25‏/12‏/2008

سحر الموجي وكتابة ضد القمع

سحر الموجي: الرجل يقمع المرأة بشكل تلقائي ليشعر بوجوده المقموع
إذا لم أكتب نفسي وأعرفها سأفشل في الكتابة عن الآخرين
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تولي الكاتبة سحر الموجي اهتماما خاصا لفكرة الذات، وشطحها واشتباكها مع الآخر والعالم والأشياء، وقد تجلى هذا بمستويات متنوعة في روايتها «دارية» ومجموعتها الاولى «سيدة المنام» ومجموعتها القصصية الجديدة.
وهذا نص الحوار معها:
*هناك بعد صوفي في كتابتك ، كما يلاحظ بعض النقاد، سواء على مستوى السرد أو اللغة، أو وصف أحاسيس أبطالك، وبشكل خاص الى تراث عمر بن الفارض، لماذا؟
ـ لأنه جزء من تركيبتي، ولأنه رؤيتي للحياة، ولأن هذا البعد الصوفي موجود طوال الوقت في حياتنا سواء أحسسنا به أم لا، أدركناه أم لم ندركه. في مجموعتي الجديدة مثلا هناك طيلة الوقت الصراع مع النفس في نفس الوقت الذي تظهر فيه قاعدة الاستغناء وهي ألا تطلب، وهي قاعدة صوفية أصلا، ولها ما يوازيها في الصوفية الاسلامية وان كانت أقرب لتصوراتي عن الحياة، وعن السعادة، التي أرى أنها تكمن في ألا تتوقع ما ستأتيك به الحياة.
* لهذا تطرحين في مجموعتك القصصية الجديدة «فضيلة الاستغناء» بديلا عن الحياة نفسها؟
ـ اعتقد ان الاستغناء تصور حقيقي للسعادة في قاموسي، ان تستطيع أن تصل للحظة نشوة حقيقية صوفية، وأنت وحيد تماما لمجرد أنك تجلس وتنظر الى القمر، وتشعر بتوحد ذاتك معه، بأنكما أصبحتما شخصا واحدا، وليس اثنين، وهذا في حد ذاته بعد روحي للرحلة التي هي الحياة، لأن الحياة في تصوري ليست هي الانجاز على مستوى العمل المادي، بل هي الانجاز على مستوى الروح، أن تشعر وأنت في ذروة الألم، وفي ذروة انشطار قلبك انك ستخرج من هذا الألم، وأنك لن تفقد أبدا ايمانك في الحياة.
* تبدو شخوصك وكأنها مرآة لذات واحدة أو للحظة يتم تفتيتها وكأنك تدورين حول الذات..
ـ يجب أن أعرف نفسي قبل أن أعرف الناس، واذا لم استطع أن اتعرف على نفسي وأدرسها وأكتبها، سأفشل في الكتابة عن الآخرين، أبدا من ذات ثم انطلق الى الآخرين. في روايتي «دارية» كان للمرآة وجهان، وأعتقد أنني وصلت في «آلهة صغيرة» لهذا أيضا الى حد ما، فكتبت عن الجانب الخارجي مثل قصة «ايشارب أزرق» وعن الجزء الداخلي الذي يستكشف معاني الحزن والوجع، ولن نكبر ونفهم إلا من خلال الحزن. ثم أنني في لحظة الكتابة لا أستحضر جزءا معينا مني على حساب جزء آخر، فأنا لا أستحضر الجانب الفلسفي مثلا على حساب الجانب السردي، لكن ما أكتبه في النهاية هو أنا، وأرى ان الكتابة الحقيقية هي التي تفرض نفسها عليك بغض النظر عن تقسيماتها النقدية، بكامل حضورها، وأتفق معك في النقطة الخاصة بأنني أفتت اللحظة بالفعل، في محاولة من الوعي لتركيز هذه اللحظة، وان كان احيانا يصبح هذا التأمل رفاهية.
* ألا تخشي أن يسقطك البعد الفلسفي في الذهنية؟
ـ لا، لأني أكتب احساسي، والمحرك الأساسي لي عند الكتابة ليست الفكرة، بل الاحساس، ولذلك فإني لا أحب الشعر الجديد الذي يعتمد في كتابته على الذهنية، وما يهمني أثناء الكتابة، هو كيف أعطي لاحساسي شكلا يقرأ به، كيف التقطه، كيف ألتقط لحظة لشخص يجري، وأثبته في الهواء، وأكتب أحاسيسه، من فرح، وخوف وترقب وفزع في نفس اللحظة. الكتابة بالنسبة لي دافعها الأساسي وجداني وليس ذهنيا، الذهن يعطيها الشكل فقط، لأن الكتابة الحقيقية، لا تأتي إلا من لحظة وجع حقيقي.
*في روايتك «دارية»، تطرحين فيها اشكالية المتلقي والمبدع ورفض المتلقي اساسا للابداع، ووصف للكتاب بأنهم دراويش، هل هذا هو ما وصل اليه حال الشارع الثقافي في رأيك؟
ـ بطل الرواية ليس هو المتلقي العادي، وبالتالي فنحن لا نستطيع أن نعممه، هو فقط رجل شرقي عنده عقدة ومشاكل وعنده صراعاته مع صورة الزوجة التقليدية والتي لا يستطيع ان يتقبل أنها أكثر من زوجة ولكنه ليس هو المتلقي العادي، وبالتالي لا يمكن ان نأخذ هذا البطل كنموذج للمتلقي، بخاصة في ظل واقع ثقافي اصبحت أشعر بغربة شديدة تفصلني عنه.
*طرحت في الرواية أيضا اشكالية ان الشارع يعتبر كتابة المرأة رفاهية، في رأيك؟ لماذا هذا التصور؟
ـ المرأة كتبت في المائة سنة الأخيرة فقط من عمر الانسانية، ووعينا الجمعي ولا وعينا أيضا ليس داخلا في تركيبته اعتبار المرأة مبدعة، أو منتجة للفن، بالاضافة الى نقطة أخرى، هي ان النقاد يعتبرون كتابة المرأة، سواء صرحوا بهذا أم لم يصرحوا، كتابة متعلقة على الذات، وهي كتابة مفزعة للرجل لأنه يعتبرها كاشفة لاسراره، ولأنها ليست من تركيبته إن المرأة مبدعة، ومن ناحية أخرى، فإن الكتابة صادقة، ولذلك فإن النقاد يسعون الى تحجميها بقولهم إنها كاتبة ذات، ويعتبرونها كلاما فارغا لأنها صادمة لوعيهم الذكوري.
* في أعمالك يبدو الأبطال مثقفين، وربما يطلون من برج عاجي..أين الناس العاديون في أعمالك؟
ـ لا احد يكتب من منطلقاته الخاصة جدا، وأتكلم تحديدا عن جيلي الذي رمي وراء ظهره القضايا العامة الكبرى، ثم لو تناقشنا بهدوء، من هو الشخص العادي، أنا أيضا شخص عادي. وأرى ان سؤالك جاء منطلقا من جيل الستينيات، الذين يرون ان الكتابة هي كتابة القضية، جيل التسعينات، رمى كل هذا وراء ظهره، ولو أن هناك قضية، فإنا القضية الأولى، أن أعيش مغتربة عن ذاتي، أن أعيش مقهورة، أن أعيش منفصلة عن مجتمعي، أليست هذه قضية، تلك هي القضية الكبرى، هم كتبوا عن متطلباتهم، وليس من حقهم ان يحجروا علينا، ويحددوا لنا ماذا نكتب أو لا نكتب، الذات هي القضية الكبرى وفي هذه اللحظة تحديدا.
* لماذا تخلى اذن هذا الجيل عن القضايا الكبرى رغم أهميتها؟
ـ إن ظروفه الاجتماعية والتاريخية مختلفة عن ظروف جيل الستينات الاجتماعية والتاريخية والسياسية الذي نشأ وتشكل وعيه حول قضية الوطن والقومية العربية. أما جيلي فقد تشكل وسط عالم مختلف، في فترة السادات، في فترة الانفتاح، ومعاهدة كامب ديفيد، في تلك اللحظة التاريخية التي تدور حول الاستهلاك والصلح، فخرجنا بلا قضية بالمعنى الستيني، وهذا بالمناسبة ليس سيئا. وقديما كنت أحسد جيل الستينات على قضيتهم هذه، أما الآن فأرتد عن هذا، لكي انظر الى نفسي كإنسان، وليس سيئا ألا يكون عندي قضايا قومية كبرى، ما دمت أملك ذاتا مختلفة.
* يتهم النقاد عادة الروايات التي تتحدث عن قهر الرجل الشرقي للمرأة، بأنها روايات مكتوبة من أجل أن تترجم، بالنسبة لك كيف كان الأمر؟
ـ لا أحب ان اتكلم على لسان غيري، ولكني لو تحدثت عن نفسي، فأنا لست مهتمة بالترجمة، لان أبسط الأشياء هي انه من الممكن أن أترجم لنفسي ولكن الوقت الذي قد أعطيه لهذه الترجمة من الافضل ان أعطيه لكتابة جديدة، وقضية اتهام أي كاتب منطلق انه يكتب ليترجم قضية خطيرة، والاتهام خطير، لان هذا معناه انه لايكتب من أجل الكتابة ذاتها. هذا اتهام في مصداقية الإبداع. نجيب محفوظ كان يكتب لأنه كان مهموما بالكتابة، وليس من أجل أن يترجم، وقد ترجمت أعماله للغات عدة، أما بالنسبة للقهر، فهناك بالفعل قهر، والرجل لايقهر المرأة إلا اذا كان مقهورا، هو يقهر المرأة، لان هناك قوى سياسية واجتماعية واقتصادية أقوى منه تقهره، وفي رواية أهداف سويف ـ خريطة الحب ـ مثلا نجد البطل لايقهر المرأة لأنه حر، وليس مقهورا، يجب ان نناقش أبعاد فكرة القهر، وهل لأننا حين ندخل هذه المنطقة الخطره نتهم بهذا الاتهام السطحي بهذه البساطة، الرجل يمارس القهر بشكل تلقائي لكي يشعر بوجوده في الحياة.
* هل من الممكن أن نبرر هلامية الزمان داخل رواية «دارية» بأن قهر الرجل للمرأة ممتد على مر العصور؟
ـ هذا صحيح، بالاضافة الى ان الزمن في رواية «دارية» زمن داخلي.
*بمعنى؟
ـ بمعنى ان تبادل الأصوات داخل الرواية يؤكد على لا زمنية الحدث بالمعنى العادي، ولكن بوجود زمنين آخرين، وأزمنة غير حقيقية، بمعنى انه حدث نفسي داخلي على مستوى الأحلام، وعلى مستوى تفاعل الحلم مع الواقع، وهذا نوع من أنواع الزمن في النهاية، زمن الحلم، زمن لتفاعل الداخل مع الخارج.
*كتب احد النقاد عن الرواية يقول انه لم يكن للعام أي وجود في الرواية، بل انكفأت شخصية دارية على ذاتها من دون مراعاة القوى الاجتماعية التي حولها، ولذا لم تجد حلا لمشكلتها مارأيك؟
ـ هذا قصور في فهم الرواية، لان دارية وجدت حلا في النهاية، حتى لو كان على مستوى الحلم، بالاضافة الى ان الرواية لها مستويات من القراءة وهناك مستوى خارجي، وهو عادي جدا، وهناك المستوى الداخلي الذي قصدته في الكتابة، الخارجي الذي يوازي الواقع المعاش، والداخلي على مستوى الذات الداخلية، وكل مستوى يسير منفردا، بحيث انه من الممكن ان يتقاطع الحلم مع الواقع في لحظات، أو يتماس في لحظات أخرى، ومن الممكن ألا يحدث هذا أيضا، والذي قرأ الرواية لم يقرأها بالمعنى الداخلي، لان الأحلام نصف الرواية، وقد أنهيتها بها، وما يهمني هو الكتابة الداخلية، هو كتابة الحلم.
* لي تعليق على هذه النقطة، ألا ترين ان صوت الحلم في رواية دارية كان عاليا لدرجة أنه استغرق نصف الرواية؟
ـ أنا قصدت هذا، والحلم ليس كلاما فارغا، بل هو رسالة مقدسة، عليك أن تفك شفرتها وتفهمها وتتعامل معها، فهي توجهك وليس مهما في الرواية الحدث الخارجي، بقدر أهمية الحدث الداخلي على مستوى الروح، لأي انسان يسعى أن يكون انسانا، بغض النظر عن التصنيف الجنسي، وأرى ان المستوى الخارجي للنص رواية مستقلة بذاتها، والمستوى الداخلي ـ الأحلام ـ أيضا رواية مستقلة بذاتها، ومن الممكن ان تقرأهما منفصلتين والمستوى الداخلي هو الحقيقي العميق لمرحلة البطلة، وهي رحلة ليست نمطية، بل هي تسير دائما في اتجاه الاكتمال، أن تصبح واحدا مع آخر، بدليل أن الشخص الذي كانت تقابله دارية في الحلم، قابلته في الواقع، وهذا قد يفسر اللبس.
* لماذا لجأت الى استدعاء التراث الفرعوني في روايتك «دارية» بهذه الكثافة؟
ـ لأن له علاقة بالمستوى النفسي، ولأن هذه الشخصيات الاسطورية الفرعونة جزء من اللاوعي الجمعي للانسان، ولكن هل هذه الشخصيات الداخلية نشطة أم هي في حالة ثبات، مع انه من الممكن ان تحمل اسماء أخرى الى مطلق الحرية، فعلى الرغم من أنني اسميها نفتيس أو عشتار، لكنها في النهاية تبقى داخلي باسطورتها، والذي يتابع التاريخ الاسطوري لهذه الشخصيات يجد ان لايزيس تقاطعات مع عشتار، وأفروديت، وفي النهاية فالحضارات تعيد فرز الاساطير بأسماء مختلفة.

ليست هناك تعليقات: