25‏/12‏/2008

سمية رمضان وكتابة الطبقة الوسطى


سمية رمضان: اكتب لاتحرر من عتمة النفس وتناقضات طبقتي التي تنظر للمراة كحلية في عنق الرجل
لايوجد ابداع بلا رسالة وكل اشكال السرد لدينا موجودة في الف ليلة وليلة.
الحلم بالذاكرة ، هو نفسه الحلم بالكتابة .. فأن تكتب يعني أن تتذكر وتحلم في الوقت نفسه.هذا هو ديدن الكتابة في اعمال الروائية سمية رمضان ، والتي تعري فيها تناقضات طبقتها بقسوة، حتي ان الحب في ظل هذا المناخ يبدو مرادفا للجنون ، بل هو لحظة انغماس في تداعياتها علي شتي المستويات.. حول هذا الهم وهموم ادبية اخري هذا حوار معها.
*" اكتب رغما عن التجربة ورغما عن الواقع ولذا اخاف قول الحقيقة ولكن شيئا ما يجذبني الي القول لا اعرف له وصفا في نهايته اجلس منصاعة واكتب
هكذا تقولين علي لسان احدي بطلاتك هل الكتابة لديك هكذا ايضا؟
-انا متعاطفة مع هذه الجملة التي قالتها كيمي ، والتجربة تقول ان النساء عندما يكتبن ينظر الي كتابتهن علي اساس انها تجارب شخصية محضة وذاتية تماما. ولذلك حين يتطرن الي مواضيع هي بالفعل مطروحة بشكل عام تهم شريحة كبيرة من المجتمع الذي يكتبن له وفيه ينتهي الامر بان يتهمن بافعال واقوال ومعتقدات ورؤي ليست بالضرورة تشبههن. وفي كثير من الكتابات الجديدة تتضافر الضمائر وهذه ظاهرة واضحة وعموما فالكتاب –نساء ورجالا – يستخدمون ضمير الانا للتعبير عن اشياء اوسع واشمل وهذه هي طبيعة الابداع ، ولكن عندما تقدم امراة علي استخدام ضمير الانا في كتابتها تكون كمن يقدم راسه كبش فداء ، ولكن عليها بالرغم من هذا ان تحتمل هذه التضحية والقصد ولا اقصد هنا ولا الشكوي مما يقع علي الكتاب وبالذات البازغين منهم لكن الهدف هو تأكيد فكرة لماذا يتم ذلك ، وبالرغم من كل هذا يكتب بعض الناس ، ويستمرون في الكتابة ويدفعون الثمن.
*في آليات الكتابة في اعمالك تشتيكن في اشكاليات خارج سياق تراث السرد العربي هل هذا مقصود؟
-هو ليس خيارا بل يفرضه عليك ظرفك التاريخي والجغرافي هناك حقبة بعينها ومكان بعينه وجمهور قارئ بعينه ، ومن الطبيعي ان يلعب تراثي الشخصي دورا مهما في انتقائية شكل التعبير ، وانا تراثي ثلاثي ، ايرلندي ، وانجلو أيرلندي وعربي وهذا ادعي للاثراء وفي الواقع كلنا عندنا هذه التركيبات سواء تحدثنا لغات اخري ام لا،لاننا في عالم منفتح علي الاخر ثقافيا لكنه منفتح في دائرة معينة هي دائرة المثقفين والقراء، واللغة تلعب لعبة صغيرة في حالة ما اذا كان التراث الفردي مزدوج اللغة ، والفكر واللغة لاينفصلان وبالتالي فهذا قد ينتج عنه تشوه تام وقد ينتج عنه اكتمالية هارمونية مؤثرة في واقع اللغة التي يكتب بها الانسان فالمسالة في الاساس هي حرب ضروس ، واذا كان الانسان، تربي وفقا لمعطيات ثقافة اجنبية ، وكانت هي في الاصل استعمارية بشكل مؤثر ، فهذا عامل مؤثر . ونحن استعمرنا من قبل الانجليز واثروا فينا سلبا وايجابا ولكن تاثيرهم علي الفرد المبدع خطير ومزعج لان المبدع واختياراته صعبة ويقدم ابداعه بعيدا عن عراك البنادق، فبين هذا وذاك هو يقف في المنقطة الوسطي
واحدهما يتهمه بالجهل وعدم اتخاذ موقف ، والاخر يتهمه بالاستغراب وتبني ثقافة مغايرة هو المبدع في مازق حقيقي اذن.
*هل تعدد الثقافة لديك اذن ، كان سببا في ان طاقة السرد في اعمالك الابداعية تبدو غير مستغلة وغائبة؟
-انا بنت الف ليلة وليلة سواء ابيت ام رضيت هي كونت لي وجداني كما كونت وجداني الحكايات الشعبية المصرية وانا اتيحيت لي قراءة الاعمال الاجنبية وفي لغاتها الاصلية بدون وسائط ، لكن هذا لايمنع اطلاقا ان الف ليلة وليلة لها اثر كبير علي وعلي سائر الكتاب وعلينا ان نتذكر دائما ما قاله ماركيز عنها ، فلا يوجد احد لا يسرد من الف ليلة وليلة ، والنصوص تستثمر وتتطور، لكن اصلها الف ليلة ، حتي اعمال ديزني مثل علاء الدين ، وعودة جعفر وعلي بابا والاربعين حرامي ، والذي حدث هو ليس اني لم استغل تراثي السردي وانما تراثي هو الذي لم يستغل نفسه لاعادة انتاج نفسه لكي يتطور ذاتيا دون اللجوء الي استيراد التطور من الخارج النابع من نفس التراث، والسرد كما نفهمه حلقة داخل حلقة من خلال اطار عام يبدا بامرأة الصندوق وينتهي بشهر زاد بعد ان انجبت، وهذا كان في الأدب العربي وليس في آداب اخري.
*رغم انك تقولين ان تكوينك الثقافي ينحو الي الانجلو ايرلندية الا اني اري انك متأثرة اكثر بأدب اميركا اللاتينية ، مارأيك؟
- هذه عين الناقد ، ولكن عندما ابحث في نفسي عن أي منبع تأثرت به سيكون من توليفة مختلفة ، شكسبير والجاحظ والمتنبي والقرآن الكريم والف ليلة وليلة وحواديت فالنتينو ،وفي هذه التوليفة ايضا يدخل الادب الايرلندي وهو عامل حاسم في التكوين لان الايرلنديين يشبهوننا كثيرا فهم استعمروا من قبل الانجليز 800 عام ، وقامت لديهن ثورة سنة 1919 مثلنا تماما ، وكان علي راسها ديفاليرا صديق سعد زغلول وعندما يكون هذا هو موروثك عربي وانجليزي في تضاد ويضاف الي هذا جزء غير متضاد فهذا سيطرح سؤالا حول اللغة المستعملة في الكتاب ماذا ستكون، والايرلنديون كتبوا وجهة نظرهم بلغة ليست لغتهم وعموما فالنظرة الي العالم والرسالة الابداعية هي التي تحدد وليست لغة الكتابة وسنكون كاذبين ونستحق الحرق لو ادعينا ان الادب ليس له رسالة والكتاب الشباب ليسوا مخطئين حينما يديرون ظهورهم لفكرة المبدع الفرد الرومانسي المتميز البطل علي النهج القديم ولكنهم يخطئون تماما عندما يتخلون ضمن هذا عن رسالتهم تجاه مجتماعتهم التي يكتبون لها وادعاء انه ليست لهم رسالة غير صحيح فهم اصحاب رسالة سواء ابوا ام رضوا.
* تطرح مجموعتك القصصية " منازل القمر"اشكالية هامة حول ابداعك ، ايهما يهمك اكثر الشكل ام البناء؟
-يهمني الجوهر، جوهر الرسالة التي اريد توصيلها وهي التي تملي علي شكل الكتابة، ولذلك فنصوصي متبانية ، واستعمل فيها جميع انواع السرد لانها ليست حكاية واحدة.
*تدور اعمالك القصصية وبخاصة في " خشب ونحاس" في مجملها تدور في عوالم حلمية مفارقة للواقع ، الام يعود هذا؟
-تبدو حلمية مفارقة للواقع الذي نعيشه الان لكن تفاصيلها مستقاة من الواقع تماما، المنبع الوجداني الفلسفي الرؤيوي حلمي وقد يكون كايوسيا ، او حلم يقظة لكن المفردات مستقاة من الواقع وهو يبدو مفارقا لاننا لفترة طويلة ، همشنا ، وظلمنا في جميع وسائل الاعلام ، ثم ان الطبقة فوق المتوسطة انتمي اليها لم التي لا يخرج منها مبدعون رجال في القرن الـ18 بل كاتبات بلغات اخري كالتركية مثل عائشة التيمورية ، وقوت القلوب الدمرداشية، واعتقد ان فئة الفلاحين لم تظلم اطلاقا في الابداع لانها اخرجت اعظم الكتاب لكن هذه الطبقة البرجوازيه مظلومة في الادبيات ، لان رجالها الذين ينتمون الها قرروا ان ينبذوها فيما انشغلت نساؤها في اشياء اخري .
* تكونين مع مي التلمساني خطا اديبا يكتب عن الطبقة البرجوازية هل قصدت ان تكتبين عنها؟
-بالنسبة لي انا تعمدت ان اكتب عن الطبقة البرجوازيةالمصرية لان وجهة نظرها لم تطرح من وجهة نظر نسائها، وهن اللائي يقع عليهن الظلم، واري ان الفلاحة اكبر حرية من امراة هذه الطبقة التي تستعمل كحلية يزين بها رجل هذه الطبقة نفسه، فيعلمها حتي تبدو متعلمة وانا شخصيا عانيت ، وكنت اريد ان اعرف اكبر قدر من القراء بماذا يحدث لهذه المراة عندما تتمرد وليس من منطلق الانسان الذي تحرر ولكن من منظورها وهي لم تتحرر بعد.
*قصر روايتك " ارواق النرجس"يشي بانها قصة قصيرة لكنها طالت قليلا فأصبحت رواية؟
- لم اجلس لكي اكتب رواية ، ولم اجلس لكي اكتب نصا طويلا ، والذي حدث اني كتبت نوقيلا ( رواية قصيرة) وهذا لا ينتقص منها ، وعموما كل شئ مقصود ولايوجد شئ ليس مقصودا. في الجزء الاول من الرواية يبدو المجتمع منه متماسكا والبطلة مجنونة، وعندما تتماسك البطلة يضطرب المجتمع ويتفكك وهذه هي الاشكالية التواصل والحوار.
*لكن شخصية كيمي انتقلتا من قصة " انا وامينة" في مجموعتك " منازل القمر" لكي تصبح رواية كاملة، ماسبب ولعك بهذه الشخصية؟
-هذه الشخصية تمثل لي كل المشاكل والمتاعب والعقبات والحلول الفعالة وغير الفعالة التي اري نساء الطبقة فوق المتوسطية يسعين اليها لتاكيد وجودهن وجدواهن. وفي رايي الشخصي جدا ان الكثير من هذه المزالق والمآسي تنطبق علي المجتمع المادي ولذلك سميت البطلة (كيمي) وهي كلمة فرعونية تعني مصر.
*اعمالك في معظمها قائمة علي التذكر فالي أي مدي ترتبط الكتابة لديك بالذكري؟
- الدقيقة التي يوضع فيها القلم علي الورقة تصبح ذكري وكل من يفعل ذلك يدرك ان ذلك تحديه الاكبر، كيف نفض الذاكرة عن الكتابة والكتابة عن الذاكرة ، والجميع يحاول هذا ولم ينجح الاقليلون منهم عزت القمحاوي في روايته الاخيرة "غرفة تري النيل" ، فهناك شخص بعد ان يموت يرجع ليقول إنه مات، ومن خلال الفكر وجودي يدور حديث انساني عام شامل ومن خلال ايضا شئ مؤرق وهو فاعلية الجسد ، والفراغ الذي يحيط به.
*حسنا الي أي مدي تتماس الكتابة مع الذات عند سمية رمضان؟
-انا لااعرف الفارق بين الكتابة والذات انا اعرف فقط انني بوتقه تنصهر فيها تجارب تخصني وتخص الاخرين، تجارب حقيقية من الحياة ، وتجارب قراءية من الخيال، وتجارب سماعية وحسية وكل هذا ينتج عملا ما في النهاية.
* تبدو اشكالية العلاقة بالاخر ، احدي الاشكاليات الهامة التي تطرحها روايتك
" اوراق النرجس" واحد الهواجس الممتدة بطولها لماذا؟
-العلاقة بالاخر هاجس مهم لكل من واكب العلائق التي تربط البشر في المجتماعات التي استعمرت ، وفي مراحلها بعد الاستعمار، فان تجد صديقا لوالدك ، وهو انجليزي مع انك تعاديه، ولكنك مع ذلك تدعوه لكي يأتي الي بيتك، فهل هذا اذن انسان ام فكرة ، انسان ام ايديولوجيا، عدو ام صديق ، ام لاهو هذا ولاذاك بل انسان محايد، واعتقد اننا كلنا مررنا بهذه التجربة.
* وهل الهذا تؤكدين في الرواية علي فكرة الهوية؟
-انا طرحت فكرة الهوية في الرواية لابراز مدي التشابه الكبيريين الناس في كل مناطق العالم ، وانا لست مهمومة بفكرة الهوية، بل بتأكيد عدم وجود مأزق هوية حقيقي بالنسبة للمصريين ، واري أننا استوردنا أزمة الهوية عندما ذهبنا الي الخليج، واختلطنا بمجتمعات أخرى.
*هل الجنون في شخصية" كيمي" هو بمثابة فعل مقاومة وهل الجنون في اعتقادك من الممكن ان يكون كذلك؟
-الجنون هرب البائس وهو فعل من لايستطيع فعلا حقيقيا في الواقع لكن هو ايضا دليل علي مدي قهر الواقع ، فالذي ينتحر لانه لايجد اولاده حوله هذا فعل بائس والجنون رد فعل، وليس مقاومة.
*شخصية الام في الرواية تكاد تكون هامشية او مهمشة لوصح التعبير ، لماذا؟
- هي مهمشة لانها مستبدلة "بالدادة" التي هي الام الحقيقية التي تحكي من التراث الشعبي المصري ، التي تستخدم الامثال الشعبية التي تنقل الرؤية المصرية، التي تاتي بالريف بكل اصالته الي المدينة ، في قلب البرجوازية وهي الاقوي لانها الوحيدة التي تعرف من هي وعندها كم من المبادئ تتبعه بكل مرونه وذكاء ، ايضا هي عادلة ، وأم بحق، ورمز مثالي لذلك الامومة مسئولية احساس بالذات وثقة ، وهذا غير متوافر لنساء الطبقة فوق المتوسطية.
*لكن الا ترين ان علاقة كيمي والداده علاقة ملتبسة ؟
- سبب الالتباس ان هناك احدا يتبني أما، وهي المثال الكامل امامها فلماذا تكون أمها أمية لاتقرا، ولا تكتب ، لماذا لاتكون من طبقتها ، لماذا لاتعرف الفرنسية ، وهذه الشخصيات مرايا ، وامينة هي الوجه الاخر لمصر ، وكيمي هي التي جعلت الاثنتين شيئا واحداً.
*لماذا اخترت كتاب" غرفة تخص المرء وحده" لفرجينيا وولف لترجمينه؟
-ترجمته لاني فوجئت انه صدر عام 1927 ،وهو يعتبر الاصل والمبدا في العلوم النقدية والنظرية النسوية ومابعد الكولونيالية، وفوجئت في مؤتمر قاسم امين الذي اقامه المجلس الاعلي للثقافة في عام 1999 انه لم يترجم ضمن الكتب الكثيرة التي ترجمت عن المراة بهذه المناسبة فترجمته لاهميته الشديدة في رايي.
*توقفت عن الكتابة منذ سنوات بعد صدور روايتك اوراق النرجس ماسبب ذلك؟
-كنت اكتب رواية بعنوان طبول الحرب عندما قامت حرب العراق فتوقفت، وكنا في مظاهربة في الجامعة الاميركية عندما جاءت ممثلة من تليفزيون الـBBC وسالتني هل في اعتقادك ان مظاهرة كهذه من الممكن ان توقف الحرب فقلت لها ممكن لو ان مائة الف مليون مظاهرة كهذه حدثت في انحاء العالم ،بعدها بـ 3 ايام فتحت التليفزيون وجلست ابكي ، كان ما قلته قد حدث كانه بنوءة ، مظاهرات في جميع انحاء العالم رافضة للحرب وعندما بدا الضرب في العراق ادركت انه لابد من وقفه مع النفس حتي استعيد توازني وامنت بمقولة انه مهما سعيت في اتجاه بعينه ويكون هذا الاتجاه طيبا، ومتوائما مع كل ماهو انساني واخلاقي وروحاني ورباني فانك لن تر نتيجة عملك في هذا العالم ، وهنا توقفت عن الكتابة ربما لان الحرب اثرت في ، والانتفاضة الثانية ، فكان لابد من وقفة واعادة ترتيب افكاري ، واعادة التفكير في قدرتي علي الاسهام ، لاني كنت اري الدنيا حمراء لايوجد بها سوي دماء ، ومن اجل هذا بدات ابحث عن وسائل اخري لتوصيل هدفي.

ليست هناك تعليقات: