يصلح ليل كل ثلاثاء من ليالي القاهرة ، أن يصبح هو ليل النميمة الأكبر في حياة المثقفين المصريين ، ففي هذا اليوم الذي اتفق على أن يكون هو يوم لقائهم الأسبوعي على مقاهيهم الثقافية في وسط القاهرة ، تتناثر أشلاء الثقافة والمثقفين على المقاهي ومناضد البارات مزقا ، ويمكن لمن يتحرك خلال ما يسميه المثقفون بمثلث الرعب : " مقهى زهرة البستان ، وأتيليه القاهرة ، وبار الجريون " أن يسمع الحكايات السرية ، والقصص السفلية عما يجري في الثقافة المصرية ، أن يرى الغسيل السري ، أوبحسب وصف البعض ، الملابس الداخلية للثقافة والعلاقات مع السلطة ، والدول العربية ، والصراعات الخفية ، وهي تتداول ، وتحكى ، دون أي ذكر أو نقاش حقيقي حول الأعمال القصصية والروائية والشعرية ، الصادرة من دور النشر القريبة .
والنميمة عادة اجتماعية ذميمة ، تعرف بأنها نقل كلام الناس بعضهم إلى بعض على وجه الإفساد بينهم فحرمت لما فيها من مفسدة إلقاء البغضة بين الناس ويستثنى منها ما كان النقل فيها على جهة النصيحة كأن يقول له : إن فلانا يقصد قتلك ونحو ذلك ، فإن كان ما ينم به نقصا أو عيبا في المحكي عنه فهو غيبة ونميمة ، و قال ابن حجر في الزواجر : الحكم على ما هو كذلك بأنه كبيرة ظاهر جلي , وليس في معناه بل ولا قريبا منه مجرد الإخبار بشيء عمن يكره كشفه من غير أن يترتب عليه ضرر , ولا هو عيب , ولا نقص.
والنميمة ، و " مسك السيرة " بالتعبير الشعبي المصري ، ونهش لحم الآخرين ، عادة ذميمة، قد تكون انتقلت من العامة إلى المثقفين ، لكن الغريب أن هذه العادة انتقلت من المقاهي ، وجلسات " مثلث الرعب " إلى الأدب ، وأصبح هناك عدد من الأعمال الإبداعية تصدر ، وتوزع ، وهي تحمل تشهيرا ببعض الناس من المثقفين ، وغير المثقفين ، وهو ما يرى البعض أنها ساهمت في شهرتها ، وزادت من توزيعها ، خاصة أن هذه الكتابة تكون عادة بأسماء مشابهة ، ولكن " كل لبيب بالإشارة يفهم " ، فيبدو الأمر متراوحا ، بين الطرافة ، والإلغاز ، والتعريض ، و" التلسين " ، بحسب تعبير الناقد فاروق عبدالقادر.
ظاهرة أدب النميمة ، أو الروايات التي تلجأ إلى النميمة كسياق أساسي فيها قديمة ، ويمكن اعتبار أن رواية " المرايا " لنجيب محفوظ من أقدمها ، فنجيب محفوظ في هذه الرواية اعتمد على شخصيات حقيقية موجودة في الواقع الثقافي ، شخصيات زاملها وعرفها ، وصداقها ، لكنه في الرواية ألبسها أقنعة بأسماء اخرى ، وهناك أيضا روايته الشهيرة " الكرنك " والتي أثير أنه كتبها عن صلاح نصر مدير المخابرات العامة المصرية أيام عبد الناصر راصدا فيها التعذيب الذي يحدث في السجون ، والتحولات الفكرية لدى عدد من المثقفين اليساريين ، أما رواية النميمة الأشهر فهي رواية عمارة يعقوبيان الشهيرة ، لعلاء الأسواني ، والتي يرى البعض أن سبب شهرتها هو أنها اعتمدت على التعريض بشخوص معروفين في الواقع ، وذكر مساوئهم سواء في الوسط الثقافي أو السياسي أوالاجتماعي ، مثل الصحافي الشاذ جنسيا ويرأس تحرير صحيفة أجنبية ، والوزير الفاسد ، وضابط أمن الدولة المتوحش ، ورجل الأعمال المزواج ، وهي كلها شخصيات تردد بعد نشر الرواية أنها لشخصيات حقيقية معروفة في الوسط الاجتماعي ، وهو ما زاد من توزيعها ، لدرجةأنها طبعت أكثر من طبعة ، وحتى حينما تم تحويلها إلى فيلم سينمائي لوجدنا أن أبطالها يصرحون للصحف أنهم لم يقوموا بأداء أدوار الشخصيات الفاسدة في الحياة السياسية ، وهناك رواية زينب والعرش ، والتي تحدثت عن الوسط الصحافي المصري في فترة الستينيات ، والفساد الذي دار فيه ، ويمكن لمن يقرأ الرواية أن يخمن طوال صفحات الرواية الأسماء الحقيقية لأبطالها والقصص المصاحبة لصعودهم ، وهناك أيضا رواية " قبل وبعد " لتوفيق عبد الرحمن التي تم مصادرتها إثناء مصادرة الثلاث روايات ، وقيل أن سبب مصادرتها أنها تحدثت عن شاعر عامية مصري كبير ، وقالت أنه سلم نفسه للسلطة بعد خروجه من السجن ، وهناك رواية " كحل حجر " لخالد إسماعيل ، التي تحدثت عن بعض المثقفين الأقباط في مصر ، وأعطتهم أسماء رمزية ، تقترب من أسمائهم ، وغيرها من الروايات التي تعتمد نفس المنهج ، في بناء دراميتها .
الشعر أيضا لا يخلومن النميمة ، فهناك أميات نجيب سرور ، تلك القصيدة المكتوبة بالعامية ، وتوجه سبا وقذفا ، في حق العديد من الشخصيات الفاعلة في الوسط الثقافي المصري في الستينيات والسبعينيات ، والتي يقال أن نجيب سرور كتبها إثناء وجوده في المستشفى النفسي ، وانتقم فيها من كل أعدائه ، واصفا إياهم عبر أبيات القصيدة الطويلة بالشذوذ ، وموجها لهم شتائم جنسية كثيرة ، وهناك مجموعة من القصائد للشاعر أحمد فؤاد نجم ، لعل أشهرها قصيدة " الشاعر الأكره " التي قالها يصف بها شاعرا آخر يهادن الحكومة " ملعون أبوك طالع نازل ، شاعر أكره " ، وقصيدته عن الرئيس المصري الراحل أنور السادات التي أسماه فيها " شحاته المعسل " .
غير أن النميمة في الوسط الثقافي المصري بعد ان تجاوزت المقاهي ، وجلسات الثلاثاء الحميمة في الاتيليه وزهرة البستان والجريون ، إلى الأدب ، قررت أن تنتقل إلى بعض الكتب ، لعل أشهرها الكتاب الذي صدر منذ حوالي عامين ، بعنوان " مثقفون تحت الطلب " وقام بتأليفه محمد عبد الواحد ، الذي كان يعمل للمكتب الإعلامي لدى فاروق حسني وزير الثقافة المصري ، وفيه فضح عددا من المثقفين ، بالاسم وقال بعلاقة بين بعض المناضلين السابقين " اليساريين " ، والسلطة ، ليضع عددا كبيرا منهم في مأزق ، ويتحول الكتاب وأبطاله إلى وجبة دسمة استمرت أسابيع على مقاهي وسط البلد الثقافية .
كما قال عبد الواحد في كتابه أن اختيارات فاروق حسني لقيادات وزارته " دليل واضح على عدم صلاحيته كوزير، مع أن صورة الغلاف تبينه ـ أي وزير الثقافة ـ قائد أوركسترا موسيقي في يده عصا وأمامه نوتة موسيقية وأربعة من الرجال تبدو رؤوسهم نسخا متشابهة وفارغة، يقصد بهم مثقفي السلطة ، غير أن الهجوم الاكبر في الكتاب كان على صلاح عيسى ، اليساري السابق ، ورئيس تحرير جريدة القاهرة التي تصدرها وزارة الثقافة حاليا ، وإن كان البعض يعتبر ما كتب عنه ليس إلا من قبيل تصفية الحسابات ، خاصة بعد استبعاد عبد الواحد من الجريدة ، ونلمح ذلك مثلا في إشارته إلى إن صحيفة (القاهرة) كان يتردد فيها نداء شهير عصر كل يوم أحد هو " نسخة الوزير.. نسخة الوزير" في إشارة إلى نسخة التجربة الأخيرة لصفحات (القاهرة) لتعرض على الوزير ليراجعها قبل طبعها ، وهو ما يضرب التجربةاليسارية لعيسى وادعائه الاستقلال في مقتل .
وهناك نوعيات من الروايات ليس لها علاقة بالنميمة ، لكن النميمة دارت حولها بعد نشرها مثل رواية " اخرج منها يا ملعون" التي كتبها صدام حسين ، وشن موقع الامبراطور على الانترنت حملة ضد الروائي جمال الغيطاني مدعيا انه كاتبها الحقيقي ، وبغض النظر عن صحة هذا من عدمه ، فهذه الحادثة كانت زادا وفيرا لمائدة النميمة ، لمدة طويلة من الوقت .
لكن أشهر كتب النميمة ، هو الكتاب الذي حمل ذلك الاسم صراحة ، وهو " كتاب النميمة " للروائي الكبير سليمان فياض ، والذي حلل فيه شخصيات العديد من للمثقفين المصريين ، عبر أسماء رمزية مثل ، الفأر ، والقط ، والتمرجي ، ومالك الحزين ، والواعظ ، وعازف الفلوت ، وعجل جسد له خوار " ويصبح سؤال المثقفين بعد قراءة الكتاب المتداول " من التي يقصدها فياض بشخصية " لوليتا" ، هذا ، وإن كان الكتاب بجزئيه " كتاب النميمة ، ونبلاء وأوباش " يحتوي لغة أدبية راقية ، ويمكننا اعتباره نصوصا أدبية ، إذا قرأه شخص من خارج الوسط الثقافي ، بعيدا عن السعي لحل لغز القصة ، والوصول إلى اسم الشخصية الأدبية .
يفتتح سليمان فياض كتابه " كتاب النميمة " بإهداء ، قد يبدو منه الغرض من الكتاب "إلى الأجيال الجديدة ، تذكرة بأن الإنسان تاريخ وموقف ، فلا سر يخفى ، ولا شهادة تموت " ، ويقول فياض " لست مسئولا عن أية إسقاطات أو تصورات شخصية لقارئ ما على أحد النماذج ، لمجرد أنها معماة ، ولا تحمل اسما من الأسماء ، ويقول " لست مسئولا عن أية وقائع أو مشابهات في هذه البورتوريهات إلا عمن سميتهم بأسمائهم " ، لماذا كتب إذن هذا الكتاب ؟ يقول فياض " غايتي أن أقبض على اللحظات الهاربة والظواهر المستمرة أو الآفلة التي يغفل عنها دائما التاريخ العام والخاص أيضا لأنه يتجاوز في الشرق ما يعتبر أسرارا شخصية في حياة الناس "
و رغم عدم اعتراف عدد كبير من النقاد والمبدعين بهذا المصطلح " أدب النميمة" إلا أن فاروق عبد القادر يعد هو أول من دشن مصطلحا مشابها له وهو " أدب التلسين والنميمة "في كتابيه " أوراق من الزمن الرخو " و " في الرواية العربية المعاصرة ، حيث أسماه " أدب التلسين وإياك أعني " ، معتبرا رواية عمارة يعقوبيان و هي الرواية الواقعة بامتياز تحت مسمى " أدب النميمة " ذات مستوى متوسط استفادت من الهجوم على رموز المجتمع ، وهناك عملين آخرين ينطبق عليهما هذا الوصف كما يذكر في كتابه هما روايتي " حكايات المؤسسة " و " حكايات الخبيئة " لجمال الغيطاني ، حيث نجد الراوي يتعثر مابين المكاشفة و التخفي ، التصريح والتلويح ، بين ما يريد أن يقول، وما لا يستطيع أن يقوله ، أن تغمز بعينك للقارئ في إغراء بالتواطؤ : أنت تعرف وأنا أعرف ، لكنني لا أجرؤ على مزيد من الإفصاح ، حين أراد أن يجعل مؤسسته بشخوصها وأحداثها واقفة تتأرجح على هذا الحد الزلق بين الواقع وما وراءه أو ما فوقه ،ولم يجد بين يديه سوى أدوات ووسائط فقيرة : المبالغة التي تتجاوز الحدود ، والإلحاح بالتكرار في الألفاظ والمعاني ، لدرجة الإضجار ، وفي ظنه أن هذه المبالغات تحيط الشخصيات بأطر غرائبية .
العمل الفني ليس نميمة ، وكذلك لا يمكن أن نعتبر النميمة عملا أدبيا ، لكن هذا لا ينفي أن النميمة مرض من الأمراض الثقافية التي باتت منتشرة تعبر في رأيه عن مدى الخواء الحادث ، والانشغال بالآخرين ، بدلا من الانشغال بالمعرفة والإبداع فجلسات المقاهي تحولت إلى جلسات للنميمة بدلا من النقاش الحر الموضوعي . و لو بحثنا عن سبب لانتشار النميمة بين أوساط المثقفين ، في الأدب وفي المقاهي ، فلا يمكن بأي حال من الأحوال تجاهل أن تهميش المثقف هو السبب الأول ، أن تصبح كل مهمته في الحياة أن يجلس على المقهى ينم ، وهو الذي كان قبلا ، يحرك شعوبا ،نستطيع أن نقول أن السبب هو الفساد الذي دمر كل مرافئ الحياة حتى الثقافية، صعود رموز السلطة ، وقتل الإبداع بنار البيروقراطية ، حتى لم يعد بإمكان المثقف الآن أن يفعل سوى أن يتنقل بين أضلاع مثلث الرعب ، يحقق ذاته ، فقط ، بالنميمة .
والنميمة عادة اجتماعية ذميمة ، تعرف بأنها نقل كلام الناس بعضهم إلى بعض على وجه الإفساد بينهم فحرمت لما فيها من مفسدة إلقاء البغضة بين الناس ويستثنى منها ما كان النقل فيها على جهة النصيحة كأن يقول له : إن فلانا يقصد قتلك ونحو ذلك ، فإن كان ما ينم به نقصا أو عيبا في المحكي عنه فهو غيبة ونميمة ، و قال ابن حجر في الزواجر : الحكم على ما هو كذلك بأنه كبيرة ظاهر جلي , وليس في معناه بل ولا قريبا منه مجرد الإخبار بشيء عمن يكره كشفه من غير أن يترتب عليه ضرر , ولا هو عيب , ولا نقص.
والنميمة ، و " مسك السيرة " بالتعبير الشعبي المصري ، ونهش لحم الآخرين ، عادة ذميمة، قد تكون انتقلت من العامة إلى المثقفين ، لكن الغريب أن هذه العادة انتقلت من المقاهي ، وجلسات " مثلث الرعب " إلى الأدب ، وأصبح هناك عدد من الأعمال الإبداعية تصدر ، وتوزع ، وهي تحمل تشهيرا ببعض الناس من المثقفين ، وغير المثقفين ، وهو ما يرى البعض أنها ساهمت في شهرتها ، وزادت من توزيعها ، خاصة أن هذه الكتابة تكون عادة بأسماء مشابهة ، ولكن " كل لبيب بالإشارة يفهم " ، فيبدو الأمر متراوحا ، بين الطرافة ، والإلغاز ، والتعريض ، و" التلسين " ، بحسب تعبير الناقد فاروق عبدالقادر.
ظاهرة أدب النميمة ، أو الروايات التي تلجأ إلى النميمة كسياق أساسي فيها قديمة ، ويمكن اعتبار أن رواية " المرايا " لنجيب محفوظ من أقدمها ، فنجيب محفوظ في هذه الرواية اعتمد على شخصيات حقيقية موجودة في الواقع الثقافي ، شخصيات زاملها وعرفها ، وصداقها ، لكنه في الرواية ألبسها أقنعة بأسماء اخرى ، وهناك أيضا روايته الشهيرة " الكرنك " والتي أثير أنه كتبها عن صلاح نصر مدير المخابرات العامة المصرية أيام عبد الناصر راصدا فيها التعذيب الذي يحدث في السجون ، والتحولات الفكرية لدى عدد من المثقفين اليساريين ، أما رواية النميمة الأشهر فهي رواية عمارة يعقوبيان الشهيرة ، لعلاء الأسواني ، والتي يرى البعض أن سبب شهرتها هو أنها اعتمدت على التعريض بشخوص معروفين في الواقع ، وذكر مساوئهم سواء في الوسط الثقافي أو السياسي أوالاجتماعي ، مثل الصحافي الشاذ جنسيا ويرأس تحرير صحيفة أجنبية ، والوزير الفاسد ، وضابط أمن الدولة المتوحش ، ورجل الأعمال المزواج ، وهي كلها شخصيات تردد بعد نشر الرواية أنها لشخصيات حقيقية معروفة في الوسط الاجتماعي ، وهو ما زاد من توزيعها ، لدرجةأنها طبعت أكثر من طبعة ، وحتى حينما تم تحويلها إلى فيلم سينمائي لوجدنا أن أبطالها يصرحون للصحف أنهم لم يقوموا بأداء أدوار الشخصيات الفاسدة في الحياة السياسية ، وهناك رواية زينب والعرش ، والتي تحدثت عن الوسط الصحافي المصري في فترة الستينيات ، والفساد الذي دار فيه ، ويمكن لمن يقرأ الرواية أن يخمن طوال صفحات الرواية الأسماء الحقيقية لأبطالها والقصص المصاحبة لصعودهم ، وهناك أيضا رواية " قبل وبعد " لتوفيق عبد الرحمن التي تم مصادرتها إثناء مصادرة الثلاث روايات ، وقيل أن سبب مصادرتها أنها تحدثت عن شاعر عامية مصري كبير ، وقالت أنه سلم نفسه للسلطة بعد خروجه من السجن ، وهناك رواية " كحل حجر " لخالد إسماعيل ، التي تحدثت عن بعض المثقفين الأقباط في مصر ، وأعطتهم أسماء رمزية ، تقترب من أسمائهم ، وغيرها من الروايات التي تعتمد نفس المنهج ، في بناء دراميتها .
الشعر أيضا لا يخلومن النميمة ، فهناك أميات نجيب سرور ، تلك القصيدة المكتوبة بالعامية ، وتوجه سبا وقذفا ، في حق العديد من الشخصيات الفاعلة في الوسط الثقافي المصري في الستينيات والسبعينيات ، والتي يقال أن نجيب سرور كتبها إثناء وجوده في المستشفى النفسي ، وانتقم فيها من كل أعدائه ، واصفا إياهم عبر أبيات القصيدة الطويلة بالشذوذ ، وموجها لهم شتائم جنسية كثيرة ، وهناك مجموعة من القصائد للشاعر أحمد فؤاد نجم ، لعل أشهرها قصيدة " الشاعر الأكره " التي قالها يصف بها شاعرا آخر يهادن الحكومة " ملعون أبوك طالع نازل ، شاعر أكره " ، وقصيدته عن الرئيس المصري الراحل أنور السادات التي أسماه فيها " شحاته المعسل " .
غير أن النميمة في الوسط الثقافي المصري بعد ان تجاوزت المقاهي ، وجلسات الثلاثاء الحميمة في الاتيليه وزهرة البستان والجريون ، إلى الأدب ، قررت أن تنتقل إلى بعض الكتب ، لعل أشهرها الكتاب الذي صدر منذ حوالي عامين ، بعنوان " مثقفون تحت الطلب " وقام بتأليفه محمد عبد الواحد ، الذي كان يعمل للمكتب الإعلامي لدى فاروق حسني وزير الثقافة المصري ، وفيه فضح عددا من المثقفين ، بالاسم وقال بعلاقة بين بعض المناضلين السابقين " اليساريين " ، والسلطة ، ليضع عددا كبيرا منهم في مأزق ، ويتحول الكتاب وأبطاله إلى وجبة دسمة استمرت أسابيع على مقاهي وسط البلد الثقافية .
كما قال عبد الواحد في كتابه أن اختيارات فاروق حسني لقيادات وزارته " دليل واضح على عدم صلاحيته كوزير، مع أن صورة الغلاف تبينه ـ أي وزير الثقافة ـ قائد أوركسترا موسيقي في يده عصا وأمامه نوتة موسيقية وأربعة من الرجال تبدو رؤوسهم نسخا متشابهة وفارغة، يقصد بهم مثقفي السلطة ، غير أن الهجوم الاكبر في الكتاب كان على صلاح عيسى ، اليساري السابق ، ورئيس تحرير جريدة القاهرة التي تصدرها وزارة الثقافة حاليا ، وإن كان البعض يعتبر ما كتب عنه ليس إلا من قبيل تصفية الحسابات ، خاصة بعد استبعاد عبد الواحد من الجريدة ، ونلمح ذلك مثلا في إشارته إلى إن صحيفة (القاهرة) كان يتردد فيها نداء شهير عصر كل يوم أحد هو " نسخة الوزير.. نسخة الوزير" في إشارة إلى نسخة التجربة الأخيرة لصفحات (القاهرة) لتعرض على الوزير ليراجعها قبل طبعها ، وهو ما يضرب التجربةاليسارية لعيسى وادعائه الاستقلال في مقتل .
وهناك نوعيات من الروايات ليس لها علاقة بالنميمة ، لكن النميمة دارت حولها بعد نشرها مثل رواية " اخرج منها يا ملعون" التي كتبها صدام حسين ، وشن موقع الامبراطور على الانترنت حملة ضد الروائي جمال الغيطاني مدعيا انه كاتبها الحقيقي ، وبغض النظر عن صحة هذا من عدمه ، فهذه الحادثة كانت زادا وفيرا لمائدة النميمة ، لمدة طويلة من الوقت .
لكن أشهر كتب النميمة ، هو الكتاب الذي حمل ذلك الاسم صراحة ، وهو " كتاب النميمة " للروائي الكبير سليمان فياض ، والذي حلل فيه شخصيات العديد من للمثقفين المصريين ، عبر أسماء رمزية مثل ، الفأر ، والقط ، والتمرجي ، ومالك الحزين ، والواعظ ، وعازف الفلوت ، وعجل جسد له خوار " ويصبح سؤال المثقفين بعد قراءة الكتاب المتداول " من التي يقصدها فياض بشخصية " لوليتا" ، هذا ، وإن كان الكتاب بجزئيه " كتاب النميمة ، ونبلاء وأوباش " يحتوي لغة أدبية راقية ، ويمكننا اعتباره نصوصا أدبية ، إذا قرأه شخص من خارج الوسط الثقافي ، بعيدا عن السعي لحل لغز القصة ، والوصول إلى اسم الشخصية الأدبية .
يفتتح سليمان فياض كتابه " كتاب النميمة " بإهداء ، قد يبدو منه الغرض من الكتاب "إلى الأجيال الجديدة ، تذكرة بأن الإنسان تاريخ وموقف ، فلا سر يخفى ، ولا شهادة تموت " ، ويقول فياض " لست مسئولا عن أية إسقاطات أو تصورات شخصية لقارئ ما على أحد النماذج ، لمجرد أنها معماة ، ولا تحمل اسما من الأسماء ، ويقول " لست مسئولا عن أية وقائع أو مشابهات في هذه البورتوريهات إلا عمن سميتهم بأسمائهم " ، لماذا كتب إذن هذا الكتاب ؟ يقول فياض " غايتي أن أقبض على اللحظات الهاربة والظواهر المستمرة أو الآفلة التي يغفل عنها دائما التاريخ العام والخاص أيضا لأنه يتجاوز في الشرق ما يعتبر أسرارا شخصية في حياة الناس "
و رغم عدم اعتراف عدد كبير من النقاد والمبدعين بهذا المصطلح " أدب النميمة" إلا أن فاروق عبد القادر يعد هو أول من دشن مصطلحا مشابها له وهو " أدب التلسين والنميمة "في كتابيه " أوراق من الزمن الرخو " و " في الرواية العربية المعاصرة ، حيث أسماه " أدب التلسين وإياك أعني " ، معتبرا رواية عمارة يعقوبيان و هي الرواية الواقعة بامتياز تحت مسمى " أدب النميمة " ذات مستوى متوسط استفادت من الهجوم على رموز المجتمع ، وهناك عملين آخرين ينطبق عليهما هذا الوصف كما يذكر في كتابه هما روايتي " حكايات المؤسسة " و " حكايات الخبيئة " لجمال الغيطاني ، حيث نجد الراوي يتعثر مابين المكاشفة و التخفي ، التصريح والتلويح ، بين ما يريد أن يقول، وما لا يستطيع أن يقوله ، أن تغمز بعينك للقارئ في إغراء بالتواطؤ : أنت تعرف وأنا أعرف ، لكنني لا أجرؤ على مزيد من الإفصاح ، حين أراد أن يجعل مؤسسته بشخوصها وأحداثها واقفة تتأرجح على هذا الحد الزلق بين الواقع وما وراءه أو ما فوقه ،ولم يجد بين يديه سوى أدوات ووسائط فقيرة : المبالغة التي تتجاوز الحدود ، والإلحاح بالتكرار في الألفاظ والمعاني ، لدرجة الإضجار ، وفي ظنه أن هذه المبالغات تحيط الشخصيات بأطر غرائبية .
العمل الفني ليس نميمة ، وكذلك لا يمكن أن نعتبر النميمة عملا أدبيا ، لكن هذا لا ينفي أن النميمة مرض من الأمراض الثقافية التي باتت منتشرة تعبر في رأيه عن مدى الخواء الحادث ، والانشغال بالآخرين ، بدلا من الانشغال بالمعرفة والإبداع فجلسات المقاهي تحولت إلى جلسات للنميمة بدلا من النقاش الحر الموضوعي . و لو بحثنا عن سبب لانتشار النميمة بين أوساط المثقفين ، في الأدب وفي المقاهي ، فلا يمكن بأي حال من الأحوال تجاهل أن تهميش المثقف هو السبب الأول ، أن تصبح كل مهمته في الحياة أن يجلس على المقهى ينم ، وهو الذي كان قبلا ، يحرك شعوبا ،نستطيع أن نقول أن السبب هو الفساد الذي دمر كل مرافئ الحياة حتى الثقافية، صعود رموز السلطة ، وقتل الإبداع بنار البيروقراطية ، حتى لم يعد بإمكان المثقف الآن أن يفعل سوى أن يتنقل بين أضلاع مثلث الرعب ، يحقق ذاته ، فقط ، بالنميمة .
هناك 5 تعليقات:
استمتعت جدا بتحليلك
و الامثلة اللي ذكرتها
و دي نقطة مثيرة لما ال اليه حال الادب و المثقفين
تحياتي
عجبنى جداً تحليلك للظاهرة
و نقلاتك بين المجتمع ومجتمع المثقفين
زى ما انت قلت ان المثقف مهمش ولا يحقق ذاته الا بكتب النميمة فى هذه الايام
و خاصة ان المجتمع كله بيتجه للنوعية دى من الكتب و ده لرغبتهم فى اكتشاف خبايا .. رجال السلطة والحكم
او اللى عايشين على وش الفتة زى ما بيقولوا
مجتمع بيستند على النميمية لاجل الرغبة فى الشماتة مما يتحكمون فيهم و مجتمع الادب بيغذيهم هم
تحياتى لتحليلك السلس
لا أعتقد أن القصص المكتوبة يمكن تسميتها بالنميمة، طالما لم تذكر فيها الأسماء صراحة ولا كانت الإشارات إلى الأشخاص شديدة الوضوح
ذلك أن الكاتب غير العادي، والشديد الموهبة، هو فقط من يستطيع اختراع شخصياته من الفراغ، دون أن يستمدها من شخصيات حقيقية، ويجعلها مع ذلك شخصيات حية غير باهتة
لكن النميمة بالطبع شيء سيء، واللقاءات الأدبية والثقافية من المفروض أن تكون أولاً وأخيراً لقاءات ثقافية، ليس للنميمة مكان فيها (أو إن كان لابد، تكون النميمة هامشية وليست هي كل محتوى اللقاء)
تحليل رائع ، ذكرني تماما بــ " اللهو الخفي "لمستجاب
أكرر احترامي للتحليل
اللوك الحالي للمدونة جميل .. انتقاء موفق..
هذا أولاً..
التحليل رائع ونخرج منه بالكثير والكثير ..
أتفق تماماً على كون أن النميمة ، وأضيف : الشذوذ ، هما ما صنع شهرة عمارة يعقوبيان ، الفيلم والرواية ..وإن كنت فوجئت بأن استخدام النميمة في الوسط الأدبي قد وصل إلى هذه الدرجة من التوحش .. حتى في زمن تراجعت فيه الرواية خلف القصة القصيرة جماهيرياً..
وربما نرى مسلسلات نميمة في الدراما المصرية تفوق سماجة وفجاجة الصفحات المجهلة في الصحف الصفراء والخضراء والفحلووقي..
إرسال تعليق