07‏/05‏/2012

مدهامتان‏..‏الخضرة القاتمة من شدة الري


بقلم: بهاء جاهين
أرص الصور بجوار بعضها فتكتمل الحياة‏.‏ دقات قلب المرء قائلة له‏:‏ أنا وحدي في الفريزر‏.‏ السعادة الحقيقية تجدونها في هذه القصيدة‏..‏هذه عناوين ثلاث قصائد في الديوان الرابع لشاعر بديع ــ في رأيي ــ غير مسموع بما يكفي, شاب يرتدي عمامة أزهرية, وتحتها رأس عامر بما لذ وطاب من ثقافة واسعة متعددة المنابع, وأولها بالطبع الثقافة العربية الكلاسيكية.
الاسم: محمد أبوزيد. الديوان: مدهامتان. وهي لفظة قرآنية أورد شرح معانيها من تفسير القرطبي, وأحد هذه المعاني: عميقتا الخضرة إلي درجة السواد من شدة الري, وهذا الشعر كذلك: عميق وقاتم وريان, اجتمع الشرق والغرب والموهبة علي ريه فأترعنه.
من أول كلمة يبدو مدي تأثر الشاعر بالتراث العربي الإسلامي. لكنك إذا تأملت عناوين القصائد التي أوردناها في البداية, للمست ثورة الشاعر علي تراثه وعلي كل ما هو كلاسيكي, فهو شاعر يمكن وصفه أحيانا بأنه سيريالي. ولكن لأنه شاعر كبير فهو يستعصي علي التعليب, إلا أنه من المؤكد أنه حداثي, بأوسع معاني الكلمة, فهو ليس مدرسيا في شعره, أيا كانت المدرسة, بل يخرج عن التقاليد والأعراف والمطروق في الفن طوال الوقت, فإذا كتب قصيدة خوارجية بالمعني الفني, لا يلبث أن يخرج عليها في القصيدة التالية.
لن أزيد, حتي أفسح أكبر حيز لهذا الصوت الأصيل المتفرد, المدهش في لغته وصوره, والمبدع في كل تفصيلة, حتي التذييلات(footnotes) يكتبها بإبداع!
تذييل: في القصائد الطويلة اضطررت إلي بعض المونتاج واستعضت عن السطور التي استبعدتها اضطرارا بسطر واحد من النقاط(.....................)

مختارات من الديوان
من باب ذهب محمد إلي الحقل
> ما لا أريد قوله
لم أولد وفي فمي ملعقة من ذهب
أو صفيح
لم أولد وفي فمي ملعقة من الأصل
لأنني بلا فم يا إخوتي
وما تسمعونه الآن
ليس إلا همهمات الأشجار المختبئة
من البرد والمطر
ليس إلا صراخ الظلام في حنجرتي
ليس إلا هرير القطة النائمة تحت قدمي
منذ واحد وثلاثين عاما.

مقتطفات من قصيدة أنا خائف يا أليس
1
اليوم فقدت الأخضر
وبالأمس الأزرق
لم تعد هناك سماء, ولا حقل ذرة
لا يرقات, ولا غابات أمازون
الأحمر يستلونه مني
ولا أقوي علي الذود
2
أضع يدي فوق جبهتي
وأنظر من أعلي لعمر الذي ترك يدي
وهرول بعيدا
أبحث عن ولد كان يسير هنا أمامي..
4
كل يوم
أستيقظ مبكرا لأكتب قصيدة
أمزقها في المساء.
ذات يوم,
بعد أن أنهيت أعمالي الكاملة
قررت ألا أستيقظ.
في الحلم
كانت لفائف الورق
تمشط ذراعي
بقلادة من نار
5
الآن..
وأنا أقترب من نهاية العمر
تتكاثر النظارات بلا جدوي
تتجمع في حجري كبيض فاسد محطم
تغدو الحياة مثل الذكريات
بلا ألوان تقريبا
..................
من باب: القصيدة الأخيرة

من يدل الكفيف مرة أخري علي الطريق يارب؟
هذه قصيدتي الأخيرة
بعد آخر حرف فيها سأعتزل
لم أعد أرغب في كتابة الشعر
....................
وأنتم تقرأون هذه القصيدة
سأكون ممتطيا حماري
وأنا أتناول الجبن والخبز
إلي البلاد التي بلا اسم
حين تكتب الصحف في صدر صفحتها الثالثة:
نحن ننفرد بنشر القصيدة الأخيرة لمحمد أبوزيد
وتعلن قناة الجزيرة:
عاجل: معلومات مؤكدة عن امتطاء محمد أبوزيد حماره,
وتوجهه إلي جهة غير معلومة
سأكون هناك
أتأمل الفضاء
أحني لحيتي
وأضحك
يكفيني كهف في جبل
تكفيني مزقة لبن
يكفيني بكاء أغنامي علي
تكفيني الوحدة
آآآآه
الوحدة التي تتحول إلي قصيدة مؤلمة لا تنتهي
....
الكتاب صادر عن دار شرقيات, وهو حقا من الشرقيات التي نهلت من الغرب حتي ارتوت, وكاتبه شاعر عليم بفن المعمار. تأمل قصيدته الأخيرة, واعلم أن عنوان الباب الذي يسبقها يحفر قبره ويغني, وأن القصيدة الثانية تبدأ بهذا السطر: لم أولد وفي فمي ملعقة من الذهب.
ــــــــــــــــــ

ليست هناك تعليقات: