12‏/01‏/2007

رصيف نمرة خمسة


"رصيف نمرة خمسة والشارع زحام ، وساكت كلامنا ما لاقي كلام ، تسالي يا خال تدخن يا عم ، تتوه المعاني في لساني لجام " ، أضبط نفسي كثيرا سائرا على الرصيف أدندن بصوت خفيض هذه الأغنية فيما أضع يدي في جيبي البنطلون ، دائما أكتشف أن هذه الأغنية بالنسبة لي على الأقل أجمل أغاني عمرو دياب ، أكثرها قربا لي ، ربما لأنها تتحدث عن أشياء حقيقية ، لأنها قائمة بالرصيف ، بالناس ، بالزحام ، بالوجوه الباسمة ، والوجوه المتجهمة ، بالقاهرة ، المدينة الغاضبة ، بالأرصفة ، المدينة الموازية للقاهرة الحقيقية ، هامش الحياة الذي أصبح متنا ، السطر الأخير في الصفحة الذي يحتوي على كل ما فيها من حكايات ، وغرائب .
الأرصفة تعني أشياء كثيرة : زحام، وأناس يتدفقون ليلحقوا بمصالحهم، وباعة يبيعون كل شيء من الإبرة، وحتى الصاروخ ، وباعة كتب، وجوارب وألعاب أطفال وكل شيء وارد الصين ، وسيارات لم يكفها الطريق فقررت أن تصعد علي الرصيف لتركن، أو لتواصل سيرها ، وشحاذون استوطنوا ظل البنايات العالية ، وصيدليات شعبية تداوي الأمراض المستعصية ، مقاه ( فرشت عدتها) في الشارع ،وعاشقون ، وباعة عرقسوس ، وباعة آيس كريم و شاورمة وجرائد أمس واليوم وغدا ، وباعة يانصيب ، ومحطات مترو ، رجال وسيدات وشيوخ ، وأطفال وتلاميذ يحملون حقائبهم فوق ظهورهم ويهرولون نحو مدارسهم ، وأشياء أخري كثيرة ، عالم مليء بكل أنواع المتناقضات ورغم كل هذا نعبر هذا العالم الغريب الصعب المزعج المحبوب ،عالم الأرصفة ، حيث تختزل المدينة ، الحياة كلها في أرصفتها ، تتحول بكل زخرفها بكل تراثها بكل قدرة المصريين علي الاحتمال وعلي ابتكار الوسائل البديلة للتكيف مع ظروفهم الاقتصادية الصعبة ، فهنا فوق الأرصفة يوجد كل شيء وأي شيء ، هنا فوق الأرصفة تصبح على البلاج صيفا إذا لم تكن تستطيع الذهاب إلى مصيف ، بعد رشه بقليل من الماء ،هنا أنت في نافذة تطل على العالم إذا فضلت الجلوس على مقاعد المقهى الخارجية ، هنا أنت في أكبر سوبر ماركت شعبي مصري حيث كل شيء يباع ، فوق الأرصفة أيضا تكتشف مصر الأرستقراطية ومصر الشعبية ،ومصر أغنياء الحرب ومصر الفقيرة ، فرصيف الغورية يختلف عن المهندسين رصيف حلوان عن رصيف مصر القديمة ، لكل خصائصه ومميزاته وعالمه الفريد .
" كلاكس التروللي ، بيسور وداني ، وشحته المزين بياكل وداني ، يا نادل باريس ، تعالى حاسبني ، وجدول ديونه عشانه وعشاني ، وعبد الله رشدي المحامي القدير ، بيرفع قضية في باب الوزير ، على عم فكري بتاع البليلة ، عشان مرة زعق بصوته الجهير " ليست هذه أغنية من فيلم رصيف نمرة خمسة الشهير والذي قام ببطولته فريد شوقي وتحدث عن أحد أشهر أرصفة مصر ، بل هي جزء من أغنية مغمورة لعمرو دياب غناها في فيلم" آيس كريم في جليم " ، تحكي جزءا عن هذا التاريخ للرصيف التاريخ الذي كان مخصصا للعبور ، بأبطاله المغمورين ، ملايين الوجوه التي تعبر أمامك وبجوارك ، من خلفك تحمل كل تفاصيل مصر الحقيقية ، فقراء وأغنياء ، يمينيون ويساريون ، فلاحون وصعايدة وبدو وأبناء بلد ، بعضهم أصبح الرصيف مكانا لإقامته ، لأنه لم يعد هناك مكان آخر له لكي يقيم فيه ففي الأزمنة الصعبة وحدها يصبح الرصيف مكانا للإقامة ولأننا نعيش زمنا صعبا ، فلم يعد صعبا أن ترى عائلات بأكملها تفترش أرصفة لأنه مأواها الأخير .
" بقالة الأمانة ، ونصحي السروجي ، عاملين لي شركة ف مشروع بوتيك ،ونادوا لعبده ، الفرارجي يشاركهم ، فرد بألاطة ، ما احبش شريك " الرصيف هو التفاصيل الصغيرة للحياة ، والحياة ليست إلا مجموعة تفاصيل ، أعني أن الرصيف هنا يتحول إلى حياة كاملة ، قد تكون الأسماء وهمية ، لكن لا بد أنهناك أسماء كهذه مرت من فوق الرصيف عصرا ، تتنفس ببطء ، وتتأملالعالمالمحيط ، الفاترينات ، والناس ، المقاهي ، المصالح الحكومية ، باعة اللعب والولاعات ، الشحاذين العاشقين الصغار ، الغرباء الذين يسألون عن الطريق إلى محطة مصر كي يعودوا إلى أهاليهم ، الرصيف ابن للمدينة نفس الملامح، نفس العبق، نفس فستان الفرح والحزن والأحلام، و القاهرة لها ألف معنى وألف لون المهم هو كيف ستراها عيونك ، الرصيف في الريف يكاد أن يختفي من تفاصيل الحياة ربما لأن التفاصيل هناك قليلة ولأن هناك عالم متسع أما في المدينة ونظرا لضيق الأماكن فيصبح الرصيف هو المهرب الأخير ، والنافذة الأم
" وجات وقعة سودة في سوق الإمام ، عشان عم لمعي بتاع الحمام ، ماقدرش يوصل لأي اتفاق، مع سبع أفندي في قضية سلام ، وأطفال عجايز ، في مهد الطفولة وأفلام قديمة ، وإعلان كاكولا، تبزنز تعيش ، لآخر حياتك ، ولو باعوا فرخة، هتاخد عمولة، تروماي بسنجة في روض الفرج ، وأعمار تعدي لاييجي الفرج، ولا البحر باين في آخره مراسي ، ولا حد راسي ، منين الفرج " هذه هي حياة الرصيف، بيع وشراء ، وجوه تمرق وتمر وحب وكراهية زعيق وهدوء .. إنها جميع وجوه الحياة .

هناك 4 تعليقات:

شيمـــــاء يقول...

حلو اوى تعشيق كلمات الاغنية بكلماتك يا محمد

حلو اوى

saso يقول...

يا الله
بعد ملف أسطح القاهرة فكرت حبة اني ابص تحت للرصيف والمترو-اللي انت عبرت عنة حلو اوي -رصيف الشارع العريض ورصيف القطار الموحي جدا
الرصيف الشريط الرفيع في شوارع مزحومة ترن في ودانك رصيف نمرة خمسة والشارع زحام زي ماقلت.. رصيف واسع في شارع مهجور في ليلة شتا تغني انغام إلقالك حد، رصيف في شارع مهواش في بلدك ولا عاوز يبقي له عندك ذكري يغني مارسيل اشتقت لخبز امي
يجبرك فرش علية لعب وحاجات من الغزاة ذوي العيون الضيقة انك تنزل للشارع والرصيف بيلتوي ويلتوي مع كل منحني زي كل حاجة في حياتنا .. اوقات يبقي سمكة يادوب ع القد "مقبل"زي الدنيا ساعات وأوقات تحتاج لسلم علشان تطلعة زي أرصفة الجيزة وسور الجامعة المسلية جدا محدش اساسا بيطلعها رصيف "مدبر"مش عاوزك تطلع علية
رصيف بقي جزء من مغسلة-المشروع القومي للالف مغسلة-ورصيف بقي جزء من مقهي ورصيف بقي بيت لعجوز بيدخن سيجارة وانت متعجب اصلا نفسة لاقي منفذ يطلع ازاي في وسط التجاعيد التي لابد وطالت قصبتة الهوائية ذاتها لكنة لازال يتنفس ويدخن ويمد يدة لحقيبتة القماش الحائلة ليتخذها وسادة غير عابئ بمرورك ينام كانما الصخب في أذنك وحدك لا يمتد اليه
كما الأسطح حياة الرصيف حيوات عدة احييك احييك احييك علي الملف الرائع

Dananeer يقول...

خليتنى ادور على الاغنيه

الرصيف و الشوارع
مش دول اللى فيهم حياه

زمان كان نفسى فى حاجتين
ابقى بياعه مجلات و جراانين "مبحبش كلمه جرايد"
و اقعد اقرا و اتفرج و ابيع

كان فيه واحد مقيم فى الشارع اسمه يوسف
انا باحبه اوى
كان نفسى ابقى زى يوسف
طفل كبير على الرصيف بتفرج

حلو يا محمد

غير معرف يقول...

thank you for reminding me of the song, it brings to me nice memories of the streets :-)