09‏/11‏/2006

أم عبد الله


حالة سيد تختلف كثيراً عن حالة أم عبد الله، التي تقطن بمنطقة مصر القديمة في بيت من طابقين ، تؤجر حجراته ـ في طابقه الثاني ـ الذي يتكون من حجرات متراصة في ثلاث زوايا وبينها مساحة واسعة ترى السماء ، أما حجرات الطابق الأول فهي ملك لأخيها الذي يؤجرها بمعرفته .
أم عبد الله قالت لي إنها ورثت البيت عن أبيها، وأنها تؤجر حجراته للأسر التي تريد أن تجد سكنى رخيصة، وان الحجرة الواحدة يقيم فيها من ثلاثة إلى خمسة أشخاص حسب عدد الأبناء ، وربما أكثر .
وتستغل هذه الأسر ـ حسبما حكت لي أم عبد الله ـ هذه المساحة المفتوحة على السماء بين الحجرات للجلوس والسمر في وقت الليل، حيث يتجمع أفراد كل أسرة أمام باب بيتها أو حجرتها، لو أردنا الدقة ، و تقول " نحن نسكن هنا من زمان ، والأولاد الذين تراهم الآن ، بعضهم أنهى دراسته هنا ، ولدي بنتان تزوجتا من هنا ، جميع الأسر تعتبر أولادها إخوة ، فقد تربوا معا ، في بيت واحد " .
الحجرة ، ليست مساحة ضيقة في اعتقاد أم عبد الله التي اضطرت لتأجير غرف منزلها حتى يكمل أولادها تعليمهم ، وتجد ما تقتات به ، أبناؤها لم يفلح الكثير منهم في التعليم ، لكنها ليست حزينة لهذا وتقول " عملت اللي علي " ، وتعود للقول أن أولادها السبعة " أربعة أولاد وثلاث بنات " تربوا في الحجرة ، بعضهم كان ينام على الأرض ،والبعض على السرير ، والصيف بالنسبة لهم كان فرصة لتوسعة الحجرة ، فكانوا ينامون على السطح ، هربا من الحر ، ما كان يضايق أم عبد الله هو الشتاء الذي يمطر كثيرا ، وتقول " لكن هنعمل إيه " ، ما كانت تفعله أم عبدالله في هذه الحالة أنها تضع آنية واسعة على الأرض ، ومفرش بلاستيكي على السرير ، حتى لا تتحول الحجرة إلى بركة ، من السقف الذي لا يتوقف عن النزيف ، أما المساحة بين الحجرات فإنها تصبح بحيرة صغيرة يعوم فيها البط ،والكتاكيت الصغيرة التي تربيها أم عبد الله .
وهذه المساحة التي بين الحجرات، قد تكون شاسعة، قالتها أم عبد الله، وصعدت على سلم خشبي إلى فوق الحجرات، تبعتها لأجدها تشير بإصبعها إلى منزل قريب، وتقول بيت أبو خالد يستغل سقفه وسطوحه، لإقامة أفراح من يسكنون في البيت ،وأحيانا لأفراح آخرين يسكنون في الحارات المجاورة ،وضحك لتكشف عن أسنان ضاعت مع الزمن " تصور السطح أوسع من الشارع ".
قالت ذلك قبل أن تحكي لي عن الشوارع الضيقة، ومضايقات الشرطة لهم حينما يقيمون فرحاً في الشارع وما يتبعه من معارك ، وقالت: «منذ شهرين زوّج أبو راضي الذي يسكن في شارع مجاور ابنه البكر.. ولأنه لا يملك مالاً كافياً يكفل له أن يقيم عرسه في أحد النوادي على النيل، أو حتى في الشارع لما يستتبعه ذلك من تكاليف، فقد قرر أن يقيم فرح ابنه (على الضيق) فوق السطوح فذهب لأبي خالد الذي وافق مقابل مبلغ بسيط ، وإن لم يمنعه هذا من أن يتم جميع طقوس العرس، ويدعو جميع الأهل والأصدقاء».
أم عبد الله، قالت لي إن السطوح هنا ـ في هذه المنطقة ـ ليس كماً مهملاً مثل المناطق الراقية، بل هي جزء لا يتجزأ من البيت، وأهميته من أهمية البيت ذاته.. ففي الصيف، حينما تصبح حجرات البيت طاردة لساكنيها من شدة الحر، نستطيع أن نرش الماء في السطوح حتى تمتص الأرض درجة الحرارة، ويترطب الجو، وعندها نجلس جميعاً في الخارج.لكن أم عبد الله يبدو أنها لا تعرف سطوح الأماكن الراقية، ربما لأنها لم تعش هناك، أو لأنها تكتفي بالسماع فقط ، أو الفرجة عليها في التليفزيون ، سطوح العمارات الراقية تابعوها في التقرير التالي .

ليست هناك تعليقات: