09‏/11‏/2006

أسطح بالأبيض والأسود


أسطح المنازل بالأبيض والأسود ، تبدو أكثر حزنا ، وحزنها يبدو أكثر نبلا ، ونبلها يزداد إنسانية كلما أطلت التحديق فيه ، أسطح القاهرة ، بالأبيض والأسود كانت تجربة خاضتها المصورة المصرية الفلسطينية الأصل راندا شعث ، وقدمتها في كتاب بعنوان " تحت سماء القاهرة " آثرت فيه أن تقترب من الفقراء و المهمشين الذين يسكنون أسطح القاهرة ، يفنون فيها أحزانهم وأفراحهم .
راندا التي ولدت في يناير 1963 من أب فلسطيني وأم مصرية وحصلت على البكالوريوس في العلوم السياسية عام 1985 من الجامعة الأميركية وحصلت على شهادة الماجستير في الاعلام المرئي من جامعة مينيسوتا بالولايات المتحدة الأميركية عام 1987 أقامت أكثر من 20 معرضاً فوتوغرافياً، وصدر لها العديد من الكتب المصورة مثل "وطني على مر حجر" الذي يروي مأساة اللاجئين على الحدود المصرية الفلسطينية، وكتاب "تحت سقف القاهرة" الذي يحكي قصة أسطح القاهرة ، اختارت في هذا الكتاب أن تدخل أحد أكثر عوالم القاهرة سرية ،وغربة وغرابة : أسطحها ، الحياة فوق الأسطح ، كيف يعيش الناس ، في إحدى الصور ، نرى مقهى فقيرا فوق سطح ، وفي صورة أخرى نجد عائلة أقامت فرح نجلها ورصت الكراسي ، ولنا أن نتخيل أن هذه الأسرة بعد أن عجزت عن أن يكون فرح ابنها في مركز الشباب المجاور ، أو في النادي ذي الأسعار المهاودة ، فقررت أن تقيمه فوق السطح ، وفي صورة أخرى نرى الكراكيب سمة أسطح القاهرة الفارقة ، وتفاصيل أخرى يعطيها الأبيض والأسود سمة متميزة ، وحزن نبيل .
راندا كما قالت لي تشعر أن الصورة عندما تكون أبيض وأسود تحول نظر المتلقي إلى مغزى خفي وراءها، وربما مغزى تاريخياً، على عكس الألوان التي قد تجعل الصورة مزدحمة، وتقول " أنا أرى أن اللون إذا لم يضف لكي يضيف إلى الصورة مزاجاً أو معنى فلا داعي له ويصبح مشتتاً. كما أنني أحمض وأطبع بيدي، وهذا يجعلني أتحكم في درجة الأبيض والأسود فأغمق الصورة لأزيدها كآبة أو أفتحها فتزيد حيوية، بحيث تضيف مغزى جديداً إلى الصورة.
راندا صورت في مشروع متميز لها الأرصفة ، ثم قررت أن تصعد من القاع إلى القمة لتصور الأسطح ،وتقول " الأسطح أعادتني إلى الواقع، وأشعرتني بمشكلة داخلي، أنني طوال عمري الفني أصور المهمشين الذين أحبهم، وأصور الروابط الإنسانية بيننا، والقوة التي يستمدها البسطاء من الواقع لتمضية حياتهم، وهذا هو الذي أبحث عنه في صوري، وكانت إرادة الناس تشعرني بقوتي، وتقويني لكن الأرصفة والأسطح جعلتني أشعر بضعفي، بمعانيها المختلفة، ووجدت أن الرصيف غير الكثير من القيم، فتوقفت عن إكمال المشروع، لأنني شعرت أنني أريد أن أقول شيئاً لا أعرف كيف أوصله عن طريق الصور " ، وفي كلا المشروعين صورت راندا المكان الذي تعتبره وطن الإنسان " بيت الإنسان هو وطنه، هو الشارع الذي يسير فيه، والمقهى الذي يجلس عليه، هو ذاته في بعض الأحيان، والأمكنة تكمن أهميتها لدي في الناس الذين يعيشون بها، بتأثيرهم عليها، وتأثرهم بها " .
"تحت سماء القاهرة" عنوان الكتاب المصور الذي صدر في اسبانيا عن منشورات متحف تابييس باللغتين العربية والانكليزية ، وتضمن صوراً فوتوغرافية التقطتها رندا للأسطح ، في صور راندا نرى أسطح نجيب محفوظ في ثلاثيته و علاء الأسواني في "عمارة يعقوبيان" ، وغيرها من الإعمال التي تبدو فيها الأسطح مكاناً لإقامة الأفراح ومشاهدة التلفزيون والسمر في الليالي الحارة وأيضا مظاهر التشـوه العمراني التي أصابت المدينة, فحولت السطوح إلى مكان لتربية الحمام والحيوانات الأليفة. كتاب راندا يعيد الاعتبار الى الصورة الفوتوغرافية كلغة قائمة بذاتها من خارج الممارسة الصحفيّة ، وفي هذا الجزء القريب من السماء, والبعيد عن زحام المدينة, بإمكاننا أن نرى هؤلاء الرومانسيين الأقرب إلى أبطال أفلام بركات وحسين الإمام ، والى جوارهم وجوه راغبة في التلصص على عالم سفلي يعيش تحت ضغط الحاجة ، بينما تعطيهم الدهشة فرصة التعلق بوهم الصعود الاجتماعي.

ليست هناك تعليقات: