06‏/10‏/2019

Midsommar.. احذر الورد


 محمد أبو زيد

على الرغم من أن  معظم المشاهد التي قدمها المخرج الأمريكي آري أستر في فيلمه الجديد Midsommar، من الممكن أن تكون لفيلم استعراضي مرح راقص، فنحن طوال الوقت أمام طبيعة خضراء بكر، وفتيات في ملابس بيضاء يضحكن ويرقصن، وأخريات وينثرن الزهور، مع هياكل مختلفة لشمس صفراء مشرقة وطقوس شعبية تبدو مبهجة أحياناً، إلا أن ما نراه طوال الوقت لا يبعث إلا على الانزعاج القلق والتوتر، لا سيما مع الموسيقى التي وضعها The Haxan Cloak.
ويبدأ هذا الانقلاب في التلقي،  مع أحد المشاهد/ الرموز التي يحفل بها الفيلم، إذ نراه بشكل واضح في بداية رحلة داني (فلورنس بوغ) إلى السويد، وبينما السيارة تسير وسط المروج الخضراء، تنقلب الصورة بنسبة 180 درجة، كأنها تشير لنا إلى أن ما نراه ليس بهذا الجمال، وأن خلف هذه المروج يوجد الكثير من الرعب.
تبدأ قصة الفيلم مع داني التي فقدات والديها وشقيقتها في حادث مفاجئ وغريب، ويبدو صديقها كريستيان (جاك رينور) غير مهتم بها بالشكل الكافي، في حين أنها لا تمانع في أن تقدم الكثير من التنازلات كي يظل معها في ظل ظروفها النفسية الصعبة، وعندما يعلن عن أنه سيسافر لمدة شهر إلى السويد لزيارة أحد المهرجانات الشعبية التي تقيمها إحدى القرى التي ينتمهي إليها صديقه بيل (فيلهلم بلومجرن) ويعقد كل تسعين عاماً، تقرر أن تصحبهم في محاولة للخروج من حالة الحزن التي تسيطر عليها والتقرب أكثر من كريستيان، إلا أنهم ما إن يصلوا القرية حتى تبدأ الأشياء الغريبة في الحدوث، وأقول الغريبة، وليست المرعبة، لأن الفيلم ليس مرعباً، بقدر ما هو غريب وغامض ومؤذ نفسياً، بداية من المشاهد التي تمتلئ بالورود والرقص حتى مشاهد العري التي تقام كطقوس لإقامة علاقة بين كريستيان وماجا الفتاة الصهباء، وأيضاً مشهد البكاء التضامني من فتيات القرية مع داني يبدو مثيراً للقلق والتوتر أكثر منه مثيراً للشفقة.
يبدو هذا مشابهاً أيضاً لفيلم آري أستر السابق "وراثي"، الذي اعتمد على إثارة قلق المشاهد أكثر من إرعابه، لكن ليس هذا هو وجه التشابه الوحيد، فنحن أمام رموز يذخر بها الفيلمان تتكشف أمامنا طوال الوقت، كما أن كليهما يستندان إلى فكرة الطائفة التي تعتمد على إقامة طقوس وثنية للتضحية.
تبدأ أحداث الفيلم في التصاعد مع وصول داني وكريستيان إلى القرية، وبدء تدخينها المخدر، لتبدأ الهلوسة، وتشعر داني أن الحشائش تخترق قدميها، وهو المشهد الذي يتطور بعد ذلك في المشاهد الأخيرة مع استمرار الهلوسة لترى قدمها وقد تحولت بالكامل إلى عشب كامل في إشارة إلى استسلامها للهلوسة وسحر الطائفة.
يحيل اسم الفيلم إلى مهرجان صيفي يقام في عدد من دول العالم للاحتفال بالصيف، لكنه هنا يحيل إلى الفكرة الأساسية للفيلم، وهي تقسيم عمر الإنسان إلى أربعة فصول مثل فصول السنة، (من السنة الأولى إلى 18 الربيع، ومن 18 إلى 36 الربيع، ومن36 إلى 52 الخريف، ومن 52 إلى 70 الشتاء وهي نهاية العمر)، ومن هنا جاء اسم الفيلم "منتصف الصيف"، حيث أن عمر داني هو منتصف فصل الصيف بحسب هذا التقسيم (25 عاماً)، غير أن هذا التقسيم يحيل أيضاً إلى فكرة أخرى طرحها الفيلم، وهي أن الموت يمنح الحياة، ولهذا يحدث تبادل الحيوات، فينتحر العجوزان لمينحا طفلين وليدين أعمارهما وحياتهما، وهو ما ينطبق أيضاً على كريستيان الذي منح طفلاً للفتاة الصهباء ماجا ثم تمت التضحية به بعد ذلك.
يحفل الفيلم بعشرات الرموز مثل تلك المرسومة في كل جدار بالقرية السويدية، أو حتى في اللوحات المعلقة في حجرتي داني وكريستيان في غرفتيهما في أمريكا (مثل لوحة الدب والطفلة التي ترتدي تاجاً)، وهو المشهد الذي رأيناه في نهاية الفيلم.
وعلى الرغم من كثرة أفلام الرعب التي تتحدث عن الطوائف التي تقوم بطقوس غريبة، على غرار فيلمي "ماندي"، و"ويكر مان" الذين قام ببطولتهما نيكولاس كيدج، و"أطفال الذرة"، إلا أن ما يميز هذا الفيلم أن المخرج لا يقدم مشاهده من منظور فيلم رعب، بل إن مشاهد المهرجان بما يصاحبها من أزياء بيضاء وتيجان من الورود ورقص وغناء قد تبدو مبهجة أحياناً، كما أن الأشخاص الذين يقومون بالطقوس، بما فيها طقوس القتل والحرق، يفعلون ذلك بحب وبهجة، وهو ربما ما يسبب شعوراً الغرابة لدى المشاهد ويضع الفيلم في تصنيف "الرعب النفسي".
على الرغم من هذه الحالة من "الرعب"، يقدم آري أستر فيلماً مبهراً بصرياً، من الألوان والإضاءة ومساحات الفراغ والتشكيلات الهندسية الموجودة في كل مشاهد الفيلم تقريباً، بالإضافة إلى مشاهد طويلة وصامتة مقطوعة بحدة.
هناك عدة تفسيرات يمكن أن تقدم للفيلم، مثل أن هذه الطائفة متورطة في قتل والدي داني ليدفعانها للسفر إلى السويد، وأن الفيلم يناقش فكرة العلاقات العاطفية، وتأثير الخيانة والإهمال على قراراتننا، وهو ما استغلته الطائفة في مؤامرتها لإفساد علاقة كريستيان بداني ما دفعها في النهاية لتصدر حكمها عليه، لكن في كل الأحوال فالفيلم محتاج إلى أكثر من مشاهدة، وأكثر من أن يتم النظر إليه باعتباره مجرد فيلم رعب.
فيلم كهذا لا يأتي بنهاية متوقعة، حتى مصائر أبطاله تبدو غير عادلة لا سيما كريستيان، فالنهاية قادمة من روائح وأطعمة ومشروبات الهلوسة التي يتناولها داني وكريستيان طوال الوقت، ليغرقا في هلوستهما، بينما تبدو الأمور بالنسبة للمشاهد شديدة الوضوح والصفاء.
نحن أمام نهاية مفتوحة تترك الكثير من القلق والتوتر في نفس المشاهد مع شاشة النهاية السوداء، تاركة إياه يفكر بجدية في أن الرعب الأكبر في هذا العالم ليس الأشياء الخارقة للطبيعة والزومبي، ولا الكائنات القادمة من كوكب آخر، والحشرات والدمى والأرواح الشريرة، بل الإنسان نفسه.

ليست هناك تعليقات: