16‏/06‏/2006

الجهاد في سبيل الكرسي



عندما أعلن مهاتير محمد رئيس الحكومة الماليزية السابق منذ قرابة العام والنصف أنه اكتفى من الحكم ، وأن 22 عاما ظل فيها فوق المقعد أكثر مما ينبغي ، عندما قرر التنحي وترك المقعد على الرغم من أنه أشرف على قيادة بلاده في مسيرة نهضة تنموية واقتصادية وسياسية وثقافية غير مسبوقة في جنوب شرقي أسيا والعالم الإسلامي خلال السنوات المائة الأخيرة ، بدا مهاتير محمد بالنسبة للسادة الحكام الرؤساء والملوك والأمراء والسلاطين العرب ، واحدا من المستحيلات الأربع ، بجوار العنقاء والرخ والخل الوفي ، خاصة وأن الوصول إلى الكرسي ليس بالأمر السهل بالنسبة لهم ، حتى يفرط فيه هكذا ، فالمقعد بالنسبة لهم لن يحول بينه وبينهم إلا هازم اللذات ومفرق الجماعات ، وأحيانا أبناءهم حينما ينقلبون عليهم ، ويمكن هنا أن نذكر هذه الحكاية : سأل أحد الصحفيين المفكر الأميركي امرسن (1803-1883) سؤالا غرائبيا مقصودا: -هل تعتقد بان الفيل يرضى أن يحكم العالم؟ فأجابه بعد لحظات من التفكير: لا، لأن للفيل أخلاقا رفيعة تمنعه من ذلك ، إذن تحول أخلاق الفيل دون الجلوس على كرسي العرش ، هذا الذي نسمع كل يوم عن حكايات التقاتل عليه ، كما أنه ربط بينه وبين الأخلاق ، أخلاق الحاكم ، التي ستحول دون الوصول إليه كما لا يحدث لدينا .
يتجاوز الكرسي في العالم العربي كونه مقعدا بأربعة أقدام ، ليصبح هدفا أسمى للحياة ، رمزا للسلطة والتحكم ، وأصبح الوصول إليه أيا كان نوعه ، هو الطريق الذي يسقط فيه عشرات القتلى والجرحى ، تمتلئ الأرض حوله بعشرات الجثث ، بمخلفات الحرب ، برائحة الجثث المتعفنة ، بألغام تمنع أي شخص من الاقتراب ، وليس مهما هنا هل الكرسي هو كرسي العرش الذي " ينام عليه الحاكم " ، أم كرسي صغير في مصلحة حكومية حقيرة في منطقة نائية ، أم كرسي بجوار بائع شاي في ميدان عام يتدافع المارة للجلوس عليه ، أم كرسي في أتوبيس نقل عام ، والذي قد يمثل الصراع على الكرسي في أوضح صوره .
بعض الحكام يفضلون الكراسي " التيفال " اللاصقة ، والتي لا تخرج من الجسد إلا بالدم ، أو بالروح ، يضعون حولها سور عال ، وسماء صعبة الاختراق ، بعد سنوات طويلة من الجهاد في سبيل الكرسي والوصول إليه ، يستريح القائد المناضل ، تمر عليه السنوات ، التي يكون خلالها قد نسي الحياة خارج الكرسي ، معظم الحكام العرب يفضلون أن يموتوا فوق الكرسي ، الأكثر منهم يموتون وهم يحكمون ، لو اقتربنا من كراسيهم ، سنشم رائحة الموت ، وقد نرى ملك الموت يحمل بقاياهم ، قد نشم رائحتهم ، بعد أن عجز الكرسي عن أن يمنعها من الظهور ، ففاحت حولهم ، لذلك نرى قراراتهم الديكتاتورية تخرج من أفواههم بطريقة أوتوماتيكية .
الجهاد أنواع ، لكن ما يعرفه السادة الحكام العرب نوع واحد ، هو الجهاد في سبيل الكرسي فقط ، ويمكننا ببساطة إذا استعرضنا التاريخ العربي منذ أيام الجاهلية وحتى الآن أن نكتشف – ببساطة أيضا – أن معظم الحروب التي اندلعت –لو استثنينا فترة الفتوحات الإسلامية - ، والانقلابات كانت جهادا في سبيل الكرسي ، في سبيل الديكتاتورية.
يمكننا القول بكل بساطة أن معظم الحكام العرب ، أو الأنظمة الحاكمة العربية ، جاءت إلى كراسيها عبر انقلابات ، وفي أغلب الحيان فهي تنقلب على أنظمة انقلبت على أنظمة قبلها ، وأحيانا تأتي الأنظمة إلى كراسيها بعد ثورات ضد المحتل الغاشم ، لتجلس هي على كرسيه وعلى فمها ابتسامة واسعة ، وأحيانا تكون الأنظمة جمهورية ، لكن لو أعلنت أنها ملكية لكان أفضل ، حتى لو لم يكن الحاكم يملك أن يورث أبناءه لأمور خارجة عن إرادته ، فالكرسي التيفال ، والبطانة الفاسدة تؤمن له جنازة رائعة تليق بفخامته تنطلق من تحت كرسيه ، بفضل النسبة العربية الشهيرة 99.99 في المائة .
لورصدنا الصراعات على الكرسي في العالم العربي فهي كثيرة ، آخر صراع كان ذلك الذي حدث في الكويت بعد رحيل الملك جابر والذي انتهى بتنحي الامير الشيخ سعد العبد الله السالم الصباح وتسمية الشيخ صباح الاحمد رئيس الوزراء اميرا، سبقه بأشهر قليلة الصراع أو الانقلاب الذي حدث في موريتانيا ، حين قرر الرئيس الموريتاني معاوية ولد الطايع السفر للمشاركة في تشييع جثمان العاهل السعودي الراحل الملك فهد بن عبد العزيز ، ليفاجأ أثناء وجوده في السعودية بانقلاب عليه.، لكن الانقلاب عليه ، والصراع على كرسي الحكم في موريتانيا ليس هو الأول فخلال ربع قرن جرى في موريتانيا خمسة عشر انقلابا عسكريا من بينها عشرة انقلابات فاشلة. الانقلاب الأول الناجح في تاريخ البلاد السياسي تم في العاشر من يوليو 1978 ، و خلال 6 سنوات شهدت البلاد ثلاثة انقلابات ناجحة وانقلابا آخر فاشلا، فبعد أن أطاح العقيد المصطفى ولد محمد السالك بنظام حزب الشعب اجبر أعضاء اللجنة العسكرية متزعم أول محاولة انقلابية في تاريخ البلاد على التنحي. استقال ولد السالك قبل أن يكمل سنة في القصر الرئاسي ليخلفه العقيد محمد محمود ولد لولي، الذي اضطر بدوره في انقلاب على انقلاب إلى ترك منصبه لرئيس الوزراء وعضو اللجنة العسكرية محمد خونا ولد هيدالة، قلم أظافره. جاء ولد هيدالة، وهو عقيد في الجيش يتحدر من الشمال إلى القصر ومعه عائلته، حاول خلالها ضباط تساندهم المغرب الإطاحة به، وفشلت المحاولة وأحيل الانقلابيون إلى محكمة عسكرية قضت عليهم بالإعدام و لم يمنع ذلك قائد الجيش الضابط معاوية ولد الطايع من الإطاحة به في انقلاب ابيض تم والرئيس يمثل بلاده في قمة لمنظمة الوحدة الافريقية في بوجوبورا عاصمة جمهورية بوروندي الواقعة في غرب افريقيا .أما أول انقلاب عسكري ، وصراع على الحكم حدث في دولة عربية فكان انقلاب بكر صدقي في العراق عام 1937 الذي أطاح بحكومة الهاشمي المنتخبة على الرغم من بقاء الملك غازي في منصبه.وهناك الانقلاب الذي قاده العقيد حسني الزعيم في سورية في 30 مارس (آذار) 1949. ورغم مضي أكثر من 55 سنة على هذا الانقلاب، فإنه ما زال يلقي بظلاله على الحياة السياسية العربية حيث رسخ لشرعية الانقلابات. ففي عام 1949 حدثت ثلاثة انقلابات عسكرية في سورية وحدها. وتشير الاحصاءات إلى أنه خلال الفترة من عام 1952 وحتى عام 1986 حدث حوالي 34 انقلاباً عسكرياً ناجحاً في العالم العربي، تمثل 23% منها في العالم الثالث، وأن 53% من الانقلابات ـ ناجحة أو فاشلة ـ كانت من نصيب العرب. وفي سورية وحدها وقعت حوالي 50 محاولة انقلابية منها 9 انقلابات ناجحة، وهو ما لم يحدث في أي دولة عربية أخرى.، ومن أشهر انقلابات سورية انقلاب العقيد الزعيم، وانقلاب سامي الحناوة في 14 (آب) 1949 وانقلاب أديب الشيشكلي في 19 يناير (كانون الأول) 1949 والانقلاب ضد الشيشكلي في 25 (شباط) 1949 والانقلاب ضد الوحدة والتي انفصلت فيها سورية عن مصر، وكان ذلك في 28 سبتمبر (أيلول) عام 1961 وانقلاب 28 مارس عام 1962 حيث بدلت حكومة بأخرى وانقلاب 8 مارس حيث جاءت بموجبه حكومة ضمت حزب البعث والناصريين وانقلاب 23 فبراير (شباط) 1966 ومحاولة انقلاب فاشلة من سليم حاطوم 8 سبتمبر 1966. ولو بدأنا من مصر فأول انقلاب كان بقيادة جمال عبد الناصر في 23 يوليو (تموز) 1952 ـ سمي ثورة فيما بعد ـ على الحكم الملكي بقيادة الملك فاروق، أسفر عن تحويل مصر إلى جمهورية برئاسة محمد نجيب . وفي عام 1954 قام عبد الناصر بتنحية محمد نجيب وأصبح هو رئيساً لمصر، ويمكننا أن نذكر قبل هذا أن (فاروق الأول) ملك مصر، غادر كرسي الحكم بعد أن حكم مصر منذ عام 1936م، وتنازل عن العرش بعد الثورة ، بالرغم منه ، لولده الملك أحمد فؤاد ووقع وثيقة التنازل في قصر رأس التين في 26 (يوليو) عام 1952م وغادر إلي إيطاليا علي متن الباخرة (المحروسة) وتوفي هناك عام 1965م ودفن في مسجد الرفاعي بالقاهرة ، أما الملك (احمد فؤاد) الذي حكم مصر بين 26 (يوليو) عام 1953م و18 (يونيو) عام 1953م، فقد تنازل عن عرشه بعد اعلان الجمهورية في التاريخ المذكور أما آخر تنازل عن الحكم فقد كان قرار الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر (بالتنحي) عن منصب رئيس الجمهورية عقب هزيمة يونيو عام 1967م، لكنه عاد إلي منصبه بعد أيا ، وفي و15 مايو 1971 قام السادات بانقلاب سلمي ـ سماه حركة تصحيح ـ أطاح فيها بمن سماهم الحرس القديم التابع لجمال عبد الناصر .
في ليبيا، قام العقيد معمر القذافي في الفاتح من سبتمبر عام 1969 بانقلاب أبيض على الملك محمد ادريس السنوسي، وألغى الملكية والدستور وأعلن الجمهورية، وحكم البلاد مجلس قيادة الثورة بعد أن حل المجالس الاقليمية ، ولا يزال يحكم حتى اليوم ، أما السودان فبعد أن حصل على استقلاله عام 1956 تحت نظام حكم مدني برئاسة اسماعيل الأزهري وعبد الله خليل رئيساً للوزراء، أطاح انقلاب عسكري بكرسي الجنرال ابراهيم عبود وظل الحكم العسكري قائماً حتى أطاحت به سلسلة من الاضرابات والمظاهرات أجبرت عبود على التنازل عن مقعده وتولي الصادق المهدي (حزب الأمة) رئاسة الدولة، ومحمد أحمد المحجوب (حزب الاتحاد) وفي 25/5/1969 أطاح انقلاب عسكري بقيادة جعفر نميري بالحكم المدني وأقام حكماً عسكرياً حتى عام 1985 عندما أطاح به عصيان مدني جعل الجيش بقيادة الجنرال عبد الرحمن سوار الذهب يتدخل ويعزل نميري ويقيم حكماً انتقالياً برئاسته لمدة سنة واحدة. وفي عام 1989 أطاح انقلاب عسكري بقيادة عمر البشير بحكومة الصادق المهدي. وفي 24/9/2004 أعلنت وزارة الداخلية السودانية أنها أحبطت محاولة انقلاب دبرها حسن الترابي ضد الحكومة عقب صلاة الجمعة، وذلك بعد اعلانها أيضاً عن احباط انقلاب آخر للترابي وحزبه المؤتمر الشعبي في 29/4/2001.
في الجزائر جاء فرحات عباس إلى الحكم عام 1962 عبر انقلاب عسكري، ثم جاء أحمد بن بيلا عام 1963 بانقلاب آخر، وفي 19 (حزيران) 1965 تزعم قائد جيش التحرير هواري بومدين انقلاباً عسكرياً أطاح بأحمد بن بيلا ، وفي العراق، قاد عبد الكريم قاسم عام 1958 انقلاباً عسكرياً عجل بسقوط الملكية بعد أن قتل الملك فيصل الثاني وخاله عبد الاله ورئيس الوزراء نوري السعيد ثم أعلنت الجمهورية، لكن حزب البعث في 8 فبراير 1963 قاد انقلاباً على عبد الكريم قاسم، وأصبح عبد السلام عارف الذي لم يكن بعثياً رئيساً للعراق، وفي 17 يوليو 1968 قاد حزب البعث بالتنسيق مع بعض العناصر غير البعثية انقلاباً ناجحاً بقيادة أحمد حسن البكر الذي أصبح رئيساً جديداً للعراق إلا أنه أجبر عام 1979 على الاستقالة ليخلفه صدام حسين. وفي لبنان، وقعت حالات عديدة للانقلابات والعزل بالقوة، أشهرها ضد فؤاد شهاب بقيادة الضابطين شوقي خير الله وفؤاد عوض وبمساندة الحزب السوري القومي الاجتماعي لكنها باءت بالفشل. وفي اليمن عام 1948 قاد عبد الله بن أحمد الوزير، وهو من الأشراف الهاشميين ثورة مسلحة على أسرة الأئمة الزيديين، وتولى الحكم، لكن أسرة الإمام استعادت الحكم بعد فترة لم تتجاوز الأسابيع الثلاثة. وفي عام 1955 استولى على العرش عبد الله بن يحيى شقيق الإمام أحمد ولكنه استعاد العرش بعد خمسة عشر يوماً. وتعرض أحمد لمحاولة اغتيال عام 1961 نجا منها لكنه أصيب إصابات بالغة، توفي على إثرها عام 1962 وخلفه ابنه الإمام محمد البدر الذي لم يمكث في السلطة سوى 8 أيام فقد أطاح به انقلاب عسكري بقيادة عبد الله السلال الذي أعلن الجمهورية والذي عزل بالقوة عام 1967، كما عزل خلفه عبد الرحمن الإيرياني عام 1974. وفي جزر القمر، قاد أحمد عبد الله انقلاباً عسكرياً مدعوماً من فرنسا وجنوب أفريقيا عام 1978 واستولى على الحكم، لكنه اغتيل عام 1989 على يد محمد جوهر الذي بقي على رأس السلطة حتى عام 1995 وهو العام الذي حدث فيه انقلاب أطاح به بقيادة المرتزق الفرنسي بوب رينارد ولم ترض الحكومة الفرنسية عن انقلاب رينارد، فحركت بعض جنودها في أكتوبر عام 1996 وألقت القبض عليه ونظمت انتخابات استطاع تقي عبد الكريم الفوز بها. وفي عام 1999 قاد الكولونيل عثمان غزالي انقلاباً عسكرياً هدف منه إلى اعادة توحيد الجزر الثلاثة. وفي سلطنة عمان عزل السلطان سعيد والده تيمور عام 1932 وظل يحكم حتى عام 1970 عندما عزله ابنه قابوس الذي يحكم عمان حتى اليوم.
يمكننا قبل هذا أن نذكر الاستثناءات الطفيفة ، ففي 17 يوليو الفائت أعلن الرئيس اليمني علي عبد الله صالح عزمه على عدم الترشح للانتخابات الرئاسية المقررة في سبتمبر من العام الجاري ، وقال في كلمة ألقاها أمام حشد من رجال الدولة وقادة الأحزاب والتنظيمات السياسية ورؤساء البعثات الدبلوماسية في اليمن في احتفال في ذكرى مرور 27 على توليه الحكم: لن أترشح في الدورة الانتخابية الرئاسية القادمة المقررة في سبتمبر من العام المقبل ، و" أدعو الأحزاب والتنظيمات السياسية إلى اختيار الكفاءات والشباب من الوطنيين الشرفاء لأن الوطن مليء بالكفاءات من الشرفاء ويحتاج إلى دماء جديدة " ، كما قال في مجال آخر " كرسي الحكم نار لمن لا يشعر بالمسئولية " ، ويبدو على عبد الله صالح استثناء في الآونة الأخيرة فالحكام العرب لا يقومون من أماكنهم إلا بالاحتلال كما حدث في العراق، وما آل إليه مصير صدام حسين أحد أهم أسبابه عشق الكرسي التيفال .
منذ فترة حدث شيء يشبه هما فعله علي عبد الله صالح حينما حدث انقلاب على جعفر نميرى وأُنيطت السلطة بثنائي عسكري ـ مدني هو الفريق أول عبد الرحمن سوار الذهب والجزولي دفع الله. وعندما تعهَّد هذا الثنائي بتسليم الوديعة إلى الأحزاب بعد فترة انتقالية لا تتجاوز السنة الواحدة ورغم غرابة الوعد ، إلا أن الذي حدث مع انتهاء اليوم الأخير من المدة المحددة هو أن سوار الذهب قال لزعماء الأحزاب السودانية " ان الشعب ترك في عهدتي أمانة وها أنا أعيدها اليكم. ، حدث ما يشبه هذا أيضا حين تولى نجيب ميقاتي رئاسة لبنان، و قال انه لن يرشح نفسه للانتخابات ، وبقي اللبنانيون في حال من الترقب إلى حين تم تحديد مواعيد الانتخابات ولم يرشح ميقاتي نفسه . ما يلفت الانتباه في كل ما مضى أن الحكام في العالم العربي يبذلون قصارى جهدهم في الوصول إلى الكرسي الذي يصبح في كثير من البلدان بعد وصولهم رمزا للديكتاتورية والتعفن السياسي و عدم القدرة على إدارة الأمور ن رغم أنهم يصلون إلى هذه الكراسي بعد صراع مرير انقلابا كان او صراعا داخليا أو حربا ضد المحتل ، أو ، وبعد شعارات كبيرة مرفوعة من قبيل " في سبيل الشعب والوطن و تداول السلطة " ، وبمجرد أن يصلوا يتخلوا عن كل هذا ليبدءوا في تثبيت أقدامهم هم ، ما لفت انتباهي خلال بحثي في رحلة الحكام العرب خلال النصف قرن الأخير إلى مقاعدهم ، أنهم يأتون إليها في الأغلب بالقوة ،وبالرغم من إرادة الشعوب في رحلات تضارع رحلات سندباد في بلاد واق الواق رافعين شعار الجهاد في سبيل الكرسي ، وأنهم يرحلون منها أيضا بالقوة عبر انقلابات أبناءهم وتلاميذهم عليهم ، أما الشعوب ، فلها الله
.

هناك تعليق واحد:

قلم جاف يقول...

أخذ من مقالك الطويل الجزء الخاص بمهاتير محمد ..

أحياناً أشعر بأن ثقافة الاستقالة غير موجودة في مجتمعاتنا ، فالمسئول الناجح إن استقال فهو متهم بالتخلف العقلي ، والفاشل إن استقال يتهم بالتمثيل حتى ولو كانت الاستقالة مطلباً شعبياً ، وفي الوقت الذي يطالب فيه الجمهور بإنزال المطرب الفاشل من على المسرح لا نجده يطالب بإنزال المسئول الفاشل من على كرسيه الوثير!

الاستقالة إذن تفهم في بلادنا العجيبة بصفتها نوعاً من أنواع النذالة ، التخلي عن المسئولية ، واهتزاز الشخصية والثقة في الذات ، والمسئول الواثق في نفسه هو من يربط نفسه بالكرسي ، ويظهر نفسه على شاشات التليفزيون وصفحات الجرائد أكثر من المطربين ولاعبي كرة القدم.. ولا يترك كرسيه إلا في حالة الموت أو في حالة رفع الكارت الأحمر له من القيادة السياسية (تذكروا وزير قطار الصعيد إبراهيم الدميري الذي فرض نفسه فرضاً على أنشطة الحزب حتى جاءت الطامة الكبرى التي تصرف معها بحماقة سياسية إلى أن طرد من منصبه)..وما لم يفعل ذلك فالبعيد ليس مسئولاً بقدر ما هو مسطول!