02‏/09‏/2006

انت حمار يا حمار ؟


انت حمار يا حمار ؟


مفهوم الشتيمة في السينما يظل ملتبسا ، بين اعتبار الألفاظ التي تقال شتيمة أم إحدى طرق التعبير الساخر ، مع الاحتفاظ بالحدود المجتمعية ، أشهر شتيمة ساخرة أطلقت في أحد الأعمال الدرامية هي ذلك السؤال الاستفهامي الساخر لمحمد صبحي في مسرحية تخاريف " انت حمار يا حمار ؟ " ، وهي الأشهر لأنها ربما من كثرة تداولها لم تعد كذلك ، ورغم أن السؤال يحتوي على شتيمة مبطنة بسخرية ، إلا أن ما يثير الضحك هو ذلك التناقض الجميل في السؤال والذي يرفع عن الشتيمة قبحها ليحولها إلى مجرد نكتة ليس أكثر .
أيضا هناك إفيه شهير في هذه المسرحية ، حينما يخاطب محمد صبحي وهو في زي هتلر ، هاني رمزي الذي يمثل أحد أبناء الشعب قائلا " تكلم ، تكلم بلا خوف ، تكلم يا ابن الششششششش.... عب ، وربنا أعلم باللي في ضميري " ، طبعا كلنا خمنا ما هو الذي في ضميره .
يمكننا أن نقول أن الشتيمة ارتبطت بالسينما ربما منذ بدايتها ، لأن الشتيمة غالبا مجرد رد فعل يعبر عن الغضب يظهره الإنسان في حالة استثارته ، في أحيان كثيرة ارتبطت بدراما الأحداث ، كرد فعل عنيف وحيد يملكه من لا يملك أمام من يملك ، و مثل كل شيء شهدت مفردات الشتيمة صعودا وهبوطا ، فانتشرت بشدة في أفلام فترة النكسة ،وفي أفلام السبعينيات بعد هوجة الانفتاح الاقتصادي ، وبعد ذلك في الثمانينيات في الأفلام التي اصطلح على تسميتها بأفلام المقاولات ، وعادت بعد ذلك في الأعمال الكوميدية ، غير أنها في كل فترة كانت تحمل ملامح ذلك الوقت ، فلا يمكننا اعتبار الألفاظ ، والافيهات الساخرة ، المستمدة من الفولكلور والأمثال الشعبية التي كانت تطلقها كل من ماري منيب ، وزينات صدقي شتيمة بالمعنى المتداول حاليا ، مع أن كلمة " يا موكوس " التي كانت ترددها ماري منيب تعد سبا ، إلا أننا إذا أدخلناها في سياق المثل الشعبي الذي تردده " الموكوس موكوس ، حتى لو علقوا على راسه فانوس " فإننا سنعيد النظر حتما .
" يا ابن الكلب " هي الشتيمة الصريحة التي أطلقتها فاتن حمامة في أحد أفلامها في الستينيات وقالتها بغرض الشتيمة أيضا ، والتي يستدل بها الكتاب الآن على أن أفلام زمان كانت تستعمل السباب ، ورغم أن عبارة فاتن أثارت جدلا وقتها ، وربما لا تزال ، إلا أن المضحك أن هذه العبارة الآن لم تعد كذلك ، بل قد تقال على سبيل المزاح ، وتظل عبارة الضرورة الدرامية هي المحك على كل حال ، والعبارة التي يرددها كل مخرج وكاتب سيناريو لتبرير ما كتبه ، ما لا يدركه هؤلاء الكتاب هو أنهم يشكلون ثقافة مجتمع ، وأن شبابا سيدخلون السينما وسيخرجون وهم يرددون عباراتهم بدون عيب بحجة أن نجمه المفضل في السينما قالها ، فما العيب في أن يقولها هو ،وهكذا تدخل العبارة في سياق الحديث اليومي لتتحول إلى كلمة عادية مثلها مثل غيرها ، بعد أن رفعت عن وجهها حجاب الحياء .
إذا حاولنا أن نرصد بعض العبارات ، الشتائم التي قيلت في السينما فلن نتعب كثيرا لأنها منتشرة بالفعل ، ففي فيلم يا مهلبية يا هناك العبارة الشهيرة لأحمد آدم " انا صحيح راجل واطي ... لكن مزاجي استقراطي " ، أيضا هناك صرخة نور الشريف في آخر فيلم سواق الاتوبيس للرائع الراحل عاطف الطيب " يا اولاد الكلب " ، وثمة حوار في فيلم سمك لبن تمر هندي بين معالي زايد وأحد الأشخاص حين قالت له " مش انت برضة اللي اغتصبت سعاد حسني في فيلم الكرنك " فرد عليها قائلا "يا بنتي الكلام ده ايام الشقاوة ، كلموني علشانك الواحد ما عندوش صحه لكن اكل العيش بقه " ، ويمكن اعتبار لفظة " حمار " في السينما تجيء دائما من باب المزاح ، فانتفى عنها فعل السب ، فبالاضافة إلى الافيه الشهير لمحمد صبحي الذي ذكرناه سابقا ، هناك مقولة اسماعيل ياسين في أحد الافلاام تعليقا على خسارة صديقه في سباق أحصنة " طبيعي تخسرهم على حصان لأنك واخدهم من حمار " ، ومن الافيهات التي تتراوح بين السخرية والشتيمة وصف الشاويش عطية لاسماعيل ياسين " هوه بعينه ، بغباوته ، بوشه العكر " ، اما زينات صدقي فقد وصفته في فيلم ابن حميدو بأنه " انسان الغاب طويل الناب ، والعبارة الشهيرة في فيلم هارب من الزواج " هو صحيح الحمار ممكن يتجوز حماره لكن اللى مش ممكن انه يتجوز غوريلا " ومن هذه الشتائم المقنعة أيضا وصف حسن فايق لعروسته في فيلم ليلة العيد بقوله " إيه دى؟؟؟ جايبنلى عروسة من مخلفات الحرب؟؟ " ، وربما لأن الأمثال الشعبية تحتوي الكثير من هذه الالفاظ ، فلا بد أن ملكة الامثال الشعبية في السينما ماري منيب ستكون ملكة متوجة على هذا القسم .
بالقياس إلى الأفلام الجديدة والمسرحيات والمسلسلات الحالية ، يصبح كل ما كان يقال في الماضي مجرد هزل ،وكلام عبي ، يعني عبيط على رأي محمد رضا في فيلم 30 يوم في السجن ، فقد تجاوزت الشتيمة كل الاستعارات والمجازات ، وأصبحت علانية ، لم تعد تختبئ خلف ستار الكوميديا ، بعد أن فقدت الكوميديا قيمتها وأصبحت ممتهنة ، أصبحت الشتيمة تمتد إلى الأب والأم ، و لم نعد نستغرب لأننا نجد شتائم جنسية أيضا ، ففي أحد الأفلام الجديدة نجد أحد أبطالها يصف آخر بقوله "يا للى أمك ما بتقولش لأ" ، ورغم أن أحد مخرجي هذه الأفلام برر قوله بأن وحيد حامد كتب فى فيلم "طيور الظلام" جملة "بتعرفى فرنساوي" على لسان عادل إمام وردت عليه يسرا "أنت أدري" ، وأن فاتن حمامة قالت فى أكثر من فيلم عبارة "ابن الكلب" ونور الشريف "شخر" فى فيلم "حدوتة مصرية"، و تغاضى النقاد عن كل هذا ، فالحقيقة أن خطأ الآخرين ليس مبررا لخطئنا ، وإن كان هذا يبين من جهة أخرى ، هو أن ثمة ثقافة يتم تكوينها من عبارات متداولة في أفلام تصبح مع الوقت جزءا من ثقافة المجتمع الذي ينظر إلى أبطال السينما على اعتبار أنهم صفوة المجتمع وأنهم لا تخرج منهم " العيبة " وبالتالي فما يقولونه ليس عيبا .
أفلام المقاولات استطاعت في الثمانينيات والتسعينيات أن توجد ثقافة ، ولغة ، يحلو لي ان أسميهما ثقافة ، ولغة الصنايعية ، الجمهور الأساسي لهذه النوعية من الأفلام التي كانت تهتم بتقديم أكبر قدر من اللحم على حساب أي قدر من الفن ، حفلت هذه الأفلام بلغة قاع المدينة، بلغة الحياة السفلية ، على أمل التقرب من ساكني هذه الطبقة بعد ان يتحولوا إلى السواد الأعظم من مشاهدي السينما ، فرضت أفلام المقاولات ثقافة الشتيمة ،ولا زالت حتى بعد اندثارها ، وتمكنت هذه الأفلام ومن قبلها أفلام فترة النكسة وفترة بيروت من أن تتسلل إلى مكتبة التليفزيون وأن تدخل في سباق تغيير ثقافة المجتمع ،وأن يصبح العيب عاديا ، والشتيمة هزارا ، والسينما بابا خلفيا لثقافة القاع .

ليست هناك تعليقات: