25‏/12‏/2008

شيرين أبو النجا ومفهوم النسوية

شيرين أبو النجا: المثقف والسلطة لدينا طرفان عاطبان ومن الصعب أن تقوم علاقة سليمة بينهما
«النسوية» تسعى لتفتيت سلطة الرجل ولكنها ما تزال تعتمد عليه
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
حصلت الناقدة المصرية شيرين أبو النجا أخيراً على جائزة مؤسسة انترناشيونال بابو جرافيكال سنتر في كمبردج بانجلترا، جائزة الانجاز الدولية، التي تمنح على أساس المساهمات الفكرية والادبية لكاتب ما على المستوى الاقليمي والمحلي. ومن آخر إصدارات الناقدة كتاب «مفهوم الوطن في كتابات المرأة العربية» التي «تنحاز» فيه الى الكتابة النسوية، بالرغم من أنها لا تؤمن أن هناك مدرسة نقدية اسمها «النقد النسوي» وان النسوية لم يفرزها النص الادبي من تلقاء نفسه، وانما هي لسان حال رؤية موجودة في المجتمع.
هنا حوار معها:
* في البداية ماذا تمثل لك جائزة الانجاز للقرن الواحد والعشرين والتي حصلت عليها اخيرا؟
ـ انا سعيدة بالجائزة وقد وصلني خطاب من مؤسسة انترناشيونال بابو جرافيكال سنتر في كمبردج بانجلترا بأنني حزت جائزة الانجاز الدولية وان هذه الجائزة تمنح بناء على النظر في السير الذاتية التي أخذت في موسوعة Whois who وبناء عليه تمنح لعدة اشخاص نتيجة للمساهمات الفكرية والادبية على المستوى الاقليمي والمحلي.
* ركزت في كتابك الاول «عاطفة الاختلاف» بالنقد على نصوص روائية نسائية، هل لان الرواية هي الانجح في التعبير عن المرأة؟
ـ «عاطفة الاختلاف» كان أول كتابة لي في مجال النقد النسوي وكان بمثابة الخروج الاول وبدأت العمل فيه عام 1997، وطبع سنة 1998، وكانت فكرته قائمة على: هل هناك كتابات نسائية في مصر من عدمه. وكنت ارى ان هناك كتابات نسوية جيدة. وفي ذلك العام اتجهت مجموعة من كاتبات القصة القصيرة الى كتابة الرواية، وهذا صدفة طبعا، فأصدرت عفاف السيد روايتها الاولى «السيقان الرفيعة للكذب» وأصدرت ميرال الطحاوي روايتها «الخياء» وأصدرت مي التلمساني «دنيا زاد»، ونورا أمين «قميص وردي فارغ» وبهيجة حسين ايضا، ولمست في هذه الروايات الفكر النسوي، ثم قمت بالتسجيل معهن حول تجاربهن في الكتابة وكيف انعكست عليها تجاربهن في الحياة. وكنت قد قرأت في النظرية النسوية كثيرا، واخذت ما يلائمني وهو الذي طبقته بسهولة على النصوص.
* هل معنى هذات انك تعتمدين على النقد الغربي في كتاباتك؟
ـ نعم، وظلت هذه اشكالية بالنسبة لي وعندما تنظر الى المراجع التي استخدمتها في الكتاب ستكتشف ان المراجع اما للرجال أو للنقاد الاجانب، وقليل جدا ان تجد مرجعا نسائيا واحدا في تراثنا العربي، فالنقد النسوي في العالم العربي لم يقدم الادبيات الخاصة به التي يمكن الاستناد اليها. ويرجع هذا الى انه لم تكن في الفترات السابقة كتابة نسوية وبالتالي فلم يكن هناك نقد نسوي، ولماذا يهتم النقاد الرجال بوضع ادبيات النقد النسوي، ولهذا ظللت طوال الوقت في رحلة بحث وفي حالة دفاع.
* دفاع عن ماذا؟
ـ عن اني كتبت عن هؤلاء الروائيات لانهن صديقاتي، وهذا اتهام مضحك جدا، كما ترى، أو انه لا توجد كتابة نسوية في مصر، وكأنني مسؤولة عن الكتابة في مصر، وعن خصائص الادب النسوي، ولماذا نقول ان هناك ادبا رجاليا، وآخر نسائيا، الى آخر اسئلة الاتهامات التي ما زالت ـ للاسف ـ تطرح حتى الان في الندوات الثقافية وربما تجاوزت كل هذه الآن. لكن الشيء الوحيد الذي لم اتجاوزه هو ما كتبته في خاتمة «عاطفة الاختلاف» وهو رفضي التام لفكرة كتابة الجسد، والقول إن المرأة مقهورة.
* ولماذا انت ضد هذا؟
ـ انها عبارة عن «كليشات»، بالاضافة الى ان القول إن المرأة مقهورة يعني سلب كل ما حققته منها، وتحويلها طوال الوقت الى ضحية تحتاج الى عطف الرجل ورعايته وحمايته كما انها تسلب من المرأة كل قوتها. المرأة فاعلة، لانها تكتب وتشارك بفعل الكتابة.
* حسنا لكن ما رأيك فيما يقال عن أن العداوى النسائية هذه التي ترفضينها، تطمح الى خلق سلطة للمرأة بجوار الرجل؟
ـ نعم، هذا حقيقي، وهو سعي لتفتيت السلطة المركزية للرجل لان السلطة ليست حكرا على أحد، والمناضلون الذين يدعون الدفاع عن الديمقراطية يبدون استعدادهم للسجن من اجل تنفيذها ويأتون عند قضية المرأة ويتوقفون، وكأن سلب حقوق المرأة هو شيء من الديمقراطية.
* هل قل حماسك لكتابات المرأة مع مرور الزمان؟
ـ في بدايات تبلور فكر النقد النسوي لدي كنت ـ وهذا يحدث لاي احد يعتنق آيديولوجيا جديدة ـ متشددة للغاية، وكنت ارى ان هناك كتابات نسوية بالطبع، لكن الان حدث تطور في هذه الفكرة لدي، لانه من الطبيعي ان يراجع الناقد مساره النقدي.
* هل يتشابه النقد النسوي في مصر، والعالم العربي مع النقد النسوي في دول العالم الثالث الاخرى؟
ـ بعد ان انهيت كتابي «عاطفة الاختلاف» بدأت في البحث عن النقد في الهند وباكستان وايران وافريقيا السوداء، ووجدت ان هناك انتاجا وفيرا في النقد النسوي، وان اشكاليات النقد النسوي التي يعاني منها العالم العربي موجودة كذلك في هذه الدول لكن الفرق ان هذه الدول اوجدت ما يخصها معارضة للمناهج الغربية أو بناء عليها أو استعانة بها ولا غضاضة في هذا.
* هل باعتقادك اذن انه لا غضاضة من استخدام مناهج النقد الغربية وتطبيقها على الأدب العربي؟
ـ حاولت في كتابي الاخير «مفهوم الوطن» ان استخدم مناهج ما بعد الاستعمار والكولونيالية، والمناهج النسوية ما بعد الكولونيالية وهي الاكثر استخداما بالمناسبة لانها اكثر واقعية وطواعية واكثر ارتباطا بالمجتمع من المناهج النقدية الجامدة الى ان وصلت الى كتاب «النص والنقد» لادوارد سعيد، الذي يضم فصلا يحمل اسم «النظرية المرتحلة» يتحدث فيه عن نظرية جرامشي عن الوعي الطبقي. وفي العشرينيات وفي الستينيات استخدم جولدمان نفس النظرية بعد أن أفرغها من مضمونها الثوري واعطاها دلالات اخرى، ثم أتى ناقد انجليزي ثالث وطبقها في انجلترا وأصبحت نظرية اكاديمية بحتة. ما أريد قوله هنا ان النظريات النقدية تسافر في الزمان والمكان تحت شعار التأثير والتأثر، وقد يتغير معناها وعلى الناقد ان يكتشف بوعيه النقدي مثالب هذه النظرية، تماما كما غير ادوارد سعيد نظرية ميشيل فوكو الخاصة بالقوة والمعرفة، لانه كان يدرك ان فوكو اختزل كل نظريات المقاومة تحت اسم القوة وهو ما يرفضه سعيد. إذن لا غضاضة من تطبيق النظريات الأجنبية ولكن بوعي نقدي.
* هل يمكن اعتبار النقد الثقافي الذي كثر الحديث عنه أخيرا امتدادا لعلم اجتماع الأدب؟
ـ لا، النقد الثقافي الذي اقصده هو كيف يمكن أن تحول ظواهر المجتمع الى نص، بمعنى اني من الممكن ان احلل مباراة كرة قدم، وهو ما يسمى بعلم السيموطيقيا، أن أحلل خطابا لبوش تحليلا ثقافيا، الصور الفوتوغرافية أيضا التي كانت تلتقط للمصريين في العشرينيات عن طريق فكرة التمثيل النقدي والثقافي ومناقشة زاوية التصوير، والأشخاص الموجودين في الصورة، والخلفية، والايحاءات وهكذا.
* يلاحظ في كتاباتك النقدية سيطرة فكرة تحليل المضمون من دون العناية بتشكيل النص، ودون اصدار حكم قيمة عليه هل توافقين على هذا؟
ـ لا أوافق، لاني ضد اطلاق حكم القيمة، فهو اختزال شديد جدا للنص. وأنا عندما اختار نصا للاشتباك والتحاور معه فأنا قد اتفقت على قيمته، أي اني لا أضع نفسي في وضع الناقدة التي تقبل وترفض. لا، أنا لا اشتبك إلا مع نصوص حقيقية، والنص يوجد لنفسه قارئا، والقراءة لدي هي نوع من أنواع الاشتباك أيا كان شكله فلست مشغولة اطلاقا بما هو الجيد، وما هو السيىء لان النقد لدي ليس حرفة، بقدر ما هو سلوك حياة.
* حسنا، هل النقد لديك هو أقرب للنقد الاجتماعي منه الى النقد الفني أو الأدبي؟
ـ لا، أنا اكتب نقدا ثقافيا، واستخدم كل المناهج، ولا أترك شيئا قد يفيدني ولا استخدمه أو أدرسه على الاقل.
* هل اعتبر هذا إذن تقليلا من قيمة النقد الاجتماعي؟
ـ لا، اطلاقا، ولكني لست منوطة بالنقد الاجتماعي، ولا استخدم ادواته، فلن ادعي شيئا لا أقوم به.
* تحدثت في كتابك الأخير «مفهوم الوطن في كتابات المرأة العربية» عن المقاومة بالفن. هل تعتقدين أنه في هذا الزمان يستطيع الفن ان يشكل نوعا من أنواع المقاومة؟
ـ أعتقد ذلك، وما زلت مؤمنة بهذا، وأذكر يوم 20 مارس (آذار) 2003 في تجمع المثقفين المصريين في ميدان التحرير احتجاجا على احتلال العراق طوال اليوم، وانتهى الأمر بأن حدثت تجمعات صغيرة في نهاية اليوم للمثقفين يغنون أغاني الشيخ امام ومارسيل خليفة وفيروز بعد ان تعبوا وهذا أحد أشكال المقاومة، المسرحيات السياسية أيضا تجمع الجمهور الكبير، والافلام مثل «العاصفة» لخالد يوسف، و«ناجي العلي» لنور الشريف اثارت ضجة لانها تقاوم.
* يقودنا هذا السؤال للحديث عن علاقة المثقف بالسلطة، كيف ترين هذه العلاقة من واقع تجربتك؟
ـ اشكالية أبدية، وأنا لم أختر أن أكون معارضة، ولم أكن على وعي في البداية بذلك، ولكن يبدو ان ينأى الانسان عن موقف لا يعجبه، أو يحتج على شكل لا يوافق عليه، فهو يصنف على انه في المعارضة مباشرة، فاذا كانت هذه هي المعارضة فأنا أوافق تماما على انني معارضة مع ملاحظة ان غياب الكفاءة وغياب المواجهة الحقيقية وقلتها وغياب الفن، كل هذا يعطي الفرصة للتطاحن والصراع على اشياء تافهة أو غير ذات قيمة.
* عاد بعض المعارضين القدماء والجدد الى حضن السلطة الثقافية. هل كانت معارضة السلطة من أجل المعارضة فقط؟
ـ بعض المثقفين يقومون بهذا، ولكن أرى ان من الافضل للمثقف ان يكون على الهامش وليس في المتن، حتى تكون رؤيته أوضح، لان هذا يعطيه الفرصة للنقد الحقيقي والابتعاد عن الآيديولوجيات المفروضة، ويمكنه اعتناق نظريات ثم نبذها واعتناق غيرها. والتحدي الحقيقي الذي يواجه المثقف هو كيف يكون في الهامش ورغم ذلك يكون فاعلا في المتن، والكثيرون يهربون من هذا التحدي.
* هل يمكن باعتقادك اقامة علاقة سليمة مع السلطة؟
ـ لا أعرف كيف يتم هذا، ثم كيف اقيم علاقة سليمة مع شيء ليس سليما. هناك طرفان معطوبان، طرف السلطة معطوب وهم يعلمون انه معطوب، وألا ما قاموا باصدار مبادرات اصلاح، وطرف المثقفين معطوب أيضا، لانه طرف مهزوم وغير فاعل ولا يملك أية قدرة على فعل أي شيء. فكيف تقيم علاقة سليمة بين طرفين معطوبين، واعتقد ان كلمة «سليمة» التي ذكرتها ستضحك الكاتب المسرحي «بيكيت» جدا.
* لكن هناك تدجينا يتم للمثقف، أليس كذلك؟
ـ طبعا هناك تدجين، وكان أعلى رفض لهذا التدجين سواء اختلفنا او اتفقنا عليه موقف صنع الله ابراهيم، وهناك بعض المثقفين الذين دجنتهم السلطة الثقافية بالفعل وبسهولة وبـأشكال مختلفة.
* لماذا قبلوا؟
ـ بسبب الاحساس بالهزيمة، واذا كانت ثمة اختيارات أمام من قبلوا، فأعتقد انها كانت محدودة. السلطة تطرح على المثقف سؤالا في آخر رحلته، أما ان يكون أو لا يكون، وغالبا يختار أن يكون، لانه لا أحد يريد الغياب، مع الاحساس طوال الوقت بالظلم، وبعدم وجود من يضمد الجراح.
* لاحظت في جميع كتاباتك النقدية انك لا تكتبين إلا عن الكاتبات فقط لماذا؟
ـ لأني رأيت ان الكتاب الرجال، لديهم نقاد كثيرون، وهؤلاء النقاد عندما يكتبون عن الكتابات النسائية يكتبون كلاما لا أفهمه من غير انها كتابة رقيقة وواعدة ورومانسية وشابة وتمسك بتلابيب النفس. ثم اني أسعى الى اني أحاول ان أمهد طريقا للنقد النسوي، من خلال رؤية نسوية ابداعية، وأن أطرح الرؤية النسوية داخل هذه النصوص.
* ظهر أخيرا في الأدبيات العربية مصطلح النقد النسوي، هل توافقين عليه؟
ـ هو ليس ظاهرة ضخمة كما صورها البعض، لأنه لا توجد مدرسة نقدية اسمها النقد النسوي، ولكنه استفاد من جميع المناهج النقدية، هو ليس منهجا قائما بنفسه النقد النسوي أنواع، هناك الماركسي والبنيوي، وما بعد البنيوي، وما بعد الكولونيالي والثقافي، وهو يأتي عن طريق الاضافة بمعنى اننا نأخذ الأداة النقدية ونضيف عليها الحضور الثقافي، وهو موجود في كل مكان.
* اعتراض بعض الكاتبات مثل هدى بركات على مصطلح الأدب النسوي، إلام يعود هذا برأيك؟
ـ هي قالت هذا لانها لا تريد أن تصنف في نطاق ضيق، وخصوصا لان الأدب النسوي يفهمه البعض في العالم العربي بأنه الذي يهتم بخواطر المرأة ويتحيز للمرأة، ويتحدث عن المرأة، لا يوجد أحد يريد ان يصنف بهذا الشكل، وعموما فالأدب النسوي لا علاقة له بالتصنيف لان النسوية رؤية لا تستبعد الآخر، وانما ترفع التهميش عن الآخر الذي يضم الانثوي الغائب طوال الوقت.
* هل هناك كاتبات نسائيات لا يكتبن أدبا نسويا؟
ـ كل كاتبة تكتب لا بد ان يتسلل الى ابداعها ملمح نسوي، وعموما فالبوليفونية أو تعددية الصوت تظهر بشكل كبير في كتابات المرأة في الفترة الأخيرة، مثلا عند اهداف سويف في «عين الشمس» هناك فصول على لسان الزوج، وفي رواية بهيجة حسين «البيت» أيضا، وعموما فرضوى عاشور كتبت قطعة من اوروبا على لسان رجل، واحلام مستغانمي كتبت الجزء الاول من «ذاكرة الجسد» على لسان رجل، وهدى بركات كتبت «أهل الهوى» على لسان رجل، وفي النهاية النسوية ليست حال الرجل أو المرأة، وانما هي لسان حال رؤية موجودة في المجتمع.
* هل حديثك عن الوطن لدى المرأة لمجرد التأكيد على ان العالم لدى المرأة واسع وليس العكس؟
ـ لا، وإنما كنت أبحث عن وطني الخاص، ووجدته، كنت قد وصلت الى نقطة اني لا أعرف ماذا يقصد بالوطن، هل الوطن هو الذي يعتقلني لخروجي في مظاهرة، أم هو رجل أحبه فيهجرني، ولم أكن أعرف، وعندما بحثت في الكتابات وجدت ان الوطن هو الشيئان معا، العام والخاص.

هناك تعليق واحد:

غير معرف يقول...

مشكور على هذه الحوارات الجيدة