15‏/05‏/2012

كيف تصنع "فزاعة سياسية" في 24 ساعة؟

مع اقتراب الانتخابات الرئاسية، يقترب الحلم الجميل الذي عاشه الإسلاميون، في الفترة الانتقالية، من نهايته، ويبدو حلم الخلافة الذي لاح لهم دانيا ذات يوم يستعد للقطف، بعيدا جدا.
فالمسرح الذي يتم تجهيزه لاستقبال الرئيس القادم، الذي لن يرفض بحال من الأحوال إرضاء العسكر، يسبقه مسرح آخر، وهو الخلاص من السلفيين، وذلك عن  طريق صنع فزاعة سياسية  منهم، تبينهم على أنهم أعداء الوطن، وذيول بن لادن في المنطقة، والمتسببين في كل الأحداث التي شهدتها مصر.
لم يكن ظهور الشيخ محمد الظواهري، شقيق زعيم تنظيم القاعدة في ميدان العباسية، وهو محاط بملثمين، يرفعون رايات سوداء، ويهتفون "صور صور يا أوباما كلنا هنا أسامة"، لم يكن هذا إلا بداية صناعة الفزاعة، حيث خرجت في اليوم التالي الصحف، تصور مصر وكأنها بيت تنظيم القاعدة السري، وكأن التفجيرات يسمعها المصريون في الطرقات قبل وجبات الطعام الثلاث، مع أن أحدا لم يسأل نفسه، وهل من يقوم بالعمل السري، الجهاد ضد النظام، سوف يفضح نفسه بهذا الشكل.
الفزاعة جرى صناعتها في الأيام التالية على هيئة أخبار صغيرة، لكنها تثير رعب وتساؤل المواطن العادي، فيحكي أحد الأخبار عن سائق التاكسي، الغلبان،الذي قام بالتبليغ عن رجل ملتحي يرتدي جلبابا أبيض، ويضع كيسا به قنبلتين بجوار مسجد النور، هذا الخبر الذي يبدو ببساطة شديدة لقارئه أنه صنيعة أمن الدولة، لم يكن إلا جزءا من مخطط مقصود لتشويه التيار الإسلامي.
خبر آخر، نقلته إحدى الصحف، أن جهاز الأمن الوطنى بدأ الاستعانة بعدد من ضباط أمن الدولة المنحل، والمختصين بمتابعة ملف التيار الدينى قبل ثورة 25 يناير، لدراسة عناصر الجماعات الدينية المختلفة من المنتمين لتنظيم القاعدة، والتى دخلت البلاد عقب الثورة، وظهرت خلال اعتصام العباسية، خاصة أن كاميرات المراقبة التقطت صورا لعدد من الملثمين، ممن تثور شكوك فى كونهم ينتمون إلى مصر، وبعد أن رصد الجهاز عددا كبيرا من العناصر المنتمية لجماعات لها علاقة وثيقة بتنظيم القاعدة فى باكستان وأفغانستان واليمن وفلسطين، ودخلت البلاد عبر الأنفاق مع غزة، وقوافل التهريب القادمة من السودان وليبيا، واندمجت مع الخلايا النائمة فى مصر، وبثت فى شرايينها النشاط من جديد، ومارست عملها فى سيناء، بالتنسيق مع جماعة جندالله الفلسطينية، ثم دفعت بعدد كبير من عناصرها إلى القاهرة وظهرت فى اعتصام العباسية ملثمة.
الخبر، المكتوب بصياغة أمنية واضحة، يقول أن ضباط أمن الدولة السابقين قرروا الاستعانة بالأرشيف الإلكترونى المتحفظ عليه لدى جهات أمنية سيادية لمطابقتها مع صور العناصر الملثمة التى ظهرت فى أحداث العباسية، ورصد تحركاتها داخل البلاد، وبغض النظر عن أن مصدر أمني نفى بعد ذلك الاستعانة بضباط سابقين، إلا أن المضحك في الأمر، هو كيف تتم مطابقة وجوه الملثمين، خاصة وأنهم "ملثمين".
الأخبار الثلاثة الماضية، ليست إلا  بعض أخبار، بدأت تتسرب إلى الصحف، تنشر أحيانا في صدر الصفحات الأولى، وأحيانا في طرفها، وتتبعها عشرات المقالات المحللة والمحذرة، والتي تكشف عن اتجاه لصناعة فزاعة جديدة، ربما تبدأ بالجهاديين، مرورا بالسلفيين، ثم الإخوان، وقد تطال بعد ذلك بقية التيارات السياسية، لكي يبقى تيار سياسي واحد يسبح بحمد الرئيس.
الأخبار السابقة، قرأنا مثلها في أواخر عصر السادات، وفي التسعينيات من عصر مبارك، وكانت كلها تنتهي بالقبض على أعضاء التيار الإسلامي ووضعهم في السجون، أو إجبارهم على التحول إلى العمل السري.
لسنا في حاجة لصناعة فزاعة جديدة، ففي مصر الجديدة، نحن نحتاج إلى كل الأفكار جنبا إلى جنب، نختلف في الأيديولوجيات، لكن في النهاية فإبعاد أي طرف هو وأد لأحد الأطراف الفاعلة التي تصنع حراكا مهما، ومطلوبا.
أمام الرئيس القادم أحد الطريقين، وهو إما دمج التيارات الإسلامية في العمل السياسي، وإجبارها على التعامل مع المحيط السياسي، والتجربة اثبتت أن السلفيين، ممثلين في حزب النور، يتعلمون من أخطائهم بسرعة، ويتطورون سياسيا، وبالتالي تكون كل أفكارهم، وتمويلهم وخططهم متاحة أمام الجميع، وتحت رقابة دولة القانون، والطريق الثاني، هو أن تتم محاصرتهم، وتحويلهم إلى فزاعة، وهو ما عني أنه سيتم إجبارهم على العودة إلى العمل السري، والعمل تحت الأرض مرة أخرى، وهو ما سيؤدي إلى كوارث لا تحمد عقباها.

ليست هناك تعليقات: