15‏/04‏/2014

لو كان حياً؟

ماذا كان سيفعل أمل دنقل لو كان حياً إلى الآن؟ سيكون في طليعة الزاحفين إلى ميدان التحرير يوم 25 يناير 2011، وربما يكتب كعكة حجرية ثانية،  سيدخل السجن مرتين، مرة في عصر مبارك ومرة في عصر الإخوان، سينضم لحركة كفاية وينتقد تخبط جبهة الإنقاذ، وينضم لحركة تمرد، سينشئ حساباً على تويتر، ويكتب قصائد هايكو يغرد بها لمتابعيه، كان يمكن أن تلقاه في أي من مقاهي وسط البلد إذا مرت قدمك من أمام الندوة الثقافية أو سوق الحميدية أو زهرة البستان، لكنه سيهجر "ريش" لأنها لم تعد كما كانت، وربما كان سيرفض التعاقد من "الشروق"، مفضلاً أن يطبع كتبه طبعات شعبية مع دار نشر شابة.
لو كان أمل دنقل حياً الآن، لكان في طليعة شعراء قصيدة النثر. لماذا؟ لأن أمل دنقل شاعر ثائر بطبعه، لا أقصد بالثورة هنا قصائده السياسية التي حبسته أجيال السبعينيات فيها، لكن أقصد بذلك الثورة على جماليات الشعر، على شكل القصيدة، على التعاطي مع التراث، ومع التفاصيل البسيطة في دواوينه، هذه الثورة الموجودة في تكوينه الفكري هي التي ستجعله يثور على شكل القصيدة التقليدي (التفعيلة) وينحاز لقصيدة النثر.
أرفض حبس أمل دنقل في قصائد"لا تصالح" و"الكعكة الحجرية" و"البكاء بين يدي زرقاء اليمامة"، والتي لا يذكر البعض اسمه إلا مقترناً به، بالنسبة لي فهذه النصوص لا تعبر عن شاعرية أمل دنقل، وإن كنت لا أقلل منها، لكني أرى أنه من الظلم أن يظل طوال الوقت محبوساً في بوتقة الشاعر القومي العروبي، فبإعادة قراءة تجربته الشعرية، ولا سيما ديوانه الأخير "أوراق الغرفة 8"، نجد أن تجاوز ما يمكن تسميته بشعرية الستينيات والسبعينيات إلى براح السرد، والتعامل بجمالية فائقة مع ما تبقى من القافية في قصيدته، وإعادة قراءة التراث الشعري والنثري والديني وتقديمه شعرياً بشكل مختلف، ومبهر، واهتمامه بشعرية التفاصيل الصغيرة.

لا نغادر الحقيقة إذا قلنا أن بذور قصيدة النثر، باعتبارها شكلاً متطوراً لقصيدة التفعيلة، كانت موجودة في قصيدة أمل دنقل، وهو بهذا فقط سبق شعراء قصيدة النثر والتفعيلة معاً، والدليل أنه حاضر بقوة في وجدان من يكتب النوعين حتى الآن، كعلامة بارزة على تغير نوعي ومؤثر في شكل القصيدة العربية.

ليست هناك تعليقات: