، لماذا لم يسكن شقة في أحد أحياء باريس ، الإجابة لأنه يكره التملك ، لأنه يرى أن " الملكية هي التي تجعل منك عبدا ، لهذا المبرر عشت، دائما، في الفندق، حيث حتي الأثاث لا يعود إلي " فعندما كان شابا لم يكن ، يسعي أبدا إلي كسب النقود ، كان يسعى للعثور على بعضها حتى يتمكن من العيش ليس أكثر ، ولو بالاقتراض من والديه أو أصدقائه ، وبعد ذلك عاش من عائدات كتبه ، بالإضافة إلى بعض السيناريوهات التي كتبها ، يصنف ألبير نفسه أنه سعيد لأنه يعيش ، بلا بطاقة بنكية، ولا دفتر شيكات، منفصلا عما يصنع سعادة الحمقي حسب تعبيره ، " كان يخاف أن يكسب الكثير من المال أو أن يصبح ثريا ، وكان يردد دائما أن الكلمة التي يكرهها هي كلمة " اكسب " ، حتى غرفته بالفندق ، لم يملك شيئا فيها غير ملابسه فقد كان يرى أنه ليس بحاجة الى سيارة جميلة ليثبت وجوده على الأرض .
ألبير قصيري الذي اجرى عددا قليلا من اللقاءات الصحفية والتليفزيونية في حياته لأنه كان يكره ذلك حين وجهت له مجلة لير الفرنسية سؤالا " اذا قابلت الله بعد موتك ماذا تحب أن تقول له " كانت إجابته " سأقول له إني فخور بك ".
ـــــــــــــــــــــــــــــ

هناك 6 تعليقات:

Unknown يقول...

كنت دايما بستغرب من وصف هنرى ميللر

لية بانة اقدر الادباء على وصف فئة الشحاتين والبياعين

رغم رحيلة عن القاهرة من زمان الا انة كان قادر لسة يوصفها

البقاء لله

غير معرف يقول...

.
FREE Kareem! God Bless you Kareem, you are a hero for freedom. Millions of people are with you in spirit.
You are not alone. Many people are working to get you out. You will get out. Someday there will be a movie about your story. Please stay safe. We love you!
.
absurd thought -
God of the Universe says
outlaw most bloggers

license all the rest
monitor their writing

.
absurd thought -
God of the Universe says
surrender to jihad

sell out your great grandchildren
so theirs live Taliban life

.
absurd thought -
God of the Universe says
don't tell the truth

evil men will jail you
kill you to protect their lies

.
absurd thought -
God of the Universe says
don't destroy the new Nazis

exterminate their death cult
expose sick evil prophets

.
Campaign To FREE Kareem!
.
Mubarak Fears Islamist Nazis in Arabic
.
Hard To Swallow Blog in Arabic
.
Philosophy of Liberty Cartoon
.
Help Halt Terrorism Today!
.
USpace

:)
.

محمد أبو زيد يقول...

واحد مش فاهم حاجة

رغم إنه عاش 60 سنة في فرنسا إلا إنه كان يصر على أنه كاتب مصري يكتب بالفرنسية ، وظلت كتابته كلها عن مصر
رحمه الله

•√أريـ السمر ـج√• يقول...

ذكريات الطفولة لها أكبر أثر في الانسان خاصة الكتاب

فى الحقيقة اول مرة اسمع عنه و ان شاء الله أجد كتبه مترجمة للعربية و أستطيع قراءتها
البقاء لله

صفية الجفري يقول...

هذه أول مرة أزور مدونتك .. اعجبتني طريقة كتابتك للمقالة .. سلسة ومشوقة .. شكررالك

صفية الجفري يقول...
أزال المؤلف هذا التعليق.